طريق تعز – صنعاء؛ مخاضُ التنقُّل الأصعب

معاناة وجبايات يوميّة، لا تنتهي قصصها
محمد الكمالي
February 18, 2024

طريق تعز – صنعاء؛ مخاضُ التنقُّل الأصعب

معاناة وجبايات يوميّة، لا تنتهي قصصها
محمد الكمالي
February 18, 2024

منذ سيطرة جماعة الحوثيين على العاصمة صنعاء، في سبتمبر من العام 2014، وقيام الحرب التي شنّتها قوات التحالف بقيادة السعودية تحت مبرر القضاء عليها في اليمن، في مارس 2015، شهدَت العديدُ من المحافظات اليمنية توقُّفًا، كليًّا أو جزئيًّا، للطرق الرسمية السالكة؛ حيث يضطر سكانها إلى اتخاذ طرقٍ فرعية ووعرة عبر شواهق الجبال، لكن الأمر -بحسب منظمات حقوقية- هو الأسوأ فيما يخص منافذ مدينة تعز. 

ويمثّل التنقل من مدينة تعز وبعض أريافها نحو المحافظات الشمالية؛ إب، وذمار، وصولًا إلى صنعاء أو العكس- معاناةً ومخاطرة شبه يوميّة يتكبّدها المسافرون المدنيّون من المرضى والطلاب والعمّال، إضافة إلى سائقي الشاحنات التجارية الثقيلة.

في منتصف العام 2015، أطبق الحوثيون حصارهم بشكل كامل، على مدينة تعز، من ثلاثة منافذ رئيسية. وبات الوصول من قلب المدينة إلى منطقة الحوبان شرقًا، يستدعي المرور في طرق جبلية بديلة تستغرق 6 ساعات؛ إما عن طريق الأقروض شرقًا بشكل رئيسي أو عن طريق جبل حبشي شمالًا، في حين كان يستغرق ذلك 10 دقائق إلى 15 دقيقة، بينما إذا ما قرّر أحدهم المواصلة إلى صنعاء، فإن ذلك السفر يتطلب 8 ساعات، عوضًا عن 4 ساعات قبل ذلك.

غربة وشتات 

يقول معاذ خالد (34 عامًا)، وهو طبيب في إحدى المنظمات الإنسانية في مدينة القاعدة؛ إنّ حاجة السكان داخل محافظة تعز للسفر إلى صنعاء، حاجةٌ مُلِحّة في أحيانٍ كثيرة؛ لتلقي الخدمات الطبية الجيدة أو توفر فرص وظيفية أكبر، وذلك نتيجة للحصار، والأمر ذاته -لكن بدرجة أقل- فيما يخص القادمين إليها؛ لاستخراج وثائق تتعلق بالبطاقات الشخصية أو الجوازات.

ويبيّن الطبيب معاذ أنّ سبب استغراق هذه المدة من الساعات، عما سبقها قبل الحرب، هو كثرة النقاط الأمنية على امتداد الطريق، إلى جانب وعورة الطريق الجبلية، ووجود شاحنات ثقيلة تعرقل إمكانية الوصول السريع. 

ويضيف: "لا يعرف المسافر في طريق الأقروض الراحةَ أو قضاء الحاجة، حيث إنّها منطقة جبلية شبه نائية، ويصعب النزول فيها". يواصل الطبيب معاذ حديثه، قائلًا إنه يقوم بزيارة أهله داخل المدينة، على الأقل مرة كل عامين. 

على ذات الناحية، يبدو الأمر مختلفًا بالنسبة لسلطان فضل (45 عامًا)، فهو لم يزُر مدينة تعز التي وُلد فيها، منذ آخر مرة قبل اندلاع الحرب وبداية الحصار. يقول سلطان، وهو موظف حكومي يسكن العاصمة، إنّ قرار التنقل بين تعز وصنعاء في ظلّ المعطيات الحالية، قد يكون متاحًا في حالة الضرورة، التي لها أحكامها.

ويضيف: "تكاليف السفر الباهظة، إضافة إلى طول الطريق ومعاناتها، يحتّمان عليَّ الاطمئنان على بعض أقاربي وأصدقائي عبر الهاتف ووسائل التواصل، ولا حيلة لمن لا يقدر في زمن الحرب والشتات". 

عملات منقسمة وحدود 

"حالما تصل إلى منطقة الحوبان وتتحضر للدخول إلى المدينة، تتغير المعايير كليًّا، وكأنك ستُقبِل على بلد آخر ليس ضمن النطاق اليمني"؛ هكذا يصف علاء الذماري (27 عامًا)، قدومَه من محافظة ذمار إلى تعز؛ لكي يقوم باستخراج جواز سفر له. 

ويبيّن علاء الأمرَ بالقول: "ينبغي عليك تحويل العملة القديمة (يتم التعامل بها في مناطق سيطرة الحوثيين) التي في حوزتك، إلى ما يعادلها من النقد الأجنبي؛ حتى تتمكن من صرفها داخل المدينة والحصول على عملة جديدة (يتم التعامل بها في مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا)". 

يواصل علاء حديثه مشيرًا إلى أنه يوجد على جنبات طريق الأقروض، صرّافون جائلون في حوزتهم عملات ورقية جديدة، ويقومون بشراء العملة القديمة من المسافرين؛ كون الصرّافين داخل المدينة لا يقبلونها، حيث يتم شراء ورقة من فئة ألف ريال (قديمة)، بمبلغ 2750 ريالًا (جديدة). 

وينفي هذا الأمرَ، أحمد هاشم (25 عامًا)، وهو موظف في محل صرافة داخل المدينة، موضِّحًا أنه يتم أخذها منهم وصرفها بما يعادل العملات الأجنبية كالريال السعودي فقط، من دون أن يتم استبدالها بما يعادلها بالعملة الجديدة؛ لأنّ ذلك -حسب قوله- يدخل ضمن خانة التعاملات الرَّبَويّة. 

إلى ذلك يُكمل الشاب علاء حديثه متهكمًا إزاء نمط السؤال المتكرر: "من أين جئتم؟ وإلى أين ستذهبون؟"، الذي تردده كافة النقاط الأمنية لكل الأطراف، على طول الطريق، واصفًا الأمر بأنه أشبه بدخول حدود دولة جديدة. 

مركبات متهالكة 

فضلًا عن الطرق التي يفتقد بعضها للصيانة، وأخرى وعرة بمنحدرات جبلية مخيفة، فإنّ شكاوى وتساؤلات عدة توضع على سيارات الدفع الرباعي التي تنقل الركاب في طريق الأقروض نحو تعز ومنها، وقد عفا عليها الزمن. 

عبدالرزاق القادري، وهو مساعد في مرور تعز، يتحدث عن خطورة الأمر، وينتقد بعض السائقين الذين لا يتفقّدون سياراتهم بالشكل المطلوب، واصفًا إياهم بـ"البخل"، رغم أهمية ذلك للحفاظ على أرواح وسلامة الركّاب المتنقّلين بشكلٍ يوميّ. 

يقول القادري إنه وبالعودة إلى ما قبل العام 2014، حيث لم تكن شرارة الحرب قد اندلعت بعدُ، كان هذا الأمر يحدث إجباريًّا عبر جهاز الفحص الدوري لسيارات النقل في منطقة الحوبان، لكن الأمر قد اختلف الآنَ تمامًا. 

القادري في حديث منصف، قال إنه قد يتفهّم صعوبة أخذ إتاوات من أي نقاط غير رسمية، وهو ما يعود بالضرر المادي عليهم، لكن هذا لا يمنع أخذ الترتيبات الكاملة للسفر؛ فالسلامة أوّلًا وتحت أي ظرف. 

فواز، وهو سائق سيارة نقل دفع رباعي، يقول: "مهما حاولت التحجج لبعض النقاط وتمكّنت من الدفع في بعض الأيام، يعود هذا الأمر بقوة في الأيام التالية لها"، ويضيف: "لو قررت عدم الدفع ووضعهم في الأمر الواقع، فإنك الركاب سيواجهون إجراءات تفتيش وعرقلة متعمَّدة". 

الحوادث في طريق الأقروض وغيرها من الطرق المؤدية من وإلى تعز، مثل: هيجة العبد، وكربا- حوادثُ مؤلمة، وخلال عام 2023 فقط، بلغت الإحصائيات ما يقارب 122 حادثًا، كان النصيب الأكبر منها للمركبات الثقيلة، وترتب عليها وَفَيَات وخسائر بالملايين.

جمارك وجبايات

دخول البضائع إلى مدينة تعز أو خروجها، أيًّا كانت، يمر عبر نقاط جمركية وجبايات لا تنتهي قصصها، وهو الأمر الذي ينعكس سلبًا على المدينة المحاصرة.

ويشرح عبده سعيد، الأمرَ، وهو سائق شاحنة نقل بضائع عملاقة، قائلًا: "إنك عند القدوم من صنعاء نحو تعز بحمولة بضائع تجارية، تقوم بقطع سند بقيمة 1000 ريال (فئة قديمة) يتبع هيئة النقل لحكومة صنعاء، إضافة إلى بعض النقاط التي تحتكّ بك على طول الطريق لأخذ مبالغ من 100 إلى 200 ريال (فئة قديمة)، وإذا تحجّجتَ لهم بعدم وجود ذلك، فيمكنك العبور في بعض الأيام، لكن الأمر يختلف في نقطة الدمنة، مدخل طريق الأقروض؛ حيث توجد نقطة جمركية للحوثيين، ويكون هناك الدفع كبيرًا، بحسب حمولتك". 

أما فيما يخص الجانب الآخر لطريق الأقروض نحو المدينة، فإن نقاط القوات الحكومية تنتشر بشكلٍ كبير، ويبدأ الأمر من نقطة هيئة النقل؛ حيث يتم قطع سند بقيمة 4000 ريال يمني (فئة جديدة)، ثم بعدها تتوالى النقاط التي تقوم بأخذ رسوم دعم بمسميات مختلفة وسندات، وأقل مبلغ يؤخذ فيها ألف ريال يمني (فئة جديدة). ويذكر الرحال أن كثرة تلك النقاط، الرسمية منها وغير الرسمية، يعود إلى التشكيلات المتعددة وتفرعاتها في القوات العسكرية التابعة للحكومة الشرعية.
ويشير سعيد إلى أنّ الحوادثَ في طريق الأقروض، وغيرها من الطرق المؤدية من وإلى تعز، مثل: هيجة العبد، وكربا- حوادثُ مؤلمة. وخلال عام 2023 فقط، بلغت الإحصائيات ما يقارب 122 حادثًا، كان النصيب الأكبر منها للمركبات الثقيلة، وترتب عليها وفَيَات وخسائر بالملايين.

أفق ضيّق للسلام

لا شكّ في أنّ كلّ هذه المعاناة والمغامرات سيكون حلُّها واحدًا، يتمثّل في فتح الطرقات وإنهاء الحصار إنسانيًّا عن مئات المدنيين، لكن حجة الحرب لا تزال قائمة. وكان اليمنيون قد تفاءلوا بالهدنة التي أعلنها المبعوث الأممي إلى اليمن، مدة شهرين؛ بدءًا من الثاني من أبريل/ نيسان 2022، التي كان من ضمن بنودها فتحُ طرقات تعز، لكن الأمور آلت إلى فشل وانهيار تلك الهدنة دون أي تقدم.

وبشكل مشابهٍ لذلك، كان المبعوث الأممي هانس جروندبرج، قد أعلن في الثالث والعشرين من ديسمبر 2023، توصُّل الأطراف اليمنية إلى اتفاق يعمل على إنشاء خارطة التزامات متفق عليها بدعم عُمانيّ سعوديّ.

وكان من بين تلك الالتزامات ورقة فتح طرقات مدينة تعز، لكن القصف الأمريكي على اليمن في 12 يناير 2024، جاء ليعلن في طياته موت الاتفاق قبل ولادته، ويزيد من متاعب اليمنيين في الوصول للسلام.

الشخصية المجتمعية ورئيس لجنة فتح الطرقات في مدينة تعز، الشيخ محمد عبدالله نائف، تحدّث لنا بشكلٍ خاصّ عن الأمر، قائلًا إنّ ما أعلنه هانس كان عبارة عن تمنيات دفعته الرياض للإعلان، وأضاف: "صحيح أنّ الرياض قد اتفقت مع صنعاء، لكن الأمريكان كانوا معيقين للتفاهمات التي تمت، وموافقتهم على الهدنة لا بدّ أن تكون بشروطهم، وهو غير المقبول إطلاقًا لدى صنعاء".

وأكمل حديثه قائلًا: "بعد ذلك الإعلان بأسبوع، جاءت التحديات في البحر الأحمر ثم القصف على صنعاء، وهي أحداث خارجة عن المشكلة اليمنية، بعيدًا عن الاتفاق الذي أعلنه هانس، ويوقف صلاحية تنفيذه حتى إشعار آخر".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) تعاون نشر مع مواطنة.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English