المرأة في البيضاء.. رهينة المعاناة والتهميش

نظرة على وضع النساء في مجتمع مغلق
محفوظ الشامي
December 9, 2021

المرأة في البيضاء.. رهينة المعاناة والتهميش

نظرة على وضع النساء في مجتمع مغلق
محفوظ الشامي
December 9, 2021

كأي تفصيل هامشي يخص الرجل، ما زالت المرأة في محافظة البيضاء (وسط اليمن)، تدفع الثمن الأعلى في خضم حياتها المليئة بقصص المأساة. 

في حديثها لـ"خيوط"، تشير سماح أحمد (27 سنة)، وهي أخصائية نفسية، إلى أن الفتاة في محافظة البيضاء، تتعرض غالبًا لتنميط وتحجيم دورها في الحياة بشكل عام، مرجعة ذلك لـ"شيوع العادات والتقاليد التي تعزز من المفاهيم الذكورية". ونتيجة لذلك، وفق سماح، تصبح المرأة معدة ذهنيًّا ونفسيًّا، لأدوار اجتماعية محدودة، كالأمومة ورعاية حقوق الزوج دون اعتبار للحقوق التي تخص كيانها الإنساني واستقلاليته وإرادته في السياق الطبيعي للعلاقات الاجتماعية.

"ليس للمرأة إلا الزوج أو القبر". انطلاقًا من هذه الأيديولوجيا الاجتماعية المعقدة، يتم تقديم المرأة في البيضاء، كما في معظم اليمن، وفقًا لمعرّفات هُويتها عبر وظيفتها الجنسانية أو تواريها تحت التراب. 

بعينين مشرقتين بالدمع، تقول إنتصار علي (25 سنة)، وهي طالبة بجامعة البيضاء، إن التصور الذكوري في مجتمعها المحيط لا يرى في المرأة سوى مصنعًا للإخصاب. وتضيف في حديثها لـ"خيوط": "في كل المحافظات اليمنية تتلقى المرأة تعنيفًا جسديًّا ومعنويًّا، لكن وضعها في البيضاء مختلف؛ حجم الإقصاء والتهميش الذي تعاني منه نساء المحافظة أمر لا يمكن تصديقه".

تقع محافظة البيضاء إلى الجنوب الشرقي للعاصمة صنعاء وتبعد عنها حوالي (268 كم)، ويشكل سكانها نسبة (2.9%) من إجمالي تعداد سكان الجمهورية اليمنية، وتبلغ عدد مديرياتها (20) مديرية. 

وفقًا لآخِر تعداد للسكان في اليمن عام 2004، كان عدد سكان محافظة البيضاء (577,369 نسمة)، عدد الإناث (284,980 نسمة) مقابل عدد الذكور (292,293 نسمة). وبحساب نسبة نمو السكان حينها (2.39%) طبقا لنتائج الإحصاء الرسمي، تصل تقديرات عدد سكان البيضاء في 2021، إلى (811,822 نسمة) عدد الإناث منهم (400,767).

تصف هناء محمد (31 سنة)، وهي موظفة في القطاع الصحي بمركز محافظة البيضاء، وضع النساء بالكارثي. تقول هناء لـ"خيوط": "تأتي إلينا حالات مرضية ونفسية خطيرة إثر الزواج المبكر، وحالات ولادة لفتيات قاصرات بشكل يومي"، وهو ما تعتبره باعثًا للخوف ومؤشرًا على استمرار زواج القاصرات دون وعي أو مسؤولية اجتماعية عن المخاطر التي تهدد حياة الفتيات، وتعرض بعضًا من الأمهات القاصرات للوفاة؛ نتيجة لعدم استعدادهن جسديًّا ونفسيًّا للحمل والولادة وتبعاتهما في سن مبكرة.

"المرأة في محافظة البيضاء تعد الأتعس مقارنة بالنساء في محافظات يمنية أخرى، فهي في منظور الرجال ليست سوى هامش يتبع الرجل بكل شيء".

وتضيف هناء: "ليس هناك تثقيف صحي أو إرشادي يمكن أن ينظم هذه الظاهرة أو يلغيها، وحتى وإن وجد، فإن من الصعب جدًّا التأثير على العادات والتقاليد في مجتمع البيضاء الذي ما زال يؤمن بعقائده الاجتماعية التي تنمط المرأة وتنتقص من حقوقها".

كما لو كانت مسرحية مشبعة بالمأساة، تسرد أشواق القيفي، وهي أم لثلاثة أطفال وما زالت في سن الـ22. تعمل أشواق في خياطة الملبوسات النسائية وقصتها واحدة فقط، من القصص التي غيّبها الانغلاق الاجتماعي وغياب الصحافة عن المشكلات الاجتماعية. تقول لـ"خيوط"، إن المرأة لا تحظى بممارسة حقها في اختيار وتقرير حياتها. الأسرة هي من تقرر مصير حياتها، ممثلة بالأب أو الإخوة، وهم من يقررون تزويجها، وغالبًا في سن مبكرة، وليس أمامها سوى الموافقة، إذ لا وجود لمفهوم الحب في مجتمع مغرق بالتقليدية، وما يزال يراه عيبًا وقلة مروءة.

في سن الـ17 زُوّجت أشواق، ومثل حال آلاف الفتيات، لم يكن بمقدورها ممارسة حقها في الاختيار، ناهيك عن كونها لم تبلغ السن القانونية (18 سنة) عندما زُوجت. هكذا تنطفئ طاقات المرأة في مجتمع شديد المحافظة، على الرغم من انفتاحه النسبي على تعليم الفتاة، وتتضاءل قدرتها على الإسهام في التطور الاجتماعي والثقافي والاقتصادي المواكب للتحولات التي تشهدها البلاد. 

في حديثه لـ"خيوط"، يرى عبدالله الأمير، أخصائي علم نفس، أن تهميش المرأة اجتماعيًّا يعود لعوامل متعددة، منها "التفسير الاجتماعي للدين بطريقة خاطئة، مثل الآيات التي تتحدث عن الحجاب والقوامة، واستمالة التفسيرات التي تحجّم من دور المرأة". ويضيف الأمير أن من عوامل تهميش المرأة في المجتمع اليمني عمومًا، "مفهوم العيب، وكون المرأة ضعيفة وقد تلحق العار بأسرتها" في حال مُنحت الثقة بممارسة حياتها وفق اختيارها وطموحها. ولا يغفل أخصائي علم النفس دور الأمثال الشعبية والعادات الاجتماعية التي عمّقت مفهوم ضعف المرأة وشكّلت ذكورية المجتمع؛ بينما المرأة "هي المجاهدة والأديبة والسياسية والمعلمة والطبيبة والعالمة عبر مسيرة تاريخنا وواقعنا". كما يعتبر هذه الذكورية المفرطة "غيرة" جعلت الذكور يستفيدون من التفسيرات الخاطئة للدين وتكريس عادات اجتماعية "لوأد المرأة معنويًّا".

حملة مناصرة عالمية 

في الوقت الذي يواصل فيه العالم تنفيذ الحملة السنوية الأممية لمناهضة العنف ضد المرأة، ما تزال المرأة في اليمن تتعرض لصنوف التعنيف الجسدي والمعنوي، وهو ما يعيق أي تقدم أو تنمية يمكن أن ينهض بها البلد ما دام نصفه الآخر مشلولًا وتحت وطأة العنف والتمييز. وعلى عكس بلدان عربية تولي المرأة اهتمامًا بتحسين معاملتها وتمكينها من دورها أكثر مما كانت عليه في الماضي، تضاعف الحرب في اليمن معاناة النساء وتزيد من حجم التحديات أمام نضالهن من أجل حقوقهن، ومن أجل عائلاتهن على حد سواء. 

يرى فوزي الحقب (43 سنة)، وهو ناشط اجتماعي، إن "المرأة في محافظة البيضاء تعد الأتعس مقارنة بالنساء في محافظات يمنية أخرى"، ووفقًا لملاحظته، فهي "في منظور الرجال ليست سوى هامش يتبع الرجل بكل شيء". يضيف الحقب في حديثه لـ"خيوط": "لا يكتفي الرجال بتعنيف المرأة في البيضاء على الصعيدين الجسدي والمعنوي، بل يحملونها تبعات ما يعيشونه من قضايا الثأر، ولذا فهي مهاجرة معهم في كل مناطق اليمن، وتتحمل قساوة الظروف وشظف العيش".


•••
محفوظ الشامي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English