العنف يطال الصغيرات

أحلام شاردة بسبب التمييز
وفاء سليم
December 1, 2023

العنف يطال الصغيرات

أحلام شاردة بسبب التمييز
وفاء سليم
December 1, 2023
.

"لأن بابا يرقد في السماء"؛ بهذه الكلمات المبعثرة، أجابت الطفلة تسابيح، ذات الستة أعوام، عندما سألتها المعلمة عن سبب رسمها لرجل نائم ملتحف بغطاءٍ لونه أزرق .

حيث قالت فاطمة علي- معلمة صفوف أولى في إحدى المدارس بصنعاء، لـ"خيوط": "لقد تفاجأت بالكلمات التي قالتها تسابيح، وبرغم براءتها أثناء حديثها دون أن أرى منها أي مشاعر حزن على فقدان والدها، فإني شعرت بغصة كبيرة لأنها لا تزال صغيرة ولا تعلم شيئًا في هذه الحياة".

تعيش تسابيح مع جدتها بعد أن فقدت والدها في العام 2017، قبل أن يراها وتراه، فقد رحل قبل خروجها للحياة، إلا أنها تحمله معها في كراسة رسمها الصغيرة، وقلبها الذي لا يحمل سوى البراءة .

وتسبّبت الأوضاع التي تمر بها اليمن في تفاقم معاناة الأطفال بشكل كبير، ودفعت بهم إلى عالم التشرد وحياة الشارع والتسول، مع اتساع معدلات عمالة الأطفال إلى أعلى مستوى، في ظل الأزمات التي رافقت الحرب والصراع في البلاد منذ العام 2015.

في إحدى قرى محافظة حجة، وُلدت الطفلة أنوار، وشاء قدرها أن تكون أنثى لأب لا تعنيه أحلام صغيرته، التي كانت تحلم بحقها في الحياة واللعب والعيش بكرامة كبقية الفتيات في العالم، حيث كان والد أنوار يعاملها بقسوة دون أدنى إنسانية، بحجة ما يعانيه من اضطرابات نفسية.

وتنتشر ممارسات تعنيف واسعة تجاه الإناث في مختلف المراحل العمرية في اليمن، بسبب التمييز المجتمعي الذي يعطي الذكور الأفضلية المطلقة على الإناث؛ كما سيتم رصد ذلك من خلال ممارسات في منطقة ريفية كنموذج يعكس مدى تعمق هذه الثقافة المتوارثة، التي تظلم المرأة وتهمشها وتسطو على حقوقها.

فيما تتعدد صور وأشكال ممارسات التعنيف تجاه النساء في مختلف المراحل العمرية، خصوصًا خلال السنوات القليلة الماضية، بسبب الأوضاع التي يمرّ بها اليمن، وارتفاع مستويات الفقر والبطالة والأزمات.

تزايد التعنيف والانتهاكات وزواج الصغيرات

بدورها، تلفت رئيسة جمعية رعاية وحماية حقوق الأطفال العاملين، فاطمة يسلم، لـ"خيوط"، إلى عدم وجود إحصائيات دقيقة في هذا الخصوص، وإن وجدت إحصائيات، فهي مجرد مسوحات ميدانية جرت قبل الحرب، ولم يتم تحليل هذه الإحصائيات من الجهاز المركزي للإحصاء وتحديد الاحتياجات والأولويات في التدخلات، وضعف التنسيق بين كافة الأطراف العاملة في مجال حماية الطفل .

إذ تنص المادة رقم (6) من اتفاقية حقوق الطفل وفقًا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة بأن لكل طفل حقًّا أصيلًا في الحياة، في حين ساهم ضعف تنسيق الأطراف العاملة في مجال حماية الطفل في المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني في استمرارية الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال.

وتشير يسلم إلى أنّ النزاعات المسلحة هي السبب الأساسي في معاناة الأطفال، ويتحمل المسؤولية المجتمع الدولي والإقليمي والوطني، لعدم اتخاد الإجراءات مع مرتكبي هذه التجاوزات لقانون حقوق الطفل، بكل بنوده، ومحاسبتهم على هذه الانتهاكات .

تضيف أن تزايد انتهاكات الأطفال في الحرب والصراع نتيجة ارتفاع نسبة الفقر وفقدان العديد من الأسر لمعيلها، جعل الكثير من الأطفال عرضة للاستغلال مع انعدام الحماية القانونية، ولو أنّ الأطراف المتصارعة والقانون الدولي قدم الحماية اللازمة والبيئة الآمنة، لَمَا وجدنا نسبة التسرب من التعليم العالية، وارتفاع نسب زواج القاصرات، وتجنيد الأطفال.

وأدّى استمرار الصراع والحرب إلى زيادة في معدلات زواج الصغيرات؛ إذ تؤكد العديد من الدراسات والبحوث على تصاعد معدلات زواج الأطفال إلى نسبة تقدر بنحو 66%، كما أنّ أكثر من 65% من الفتيات يتزوجن قبل سن الثامنة عشرة، مقارنة بـ50% قبل الحرب، وهذا يعني أنّ الصراع والحرب الدائرة أدّت إلى ارتفاع عادة الزواج المبكر؛ نتيجة للفقر وانعدام الأمن الاجتماعي. ووفقًا لبيانات الأمم المتحدة، فإن 32% من النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 20 و24 عامًا في جميع أنحاء اليمن، تزوجن لأول مرة أو كن متزوجات، منذ سن 18 أو أقل.

ويترتب على تزويج الأطفال في السياقات غير المستقرة والإنسانية نتائج سلبية متعددة للفتيات والنساء، من أبرزها أنه يقوض صحتهن، بما في ذلك الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، ويزيد من خطر العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وبالتالي، ارتفاع معدلات وفيات الأمهات والوفيات لدى الأطفال دون سن الخامسة من العمر.

وتشير يسلم إلى ضعف تمويل منظمات حماية الطفل، والتركيز الأكبر على قضايا المرأة في المرحلة الحالية، وضعف الدراسات الخاصة بالظواهر المتسببة في ذلك ووضع آليات الحماية وتفعيل دور لجنة الطوارئ والرصد والمتابعة، وضعف أدائها على المستوى العام .

وأد الطفولة

لم تكتفِ الحرب بوأد الطفولة، بل ساهم بعضٌ من أفراد المجتمع في ذلك، بمن فيهم الأسرة، وبدلًا من أن تكون الحضن الدافئ، تحولت إلى كابوس يفزع منه الأطفال؛ إذ سُجّلت حالات لاعتداءات تجاوزت 296 اعتداء، حسب تقارير منظمات حقوقية، وأخرى لم تُسجل وظلت حبيسة الغرف المغلقة، خوفًا من العار والتشهير .

أكّدت المادة 146 في قانون حقوق الطفل على حماية الأطفال من سوء المعاملة وتعرضهم للتعذيب البدني والنفسي، وتقديم من يُعرِّضون الطفل لمثل هذه الأعمال إلى القضاء، مع مراعاة الحق الشرعي والقانوني للأبوين في تأديب أبنائهم، بينما يشدّد القانون في المادة 149 على ضرورة أن تعمل الدولة على احترام قواعد القانون الدولي المنطبقة عليها في المنازعات المسلحة ذات الصلة بالطفل وحمايته.

ترصد "خيوط" في هذا الإطار، واقعًا مأساويًّا، بسبب التمييز الأسري القائم على النوع الاجتماعي؛ ففي إحدى قرى محافظة حَجّة، وُلدت الطفلة أنوار، وشاء قدرها أن تكون أنثى لأب لا تعنيه أحلام صغيرته، التي كانت تحلم بحقها في الحياة واللعب والعيش بكرامة كبقية الفتيات في العالم، حيث كان والد أنوار يعاملها بقسوة دون أدنى إنسانية بحُجة ما يعانيه من اضطرابات نفسية.

انعكس ذلك على أشقاء أنوار الذين كانوا ينهالون عليها بالضرب المبرح، وكأن قدرها على مدى سنواتها الأولى قد حدد أن تظل سجينة للعنف من قِبل السند والأمان؛ الأب والإخوة، وما يزيد قصتها ألمًا ومرارة أن والدتها تقف عاجزة كل مرة عن حمايتها، وهذا ما دفع الإخوة إلى التمادي واللامبالاة في معاملتهم مع أنوار حتى جاءت لحظة فقدَ فيها أحدُهم إنسانيتَه وإنهال على الصغيرة بالضرب بحديدة في وجهها.

عنف أسري واسع يتم التغطية عليه تجاه الإناث في مختلف المراحل العمرية، لكن الأطفال والفتيات هم الأكثر تأثرًا؛ بسبب الثقافة المتوارثة في المجتمع والعادات والتقاليد التي تكرس هيمنة وسطوة الذكور منذ الطفولة، مما يجعل تنشئة الأطفال الإناث مليئة بالصدمات نتيجة التعنيف والقمع الذي يتعرضن له.

عاشت هذه الطفلة البالغة من العمر عشرة 8 أعوام، حياةً مأساوية مليئة بالتعنيف الأسري من قبل الأب والإخوة، لم يكن ذنبها سوى أنها مجرد ابنة لرجل يبغضها ويحب الأولاد؛ حد قول الصغيرة. وبعد أن تداول سكان منطقة أنوار الريفية القصة، سمع عنها أحد موظفي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، فأتى بها إلى العاصمة صنعاء، حيث تم وضعها لدى مؤسسة خيرية تحتضن الأطفال، لتكمل الطفلة حياتها في بيئة آمنة، علّها تجد روحها من جديد بعد أن قُدر لها أن تُفقع عينها دون أي رحمة أو عطف .

إذ تقول مربية أنوار، لـ"خيوط": "شاء الله أن تبدأ أنوار ميلادًا جديدًا مليئًا بالأمل والإصرار والقوة في بيتها الجديد، وعليها أن تعلم أننا جميعًا نحبها وسنقف إلى جانبها لتحقيق كل أحلامها؛ علّها تنسى ما عاشته من قهر أثناء فقدها إحدى عينيها".

وللمرأة دور في تنشئة جيل يعنف المرأة منذ الصغر؛ بسبب التمييز بين الأطفال، واعتماد التربية على أساس نوع الجنس من قبل الكثير من الأمهات، ويعود ذلك للثقافة السائدة في المجتمع اليمني، التي ينمو عليها الأطفال.

تقول الناشطة الاجتماعية، مها عوض، لـ"خيوط": "يجب علينا أن ننظر إلى أساس المشكلة في وضعية بناء الأسرة؛ إذ إنّ بناء الأسرة قائم على الشراكة المتساوية بين الرجل والمرأة سواء في مسؤولية تحمل الواجبات الأسرية أو في إطار المشاركة الحقيقية في تنشئة الأطفال وتربيتهم".

إذ إنّ التمييز بين الصغار، بحسب النوع الاجتماعي، أصبح سلوكًا مجتمعيًّا يتربى عليه الأطفال؛ لذا خلق معه نوعًا من حالة الرضا لدى المرأة منذ الطفولة، لتفرز فيما بعد علاقات غير متوازنة بشكل كبير ومرتبطة بالموروث الثقافي التقليدي الذي تنشأ عليه الفتاة؛ لينتج فيما بعد ثقافة متكاملة لواقع التركيبة الاجتماعية على مستوى وكيان الأسرة.

تضيف عوض: "إنّ ذلك ينعكس على ثقافة المجتمع، فتظهر المرأة مهمّشة، وتعتبر نفسها أقل قيمة إنسانية من الرجل، وتعلن له التبعية في نهج تطويعي خاضع؛ لذا يتجذر في عقل المرأة هذا الفهم السائد أيضًا بأنها مقيدة الحقوق مسلوبة الحماية".

في السياق، تؤكّد الباحثة الاجتماعية، مريم ناصر، لـ"خيوط"، أنّ هناك عنفًا أسريًّا واسعًا يتم التغطية عليه تجاه الإناث في مختلف المراحل العمرية، لكن الأطفال والفتيات هم الأكثر تأثرًا بسبب الثقافة المتوارثة في المجتمع والعادات والتقاليد التي تكرّس هيمنة وسطوة الذكور منذ الطفولة، مما يجعل تنشئة الأطفال الإناث مليئة بالصدمات، نتيجة التعنيف والقمع الذي يتعرضن له.

كما أدّت سنوات الصراع والحرب والمعاناة الإنسانية المستمرة إلى خسائر فادحة وأثر واضح في الصحة النفسية للنساء والفتيات. وتشير التقديرات إلى أن ما يقارب واحد بين كل خمسة أشخاص يعانون من اضطرابات نفسية، في ظل ندرة الرعاية الصحية النفسية في اليمن، والعدد المحدود من الأطباء النفسيين.

بحسب أدبيات وتقارير الأمم المتحدة، فإنّ الأطفال يتعرضون للعنف المنزلي والإهمال والصدمات النفسية، ويعانون من الاعتداء الجسدي وسوء المعاملة والاستغلال، خاصة الصغار منهم الذين لا يملكون القدرة على الكلام وطلب الدعم. في حين يبقى خطر العنف ضدّ الأطفال موجودًا في كل وضع، بما في ذلك في الأماكن التي ينبغي أن يكون الأطفال فيها أكثر أمانًا، مثل المدارس ومؤسسات الرعاية والعدالة، وكذلك داخل المنزل.

•••
وفاء سليم

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English