ناصر ضحية شظية صاروخ: الوجع بصمت

تعرض للإصابة في مقبرة ذمار حيث كان يزور قبر والدته
صقر أبو حسن
February 22, 2022

ناصر ضحية شظية صاروخ: الوجع بصمت

تعرض للإصابة في مقبرة ذمار حيث كان يزور قبر والدته
صقر أبو حسن
February 22, 2022
Photo by: Hamza Mustafa- © Khuyut

"كنا نزور قبر والدتي -أنا أمام أقدامها وشقيقي أمام رأسها- لم نكمل وقت وجيز عند القبر، قبل أن يتحول المكان إلى غبار وأنين". قال "ناصر مراد (اسم مستعار)"، وهو يصف اللحظات الفاصلة في حياته.

عندما كان "ناصر" وشقيقه "فؤاد" يتلوان ويترحمان على روح والدتهم، التي دُفنت قبل ثلاث سنوات في مقبرة العمودي بمدينة ذمار، كانت إحدى طائرات التحالف العربي، تحوم في سماء المدينة، لترمي حمولتها هناك وتمضي.

عندما انقشع الغبار، كانت القبور مبعثرة، ودماء شقيقه ما تزال طرية على قبر والدته، والوجع يسلخ أسفل بطنه أسفل بطنه.

تعالت أصوات الناس وتدافع المواطنون إلى المكان، خلّفت تلك الغارة حفرة كبيرة في الجهة الجنوبية للمقبرة، وخمسة مدنيين ضحايا -أحدهم فارق الحياة- تصادف تواجدهم في المكان. 

فقد "ناصر" شقيقه -الذي كان يعمل معيدًا في قسم الجيولوجيا بجامعة ذمار- في ذلك الحادث، ويحكي بتفاصيل مؤلمة لـ"خيوط"، وهو يتذكر اللحظات الأخيرة لحياة شقيقه: "أحسست أني أطير وأرتطم بالأرض بقوة، وأن المكان أرض من الجحيم، غبت عن الوعي لثوانٍ، وعندما استعدت الوعي كنت عاجزًا عن التنفس وعاجزًا عن الحركة، كنت أصرخ باسمه، فيجيبني بصوت مختلط بالأنين، كانت الدماء في كل مكان وشقيقي مفتت الجسد؛ إحدى قدميه مرمية على قبر أمي، وتبادلنا التعهد بأن الذي يعيش منا يحرص على الاهتمام بأسرة الآخر". فقد ناصر شقيقه الأصغر، وكذلك أجزاء من جهازه التناسلي، ترافقه إعاقته طوال حياته.

"محرج أن أبوح بمعاناتي رغم أني أعاني دائمًا"، قال ناصر. وتابع: "لا أستطيع أن أعمل حاليًّا، وأسفل بطني يؤلمني كثيرًا إذا أجهدت نفسي". لدى ناصر خمسة من الأطفال، اثنان منهم من الذكور هم الآن من يتكفلون برعاية الأسرة من خلال بيع المثلجات في أحياء مدينة ذمار وأزقتها.

بحسب مسؤول في مكتب حقوق الإنسان بذمار: خلال الفترة الممتدة من أبريل/ نيسان 2015 وحتى يونيو/ حزيران 2021، تم رصد مقتل نحو 320 مدنيًّا، بينهم 61 طفلًا، في مختلف مديريات المحافظة، في حين وصل عدد الجرحى إلى 456 مدنيًّا، بينهم العشرات ممن تحولوا إلى أشخاص من ذوي الإعاقة

كان يعيش ناصر، المنحدر من منطقة آنس، في منطقة عبس بمحافظة حجة -تبعد عن صنعاء بنحو (123) كيلو مترًا من الجهة الشمالية الغربية- ومستقر مع عائلته هناك ويعمل بالأجر اليومي وباتت أوضاعه الاقتصادية تتحسن، ليفر إلى مدينة ذمار، بعد اقتراب نيران المعارك إلى مكان سكنه، ليبدأ فصلًا جديدًا من حياته التي أنهكتها تفاصيل المعاناة. 

في 27 مايو/ أيار 2015، كان صدى غارة جوية في ظهيرة ذلك اليوم تملأ أرجاء المدينة وتثير رعب السكان، مرت أربع سنوات منذ ذلك اليوم، وما تزال ذاكرة حاضرة في وجدان ناصر "موجوع على فقدان أخي"، قال عبارته تلك والحزن يملأ ملامح صوته المتعب. مدني آخر يسقط ضحية، ليس له من الحرب غير أوجاعها وانعكاسها المر على حياته.

كان شقيقه بالنسبة للرجل الذي يمضي في عمره نحو العقد الخامس، أكثر من مجرد أخ؛ "كان صديقي وأخي وسندي، وكما لو كان ابني، وليس أخي" يسرح ناصر في ذاكرته إلى سنوات الطفولة، ويسرد بعضًا من تفاصيل الحياة اليومية مع شقيقه.

"كنا نلعب معًا ونذهب للمدرسة معًا، وفي شبابنا كان كنا نمضي الساعات في الحديث بدون ملل، كان شقيقه إنسانًا ذكيًّا ومرهف الإحساس، ويحب التعليم والدراسة، وكنت أشجعه دائمًا أن يكون الأفضل".

بالنسبة للرجل الذي لم يكمل تعليمه الجامعي واكتفى بالشهادة الثانوية، كان "فؤاد" هو الحلم الذي تحقق بوصوله إلى درجة معيد في جامعة ذمار، عندما حصل على مراتب متقدمة طوال سنوات الدراسة الجامعية.

يوم انطفأ قلب فؤاد جراء الغارة، كان يستعد للذهاب إلى الجامعة لاستلام جزء من مستحقاته المالية، لكنه غادر قبل أن يصل إليها.

وتابع ناصر مراد (وهو اسم مستعار، كما تم الإشارة سابقًا): "مشينا على أقدامنا من البيت في حي الاستاد الرياضي بمدينة ذمار، إلى الشارع العام، وكانت وجهة فؤاد الجامعة وأنا المقبرة، لكنه غيّر رأيه وأوقف الباص بعد أن مشى به عدة مِترات، ومشينا معًا نحو المقبرة".

وأشار إلى سماعهم تحليقًا لطائرة، فأخبر شقيقه ممازحًا: "ارجع إلى البيت؛ إذا جاء قدر الله على الأقل واحد يعيش يرعى الأطفال"، لكن أخي تابع معه السير غير مكترث بمزاح شقيقه الأكبر، والذي تحول من مجرد مزاح عابر إلى حقيقة مرة، ليس من السهل تجاوز ذكرياتها الحزينة.

مئات الضحايا

بحسب مدير مكتب حقوق الإنسان بمحافظة ذمار محمد الماوري في حديث لـ"خيوط": خلال الفترة الممتدة من أبريل/ نيسان 2015 وحتى يونيو/ حزيران 2021، تم رصد مقتل نحو 320 مدنيًّا، بينهم 61 طفلًا في مختلف مديريات محافظة ذمار، في حين وصل عدد الجرحى إلى نحو 456 مدنيًّا، بينهم العشرات ممن تحولوا إلى أشخاص من ذوي الإعاقة.

معرجًا إلى امتداد استهداف منشأة مدنية؛ منها مبانٍ مدرسية ومؤسسات تعليمية "تعليم فني وجامعي" وصلت إلى 189 مدرسة و36 معهدًا ومؤسسة للتعليم الفني والتدريب المهني وستة مبانٍ جامعية، ليتجاوز ذلك إلى دمار منازل طوال سنوات الحرب؛ منها 33 منزلًا دُمِّر تدميرًا كليًّا، و690 منزلًا تضرر بشكل جزئي.

"في كل غارة تستهدف منشأة مدنية، حتمًا يسقط مدنيون ضحايا"، قال مدير مكتب حقوق الإنسان بمحافظة ذمار، وأضاف: "بعض تفاصيل الاستهداف لا نستطيع الوصول إليها، خاصة في السنوات الأولى من الحرب، لكننا نعمل بجهد مضاعف في رصد وتوثيق تلك الاستهدافات".

مقبرة العمودي

تقع في مقبرة مدينة ذمار وسط مدينة ذمار، وتمتد على مساحة مترامية، ما تسمى محليًّا بـ"مقبرة العمودي" نسبةً إلى الرجل الذي أوقف أملاكًا شاسعة من أراضيه لتكون مقبرة. تحيط بالمقبرة مبانٍ سكنية وأخرى حكومية، ويفصلها عن مستشفى ذمار العام طريقٌ أسفلتي.

كانت مقبرة العمودي بمدينة ذمار، ثاني حالة استهداف لطائرات التحالف بعد استهداف مقبرة خزيمة بصنعاء، قبل عدة أيام. عندما تم استهدافها كان المتوقع أن الغارات كانت تقصد مبنى المجلس المحلي بمدينة ذمار، لقرب المسافة الفاصلة بين المبنى والمكان الذي تعرض للقصف في المقبرة.


•••
صقر أبو حسن

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English