الأدب اليمني وجنايات السياسة والحرب

سقوط بعض الكتابات في فخ الدعاية لأيديولوجية العنف
عمران الحمادي
November 30, 2023

الأدب اليمني وجنايات السياسة والحرب

سقوط بعض الكتابات في فخ الدعاية لأيديولوجية العنف
عمران الحمادي
November 30, 2023
.

لم يكن حضور السياسة والحرب في الأدب اليمني المعاصر كموضوعات معاينة خارجية، وإنما كحالة استغراق كلي وانشغال متصل بتداعياتها وتجريفاتها التي لم تستثنِ شيئًا في حياة اليمنيين.

تحضر رواية أرض المؤامرات السعيدة للروائي وجدي الأهدل، الصادرة عن دار هاشيت أنطوان، التي أُدرجت على القائمة الطويلة بجائزة الشيخ زايد للكتاب 2019 - فرع الآداب، كحالة دمج بين السياسة والأدب، دون أي اختلالات بنائية، حيث كشف النصُّ طبيعةَ الصحافة المأسورة بسطوة السلطة وأجهزتها، فاضحًا توافق الحكومة مع أعراف وتجاوزات المشايخ وأعيان القبيلة اليمنية شديدة المحافظة والالتزام، عبر قصة اغتصاب طفلة تدعى «جليلة» بإحدى أودية تهامة، مقدّمًا واقعًا مريرًا لحال القضاء وقوانين الحكم وحياة اليمنيين، لا سيما مع استخدام تسمية "أرض المؤامرات" بدلًا من "اليمن السعيد".

إضافة جمالية لا تاريخية

يتحدث القاصّ والروائي الأهدل لـ"خيوط"، عن كيفية تناول الكاتب لحدث أو مشكلة مثل الحرب ضمن حدود جغرافيته، قائلًا:

"إذا كان الكاتب قد شهد أحداثًا معينة، فإنّ من واجبه أن يكتب شهادته عنها. هناك المؤرخ الذي سيؤرخ لتلك الأحداث، وهناك الصحافي الذي سينشر تحقيقات حولها، ولكن يبقى هناك منظور ثالث، هو المنظور الفني، وهو الأكثر صعوبة والأبعد غورًا، لأنه يفترض بالأدب أن يمضي إلى ما وراء السطور، وأن يفضي إلى ما في الصدور، وأن يوثق مشاعر الناس وعذاباتهم الداخلية، وهي الأمور التي لا يلتفت إليها المؤرخ؛ لأنها لا تقع ضمن الوقائع المادية الملموسة، ولا يمتلك الصحافي الوقت للتأمل فيها والتقاط خفاياها".

الكاتب الأهدل الذي أصدر مؤخرًا روايته «السماء تدخن السجائر» 2023، عن الدار ذاته، يضيف لـ"خيوط":

"بشأن الإضافة لأي عمل أدبي يجب أن تكون الإضافة فنية وجمالية أولًا وأخيرًا، أيّ إنها كتابة خيالية، ولا يجوز بحال من الأحوال اعتمادها كمرجع تاريخي، أو مادة وثائقية، أو الاستناد إليها في كتابة بحث علمي أو تاريخي. من يفعل هذا سيحكم على نفسه بالغباء المطلق؛ لأنّ العمل الروائي لا يوثق الحدث، ولكن يوثق مشاعر الناس إزاء ذلك الحدث. لن يسرني أن يقول واحد إن أعمالي توثق لهذا الحدث أو ذاك، ولكن إذا قال إنّ عملي حاز على الشروط الضرورية للفن فحينئذٍ سأكون سعيدًا بالفعل". 

لكنّ محددات العلاقة الطبيعية بين الأدب والسياسة في البيئة الثقافية لليمن، لم تقف عند حدودها المعروفة منذ انقلاب 21 سبتمبر 2014، واستيلاء الحوثيين على مؤسسات الدولة في العاصمة وبعض المدن اليمنية، فقد أوجدت انقسامًا في أوساط الأدباء اليمنيين، خصوصًا بعد انخراط السعودية في الحرب منذ 26 مارس 2015، فصار هناك أدباء مع الميليشيا، وآخرين مع السعودية وأدواتها وحلفائها.

السقوط في فخ الدعاية الأيديولوجية

يعلّق أستاذ النقد الأدبي بجامعة عدن، الدكتور عبدالحكيم باقيس، في حديثه عن أثر الحرب وتشكّلها لدى الأدباء قائلًا:

"الحرب بطبيعتها وحشية من حيث التأثير، وهي كما يقال أكبر جريمة بحق الإنسانية. وتأثيراتها على المجتمعات خطيرة، فهي إذ تبدأ بالعمليات العسكرية والحربية، حيث القذائف وروائح البارود، والانفجارات والقتل، تتمدد وتستعر، لتأتي بعد ذلك آثارها ونتائجها، والتي تُشكل مساحةً كبيرة يشتغل عليها الأدب كثيرًا في تناول مأساويتها وآلامها، والتعبير الصادق عن "محنة" الحرب. 

وأمّا بالنسبة للانحيازات لأيٍّ من أطراف الحرب، فينبغي أن يكون الانحياز أولًا للأدب وقيمه الإنسانية، خاليًا من أية أيديولوجيات وخطابات دعائية، وهذه حالة مثلى في ظل صراع الخطابات، وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن إلا أن ينطلق أو ينطوي على نسب معينة من هذه الأيديولوجيات أو التيارات، وهنا تأتي وظيفة القارئ وفطنته، ومجمل آثار الحرب المذكورة سلفًا بكل تأكيد تتحول إلى مجال للدراسات النفسية والاجتماعية والثقافية، ويتم تناولها من مختلف الجوانب". 

من أسطع سلبياتها؛ سقوطُ بعض الكتابات في فخ الدعاية لأيديولوجيتها أو لأحد أطرافها، وهذا النوع من الكتابة لا يُخلّد، ولا يستطيع أن ينتشر وإن ظهر فجأةً فهو يختفي ويسقط من الذاكرة الأدبية والإبداعية، مثل تلك الأعمال التي كتبت عن حرب "النازية" فأصبحت غير مذكورة.

ويؤكد الناقد باقيس على دور الأدباء اليمنيين وموقفهم من الحرب، وتأثرهم بها، إذ يواصل حديثه لـ"خيوط":

"الأجواء التي تخلقها الحرب تبرز نوعًا من الكتابة الإبداعية وتبرر ظهورها، وكما يرى علماء وأصحاب سوسيولوجيا الأدب بأن هناك استجابات للتحولات العنيفة التي تمر بها المجتمعات من بينها عنف الحرب وكارثيتها، وهو ما قد يشكّل استجابة سريعة من قبل الأعمال الإبداعية: (شعر، قصة، رواية، مسرح، أو حتى فنون تشكيلية، وفنون موسيقية)، ولكن في بعض الأحيان وفق سوسيولوجيا الأدب وتاريخه، قد تتأخر أحيانًا الاستجابة لهذه التحولات إلى عدة سنوات، فتأتي موجة من كتابات تتناول الحرب من زوايا مختلفة، وبمعنى آخر؛ هناك أعمالٌ أدبية تتخلق بظلّ وقوع الحرب تحت غيومها وحرائقها وروائح بارودها في أثناء لهيبها، وهناك أيضًا أعمال تتناول الحرب وقضاياها بعد توقفها".

يختتم باقيس حديثه لـ"خيوط"، عن رياح الحرب السلبية ضدّ الأدب، قائلًا:

"للحرب تأثيرات سلبية، وتختزل بوصفها اختلالًا غير إنساني. وبكل تأكيد تُحدِث تحوّلًا مهمًّا ليس على مستوى المجتمعات فحسب، وإنما على مستوى الأدب. ومن أسطع سلبياتها؛ سقوطُ بعض الكتابات في فخ الدعاية لأيديولوجيتها أو لأحد أطرافها، وهذا النوع من الكتابة لا يُخلّد، ولا يستطيع أن ينتشر، وإن ظهر فجأةً فهو يختفي ويسقط من الذاكرة الأدبية والإبداعية، مثل تلك الأعمال التي كتبت عن حرب "النازية" فأصبحت غير مذكورة".

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English