محمد سعيد مسواط

دور ريادي في تاريخ القصة القصيرة
كمال اليماني
June 1, 2025

محمد سعيد مسواط

دور ريادي في تاريخ القصة القصيرة
كمال اليماني
June 1, 2025

محمد سعيد مسواط أحد أهم رواد كتابة القصة القصيرة في عدن واليمن عموماً ، ولد في السادس من يناير عام 1930م ، في مدينة الشيخ عثمان ، وكانت وفاته في الثامن والعشرين من إبريل  عام 1962م، وهو في الثانية والثلاثين من عمره. رحل مبكراً وقد ترك وراءه تاريخاً مفعماً بالكثير من النضالات السياسية والنقابية ، وعدداً من المقالات الصحافية التي كان ينشرها في الصحف الصادرة في عدن آنذاك ، مثل : صحيفة العامل، والحقيقة ، والعمال ، وإن كان النصيب الأوفر قد حظيت به صحيفة ( البعث ) التي ظهرت في عام 1955م لصاحبها محمد سالم علي عبده أحد  قادة العمل الوطني في عدن ، وكان الراحل محمد سعيد مسواط  سكرتيرا ومديراً لتحرير تلك الصحيفة ، وله باب ثابت فيها تحت عنوان ( شابوك مارو) ، والشابوك هو السوط باللغة الهندية ، أما كلمة مارو فتعني اضرب ، وهي جملة كانت معروفة في عدن في ذلك الوقت حين كانت الخيول هي وسيلة النقل العام قبل ظهور السيارات والحافلات، وكان أصحاب عربات الخيل من هنود عدن . وجلي من العنوان أن المقالات كانت تضرب فتوجع ؛ إذ كانت تتناول الجوانب السياسية ، ولا أدل على ذلك من عناوين المقالات التي نشرها آنذاك ، منها: الأحزاب مرة ثانية ، خطوة أتمناها للجنوب ، فلسفة الكومنولث ، هذه حقيقة الكومنولث، قضيتنا نضال ضد الاستعمار ، معركتنا ليست طبقية ، القاعدة العسكرية أو حساب المكسب والخسارة ، حكم التاريخ ، وغيرها من المقالات التي كانت تحمل هموم الشعب ، وتحلل الحاضر ، وتستشرف المستقبل من وجهة نظر وطنية متقدمة تسعى للتخلص من الاستعمار ، وبناء دولة وطنية حديثة مستقلة. 

محمد سعيد مسواط
كان عضواً مؤسسا ً للجبهة الوطنية المتحدة في العام 1955 ، وشارك في إعداد دستور لتشكيل حزب سياسي سمي باسم (حزب الشعب الاشتراكي )  وهو حزب قام على قاعدة نقابية وعمالية أفرزها مؤتمر نقابات العمال( المؤتمر العمالي) ، ولقد وافته المنية قبل أن يتم الإعلان عن ولادة ذلك الحزب.

موت أم تصفية؟

توفي الراحل محمد سعيد مسواط في مستشفى الملكة ( الجمهورية حالياً ) ، إثر مرض عضال ألم به ، وإن ظهرت إشاعة حينها بأن وفاته كانت مدبرة من  قبل السلطات البريطانية لما سببه لها من ازعاج ، غير أن شقيق الفقيد علي سعيد مسواط  (رحمه الله) ، وهو لحسن الحظ كان جارا لنا ؛ فمنزله لصيق منزلنا ، قد نفى هذه الإشاعة نفيا قاطعا حين سألته عنها لاحقاً ، بعد إذ سمعتها من أحد الممرضين المخضرمين الذين جايلوا الراحل محمد سعيد مسواط، وأوعز وفاة أخيه إلى المرض العضال الذي ألم به ، والذي عجز الطب آنذاك عن أن يجد له علاجا. 

عمل مسواط في سلك التدريس بداية حياته وتحديدا في مدرسة النهضة العربية في الشيخ عثمان ، وقد منح حينها فرصة للدراسة في معهد ( بخت الرضا) في السودان ، وحصل منه على دبلوم تربية ، ثم استقال ليعمل في المجال الصحفي ، غير أنه ما لبث أن انتقل للعمل موظفا في البنك البريطاني ، ثم البنك العربي ، وكان أحد النقابيين البارزين هنالك؛ فتم انتخابه رئيسا لنقابة البنوك ، ثم استقال من البنك ليتفرغ للعمل النقابي ، ثم لاحقا عاود العمل في الحقل التربوي مرة أخرى ، ومن خلاله صار رئيسا لنقابة التربية والمهن التعليمية. 

كان عضواً مؤسسا ً للجبهة الوطنية المتحدة في العام 1955 ، وشارك في إعداد دستور لتشكيل حزب سياسي سمي باسم (حزب الشعب الاشتراكي )  وهو حزب قام على قاعدة نقابية وعمالية أفرزها مؤتمر نقابات العمال( المؤتمر العمالي) ، ولقد وافته المنية قبل أن يتم الإعلان عن ولادة ذلك الحزب.  

كان الفقيد ضليعا ً في اللغة العربية ، ومجيدا للغة الإنجليزية ، وكان يقوم بترجمة بعض المقالات التي تنشر في الصحف الإنجليزية ،  ويعمد إلى إعادة نشرها في الصحافة العدنية تعت عنوان ( ماذا يقولون عنا ).

ذكر الأستاذ محمد مثنى في إحدى محاضراته عن ( القصة القصيرة في اليمن ) أن فن القصة القصيرة في بداياته طغى عليه الصوت العالي والمقاومة ضد الإنجليز ، وأهملت الناحية الفنية إلى حد كبير ، مؤكداً أن بداية الانتقال إلى الأساليب الفنية كان في قصة ( سعيد المدرس) للراحل محمد سعيد مسواط.

أجاد فنون اللغتين 

ولإجادته اللغتين العربية والإنجليزية فقد انفتح الباب أمامه على مصراعيه ليتعرف على الأدبين العربي والإنجليزي ، فلقد كان نهماً في القراءة ، ومن هنا تأتى له أن يطلع على جديد أدب اللغتين ، وسعى من خلال معرفته تلك إلى خوض غمار الكتابة القصصية الذي لم يكن حينئذ قد تأسس أو على الأقل ، لم يكن ذا خلفية ومرجعية يمنية وعدنية ، فكان الفقيد بهذا واحداً من أهم رواد القصة القصيرة في عدن ، على قلة ما نشره من قصص لم  يتجاوز عددها الخمس قصص، غير أنها كانت قصصاً رائدة في ظل مجتمع ناشىء  لم تدخله الصحافة إلا في يناير 1940م ، عند قيام رائد التنوير المحامي محمد علي لقمان بإصدار جريدته ( فتاة الجزيرة ) ، ثم تتالت الصحف في عدن ، غير أن فن الأدب القصصي لم يكن أيامها مطروقاً ، وكان عدد القاصين لا يكاد يتجاوز أصابع اليد الواحدة. 

ولقد ذكر الأستاذ محمد مثنى في إحدى محاضراته عن ( القصة القصيرة في اليمن ) أن فن القصة القصيرة في بداياته طغى عليه الصوت العالي والمقاومة ضد الإنجليز ، وأهملت الناحية الفنية إلى حد كبير ، مؤكداً أن بداية الانتقال إلى الأساليب الفنية كان في قصة ( سعيد المدرس) للراحل محمد سعيد مسواط. 

وهي القصة الني نشرت في عام 1954م ، والحقها بقصة ( أنا الشعب) في ذات العام ، وفي العام التالي 1956م نشر قصتين هما ، ( الحصاد) و( صفعة وخد) ، وفي عام 1956م نشر قصة ( الرفيق ) .

وعلى هذا فإن أول قصة له كانت وهو في الرابع والعشرين من عمره ، ليتوقف بعدها عن كتابة القصة القصيرة ، إذ وجد نفسه منشغلاً ومهتماً بالشأن السياسي والنقابي، كما أن المرض الذي ألم به ألقى بظلاله على نشاطه بشكل مجمل. 

وفي أثناء الحكم الإنجليزي لعدن أنشأت بلدية عدن( كريتر)  مكتبة أطلقت عليها اسم ( مكتبة ليك) ، وهو أحد الضباط الإنجليز، غير أن المجلس البلدي حال تأسسه لاحقا أطلق على هذه المكتبة اسم ( مكتبة مسواط ) في العام 1963م ،تقديرا لدوره الوطني ،وريادته الثقافية، وتكريماً له بعد وفاته، كما أطلقت اسم مسواط على شارعين رئيسين :أحدهما في خورمكسر ، والآخر في الشيخ عثمان. 

وحين تأسست المكتبة الوطنية المفتتحة في عام 1980م ، وكان مقرها ( كريتر) ؛ تمم تحويل كل الكتب التي حوتها مكتبة مسواط إليها ، وأضحت مكتبة مسواط بعدئذ مكتباً لبلدية عدن ، وملحقا ً من ملحقات مبنى المحافظة. 

وفي عام 2011م ، وبعد أن انتقل مكتب المحافظة إلى  مبناها الجديد في ( المعلا) ، أعيد افتتاح مكتبة مسواط مرة أخرى ، تحت مسمى ( مكتبة عدن للأطفال) ، ثم أطلقت عليها تسمية ( مكتبة مسواط للأطفال) في عام 2005م، ضمت بين جنباتها قصصاً ومجموعات شعرية ، وغيرها من كتب العلم والمعرفة المتعلقة بالأطفال، وهكذا أعيد الاعتبار لرجل من رجالات عدن ؛عانى من الضيم والظلم في زمن الاستعمار البريطاني ، وفي زمن الحكم الشمولي بعد الاستقلال. 

ولأن قصص الراحل محمد سعيد مسواط تنتمي للأدب القصصي الواقعي ، فإنه إمعاناً في واقعيتها كان يعمد إلى تطعيم قصصه بمفردات عامية ، لا على مستوى الحوار فحسب ، بل وفي حال السرد والوصف أيضا ؛ إذ يجد القارىء لقصصه مفردات عدنية خالصة

من أجواء قصصه  

 في قصة ( سعيد المدرس) ، وهي قصة تناقش مهنة التدريس، وكيف أنها متعبة ومرهقة، ومع هذا فالراتب المتأتي منها لا يصلح للعيش الكريم للمدرس وأسرته. 

يقول القاص محمد سعيد مسواط في لغة راقية شعرية : " تبددت سحب الظلام ، وأرسلت الشمس خيوط الضوء على الكون الوسنان، فغادرت الطيور أوكارها تستقبل اليوم الجديد. "

وفي قصة ( أنا الشعب) ، وهي قصة تناقش عزوف الشباب عن الزواج نظراً للرواتب الضئيلة التي يستلمونها مقابل المفاخرات البلهاء كما سماها ، والتي تعيق سهولة وانسيابية إجراءات الزواج،  يقول في وصف تصويري بديع : 

" عدت إلى بيتي في خطوات وئيدة حين بدأ السوق يستقبل ساعة احتضاره ، تلفه أطراف الصمت شيئاً فشيئاً ، وقد بدا على من أمر بهم كسل من أوشك على النوم إلا صغار عمال القهوات الذين بدأوا يمطرون الشارع بوابل ماتعفن من الماء في أقدارهم طوال اليوم فتستحيل الأرض إلى بحيرات صغيرة هنا وهناك ." 

وفي قصة (حصاد) تتجلى لديه موهبة الوصف المشهدي لدرجة بعيدة فتراه يقول:

"غذاؤك حفنات (الرز) ، وأنت تحتال على بلعها بهذا المزيج الغريب ( الصانونة) ، هذا المنقوع لفائض ما تجود به الأرض ، سكنك بتلك ( الدارة) تحشر فيها سريرك مع سبع سرر أخرى في الصيف ، وتقيدها في الشتاء مع أخواتها إلى المخزن تصفّها كقبر لتكون مقبرة من قعائد.".

وفي قصة ( صفع وخد) يناقش قصة العنوسة عند الفتيات العاملات اللائي يطمع آباؤهم في مرتباتهم ، فيحجمون عن تزويجهن ويماطلن في الأمر ، يقول الراوي على لسان بطلة القصة :
" من أعماقها تكره الزمن ويرعشها أن تشعر أنها طريدته، وأمون كإحدى الحواءات يطيب لها دائماً أن تُسقط - وهي على علم- بعضاً من حساب السنين في عمرها ، وهي تود لو عرفت أين هي عجلة الزمن هذه التي يتكلم عنها الناس ،أينها لتجمع قوتها وتتعلق بها ، لتشدها حتى تكف عن الدوران فتريح وتستريح."

 وأزعم أن القاص مسواط قد لجأ إلى الترميز في قصته هذه، فجعل من الشابة معادلاً موضوعياً لعدن ، ولأبيها معادلاً موضوعياً للاستعمار البريطاني الذي يرفض منح عدن استقلالها احتلابا واستلابا لمقدراتها. 

ولأن قصص الراحل محمد سعيد مسواط تنتمي للأدب القصصي الواقعي ، فإنه إمعاناً في واقعيتها كان يعمد إلى تطعيم قصصه بمفردات عامية ، لا على مستوى الحوار فحسب ، بل وفي حال السرد والوصف أيضا ؛ إذ يجد القارىء لقصصه مفردات عدنية خالصة ، مثل: مشاهرة/ راتب ، مخزَن/غرفة ، قراحيفه/ أحذيته، الكومنة والقزاحة / صفتان للعجب والتكبر، الكراني/ الكاتب ، قعائد/ أسرّة  ، وغيرها من المفردات العامية شائعة الاستعمال في عدن.

حوّل الحصان في قصة تشيخوف إلى جمل ليتلاءم مع البيئة العدنية آنذاك، وغيّر اسم بطل القصة من أيونا بابتوف إلى حبش ، وبدت القصة عدنية خالصة من خلال ما احتوته من أسماء ، مثل: الشيخ عثمان، سيلة الغنم، المرسابة ، حافة لين العسكر ، وكذلك من خلال بعض العبارات الواردة في الحوارات المختلفة

عدننة تشيخوف

ويبدو ذلك جلياً في قصة ( الرفيق) ، وهي قصة للأديب الروسي ( أنطون تشيخوف) نشرت بعنوان( الشقاء) ، غير أن محمد سعيد مسواط أعاد صياغتها  محافظاً على موضوعها وأحداثها ، إلا أنه قام بعدننتها – إن صح التعبير-  أي أنه جعل منها قصة عدنية صرفة ، ابنة البيئة العدنية ، من خلال تحوير أسماء الأشخاص والأماكن ، وإضافة المفردات العدنية فيها ، حتى أنه حوّل الحصان في قصة تشيخوف إلى جمل ليتلاءم مع البيئة العدنية آنذاك، وغيّر اسم بطل القصة من أيونا بابتوف إلى حبش ، وبدت القصة عدنية خالصة من خلال ما احتوته من أسماء ، مثل: الشيخ عثمان، سيلة الغنم، المرسابة ، حافة لين العسكر ، وكذلك من خلال بعض العبارات الواردة في الحوارات المختلفة ، مثل: 

- يا جمّال يا أبو الجاري ، أي – يا راقد – يا شيخ، هيه با تطلب الله؟ 

- أيوه ، اللي معك جيب أنا طيّار  تحت الخدمة .

- منوه هذا الذي تشتي الله يرحمه؟ 

ومع هذا فإن غالب السرد في القص كان باللغة العربية الفصيحة الراقية في كثير من  الأحيان ، مثل قوله: 

كان يقبع فوق مقعده في طرف الجاري جامداً لا يأتي بحركة ، وقد كوّر جسمه بقدر ما يتاح لجسم إنسان أن يتكور. كان يخيل لمن يراه أنه حتى لو عرف بأن حرارة الشمس التي يقبع تحتها ستذيبه لما أحس بحاجة إلى تجنبها، ولاحظ أنه يتحدث عن حرارة الشمس ، في حين أنا القصة الأصلية كانت تتحدث عن البرد القارس، ولقد فعل ذلك بقصدية ملائمة القصة لأجواء عدن.  

فقدت اليمن وعدن  بوفاته مناضلاً سياسياً ونقابياً بارزاً ، وفقدت كذلك أحد أهم رواد القصة القصيرة . وقد رثاه عدد من الشعراء حينئذ ، منهم : أحمد حسين المروني ،إدريس حنبلة و محمد سعيد جرادة. 

وكانت جنازته جنازة شعبية مشهودة في تاريخ الشيخ عثمان. 

رحم الله الفقيد الراحل محمد سعيد مسواط وأسكنه فسيح جناته.

المراجع : 

* كتاب ( شابوك مارو) أعده  د. خالد محمد سعيد مسواط جمع فيه  كتابات أبيه الصحفية والقصصية. 

* ملف شخصي لشقيق الفقيد علي سعيد مسواط ، ضم فيه متعلقات أخيه الصحفية والقصصية. 

•••
كمال اليماني

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English