آدمية منتهَكة في إب

معاملة مهينة يواجهها المهمشون
عفان الصفواني
December 10, 2023

آدمية منتهَكة في إب

معاملة مهينة يواجهها المهمشون
عفان الصفواني
December 10, 2023
.

يعاني يمنيّون من ذوي البشرة السمراء من تمييز واضطهاد في جميع مناطق اليمن، مع تكريس ثقافة متوارثة في المجتمع اليمني يتم من خلالها التعامل بدونية مع مواطنين يمنيين ذنبهم اختلاف بشرتهم الذي جعلهم عرضة للنبذ والعزلة والاضطهاد.

قصص عديدة حصلنا عليها من مناطق بمحافظة إب (وسط اليمن)، ترصد وضعًا مأساويًّا يعيشه مواطنون من فئة المهمشين في التقاضي وتجاوز للقوانين التي لا تحميهم كغيرهم، في المحاكم وأقسام الشرطة، في حين تعتبر النساء المهمشات الأكثر معاناة، خصوصًا العاملات في المنازل، حيث يواجهن اعتداءات واضطهادًا يهدر كرامتهن وحقوقهن الآدمية والإنسانية.

الثلاثينية سلوى، عاملة في أحد المنازل، تشرح لـ"خيوط"، قصتها ومعاناتها بسبب الاعتداءات والسباب، التي تعرضت لها من زوجة الرجل الذي كانت تعمل في منزله، حيث اعتدت عليها أكثر من مرة وضربتها بوحشية، وفق حديث سلوى.

هناك قانون يحميهم من كل الجرائم والممارسات والانتهاكات التي تمارس ضدهم، في حين تؤدي الأمية ونقص التعليم، وجهلهم بالقوانين، إلى إغفال حقوقهم، لا سيما في مجتمعنا اليمني بما يمتاز به من طبقية وتمييز؛ لذا مطلوب من الدولة بمختلف جهاتها ومؤسساتها حماية المهمشين ومساواتهم في الحقوق على كافة المستويات.

عندما ذهبت سلوى لكي تشكوها إلى عاقل الحارة، في الحي الذي تسكن فيه هذه الأسرة، تواصل بدوره مع صاحب المنزل، الذي كان رده: "أنت تقارن زوجتي بنت الأصول وبنت القبائل بهذه المرأة المهمشة"، ثم تطورت القضية ضدها إلى أن تم طردها -وفق حديثها لـ"خيوط"- من المنزل ولم تستلم مستحقاتها مقابل خدمتها حتى الآن؛ كما تقول.

فقدان العدالة

في السياق، يتحدث بدر صعفق، من فئة المهمشين لـ"خيوط"، عن أسلوب التعامل الذي واجهه في أحد أقسام الشرطة، حيث يروي صعفق تفاصيل اعتقاله والذهاب به إلى السجن، بالقول: "كنت أبيع البلس في أحد الشوارع، وفجأة جاء لي أحد المارّة وطلب مني شراء بلس، فأعطيته، لكن حصلت مشادّات، ومن كلمة إلى كلمة حدثت خلافات حتى وصلنا إلى مرحلة الضرب، بعدها تدخلت الشرطة وتم إيداعنا السجن".

لكنه فوجئ بعد ذلك -وفق حديثه- بأنه تم وضع الطرف الآخر في غرفة خاصة بالسجن، فيما كانت صدمته عندما وجد نفسه في زنزانة معتمة مظلمة، أغلب السجناء فيها من ذوي البشرة السمراء. يضيف: "مرت الساعات وتم التحقيق معنا، حيث تم الإفراج عن الطرف الثاني، وبقيت في الزنزانة بدون ما أعرف الأسباب، التي أخبروني أنني سأعرفها لاحقًا".

في اليوم نفسه، الذي غادر فيه الشخص الآخر، جاء أحد حراس السجن إلى "بدر" وطلب منه تنظيف حمامات السجن وقسم الشرطة؛ الأمر الذي أثار استغرابه، وجعله يتساءل لماذا لا يقوم الطرف الثاني (خصمه) بهذه المهمة أيضًا، حيث أجابه السجان عن تساؤلاته بالقول: "أنت "خادم" وهذه مهمتكم"، لم يتمالك دموعه، وهو يتحدث لـ"خيوط"، مبديًا استغرابه وصدمته من الاضطهاد الذي يلاحقهم حتى في السجون.

شخص آخر مهمش، تحاشى ذكر اسمه لأسباب أمنية، قال لـ"خيوط": "تم الاعتداء من أحدهم على أرضنا في إحدى المناطق، فذهبت أشتكيه إلى شيخ المنطقة، وقدمت له الوثائق التي تثبت ملكيتنا للأرض، لكنه ردّ عليَّ مستغربًا: "من أنت "يا خادم" حتى تساوي نفسك مع هذا القبيلي، أنتم لا تسكنون مثل هذه البيوت، يجب أن تعود إلى أصلك يا خادم"، مضيفًا: "توكلت وغادرت هذه الأرض ذاهبًا إلى منطقة أخرى مع زوجتي وأطفالي". 

وعن الجانب القانوني بالنسبة للدفاع عن المهمشين، وكيف يتمكنون من الدفاع عن حقوقهم، يقول المختص القانوني علي مقبل، لـ"خيوط": "لم تصل قضايا قانونية بما فيه الكفاية للمحاكم أو النيابات أو شكاوى كثيرة من هذه الناحية حول الاضطهاد الذي يعاني منه المهمشون، نتيجة جهلهم أو خوفهم. مع أنّ نصوص القانون اليمني تحمي الأقليات بشكل عام، والمهمشون يمنيون، وهناك قانون يحميهم من كل الجرائم والممارسات والانتهاكات التي تمارس ضدهم، في حين تؤدّي الأمية ونقص التعليم وجهلهم بالقوانين إلى إغفال حقوقهم، لا سيما في مجتمعنا اليمني بما يمتاز به من طبقية وتمييز؛ لذا مطلوب من الدولة بمختلف جهاتها ومؤسساتها حماية المهمشين ومساواتهم في الحقوق على كافة المستويات".

اضطهاد وتعامل غير إنساني

زبران قايد، أحد المهمشين، ويقطن منطقة تطل على بعض الوديان الزراعية بمحافظة إب، جاء نازحًا بسبب الحرب واستقرّ فيها. لم يكن يعرف زبران أنّ هذه المنطقة أو هذا التل يتبع أحد الأشخاص، يقول زبران لـ"خيوط": "إننا نعيش في هذه الأرض ونقتات مما تقدمه لنا المنظمات من مساعدات، حيث كانوا يأتون لنا ببعض الطعام ومساعده مالية بسيطة وماء صالح للشرب".

يضيف: "اتجهنا نعمل بالزراعة، وتحسنت مصادر دخلنا، فقمت ببناء غرفة من "البلوك" في هذه الأرض، بدلًا من الكوخ الذي لا يصلح للعيش بداخله، وتفاجأت بعد ستة أشهر أنّ شخصًا يدعي ملكيته لهذا التل، وقلت له هات برهانك لنذهب إلى المحكمة، قال لي: "تريد "تشارعني" أنا قبيلي وأنت "خادم"؟!"، وقام بتهديدنا بإخلاء المكان بعد إرساله مَن يعتدي علينا، فلم يكن أمامنا من خيار سوى الفرار من المنطقة خوفًا على أرواحنا، حيث لم يعد هناك من يحمينا، لا جهات رسمية ولا قوانين".

الإخصائي الاجتماعي، محمد النخلاني، يتحدث في هذا الخصوص لـ"خيوط"، بالقول: "للأسف في مجتمعنا اليمني حقوق المهمشين مهدرة، ولا يتم التعامل معهم وفق القوانين والأعراف والأسلاف اليمنية، كما أنّ هناك مضطهدين ومظلومين يعانون الأمرّين من هذه الفئة".

ويرى أنّ الوقت قد حان لتغيير التعامل مع ذوي البشرة السمراء، فهم يمنيون ولهم حقوق، وقبل ذلك هم بشر يتوجب الحفاظ على آدميتهم ومساعدتهم على الاندماج، مؤكدًا على أهمية تعليمهم لتغيير نمط حياتهم واندماجهم في المجتمع.

•••
عفان الصفواني
.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English