بعض أوجه كأس العالم

أحداث غريبة في المونديال، بينها دسائس الحكام والصحافة
جمال حسن
November 18, 2022

بعض أوجه كأس العالم

أحداث غريبة في المونديال، بينها دسائس الحكام والصحافة
جمال حسن
November 18, 2022

أيام تفصلنا عن بطولة كأس العالم في قطر، المُقامة للمرة الأولى في بلدٍ عربيّ، والثانية في قارة آسيا.

شهدت البطولة تغييرات في قوانين كرة القدم. فمنذ انطلاقتها الأولى في الأوروغواي عام 1930، كانت قوانين اللعبة مختلفة. إذ لم يكن مسموحًا على أيّ فريق تبديل اللاعبين خلال أحداث المباراة. وفي اللقاء الافتتاحي بين فرنسا والمكسيك أصيب حارس المرمى الفرنسي في الدقيقة الـ24، ووقف مكانه زميله شانتريل بين خشبات المرمى الثلاث.

وفي هذا السياق، شهدت البطولة حيلةً هي الأغرب في تاريخ كأس العالم. عندما استبدل المنتخب الروماني، في لقائه مع الأوروغواي، أحد لاعبيه خلال المباراة دون دراية الحَكم. مع هذا انتهت المباراة بهزيمة رومانيا (4 مقابل صفر).

حتى ذلك الوقت لم تكن مؤسسة كرة القدم كما هي اليوم. فليس هناك معيار للكرة المستخدمة خلال البطولة، حيث شهد اللقاء النهائيّ بين البلد المستضيف الأوروغواي والأرجنتين، خلافًا حول الكُرة المستخدمة في اللقاء. إذ كل فريق يرغب في استخدام كرة مصنوعة في بلده. وبعد أن حسمَ الحكمُ الخلاف، لعب الفريقان الشوط الأول بكُرة مصنوعة في الأرجنتين، والثاني بكرة مصنوعة في الأوروغواي.

أيضًا افتقرت اللعبة -وقتَها- لقواعد صارمة تنظم اللعبة. وفي ثاني مونديال بإيطاليا عام 1934، فرض الزعيم الإيطالي الفاشي موسوليني قواعده؛ بَدءًا بإجبار أربعة لاعبين أرجنتينيّين شاركوا مع منتخب بلادهم في أول مونديال، للانضمام إلى المنتخب الإيطالي. وكان على لاعبي إيطاليا أن يفوزوا بالكأس للنجاة من المقصلة التي هدّدهم بها نظام موسوليني الفاشي، عبر الأرجنتيني الذي تم ضمّه لإيطاليا، بأنه كان مهدّدًا بالقتل إذا فاز في الأوروغواي، ونفس الشيء إذا خسر في إيطاليا.

على أنّ قصة بطولة كأس العالم، ظلّت تسير في وصمات خزي بمهازل تحكيمية، متهم بها نظام موسوليني برشوة الحكام.

لقد جلبت بطولة كأس العالم منذ انطلاقتها، شكلًا من الفخر القومي يجلبها البطل لشعبه. وبالنسبة لنظام موسوليني الفاشي، كانت بمثابة تلميعٍ دعائيٍّ لنظامه.

لم تتغير وسائل الأنظمة الاستبدادية في الاحتيال على نزاهة كرة القدم. ففي مونديال 1978 الذي استضافته الأرجنتين، يتهم نظامها العسكري القمعي، بتدخله في نتيجة مباراة الأرجنتين أمام البيرو. ولتتصدر الأرجنتين مجموعتها في الدور الثاني على حساب البرازيل، كانت بحاجة للفوز بأربعة أهداف نظيفة على البيرو. يقال إنّ رئيس الأرجنتين تدخّلَ ووعدَ نظيرَه البيروفي بمساعدة قدرها مئة مليون دولار، في حال نجح فريقه في تحقيق فوز يؤهّله للمباراة النهائية، وهو ما تحقّق بفوزه بستة أهداف نظيفة. وفي النهائي فاز البلد المستضيف على منتخب هولندا بثلاثة أهداف لواحد.

من المفارقات أنّ هولندا افتقدت مشاركة نجمها الأبرز يوهان كرويف، الذي أعلن مقاطعته للعب في الأرجنتين احتجاجًا على جرائم نظامِها العسكري. رغم أنّ هناك ما جرى تداوله من تعرّضه لتهديد من عصابات أرجنتينية في حال مشاركته بالمونديال. وهي أخبار غير موثوقة. بينما الأصح أن كرويف رفض المشاركة تحت ضغط زوجته، نتيجة شائعات نشرتها عنه وزملاءه في المنتخب صحيفةُ بيلد الألمانية خلال مشاركته في مونديال ألمانيا 1974.

ورغم مصداقية صحيفة بيلد، لكنها جازفت بتلفيق قصص حول نجوم المنتخب الأفضل قبل لقاء ألمانيا في النهائي. وكتبت صحيفةُ بيلد أنّ كرويف ورفاقه قضوا ليلة حمراء مع شقراوات في حوض استحمام، دون تقديم دلائل. وأثّر هذا على نفسية اللاعبين الهولنديين الذين سهر أغلبهم، وفي مقدمتهم كرويف على التلفون، لإقناع زوجاتهم بكذب الصحيفة الألمانية.

وظهرت أثر الصورة المشوهة على لاعبي المنتخب الهولندي خلال المباراة النهائية، رغم تقدمهم بهدف. إذ نجح الألمان في قلب النتيجة بهدفين لواحد، قبل نهاية الشوط الأول. وفي الشوط الثاني، خسر الهولنديون ما امتازوا به من قوة بدنية وركض، وانتهى اللقاء بخسارتهم.

في مونديال إسبانيا عام 1982، حدثت الوصمة التي تسبّبت في لعب آخر لقاء لكلِّ مجموعة في الدور الأول بنفس الوقت، عندما تواطأ المنتخب الألماني خلال لقائه بالنمسا لإخراج المنتخب الجزائري. فبعد تسجيله هدف التقدم، اكتفى اللاعبون بعدم اللعب، لتنتهي المباراة كما هي، وصعود الفريقين للدور الثاني على حساب الجزائر بفارق الأهداف.

قبل ذلك، في أول لقاء استهان الألمان بالجزائريين، وتوعّدوا بتسجيل أكبر عددٍ من الأهداف، حدّ أنّ قائدهم رومينيجه، قال إنّه سيسجّل هدفين، وسيهدي أحدهم لزوجته والثاني لكلبه. لكنْ لاعبو الصحراء صعقوا الألمان بفوز غير متوقع، بهدفين لهدف. وما زالت مواجهة ألمانيا أمام النمسا وصمة خزي، لم يخفِ بعض لاعبي ألمانيا، بما فيهم رومنيجيه، الندم إزاء ما جرى.

ووَفقَ تاريخ كأس العالم، فإنّ نظام البطولة شهد تعديلات ليصل إلى ما هو عليه، إضافة إلى زيادة عدد الفِرق. وكذلك شهدت تغييرات في قوانين كرة القدم.

فعلى سبيل المثال، شهدت بطولة البرازيل 1950، نظامًا أقرب إلى الدوريات باحتساب عدد النقاط. وللمصادفة كانت آخر مباراة بين البرازيل البلد المستضيف والأوروغواي بمثابة نهائيّ. إذ كان البرازيليّون بحاجة للتعادل ليحصدوا الكأس. ومع تقدمهم بهدف، كان جمهور الماركانا الذي وصل إلى 200 ألف متفرج، يحتفلون بالبطولة، قبل أن يُفاجِئَهم الأوروغوانيّون بتسجيل هدفين وحرمانهم من البطولة.

وقتها كان طفل بعمر التاسعة اسمه بيليه يلعب في الحي، وحين عودته شاهد والده يبكي، بعد خسارة بلده الكأس، قال له برَدّة فعلٍ بريئة: "لا تحزن يا أبي، سأفوز بكأس العالم". بعدها بثماني سنوات، شارك بيليه بعمر السابعة عشرة، وحقّقت البرازيل أولى بطولاتها في السويد عام 1958.

يمثّل الفوز ببطولة كأس العالم فخرًا قوميًّا، ما يجعل منه أهمّ بطولة يُحقّقها لاعب في مسيرته الكروية. عندما استقبل الرئيس البرازيلي أبطال العالم في 58، قال: "صحيح أنّنا لا نمتلك الخبز والرز، لكن لدينا كأس العالم وبيليه". نجح الأخير في تحقيق البطولة ثلاث مرات، كأكثر لاعب يحقّق البطولة العالمية.

بعد ذلك في بطولة 78، بزغ نجمٌ أذهل العالم بمهارته، اسمه مارادونا، ووقتها كان من المفترض أن يضمّه المدرب الأرجنتيني ضمن الفريق. لكن المدرِّب الذي ينتمي لريفر بليت اختار تشكيلة تضمّ تسعة لاعبين للريفر، مستبعدًا كل لاعبي نادي البوكا جونيوز، بما فيه مارادونا. وقتها بكى الأخير بحرقة لعدم مشاركته. لكنه بعد ثماني سنوات في المكسيك 86، سيسجِّل هدفًا على إنجلترا بيده، مخادعًا الحكم، وبعد المباراة حين سألوه عن تسجيله باليد، قال إنّها يد الرب. ومنح الأرجنتينيّين فرحًا ببطولة قدّم فيها أداء أسطوريًّا.

وفي مونديال قطر، ترى من سيهدي هذا الفرح لشعبه، لكن مع تطبيق نظام الفار (FAR)، لم يعُد بالإمكان أن يتكرر هدفٌ مخادعٌ كذلك الذي سجّله مارادونا على الإنجليز. مع هذا لا بدّ أنّ أحداثًا ما ستشهدها البطولة، ستدوّن في سجلات كأس العالم. إنّها أيامٌ قليلة تفصلنا عن انطلاق البطولة العالمية.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English