أدباء يمنيون يحاربون خطاب الكراهية بأقلامهم

لتحقيق الانسجام والتعايش، وتعميق السلم الأهلي
نجم الدين قاسم
July 30, 2021

أدباء يمنيون يحاربون خطاب الكراهية بأقلامهم

لتحقيق الانسجام والتعايش، وتعميق السلم الأهلي
نجم الدين قاسم
July 30, 2021

منذ ستةِ أشهرٍ ونيف، اعتاد الكاتب الشاب عمار صلاح (29 سنة)، على قضاء وقتٍ لا يقلُّ عن أربع ساعاتٍ يوميًّا، أمام شاشة حاسوبه المحمول، يدون أسطرًا ثم يمحوها أحيانًا، أو يعيد صياغتها بتراكيب مختلفة، يُطْلِقُ أنامله على لوح المفاتيح بخفة الساحر، بمجرد أن تلمع في مخيلته فكرةٌ، تضيفُ إلى روايته البكر دلالةً من نوعٍ ما. 

حتى الآن، تمكن صلاح من إنهاء 19 فصلًا (من أصل 25 فصلًا) من روايته التي يأمل أن ينتهي منها بحول شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، كما يوضح صلاح لـ"خيوط" مبينًا أنه استند في معظم أحداث روايته، على قصص حقيقية، منها أحداثٌ عايشها شخصيًّا، وأخرى نقلها عن الثقات من معارفه، وسعى لتوظيفها في خلق واقعٍ موازٍ في هيكلية الرواية.

يذكر صلاح بشيء من الإجمال في حديث لـ"خيوط"، أن فكرة الرواية الرئيسية تناقش قضية الخطاب العنصري، الذي تمارسه أطراف الصراع في اليمن ضد بعضها، وانعكاسات ذلك على حياة المواطن اليمني بشكل عام.

تحدِّي الواقع

 شهدت السنوات الخمس الأخيرة في اليمن حِراكًا أدبيًّا غير مسبوق، رغم المعوقات التي كانت نتيجة للحرب المستعرة في البلاد منذ مارس/ آذار 2015، التي ألقت بتبعاتها على مجمل القطاعات، لكن بشكل مغاير أخذ الزخم الأدبي في الاتساع والتنامي، متجاوزًا الظروف الاقتصادية والأمنية التي صرفت الاهتمام الحكومي والشعبي إلى قضايا لا علاقة لها بالأدب. إذْ إن ما حدث على الصعيد الفني والأدبي كان خلافًا للمتوقع، حيث لمعت أسماء شعراء وكُتاب يمنيين من فئة الشباب على المستوى المحلي والعربي، في مجالات الشعر والرواية والقصة التاريخية وغيرها.

وهذا يرجعه الشاعر زين العابدين الضبيبي في حديثٍ لـ"خيوط"، إلى تفضيل الناس والمجتمع للشعر والروايات وقصص الخيال، وذلك للهروب من أخبار الواقع المؤلمة التي أصبح الإعلام يسردها باستمرار، لكنه يحاول من خلال قصائده أن يشرح الواقع والأحداث الحاصلة، ويحاول من خلال الشعر أن يبرز دور الأدب، الذي هو في الأساس "خطاب إنساني مفتوح لكل البشرية بمختلف أعراقهم وتوجهاتهم"، ويقول: "من هذا المنطلق يمكن اعتبار الشعر خاصة، والأدب بشكل عام، رسالة رفض لكل أشكال التمييز العنصري والطبقي والمناطقي، ووفق هذا المفهوم؛ على الأديب أن يوجه قلمه للتصدي لكل ما يخالف البعد الإنساني لرسالة الأدب السامية، التي تتعامل مع البشر باعتبارهم سواسية، ولا يترك المجال للتصنيفات التي وجدت مع الزمن بأن تعارض الحقوق الإنسانية وقيم العيش المشترك التي يتساوى فيها الجميعيقول الضبيبي. 

الأدب دواء ناجع 

"ما جدوى الأدب؟!" بهذا السؤال يبدأ الروائي والأديب وجدي الأهدل حديثه لـ"خيوط"، ويجيب: "العديد من الكتاب والمثقفين يرونه شيئًا غير ذي جدوى، ولكن عندما يعاني مجتمع ما من النزعات التي تهيج الجماهير وراء الفتنة، فإن الأدب هو الدواء الناجع لكل تلك الأمراض الاجتماعية، فهو قادر على شفاء العقول من وباء الطبقية الاجتماعية والانتماءات الضيقة، ومن أمراض التعصب، وهو الوسيلة الوحيدة التي يستطيع من خلاله تحويل الكائن البشري من وحش مفترس، إلى إنسان متسامح بعيد النظر".

ويؤكد الأهدل بأنه يحرص في أغلب أعماله على مناقشة هذه القضايا، باحثًا عن معالجات لها، ويقول:  "في رواية أرض المؤامرات السعيدة تطرقتُ إلى موضوع العبودية؛ لأن اليمن من الدول القليلة في العالم التي ما تزال تمارس فيها هذه الجريمة الأخلاقية، وبين الحين والآخر يكشف الإعلام عن وثائق بيع وشراء العبيد والجواري، وكل هؤلاء هم يمنيون من ذوي البشرة السوداء.

وأيضًا في بلاد بلا سماء عالجتُ موضوع العنصرية ضد المرأة، وهي عنصرية متعددة الأشكال والأبعاد، وغالبًا يمارس المجتمع هذه العنصرية برضا المرأة نفسها، مثلًا لا تستطيع المرأة في اليمن أن تمارس حضورها في المجال العام إلا في حدود ضيقة، وضمن التراتبية الاجتماعية، فإن وضع المرأة أدنى اجتماعيًّا حتى داخل الأسرة".

 امتحان أخلاقي

كان وما يزال الأدب الفكرة الناجحة والوسيلة الأولى لتوحيد البلد وهدم الأفكار العنصرية والمناطقية في اليمن فاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين كان أول مؤسسة مجتمع مدني وحدوية، فقد كان يجمع الأدباء والكتاب من الشمال والجنوب، حتى إنه، ولأول مرة في تاريخ البلاد، كان الأدباء يستطيعون أن ينتقلوا من الشطر الجنوبي إلى الشمالي دون المرور بالإجراءات الشطرية الاعتيادية آنذاك. 

وهنا يتحدث الكاتب ريان الشيباني لـ"خيوط" ويقول: "إنه وبالرغم من ذلك الدور الكبير للاتحاد في توحيد كلمة الأدباء وترسيخ مبدأ الوحدة، إلا أن اختفاءه وتضاؤل دوره مؤخرًا جعل الأدباء أمام امتحان صعب، ومن المهم خلال فترة الامتحان الأخلاقي الحالي، أن يصطف الأدباء مع مبادئهم العامة، وألَّا يقعوا في مزالق الوضع الحالي، ويعول عليهم في تجسير الطريق وردم الهوة التي صنعها السياسيون".


•••
نجم الدين قاسم

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English