صحفيو اليمن والتهتكات النفسية

تبعات قاسية لنقل مآسي الصراع والأزمة الإنسانية
شهاب العفيف
May 4, 2024

صحفيو اليمن والتهتكات النفسية

تبعات قاسية لنقل مآسي الصراع والأزمة الإنسانية
شهاب العفيف
May 4, 2024
.

يتعرض غالبية الصحفيين -إن لم يكن جميعهم- في اليمن، لتحديات نفسية تؤثر على حياتهم اليومية وقدرتهم على العمل والابتكار؛ بسبب طبيعة عملهم المرتبط كليًّا بأوضاع البلاد، والمجتمع، حيث يعد الاكتئاب، الذي يؤدي إلى فقدان الشغف والإنتاجية، من أبرز وأهم هذه التحديات. 

هذا ما حصل مع الصحفي اليمني مجاهد حمود (32 عامًا)، الذي عانى من حالة نفسية صعبة بسبب عمله الذي يتحتم عليه متابعة كل الأضرار والمآسي التي خلفتها الحرب الجائرة بين جماعة الحوثي والقوات الحكومية المعترف بها دوليًّا منذ 9 سنوات، إذ تسبّبَ ذلك بدخوله في دوامة اكتئاب، لتتراجع إثر ذلك إنتاجية العمل لديه.

يصف مجاهد حاله عند كتابتهِ لمادة صحفية قائلًا: "أشعر بالملل والاستياء وعدم القدرة على العمل، فبعد أن كانت المادة أو التقرير، تأخذ مني يومًا أو يومين لإنجازها، بتّ لا أستطيع إكمالها إلّا بعد أسبوعين أو شهر".

ويستطرد: "كنتُ أعيش في حالة نفسية صعبة، ولم أكن أرغب في أن يلاحظ أحد حولي ذلك، ولطالما تصنعت الضحكة وتظاهرت بالاستمتاع عند لقاء زملاء العمل والأصدقاء".

لم تكن المرة الأولى التي يعاني فيها الصحفي مجاهد من حالة اكتئاب، ولكنها كانت مختلفة كما يصفها، حيث تطورت حالته النفسية، ليعزل نفسه بعد ذلك عن المجتمع والأشخاص المحيطين به، يقول لـ"خيوط": "مع بداية العام الماضي 2023، أصبحت لا أحب اللقاءات والجلوس مع الآخرين، حتى وقت المقيل".

مع تكرار محاولات مجاهد للتعبير عن مشاعره وأفكاره من خلال الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي لا تلبث إلّا دقائق ليحذفها بعد ذلك، معتقدًا أنه لن يهتم بها أحد، وأنه لا يرغب في أن يلاحظ أصدقاؤه تراجعه وضعفه، قرر مجاهد في النهاية مواجهةَ تحدياته والتوجه لمختص نفسي للحصول على المساعدة، في عيادة نفسية متخصصة للصحفيين بمدينة تعز. 

وتؤكد الصحة العالمية، أن اضطرابات الصحة النفسية في اليمن، زادت خلال سنوات الحرب والصراع الماضية، إذ إنّ واحدًا من بين كل 4 أشخاص في اليمن يعانون من مشاكل عقلية ونفسية، بسبب النزاع المسلح، كما يعاني أكثر من 5.5 مليون شخص يمني، من اضطرابات نفسية وعقلية، بحسب تقرير نشرته منظمة الصحة العالمية في ديسمبر/ كانون الأول 2022.

الحصول على الرعاية للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الصحة العقلية يمثّل تحدّيًا كبيرًا، نتيجة النقص الحادّ في الأطباء المتخصصين والكوادر الأخرى ذات الصلة، مثل ممرضات الطب النفسي والأخصائيين الاجتماعيين وعلماء النفس.

وبلغ عدد الأطباء النفسيين في اليمن 58 طبيبًا نفسيًّا حتى ما قبل عام 2020، و120 طبيبًا نفسيًّا في البلاد اعتبارًا من عام 2020، وفق المنظمة ذاتها؛ ما يعني توافر طبيب نفسي واحد لكل نصف مليون شخص.

في السياق، يقول الصحفي مبارك اليوسفي لـ"خيوط"، إنّ الحرب الجائرة في البلاد هي أحد الأسباب الرئيسية للآثار النفسية في صفوف المواطنين عامة، والصحفيين خاصة، مضيفًا أنّ هناك أسبابًا أخرى إضافةً إلى الحرب، وهي الواقع والبيئة المحيطة التي يعيش فيها الصحفي، وطريقة تعامل الناس مع الصحفيين، والانتهاكات التي يتعرض لها الصحفي في اليمن من أطراف الصراع.

وهي ما تجعل الصحفي -بحسب مبارك- يشعر بالوحدة، والانطواء، وعدم الكشف عن نفسه ومهنته في منطقة مسكنه، وهذا يُعدّ منعًا لحرية الرأي والتعبير المكفولة بالقوانين المحلية والدولية، وهو ما يخلق تبعات باضطرابات نفسية وصحية للصحفي. بدورها تتسبّب الاضطرابات النفسية التي يعيشها الصحفيون، بتأثيرات كثيرة على حياتهم العملية، وتؤدّي إلى "الكبت"، ويصل الصحفي إلى مرحلةٍ تُفقِدُه القدرةَ على الكتابة والإنتاج، أحيانًا تستمر أكثر من شهر.

بيئة محفوفة بالمخاطر

يدخل الصحفي اليمني عامه العاشر في تغطية عشرات القصص الإنسانية المأساوية، والانتهاكات التي يتعرض لها المدنيون من جراء الحرب ومخلفاتها؛ من اختطاف، وإخفاء قسري، وزراعة الألغام، والتجويع، والنزوح، وحصار المدن، وتردي الوضع المعيشي والخدمي، إذ إنّ هذه القصص عندما يتم التعامل معها تسبّب للصحفي أذى نفسيًّا.

يشير الصحفي والمدرب في قضايا النوع الاجتماعي وصحافة البيانات، بسام غبر، لـ"خيوط"، إلى أن الصحفي يتعرض لآثار نفسية، سواء خلال فترة السلم أم فترة الصراع، حيث إن طبيعة عمل الصحفي أن يكون فيها ضغط نفسي وجهد فكري، خاصة أن عمل الصحفي يتطلب نزولات ميدانية، والتحرّي والدقّة والوصول إلى الحقيقة، إضافة إلى الجهد الذهني.

يضيف غبر، بالقول: "لكن تكثر مثل هذه الحالات أثناء فترة الحرب. كلنا نعلم أنّ الصحفي يعمل في بيئة محفوفة بالمخاطر بصفتها طبيعة العمل، فضلًا عن البيئة التي فيها حروب وصراعات، وهي تنعكس على أدائه وجودة ما يقدمه من أعمال صحفية".

كما أنّ هناك تبعات أخرى، تنعكس نفسيًّا على الصحفيين الآخرين، وهي عندما يتعرض زميل أو صحفي معين لمخاطر أو انتهاكات، تؤثر على آخرين، وقد يتوقف بعضٌ منهم عن ممارسة المهنة أو يتعرض لمخاوف وشكوك معينة تؤثر على حالته الصحيّة.

إضافة إلى أنّ لتغطية بعض الأحداث المأساوية، تبعات واضطرابات على نفسية الصحفي بطريقة غير مباشرة، لا يعلم بها إلا متأخرًا، وفق حديث بسام غبر، لافتًا إلى أنّ المخاطر عديدة، والتبعات كثيرة، والتعامل معها لا بد أن يكون بحَصافة واتزان، ولا بد للصحفي أن يخضع لجلسات الدعم النفسي؛ لتُمكِّنه من التعامل مع أي تبعات أو مخاطر قد تلحق به، ومن ثَمّ تؤثر على مهنة الصحافة، سواء على مستوى الفرد أو المهنة.

بدوره، يقول مدير برنامج الدعم الطارئ في مرصد الحريات الإعلامية في اليمن، خليل كامل، خلال حديثه لـ"خيوط"، إنّ خدمة الدعم النفسي للصحفيين تأتي ضمن الأنشطة والدعم الذي يقدمه مرصد الحريات، عبر وحدة دعم الصحفيين اليمنيين والعاملين في وسائل الإعلام، في ثلاثة أنواع، وهي: الدعم القانوني، والدعم النفسي، والدعم المالي.

ويضيف خليل: "عندما لاحظنا العديد من الصحفيين يعانون من اضطرابات نفسية نتيجة الحرب المشتعلة في البلاد، قررنا أن نقدم خدمة تساعدهم في التغلب على تبعات تلك الاضطرابات النفسية التي تؤثر سلبًا على حياتهم، سواء المعيشية أو في بيئة العمل الصحفي".

ويتابع: "كنا نجلس مع صحفيين ويتحدثون لنا عن معاناتهم إثر التغطيات الصحفية والقصص الإنسانية في مناطق الصراع، خاصة محافظات تعز ومأرب وصنعاء، وأنّ حالتهم النفسية تغيّرت، ويرغبون بالعزوف عن العمل في مجال الصحافة بسبب القصص والأوضاع التي يقومون بتغطيتها".

في أواخر سبتمبر/ أيلول 2022، أطلق "مرصد الحريات الإعلامية" في اليمن، خدمة تقديم الدعم النفسي والاستشارات النفسية للصحفيين والإعلاميين في عموم المحافظات اليمنية، بشكل مجاني. وتهدف هذه الخدمة بحسب القائمين عليها إلى تقديم الدعم النفسي للصحفيين، بعد تعرضهم لاضطرابات نفسية، وإصابتهم باكتئاب وقلق، نتيجة العمل في تغطية القصص والأوضاع التي تعيشها البلاد في ظل الحرب منذ 9 سنوات.

تأثيرات الحرب 

بحسب منظمة "الصحة العالمية"، فإنّ الحصول على الرعاية للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الصحة العقلية يمثّل تحدّيًا كبيرًا، نتيجة النقص الحادّ في الأطباء المتخصصين والكوادر الأخرى ذات الصلة، مثل ممرضات الطب النفسي والاختصاصيين الاجتماعيين وعلماء النفس.

تقول الدكتورة أنجيلا المعمري، أستاذ مساعد في الصحة النفسية بجامعة تعز اليمنية، إنه لا يخفى على أحد مدى تأثير الحرب على المواطنين بشكل عام، وعلى العاملين في الصفوف الأولى مثل الصحفيين والإعلاميين الذين يتصدرون رصد المواقف والأحداث، بشكل خاص، إذ غالبًا ما تكون فيها مشاهد صادمة.

وتضيف المعمري، وهي باحثة متخصصة في الصحة النفسية أثناء وبعد النزاعات، لـ"خيوط"، أنّ هؤلاء الصحفيين يتجرعون ويلات القصص الإنسانية المؤلمة والأحداث الصادمة، فتؤثر عليهم على المدى القريب والبعيد في ظهور بعض أعراض الصدمات النفسية والاكتئاب.

وتشير إلى أنه نتيجة لهذه المواقف تظهر لديهم أعراض الصدمات النفسية والاضطرابات المختلفة، والانسحاب من الحياة الاجتماعية، من جراء عدم توفر الخدمات والرعاية النفسية التي تكون أساسية وهامّة وطارئة، من أجل عافيتهم النفسية.

وتابعت المعمري: "يمكن معالجتهم من خلال تقديم خدمات الدعم النفسي، وتوفر الخدمات المتنوعة وتغطية الاحتياجات النفسية والاجتماعية، بحسب نوع الحالة والاضطراب".

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English