الرياضة النسائية في اليمن

بين قمع المجتمع وغياب الرعاية الحكومية!
عمران مصباح
February 1, 2023

الرياضة النسائية في اليمن

بين قمع المجتمع وغياب الرعاية الحكومية!
عمران مصباح
February 1, 2023

منذ الطفولة، يتم تنشئة النساء اليمنيات بطرق صارمة، ليجدن أنفسهن مقيدات بجملة من القواعد الغليظة القائمة على الحرام والعيب. قواعد تمنعهن من المُضيّ خارج تلك التابوهات التسلُّطية، ومنها عدم السماح لهن بممارسة الرياضة، باعتبارها ممارسة ذكورية ولا تناسب المرأة، إلّا أنّ هناك نساء تجاوزن ذلك الشكل من التمييز، ولم يكتفين بممارسة الرياضة فحسب، بل حقّقن فيها إنجازات على الصعيد المحلي، والدولي.

في سياق هذا التقرير الموسع، مقابلاتٌ مع نساء رياضيّات حقّقن العديد من البطولات، وحُزنَ ميداليات في ألعاب شاقة، ومن النادر تحقيقها في مجتمع ذكوري محافظ- عرضن فيها لمسيرتهن، وكيف تجاوزن التميز، والاعتلال المجتمعي، وعدم الرعاية الرسمية وغيرها.

بطلات وإنجازات 

أروى آدم، لاعبة جودو، تقول لـ"خيوط": "ابتدأتُ اللعب منذ وقت مبكر في حياتي، حينما عرفت بوجود نادٍ في المدرسة؛ ذهبتُ إليه وبدأتُ بالتدرب الذي نما معه شغفي بلعبة الجودو، وحتى الآن شاركتُ في الكثير من البطولات المحلية، كما شاركتُ في اثنتَي عشرة بطولة دولية، وحقّقتُ العديد من الميداليات، الذهبية، والفضية، والبرونزية، لكني أعتبر أنّ الإنجاز الأكبر هو العمل والتميز في ظروف صعبة، لا نتلقّى فيها أيّ اهتمام أو دعم من الجهات الرسمية والمجتمع.

ندى الأهدل لاعبة المبارزة (خريجة إعلام)، تعتبر أنّ الخوض في مجال الرياضة النسوية بطولة بحدّ ذاتها، وتقول: "قررتُ الخوض في مجال الرياضة؛ لأنّني أحبها، وأشعر بأنّني أمارس شيئًا أنا شغوفة به، وحتى الآن، لعبت بطولات الجمهورية، وشاركت خارجيًّا، حقّقتُ بعض الميداليات، وحتى عندما لا أحقّق انتصارًا خارجيًّا، وأخرج بفارق نقطة من بطلة عالمية، أكون فخورة بما قدّمت أمامها، وهي صاحبة الخبرة وتُرعى من دوائر الرياضة في بلدها، أمّا نحن البطلات اليمنيات فلا نُدعَم إلّا من أسرنا غالبًا".

سماح الشامي، رياضية متعددة المواهب، تمارس ألعاب القوى وكرة اليد والمبارزة، تحدّثت لـ"خيوط"، قائلة: "تنقّلت بين الثلاث الألعاب الجماعية والفردية، وحقّقت إنجازات مختلفة فيها، كما شاركت محليًّا، ودوليًّا في العديد من البطولات، حاصلة على مركز أول لمدة سبعة أعوام في كرة اليد على المستوى المحلي، وشاركت في بطولة التحدي في باكستان، وحقّقنا المركز الرابع على المستوى الدولي، وحقّقت إنجازات كذلك في ألعاب القوى، والمبارزة، وأكبر إنجاز عندي أن أكون مرشحة على الدوام لتمثيل اليمن في كلّ رياضة أمارسها، كما أنّني أترشح للكثير من البطولات، غير أنّ أكثر الصعوبات التي تواجهني هو عدم حصولي مع غيري من الرياضيات على فيز وتأشيرات سفر إلى كثير من الدول المستضيفة للبطولات، بسبب الوضع العام هنا".

تمييز فتّاك

وعن التمييز الذي يُمارس ضدّ النساء عمومًا، والرياضيات على وجه الخصوص، تقول الشامي: "هناك تمييزٌ كبير جدًّا بين النساء، وبين الرجال الممارسين للرياضة، بحيث ينتقد المجتمع النساء، ولا يدعمهن في مجال الرياضة، بحكم العادات والتقاليد الخاطئة، ولا يوجد شيء في الدين يحرم رياضة النساء، غير أنّ النقد باسم العيب يرتقي إلى الحرام. وحين يرون ويسمعون بممارسة المرأة للرياضة وسفَرها برفقة زميلاتها، يوجّهون سهامهم على هيئة أسئلة خبيثة: "أين أهلهن؟"، ممّا يضع أُسَر الرياضيات تحت الضغط، لكنّنا نستمر، بمقاومتنا لهذا التمييز، بالصبر والثبات؛ لأنّنا بكل بساطة لا نرى في ممارسة الرياضة خروجًا عن الفطرة، على أمل أن تتغير تلك النظرة يومًا ما".

من جهتها، تقول أروى: "هناك تمييز واضح، فعندما يعرفون أنّك تلعب جودو، يقولون: "أنتِ تلعبين مصارعة!"، بطريقة توحي بأنك تقوم بشيء غلط، وليست ممارسة لعبة فنية، كما أنّهم يعتبرونها رياضة خاصة بالذكور، رغم أنّها في العالم كله يلعبها الجنسان، كما أنّ هذه النظرة التمييزية موجودة حتى عند بعض المسؤولين، لكنّي لا أكترث بالتعليقات السلبية، وأركِّز فقط على القلّة الذين يدعمونني، ويشجّعوني من موقع الإعجاب بهذه الرياضة". وتضيف أنّه لا يوجد رياضة خاصة بالرجال دون النساء، وحتى على المستوى الديني، لم يقل الرسول (ص) علّموا رجالكم، بل قال علموا أولادكم.

وعن نظرة المجتمع السلبية تجاه الرياضية النسوية، تقول ندى الأهدل: "بشكل عام، المجتمع اليمنيّ دائمًا ينتقد المرأة، وفي كل الأحوال، حتى وهي بالبيت، ولو لم تفعل شيئًا، فكيف الحال عندما تلعب رياضة، بالمقابل هناك الكثير من الواعِين، والذين يحترمون المرأة، ويعرفون أنّها تقوم بشيءٍ غير مخلّ أو محرَّم، ودائمًا ما أحاول عدم الالتفات للانتقادات، ولا الخوض فيها. فقط، أستمرّ باللعب".

غياب الدعم

وعن غياب الدعم الرسمي، تقول الأهدل: "لا نتلقَّى أيَّ نوعٍ من الدعم من الجهات الحكومية، الدعم الوحيد المتبقّي هو من اللجنة الأولمبية فقط، ومشاركتنا ومعسكراتنا وتدريباتنا تقتصر على دعمها، وبسبب الحرب وقيود السفر، لم نستطع المشاركة في العديد من البطولات؛ مثلًا دخلت ثلاثة معسكرات تدريبية استعدادًا لبطولة الأندية العربية في الشارقة، إلّا أنّي لم أستطع السفر. أكثر من ثلاثة أعوام، ونحن نعود من المعسكر للبيوت دون تحقق المشاركة، وهذا يؤثّر علينا جدًّا كلاعبات، خاصة على المستوى النفسي".

وعن الكيفية التي استطعن من خلالها تحقيق الإنجازات دون وجود رعاية، وعن أشكال الدعم المطلوب، تتحدّث سماح الشامي: "للأسف، لا يوجد دعمٌ كافٍ لنا كلاعبات منتخب، ولا تتوفر ملاعب، ولا حوافز، ولا تدريبات، إلّا قبل المشارَكات بشهر، أو أقل، ومع انعدام تلك الرعاية هناك رياضيات يقدّمن مستوى كبيرًا عندما يشاركن في البطولات، ويحقّقن ميداليات". 

وتضيف: "الحرب أثّرت على الرياضة بشكل عام، ورياضة المرأة بشكل خاص، وحرمَتْنا من المشاركات الخارجية؛ ومن رفع علم اليمن في المحافل".

عن محدودية الدعم، وكيف يؤثّر على مسيرة اللاعب، تتحدّث أروى آدم، قائلة: "حاليًّا؛ لا يوجد أيّ دعم. اللجنة الأولمبية تحاول قدر الاستطاعة، لكن، ذلك الافتقار يدفع للإحباط، والتوقف حتى عن التمارين، والتدريب. وعلى مستوى البلد، كنّا ننافس بشكلٍ قوي في الجودو، ونفوز على دول في المقدمة، مثل دول المغرب العربي، لكن التوقف يجعلنا نتراجع، والبعض يبتعد عن الرياضة، أو يتراجع مستواه، أيضًا؛ أنا توقفت لفترة طويلة عن المشاركات الخارجية، قبل أن أعود في شهر أغسطس وأشارك في تركيا، بطولة التضامن الإسلامي، أمّا في الداخل، فيفتح النادي لفترة، ومن ثَمّ شهر أو شهرين ويتوقف، وذلك أثّر على مستواي". وتختتم حديثها بالقول، إنّه كان هناك دولٌ غير موجودة في لعبة الجودو من قبل، لكنها دخلت مؤخرًا، وأصبح مستواهم يتجاوز مستوى اليمنيين واليمنيات، وذلك لافتقار الدعم الكافي.

الرسالة إلى النساء

هناك الكثير من النساء اليمنيات اللواتي يرغبن بالخوض في ممارسة الألعاب الرياضية، إلّا أنّهن يتردّدن بسبب الضغوط الاجتماعية، فماذا عن رسائل البطلات لهن؟

رسالة أروى آدم لهن، تتكثف بقولها: "أولًا ممارسة الرياضة مهمة للإنسان، ذكرًا كان أم أنثى، وتُحقِّق المتعة لمزاولها، وتضيف للفرد تجارب جديدة مثل السفر، والتنافس مع أشخاص من ثقافات مختلفة، وقبل ذلك، أنكِ سترفعين علَم بلدك، وهذا بحدّ ذاته شيء مبهج وشعور لا يوصف".

من جهتها، تقول الأهدل: "من تحب الالتحاق بمجال الرياضة من النساء عليها الاستمرار، لأنّها شيء ممتع جدًّا جدًّا، قبل التفكير فيها كمهنة، وهي مفيدة لإخراج الطاقة السلبية من أذهاننا، كما تصقل شخصية الفتاة، وتقدّمها للحياة بشكل أقوى، وأنجح. على النساء أن يبحثن في دواخلهن عن الشيء المحبب لهن، والمضيّ نحو تحقيقه، دون الالتفات للمحبطين، أو للقيود التي يضعها المجتمع".

سماح الشامي تنصح أيضًا كل محبات الرياضة، بقولها: "على المرأة أن تجتهد في الشيء الذي تحبه، للوصول إلى المبتغى الذي تحلم به. الرياضة قبل كل شيء هي صحة نفسية وجسمانية، وأوصت بها الأديان، والرسل. والسعي خلف ما تحبين سيثمر نتائج رائعة ما دمتِ تؤمنين بذلك، ولا ترين فيه عيبًا أو محرمًا".

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English