يُعتبر الإرث الحضاري أحد أهم رموز الهوية الوطنية، حيث يعكس تاريخ الشعوب وثقافاتها، في هذا السياق، يحتفل العالم باليوم العالمي للتراث والذي يصادف 18 أبريل من كل عام، ويهدف إلى تسليط الضوء على أهمية الحفاظ على المعالم الثقافية والتاريخية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من الهوية الإنسانية.
تمتاز اليمن بتنوع تراثها الغني، حيث تضم العديد من (المعالم الأثرية، الأزياء التقليدية، الأغاني الشعبية) التي تظل حاضرة في قلوب اليمنيين، كما تحتضن البلاد خمسة مواقع مدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، ومنها مدينة شبام القديمة وسورها في محافظة حضرموت، التي يعد مثالًا فريدًا للعمارة الطينية الشاهقة، كما تُعتبر مدينة صنعاء القديمة، التي تعود لأكثر من 2500 عام، من أبرز المعالم التاريخية، بينما تشكل زبيد مركزًا ثقافيًا هامًا، يُضاف إلى ذلك أرخبيل سقطرى الذي يُعد موطنًا لعديد من الأنواع النباتية والحيوانية الفريدة، وأخيرًا، تمثل مملكة سبأ في مأرب أحد أبرز الشواهد على الحضارات القديمة.
تغييب مقصود وممنهج
في حديثنا عن التراث بيَّنَ الأستاذ وضاح اليمن مدير مؤسسة إرم للتنمية الثقافية والإعلامية أن "التراث الثقافي هو الإرث المجتمعي من عادات وتقاليد وفنون بمختلف أنواعها، وتعتبر ركيزة أساسية ومهمة في توطيد الروابط الاجتماعية ونقل الخبرات المكتسبة من جيل إلى آخر، مما يسهم في تعزيز الشعور بالانتماء للأرض والهوية الوطنية" وأشار اليمن إزاء التحديات التي تواجه التراث موضحًا "الإهمال المتعمد في توثيق التراث الثقافي من قبل الجهات الرسمية يعد من أبرز هذه التحديات" ويضيف "يمكن أن يكون ذلك نتيجة لأسباب مباشرة تتمثل في نقص التمويل، أو لأسباب غير مباشرة مثل الاستقصاد الممنهج لتغييب التراث الثقافي وضرب النسيج الاجتماعي".
كما تسعى مؤسسة إرم إلى حماية التراث الثقافي من خلال برامج واستراتيجيات تهدف إلى إعادة توثيق التراث باستخدام آلية علمية وطرق حديثة، وفقًا لوضاح ويشير إلى أن ذلك يشمل "توثيق الحكايات الشعبية في محافظة تعز، بالإضافة إلى توثيق الرقصات والأزياء الشعبية، وإنشاء قاعدة بيانات للأماكن التاريخية التي تعرضت وتتعرض للإهمال"
ويشدد وضاح على أن "الحفاظ على التراث ليس مسؤولية الدولة وحدها، بل هي مسؤولية الفرد والمجتمع ولابُد أن يتحمل الجميع مسؤولية الحفاظ على هذا التراث كجزء من الهوية وروح الانتماء"
كما تتعاون مؤسسة إرم مع المنظمات والجهات الأوروبية لدعم جهودها في حماية التراث الثقافي، مما يعكس استعدادها للتعاون في كل ما يخص هذا المجال.
في ختام حديثه، يؤكد وضاح على أهمية "الحفاظ على التراث التاريخي "مشددًا على أنه "يسهم في خلق روح التعايش وتعزيز السلام بين مجتمعنا والمجتمعات الأخرى ويعتبر التراث جزءًا لا يتجزأ من التاريخ والثقافة، مما يتطلب التزامًا جماعيًا للحفاظ عليه".
يُعاني التراث الثقافي في اليمن من تحديات وصعوبات كبيرة بسبب النزاعات المستمرة وما أنتجته من أوضاع صعبة، فالعديد من المعالم التاريخية تعرضت للتدمير والإهمال، مما يهدد الهوية الثقافية الغنية، فهذه المعاناة ليست مجرد أرقام، بل هي قصص مؤلمة قد تمهد لفقدان الذاكرة الجمعية لليمنيين
تعزيز الوعي بأهمية التراث
من جانبه أكد الأستاذ أنيس غيلان مدير مؤسسة وعي عن الرؤية الطويلة للمؤسسة فيما يتعلق بالتراث الثقافي مشيرًا إلى أن" الرؤية تتمثل في الحفاظ على التراث الثقافي اليمني وتعزيزه كجزء من الهوية الوطنية، ونحن بحاجة إلى توثيق كافة عناصر التراث الثقافي ونقلها إلى الأجيال القادمة، مع تعزيز الوعي بأهمية التراث من خلال التعليم والمشاركة المجتمعية، كما نعمل على إجراء استشارات مع المجتمع المحلي والخبراء لتحديد المشاريع الأكثر تأثيرًا" ومن الصعوبات التي واجهت المؤسسة التغيرات المناخية ونقص التمويل والصراعات المسلحة.
وأشار إلى المشاريع البحثية الجارية التي تهدف إلى توثيق التراث الثقافي، مثل توثيق الحرف التقليدية والمعالم التاريخية، وجمع القصص الشفوية ( التراث اللامادي) من المجتمع لتعزيز فهم التراث، وأوضح غيلان أن المؤسسة تقوم بتخزين المعلومات في قواعد بيانات آمنة وتحليلها ومشاركتها مع المجتمع من خلال ورش العمل والمعارض، وأكد" لابُد إشراك المثقفين والباحثين والأكاديميين المتخصصين في مجال التاريخ والتراث للحصول على المعلومات والتحقق من دقتها."
وأشار إلى الأنشطة التي تقوم بها المؤسسة "نقدم ورش عمل وبرامج توعوية تستهدف المدارس والجامعات وننظم أيضًا معارض وفعاليات ثقافية لتعزيز الوعي بأهمية التراث."
في الختام أضاف غيلان إلى أن مؤسسة وعي تأسست لتكون حاضنة لقضايا التراث والثقافة في محافظة تعز، رغم قلة الدعم المتوفر، مع طموح أن تكون المنظمة الرائدة في اليمن، وأكد أن الوعي الثقافي هو أساس التطوير والتنمية والتمكين.
حتى لا نفقد الذاكرة الجمعية
وتحدث الإعلامي هيثم العبسي أحد الشباب المهتمين بالتراث بـ القول
"يُعاني التراث الثقافي في اليمن من تحديات وصعوبات كبيرة بسبب النزاعات المستمرة وما أنتجته من أوضاع صعبة، فالعديد من المعالم التاريخية تعرضت للتدمير والإهمال، مما يهدد الهوية الثقافية الغنية، فهذه المعاناة ليست مجرد أرقام، بل هي قصص مؤلمة قد تمهد لفقدان الذاكرة الجمعية لليمنيين."
وأضاف العبسي: "رغم كل هذه التحديات، هناك أمل، نحن نطمح إلى غدٍ أفضل، حيث يمكننا أن نعيد الاعتبار لتراثنا الثقافي، فإرادة الشعب اليمني في الحفاظ على هويته ليست فقط قوية، بل هي أيضًا ملهمة، يجب أن نسعى جميعًا للعمل معًا، سواء من خلال الإعلام أو المؤسسات الثقافية، لنشر الوعي وتعزيز الفخر بتراثنا."
إن الاحتفاء بالتراث في اليمن هو دعوة جماعية لترسيخ الوعي بأهمية هذا الإرث الثقافي، وتعزيز الجهود لحمايته من التحديات المعاصرة، مما يسهم في تعزيز الهوية الوطنية ويضمن استمرارية هذا التراث للأجيال القادمة.