في ساعة متأخرة من مساء ملبد بالفن، كان صوت المطرب الشاب أكرم الواحدي، يجول في أرجاء المكان، ليعود إلى مسامعنا شدوًا، وذكريات تحمل في طياتها الزمن الجميل للفن والفنانين؛ حيث يكون أداءه قريب من عملاقة مثل أبو بكر والحارثي والأنسي عندما يغني أغانيهم، تجد صوته ينسل بشكل جذاب.
قبل أن يأتي؛ كنا خمسة نتبادل أطراف الحديث، ويأخذ تصفح الجوال أغلب أوقاتنا في تلك الليلة، لكنه أنسانا هواتفنا وأحاديثنا بمجرد أن أستوى على صدرة العود، حتى أن مالك العمارة التي أتخذ إحدى شققها في شارع رداع مكتبًا خاصًا للخدمات الإعلانية منها استديو للتسجيلات الصوتية؛ أقتحم المكان بهدوء يستمع لصوت أكرم وهو يغني، وقال: "كنت أعتقد أنكم رافعين صوت الحارثي بالتلفزيون".
أكرم الواحدي هو أحد الأسماء الشبابية البارزة في ساحة الفن الذماري، هو فنان محلي بدأ مسيرته في عالم الإنشاد منذ سن مبكرة، وتدرج في مشواره الفني حتى أصبح أحد أبرز المطربين والمبدعين في ذمار. لم يكن أكرم مجرد فنان يقتصر على التقليد، بل كان يسعى دائمًا لتجديد التراث الإنشادي وإضفاء لمسة شخصية على أعماله، مما جعله يحظى بمكانة خاصة في قلوب محبيه.
أكرم ذوي الرابعة والعشرين، ليس سوى الحلقة الأحدث في سلسلة طويلة من المبدعين في أسرته، وهو من الجيل الثالث للأسرة التي يمتهن أغلب افرادها الفن. فأسرة الواحدي هي أسرة فنية بامتياز، تمتد جذورها في الفن والتراث الإنشادي لعدة أجيال في ذمار وضواحيها
وبفضل معرفته وخبراته المتراكمة، أسس فرقته الفنية الخاصة التي باتت معروفة في مدينة ذمار؛ بأنها تقدم أعمالًا تجمع بين الأصالة والحداثة في تناغم فني رائع.
عمار خليل وهو مهندس صوت وعازف يرافق الواحدي منذ سنوات، قال لـ"خيوط"، إن أسلوبه الفني جميل، وحتى طباعة الشخصية هادئة تنعكس في قدراته الفنية، مضيفًا أن الشيء الجميل في أكرم ليس صوته فحسب بل قدرته على تطويع صوته ليتوافق مع كل المقامات والذائقة الفنية لمن يسمعه، وقدرته كذلك على التنوع في الطبقات الصوتية.
أسرة فنية رجال ونساء
أكرم ذوي الرابعة والعشرين، ليس سوى الحلقة الأحدث في سلسلة طويلة من المبدعين في أسرته، وهو من الجيل الثالث للأسرة التي يمتهن أغلب افرادها الفن. فأسرة الواحدي هي أسرة فنية بامتياز، تمتد جذورها في الفن والتراث الإنشادي لعدة أجيال في ذمار وضواحيها، ويعد الفن جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية.
على مدار سنوات طويلة، كانت أسرة الواحدي، رجالًا ونساءً، تحافظ على هذا الإرث وتطوره، لتظل صلة وصل حية بين الماضي والحاضر.
حتى باتت عبارة: "مثل بنات الواحدي" تطلق على أي مجموعة بذمار "نساء أو رجال" لا تفترق، فقد كانت فرقة "بنات الواحدي" فرقةً إنشاديه لا تفترق وبيقت تحيي المناسبات النسائية لعقود، وفق ما يؤكد عمار خليل.
وحضورهن المستمر في المناسبات النسائية بمدينة ذمار وضواحيها لعقود، اثرى المشهد الفني والانشادي بقدراتهن الصوتية العالية وإبداعهن الذي أضاف لمسات نسائية مميزة على التراث الإنشادي المحلي.
تجذر الفن في جذور أسرة "الواحدي" حتى أصبح إرثًا عميقًا، يحمل في طياته أصالة الانشاد التراثي الخالي من الموسيقى لتكون أداة الإبداع الوحيدة هي الصوت.
جذور راسخة في الفن
تعود علاقة أكرم بالفن إلى أسرة راسخة الجذور في هذا المجال، حيث يمتد الفن في عروقهم كتراث موروث، يتناقلونه عبر الأجيال بحسب حديث المنشد عبد القوي حيدر، لـ"خيوط"، مضيفًا: أن أكرم لم يكن مجرد حافظ للتراث، بل كان ساعيًا للتجديد والإبداع، لذا يعلوا نجمة يوميًا عن يوم فقد أختار لنفسه طريقًا لا يبتعد عن بقية أفراد أسرته لكنه طريق صعب.
يعرف "أكرم" في مدينة ذمار كمطرب شعبي، وشارك مع بعض الفنانين في فعاليات متنوعة، حتى ظهر بشكل رسمي للجمهور ليؤكد حضوره الفني القوي من خلال كليبات عيدية وأغاني خاصة
كان لوالد أكرم دور كبير في تزويده بالخبرة والتوجيه الفني، ما جعله يواصل التمسك بهذا التراث الذي لا يزال حيًا في وجدان أهل ذمار؛ كان المشجع الأكبر لمسيرته ولده.
فيما عمة "عبد الله الواحدي" هو من دفع به إلى العلن، كان فنانًا محليًا بدأ طريقه عبر الإنشاد في سن مبكر من عمره، قبل أن بتحول إلى الفن والطرب، وهو ذات الطريق الذي أختاره أكرم.
يُعرف "أكرم" في مدينة ذمار كمطرب شعبي، وشارك مع بعض الفنانين في فعاليات متنوعة، حتى ظهر بشكل رسمي للجمهور ليؤكد حضوره الفني القوي من خلال كليبات عيدية وأغاني خاصة. تعلّم العزف على آلة العود بنفسه، ليثري موهبته الموسيقية، ويضيف بُعدًا آخر لفنه.
توازن بين الأصالة والحداثة
رغم حصوله على شهادة مهنية "دبلوم" في "العلوم الإدارية" من مكتب التعليم الفني والتدريب المهني بذمار، إلا أنه اختار أن يتفرغ تمامًا للفن، مشدودًا إلى عالمه الذي طالما شغف به.
وفي فترة اجتياح جائحة كورونا، كان أكرم يرى في التحديات فرصة لتطوير مهاراته، ففي تلك الفترة اشترى آلة العود وبدأ في تعلم العزف عليها، مستفيدًا من العزلة لتطوير نفسه بشكل أكبر، ليعيد الحياة للألحان القديمة بإضافة لمسات جديدة تنم عن جيل ثالث من أسرة الواحدة التي تمتهن الفن بكل حب وإبداع.
أكرم الواحدي هو ليس مجرد فنان، بل هو استمرارية لتاريخ طويل من الفن الملتزم بالتراث، والمجدد في الوقت ذاته. وبفضل هذا التوازن بين الأصالة والحداثة، استطاع أن يكون له بصمة واضحة في المشهد الفني المحلي بذمار.