عادت من غياهب الموت برجل واحدة

لماذا يعاني ذوو الإعاقة في نيل حقوقهم القانونية؟!
عادل ثامر
February 20, 2022

عادت من غياهب الموت برجل واحدة

لماذا يعاني ذوو الإعاقة في نيل حقوقهم القانونية؟!
عادل ثامر
February 20, 2022

خرجت سوسن برفقة ولدها محمد (11 سنة) من منزلهما الكائن في منطقة السواد بصنعاء، وعندما رمى ابنها المخلفات إلى برميل القمامة، انفجر بهما مقذوف كان داخل البرميل. لم تستيقظ من تلك المأساة إلا بعد شهر، وحينها فقط عرفت أنها فقدت ابنها، وفقدت رجلها اليسرى أيضًا.

لم تكن سوسن (30 سنة)، تعلم أن تلك كانت المرة الأخيرة التي تخرج فيها برفقة ابنها، وأنها لن تراه مرة أخرى، وإلى ذلك أصبحت في قائمة ذوي الإعاقة بسبب الحرب. ما حدث لها ولابنها شاهد على بشاعة هذه الحرب، وهناك آلاف المدنيين الأبرياء الذين فقدوا أطرافهم أو أصيبوا بإعاقات وجروح بليغة لن يمحوها الزمن حتى بعد انتهاء النزاع الدائر في اليمن إلى اليوم.

بحسب دراسة أعدها المكتب الإقليمي لذوي الإعاقة، اطلعت عليها "خيوط"، فإن نسبتهم في اليمن تتراوح بين 13.5-15% من إجمالي عدد السكان. تقول سوسن لـ"خيوط": "رجلي اليمنى باتت وحيدة، اتكئ عليها كلما بحثت عن النجاة، ولم أعد قادرة على الحركة إلا بمساعدة الآخرين". وهي تخشى أنها لن تتمكن من المشي مجددًا، حتى لو حصلت على رجل صناعية. إنها بحاجة لإعادة تأهيل من أجل التكيف مع إعاقتها، وتجاوز آلامها.

امتيازات افتراضية

في حديثه لـ"خيوط"، يقول دارس البعداني، رئيس "المركز الإعلامي للأشخاص ذوي الإعاقة" ومقره صنعاء، أن الامتيازات القانونية التي يحصل عليها ذوو الإعاقة كثيرة، سواء تلك المنصوص عليها في "قانون رعاية وتأهيل المعاقين" أو في الاتفاقية الدولية التي وقّعت اليمن وصادقت عليها. من هذه الامتيازات، الإعفاء من رسوم الاستطباب في المستشفيات، والإعفاء من الضرائب والجمارك، ومجانية التعليم... وغيرها، لكنها -بحسب البعداني- امتيازات لا تطبق في الواقع. 

تقول الشقيقة الوحيدة لسوسن، أن أختها تعيش حالة حزن واكتئاب شديدة، وأنها تستيقظ يوميًّا على صراخها بسبب موت ابنها الوحيد وفقدان رجلها اليسرى كاملة، مؤكدة أن سوسن أصبحت "حبيسة الفراش وتتمنى الموت في كل لحظة". وتضيف أن عائلتها تحاول تهدئتها لمساعدتها على التكيف، خاصة بعد أن تركها زوجها وقرر السفر إلى محافظة أبين للعيش والعمل هناك. 

قوانين وقرارات

يقول المستشار القانوني عبدالرحمن الزبيب لـ"خيوط"، إن هناك حقوقًا قانونية لمن فقدوا أطرافهم في الحرب، وأن الدستور اليمني في المادة (33) نص على أن "تكفل الدولة بالتضامن مع المجتمع، تحمُّل الأعباء الناجمة عن الكوارث الطبيعية والمحن العامة". ويعتبر الزبيب الحرب ضمن "المحن العامة" التي أوجب الدستور على مؤسسات الدولة تحمُّل أعبائها، ومن تلك الأعباء رعاية من أصيبوا بإعاقات بسببها.

على المحيطين بأي شخص من ذوي الإعاقة، أن يسندوه ويشعروه بالأمان، وأن يساعدوه في الوصول إلى فرص الشفاء وإلحاقه بمراكز التأهيل التي تقدم لهم الدعم النفسي وتوفر لهم العلاج.

ويضيف أن أهم رعاية للأشخاص ذوي الإعاقة تتمثل في تقديم الرعاية الطبية للحفاظ على حياة المصاب والتقليل من آثار الإصابة، ومنح المصابين أطرافًا صناعية بديلة لأطرافهم التي فقدوها نتيجة الإصابة، مشيرًا إلى أن الواجب الأخلاقي والإنساني يفرض على المجتمع أن يتحمل جزءًا تكميليًّا لدور مؤسسات الدولة المختصة بتقديم الرعاية لذوي الإعاقة. 

ويتابع أن الحكومة اليمنية أنشأت مبكرًا مراكز أطراف، بالتعاون مع منظمات دولية، وفي مقدمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأن هذه المراكز تقوم بمهمتين:

  • الأولى: تركيب أطراف صناعية لمن فقدوا أطرافهم.
  • الثانية: تأهيل وتدريب من فقدوا أطرافهم على استخدام الأطراف الصناعية التعويضية.

ولا يتوقف حقوق من فقدوا أطرافهم في منحهم أطرافًا صناعية وتأهيلهم لاستخدامها. فلهذه الفئة حق الرعاية الاجتماعية ومنحهم مساعدات مالية دائمة، خصوصًا إذا تسببت إصابتهم بالعجز عن العمل.

ويقول المستشار القانوني، إنه مثلما تظهر كوارث الحرب على المنازل والعمران، فالأمر كذلك بالنسبة للإنسان، حيث يتطلب تحقيق السلام المستدام، تقديمَ الرعاية الطبية اللازمة لذوي الإعاقة الناتجة عن الحرب، وجبر الضرر وتعويضهم عبر برامج عدالة انتقالية وإعادة تأهيل، وكفالتهم بمرتبات شهرية "مستحقة لهم قانونيًّا وإنسانيًّا، بما يمهد لاستمرار السلام".

تطبيق القوانين

فهيم سلطان القدسي، صحفي من ذوي الإعاقة، يقول في حديثه لـ"خيوط": "أصدرت الجمهورية اليمنية العديد من الأطر التشريعية التي تكفل حقوقًا متكاملة للأشخاص ذوي الإعاقة، يجب أن يحصلوا عليها"، مؤكدًا على أن "التقاعس والبطء" في تطبيق هذه التشريعات لا يزال أكثر ما يعاني منه الأشخاص ذوو الإعاقة.

ونصّت المادة السادسة من القانون رقم 61 لسنة 1999، على أن تعمل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالتنسيق مع المؤسسات التعليمية في إعداد المناهج والوسائل التعليمية لمراكز "رعاية وتأهيل المعاقين"، وتوفير المدرسين والموجهين الفنيين، والمختصين في الكتابة بطريقة "برايل" لخدمة المكفوفين، وتقديم المساعدة الطبية المجانية، وتحديد درجة الإعاقة والتدخل المبكر للحد منها، والتنسيق مع الجامعات والكليات الحكومية لاستحداث الأقسام والمقررات المتخصصة في مجال تأهيل ذوي الإعاقة. 

مجانية التعليم

ويضيف القدسي: "بالنسبة لمجانية التعليم، حثت "الجهات المعنية" عند وضع التصاميم لإقامة الأبنية وفتح الطرقات والتجهيزات، على إزالة كافة الحواجز وتوفير الوسائل الإرشادية لتسهيل حركة الأشخاص ذوي الإعاقة وتأمين سلامتهم، ومنحتهم تخفيض 50% من قيمة تذاكر السفر إلى الخارج أو الداخل من سعرها الأصلي، وتسهيل كافة الإجراءات. كما أعفت كافة الأجهزة والمعدات التي تُستورد لأغراض رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، بما في ذلك السيارات المصنعة خصيصًا لهم، من الضرائب والرسوم الجمركية، ومساعدتهم وتعليمهم وتثقيفهم وتأهليهم، وحددت نسبة لتوظيفهم بالجهاز الإداري للدولة ووحدات القطاعين العام والمختلط، بنسبة 5% من مجموع الوظائف الشاغرة". وعن الامتيازات التي حصل عليها الأشخاص ذوو الإعاقة فعليًّا، يقول القدسي إنه حتى مع تنفيذ بعض منها، فإن مستوى التنفيذ لا يزال "ضعيفًا جدًّا"؛ فمثلًا نسبة التوظيف التي نصّ عليها القانون لهذه الفئة، ورغم الجهود التي تبذل من الاتحاد أو الجمعيات المختصة بشؤون ذوي الإعاقة، فإن هذه النسبة لا تُعطى بشكل فعلي لهم. وكذلك، فيما يخص مجانية الرعاية الطبية والحد من الإعاقة، قال إنهم يواجهون "صعوبة كبيرة" في الحصول على الخدمات العلاجية بالشكل المحدد في القانون، وبالمثل، تخفيض قيمة التذاكر للسفر، وخاصة التذاكر الداخلية.

الدعم النفسي

"لحظات قاسية من الألم تعيشها سوسن". هكذا قالت الأخصائية في الطب النفسي، زهرة عبدالله، في حديثها لـ"خيوط"، حيث قالت إن سوسن بحاجة إلى دعم نفسي عاجل من قبل أسرتها وزوجها أولًا، ثم من المحيطين بها، مشيرة إلى أن من فقدوا أطرافهم لا بد أن يحصلوا على الطمأنينة والدعم النفسي؛ لأن "معاناتهم لا تنتهي" بعد أن وجدوا أنفسهم عاجزين وضعفاء.

وتضيف أخصائية الطب النفسي: "يجب على المحيطين بأي شخص من ذوي الإعاقة، أن يسندوه ويشعروه بالأمان، وأن يساعدوه في الوصول إلى فرص الشفاء وإلحاقه بمراكز التأهيل التي تقدِّم لهم الدعم النفسي وتوفر لهم العلاج".


* تحرير خيوط


•••
عادل ثامر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English