الحرب وشتاء صنعاء ينعشان سوق الملابس المستعملة

رجال ونساء يتزاحمون في أسواق لم يكونوا يدخلونها قبل الحرب
عبدالكريم عامر
December 26, 2020

الحرب وشتاء صنعاء ينعشان سوق الملابس المستعملة

رجال ونساء يتزاحمون في أسواق لم يكونوا يدخلونها قبل الحرب
عبدالكريم عامر
December 26, 2020

 على الرصيف المحاذي لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بمنطقة التحرير وسط العاصمة صنعاء، يرتص بائعو الملابس المستخدمة على طول جدار الوزارة، الذي يتخذون منه واجهة لعرض بضاعتهم. وعلى الأرض يضعون بقية البضاعة، وهي كثيرة ومتفاوتة المقاسات، على طاولات خشبية صغيرة الارتفاع. في ذلك المكان، يتزاحم رجال ونساء بحثًا عن قطع الملابس الشتوية المناسبة لهم أو لأطفالهم.

    يزاول سلطان الحبيشي (32 سنة)، عمله في بيع الملابس المستخدمة منذ ما يقارب خمس سنوات في المكان نفسه، وإلى جانبه مجموعة من الباعة جميعهم لا يهتمون لعدد الساعات التي يقضونها على الرصيف لترويج بضائعهم. يقول سلطان لـ"خيوط": "أبيع الملابس المستخدمة هنا في كل المواسم والفصول، من الفجر إلى الليل"، أي حوالي (16) ساعة. ووفقًا لحديثه، يعمل على توفير مختلف أنواع الملابس المستخدمة، للنساء والرجال والأطفال، كما يهتم بتوفير الملابس المناسبة لكل فصل مناخي، ويستمر في عمله هذا في مختلف الفصول.

 سوق رائجة بسبب البرد

   يصف الحبيشي حركة العمل بالكبيرة في فصل الشتاء، وتحديدًا عندما تنخفض درجة الحرارة في صنعاء إلى أدنى مستوى لها. "أيام البرد في صنعاء، يكون العمل عندنا تمام في بيع الملابس الشتوية المستخدمة، في الشتاء نشتغل أحسن من جميع أيام السنة كلها". يضيف مؤكدًا أن الإقبال على شراء الملابس المستخدمة لم يعد مقتصرًا على الفئة الفقيرة من سكان العاصمة، بل يتردد على بسطته أشخاص ظروفهم جيدة، بالنظر للوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه غالبية السكان.

    أُم عاصف هي إحدى زبائن سلطان وزملائه في رصيف الملابس المستخدمة، تقول لـ"خيوط: "أشتري ملابس من هنا لزوجي وأطفالي الأربعة، ولو لقيت لي ما يناسبني أشتريه؛ لأننا لم نعد نستطيع شراء الملابس الجديدة؛ الوضع سيئ". استأنفت أم عاصف بحثها عن الملابس التي لا تزال جيدة، لتحمي عائلتها من سطوة البرد وصقيع الشتاء، بينما التفت سلطان للتأكيد على أن "الأسعار مناسبة لجميع الزبائن، ومحددة بحسب نظافة وجودة كل قطعة". تبدأ أسعاره من 500 ريال للقطعة (أقل من دولار واحد)، وتتوقف عند 1500 ريال، ما يعادل ($2.5). 

    فؤاد ناشري (45 سنة)، صار زبونًا للملابس المستخدمة بعد أن تدهور وضعه المعيشي على إثر اندلاع الحرب وتوقف المرتبات وفقدان الوظائف، يقول: "أجيء إلى هنا لأرى ما أنزلوا من ملابس تناسبني. تعودت ألبس من هذا المكان بسبب الظروف الصعبة التي نمر بها". 

سنة بعد أخرى، ازدهرت سوق الملابس الشتوية المستخدمة بصورة لافتة في اليمن، وتحولت فئات كثيرة من المجتمع لشراء حاجتها من الملابس من المحلات ومفارش البيع التي توفرها

    ويصف خالد الطويل (32 سنة)، بائع آخر للملابس المستعملة في ذات المكان، يؤكد في حديثه لـ"خيوط" أن هناك إقبالًا كبيرًا من الناس لشراء الملابس الشتوية المستعملة؛ "نلاحظ زبائن لم نعتد رؤيتهم يأتون إلى هنا لشراء بضاعتنا، الظروف المعيشية الصعبة هي التي جاءت بهم إلى هنا". 

يقول الطويل لـ"خيوط"، إنهم يشترونها من تجار في "باب اليمن"، وهؤلاء التجار يستوردونها من خارج اليمن، وفي الغالب من منطقة الخليج العربي. وعن مدى نظافة هذه الملابس، يضيف الطويل أن بعض القطع "تكون نظيفة إلى حد مقبول، والبقية واضح كثرة استخدامها، وقلة منها تكون ممزقة بشكل بسيط، إلا أنها تباع كلها، خاصةً في أيام البرد". 

تغير مناخي

    تشهد العاصمة صنعاء موجات برد شديدة، خاصة منذ الأسبوع الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 2020، يعدها مهتمون بالطقس، هي الأشد منذ دخول فصل الشتاء هذه السنة، فيما اعتاد سكان صنعاء تسمية أيام الصقيع بـ"أيام وقوف البرد". وهي الأيام التي يلزم فيها غالبية السكان منازلهم معظم الوقت، ويرتدون ملابس ثقيلة لتخفيف شدة الصقيع عليهم، سيما الأطفال.

    وخلال الأسبوع نفسه، أعلن مركز الأرصاد الجوية تحذيرًا للمواطنين في المرتفعات الجبلية من موجة صقيع شديدة، فيما انخفضت درجة الحرارة إلى درجتين مئويتين.

ظروف معيشية صعبة

   أبسط المتطلبات الضرورية للسكان في صنعاء، والمناطق الباردة في اليمن، لمواجهة موجات البرد الشديدة، ارتداء الملابس الشتوية المتناسبة مع شدة البرد. وبالنظر للأوضاع المعيشية الصعبة التي تعيشها فئات كثيرة من المجتمع منذ بداية الحرب، فقد تضاءلت قدرتهم المالية على شراء الملابس الشتوية الجديدة، وبذلك نشأت سوق رائجة لأنواع مختلفة من الملابس الشتوية المستخدمة (ستوكات)، أو ما يعرفها غالبية اليمنيين بملابس "الحراج"، وهي ملابس رخيصة جدًّا مقارنةً بالجديدة. تدخل هذه الملابس المستعملة البلاد عبر تُجار يجلبونها من خارج اليمن، وغالبًا تحتوي هذه الملابس على قطع جيدة ونظيفة أو يعاد تنظيفها وكيّها، لتبدو في حالة مقبولة لشرائها. 

  سنة بعد أخرى، ازدهرت سوق الملابس الشتوية المستخدمة بصورة لافتة في اليمن، وتحولت فئات كثيرة من المجتمع لشراء حاجتها من الملابس من المحلات ومفارش البيع التي توفرها. وتجدر الإشارة إلى أن الإقبال على شراء هذه الملابس لم يكن بهذه الكثافة قبل الحرب، غير أن تردي الظروف المعيشية للناس وفقدان الآلاف منهم لمصادر دخلهم ورواتبهم، بمن في ذلك الموظفون الحكوميون، ضاعف من عدد زبائن هذا النوع من الملابس.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English