بين يمين الغرب ويميننا

في إشكاليات تصنيفات الإرهاب وتابوهاته
عبدالرشيد الفقيه
November 24, 2023

بين يمين الغرب ويميننا

في إشكاليات تصنيفات الإرهاب وتابوهاته
عبدالرشيد الفقيه
November 24, 2023

تتعامل إسرائيل وأمريكا والغرب إجمالًا مع اليمين المتطرف في تلك المجتمعات، كأي مكون آخر من مكونات المجتمع؛ حيث تُكفل لهم كامل الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفئوية، ينشطون في الاستقطاب لمكوناتهم، والتبشير بأفكارهم المتطرفة والدعوة لها، ويخوضون السباقات الانتخابية، يفوزون تارات، يحكمون فيها، وينفذون برامجهم وسياساتهم ووعودهم الانتخابية، ويخسرون تارات أخرى.

وعلى النقيض من ذلك تمامًا؛ يشترط النظام الغربي علينا التعامل مع يمين مُجتمعاتنا بصورة مغايرة كليًّا، حيث يتوجب إدانة مكوناتها، ووصمها بالإرهاب، والتورط في تقييد حرياتهم، وفي سوق أفرادهم إلى السجون والتعذيب والتنكيل والمحاكمات الجائرة، واستئصالهم بالعنف والنار والبارود، وإلغاء الديموقراطية إذا ما امتثلوا لقواعدها ومتطلباتها.

ولعل أبرز مفارقة صارخة ذات صلة بفكرة هذه التناولة، تكشف ازدواجية المعايير، تتمثل بالإرهاب، كعنوان، تعمد أمريكا وإسرائيل وخلفها المنظومة الغربية إلى تعريفات وإجراءات أُحادية وانتقائية ومُسيّسة وكيدية عند إدراجها للكيانات والأفراد على لوائح الإرهاب، دون وجود اتفاقية دولية في إطار الأمم المتحدة تعرف الإرهاب تعريفات دقيقة، وتضع معايير واضحة ودقيقة للتصنيف والإدراج والمحاسبة، حتى الآن لا تستند كل عمليات التصنيف والإدراج ومن ثَمّ العقوبات، على أي أساس، وهو وضع صُمّم بعناية ليكون عنوان الإرهاب فضفاضًا ورهن الاستخدام السياسي في مختلف الظروف؛ لأن وجود إطار قانوني ومفاهيمي دقيق وواضح، يقتضي بالضرورة أن تقوم عمليات التصنيف والإدراج والمحاسبة بناء على مفاهيم وتعريفات ومعايير دقيقة، وهو ما يعني أن تشمل تلك العمليات كلَّ من يتورط في "الإرهاب" من خصوم النظام الغربي أو من حلفائه، سواء استندت عمليات التصنيف والإدراج والمحاسبة على أساس التصورات والأفكار والمواقف والمعتقدات والتصريحات، ففي تصورات وأفكار ومواقف ومعتقدات وتصريحات يمين أمريكا وإسرائيل والغرب ما يكفي ليتصدروا "قوائم الإرهاب"، أو استندت عمليات التصنيف والإدراج والمحاسبة على أساس الممارسات والأفعال، ففي ممارسات وأفعال يمين أمريكا وإسرائيل والغرب، كذلك، ما يكفي ليتصدروا "قوائم الإرهاب".

إنّ جُملة التجارب والتحولات، التي عايشناها خلال السنوات الماضية، كافية لإنضاج تصوراتنا ومداركنا، كيسار ووسط ويمين، بشأن حقائق التنوع السياسي والفكري والاجتماعي والثقافي والفئوي والإثني، الأصيلة في مجتمعاتنا، شأننا في ذلك شأن كل المجتمعات والأمم الأخرى، ولحقيقة أنّ التنوع والاختلاف والتنافس قوة لأي مجتمع وأمة، ولإدراك الضرورة الملحة للعمل بدأب وببصيرة من أجل التوصل إلى تسوية ناضجة وشاملة، تتكفل بوضع أُطر فعّالة لإدارة التنوع في مجتمعاتنا، ولضمانات التعايش، وآليات التنافس بين مختلف التيارات السياسية والفكرية والثقافية المتنوعة والمتباينة، وحدود ذلك التنافس وقواعده ودوراته ومساراته وحوكمته، ولتدابير تخلينا الجمعي والإرادي عن كل نوازع الاستئصال والإخضاع والفرض للرؤية الواحدة واللون الواحد.

•••
عبدالرشيد الفقيه

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English