مسرح الجند و"المرحوم يعيش"

مبادرة تشاركية فنية في تعز المحاصرة
نجيب الكمالي
October 15, 2023

مسرح الجند و"المرحوم يعيش"

مبادرة تشاركية فنية في تعز المحاصرة
نجيب الكمالي
October 15, 2023
.

يوصف المسرح بكونه "أبو الفنون" والأكثر تأثيرًا في الوعي، غير أنّ التجربة المتواضعة التي قدمتها اليمن في هذا المجال، منذ تسعينيات القرن الماضي، جعله يهوي إلى الهامش، والسبب يعود إلى الطابع الرسمي والمناسباتية التي رافقت نشاطاته، وفقًا لمهتمين. 

في مدينة تعز، ورغم البدايات المبكرة نسبيًّا للعمل المسرحي قبل أكثر من أربعة عقود، عبر إنشاء فرقة المسرح الوطني التابعة لمكتب الثقافة، فإنها أخذت طابعًا مناسباتيًّا وارتجاليًّا، ولم يكتب لهذه التجربة الاستمرار والتطور. 

ووفقًا لحديث أحمد جبارة، وهو مخرج وناقد مسرحي: "بدأ ظهور المسرح في مدينة تعز، كنشاط مسرحي من خلال الفرق الكشفية والأندية الرياضية، وكان يتخذ طابعًا مناسباتيًّا ارتجاليًّا"، حسب وصفه. 

وبحسب جبارة لـ"خيوط"، فقد أنشئِت فرقة المسرح الوطني في العام 1983، في مدينة تعز، وكانت تابعة لمكتب الثقافة وبإدارة خبير مسرحي من جمهورية مصر العربية، واستمرت تحت إدارته حتى العام 1987 بعدها تولى قيادتها مخرجون محليون. 

."حضور الجماهير في منتزه التعاون لمشاهدة مسرحية "المرحوم يعيش

ورغم اقتصار العمل المسرحي على الفرقة الرسمية، فإنه لم يتم إحاطتها بالاهتمام والرعاية الكافيَين، باعتبارها تمثل نواة أولى للتأسيس لحركة مسرحية حديثة تُحدِث أثرًا ملموسًا في الحياة الثقافية. 

يعزو جبارة، سبب غياب العمل المسرحي لفترات طويلة وظهوره المتواضع في بعض المناسبات الرسمية، إلى تسرب أعضاء الفرقة، وعدم رفدها بالدماء والمواهب الشابة، ولذلك ظل النشاط المسرحي متأرجحًا بين عروض مسرح المناسبات والموسمية، حسب وصفه.

كان للواقع السياسي المضطرب في اليمن خلال السنوات الماضية، تأثيرٌ سلبيّ كبير على مسار العمل الفني في البلد بشكل عام، ورغم ظهور الكثير من المواهب الشابة في مجال الفنون المسرحية، فإنها لم تجد من يهتم بها ويرعاها، الأمر الذي أفضى إلى حالة كساد إبداعي، حسب وصف جبارة.

أدركنا من خلال نجاح مسلسل (العالية) الذي تم إنتاجه في محافظة تعز، مدى شغف واهتمام المواطن اليمني بالفن الدرامي والتمثيلي، وكيف يمكن من خلال الفن تقديم العديد من الرسائل الهادفة للمجتمع، قد تعجز العديد من البرامج التقليدية الأخرى عن توصيلها.

جهد تشاركي

كانت مدينة تعز في الثاني عشر من أكتوبر الجاري، على موعد مع حدث ثقافي لافت، حيث شهدت قاعة مسرح التعاون (المنتزه) التي تحتضن فعاليات المدينة منذ السبعينيات، ميلاد "مسرح الجند"، كأول فرقة مسرح خاص في المحافظة.

وجاء الميلاد، كخلاصة جهد تشاركي جمع شركة الجند، وهي جهة إنتاج تلفزيوني خاصة، تعمل في تعز، ومكتب الثقافة فيها.

واختار المنظمون تدشين انطلاقته عبر عمل مسرحي، يرتبط مباشرة بالواقع المعاش في المحافظة خصوصًا، واليمن عمومًا.

وكانت مسرحية "المرحوم يعيش"، فاتحة لانطلاق هذا المشروع المسرحي الجديد في المدينة المحاصرة منذ سنوات، وامتدت عروض الفرقة ثلاثة أيام، اختتمت مساء السبت، الرابع عشر من أكتوبر الجاري بمناسبة الذكرى الستين لثورة أكتوبر، وشهدت عروض المسرحية حضورًا جماهيريًّا لافتًا.

وقال عماد أنعم، وهو مدير عام الشركة المنفذة للمشروع، في حديث خاص لـ"خيوط"، إن تبني قرار إنشاء مسرح الجند لم يكن سهلًا، وإنما كان قرارًا كبيرًا، رافقته الكثير من التحديات والصعوبات، ووفقًا لحديث أنعم، كان ثمة جملة من الأسباب التي دفعت شركة الجند لتبني هذه الفكرة، حيث تقع على رأس أهدافها إقامة عروض مسرحية دائمة على مدار العام. 

وأضاف أنعم: "أدركنا من خلال نجاح مسلسل (العالية) الذي تم إنتاجه في محافظة تعز، كأول عمل درامي تقدمه الشركة، مدى شغف واهتمام المواطن اليمني بالفن الدرامي والتمثيلي، وكيف يمكن من خلال الفن تقديم العديد من الرسائل الهادفة للمجتمع، قد تعجز العديد من البرامج التقليدية الأخرى عن توصيلها".

وبحسب حديث أنعم لـ"خيوط"، فإن مدينة تعز تزخر بالعديد من المواهب والطاقات الإبداعية الشابة رغم ما تعانيه من حصار جائر، فإنها مدينة ولّادة وتستطيع إحداث فعل ثقافي هادف ومغاير، لافتًا إلى أنّ مسرح الجند سوف يسعى إلى تقديم عروض مسرحية وفن جاد بطريقة عصرية مبتكرة وفريدة. 

عودة جديدة

وفقًا لـ"سلمان الحميدي"، كاتب نص "المرحوم يعيش"، فإن تدشين مسرح الجند في هذا التوقيت، لا يعني ميلادًا جديدًا للمسرح في تعز، بقدر ما يمثل انطلاقة جديدة للمسرح في المحافظة خاصة، وفي حال استمراره سيمثل انطلاقة للمسرح اليمني بصورة عامة. 

وأشاد الحميدي، في حديث لـ"خيوط"، بالشراكة الثقافية التي جمعت الجند ومكتب الثقافة، وتمخضت عن ميلاد هذا الكيان الفني، لافتًا إلى أنّ هذه الشراكة من شأنها أن تعمل على استعادة الدور الثقافي والفني للمسرح الذي يوصف بكونه "أبو الفنون"، مشيرًا إلى أنه بعد اطلاعه على فكرة هذا المشروع المسرحي قبل انطلاقته، لاحظ أنه سيشكل إضافة للمسرح اليمني بصورة عامة، وليس لتعز وحدها. وبحسب حديث الحميدي لـ"خيوط"؛ "التنوير ينبثق من وجود رسالة مسرحية هادفة تتحقق على الخشبة". 

وحول مؤشرات العرض الأول من مسرحية "المرحوم يعيش"، قال الحميدي إن المؤشرات تؤكد أن المسرح سينجح وسيدوم، مع ضرورة وجود القليل من الصبر بالتوازي مع الاستفادة من تجارب الآخرين. ولفت الحميدي إلى أن عروض مسرحية "المرحوم يعيش"، أتت متزامنة بين عيدين وطنيين عظيمين، هما 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963. 

الاستمرارية والحضور

وحول التحديات التي تواجه العمل المسرحي في اليمن، أشار أحمد جبارة، إلى أنّ التحديات كثيرة وكبيرة، وفي مقدمتها الاستمرارية وحضور العروض، وقال إنّ عامل الاستمرارية مرتبط بوجود صالات خاصة بالعروض المسرحية، تكون مؤهلة لتقديم العروض المميزة وروائع النصوص العالمية.

وحول توقيت التدشين في مدينة تعز، قال جبارة: "تدشين مسرح الجند في تعز، يعني عودة الروح والحياة لتعز، ويسهم في ترجمة شعار رفعه مكتب الثقافة بعودة الحياة الثقافية لتعز". 

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English