البحث عن شقة للإيجار

معاناة تبدأ بالندرة و لا تنتهي بشروط المؤجرين المجحفة
منى محمد
January 16, 2024

البحث عن شقة للإيجار

معاناة تبدأ بالندرة و لا تنتهي بشروط المؤجرين المجحفة
منى محمد
January 16, 2024
الصورة لـ: شهدي الصوفي

أصبح الحصول على شقة سكنية للإيجار في العاصمة صنعاء، وغيرها من المدن الكبيرة، بسعر معقول، مهمةً صعبة للغاية؛ نظرًا لقلة الشقق المعروضة للإيجار مقارنة مع زيادة الطلب، وتداعيات الوضع الاقتصادي والمعيشي للسكان، الذي خلق حالة من الأزمات والمشاكل بين المؤجرين والمستأجرين، ونتج عنها الكثير من المشاكل تزدحم بها ملفات المحاكم، عنوانها التخلّف عن السداد، ورغبات المؤجرين بإفراغ المساكن أو رفع الإيجارات.

في هذا الوضع المعقد بين الطرفين، وبسبب انقطاع المرتبات وانعدام فرص العمل، يكون المستأجر هو الطرف الأضعف في الغالب، إذ لا يجد سلطةً تكترث لمشكلته ولا قانونًا يحميه.

ضمانة وتأمين

منذ ثلاثة أشهر، يبحث خليل محمد عن شقة للإيجار بصنعاء، لكنه يصطدم بارتفاع أسعار الشقق، أو بطلب المؤجرين منه تقديم ضمانة تجارية بالسداد أو دفع تأمين مقدم لصاحب العقار، وهذه مطالب صعبة بالنسبة له، بعد رفض العديد من التجار المعروفين تقديم ضمانة له، مبررين ذلك بأنهم ضمنوا أشخاصًا من قبل ولم يلتزموا بالسداد، فتحملوا مسؤوليتهم.

ومثل خليل هناك حالات كثيرة مماثلة، يعاني أصحابها صعوبة الحصول على مساكن بإيجارات أرخص تناسب وضعهم المادي، وجميعهم لا يجدون مبررًا منطقيًّا أو اقتصاديًّا لغلاء الإيجارات، كون البلد حاليًّا في حالة هُدنة، وليس هناك موجات نزوح للعاصمة مقارنة بسنة 2019، وكثيرٌ من النازحين عادوا لمناطقهم.

هناك نصوص قانونية جديدة تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، من شأنها أن تحمي المستأجرين صدرت سنة 2021؛ أهمها عدم زيادة الإيجارات، وعدم إخراج المستأجرين من مقار سكنهم حتى انتهاء الحرب، وأيضًا من عليه إيجارات متأخرة من المستأجرين، يسدّد الذي يقدر عليه بالتقسيط؛ مراعاة لظروف المستأجر، وظروف البلد عمومًا.

جشع واستغلال

في المقابل، يسوق أصحاب العقارات مبررات متعددة من قبيل أنهم يدفعون ضرائب كبيرة للسلطة، وأنّ غلاء الأسعار الذي طال كل شيء تقريبًا، يجعلهم يبحثون عن زيادة دخلهم، لكنّ المستأجرين يربطون ذلك بالجشع.

ويتفق مع رأي المستأجرين، المحامي عبدالله عامر، الذي يقول إن الجشع واستغلال الوضع هو ديدن المؤجرين مهما حاولوا تبرير قراراتهم.

وأضاف عامر في حديث لـ"خيوط"، قائلًا: "تعج المحاكم بالقضايا بين مؤجرين ومستأجرين، لكن معظم هذه القضايا يكون المستأجر هو الطرف الأضعف والمجني عليه، كثير من هؤلاء وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها في الشارع بلا أي حق أو حماية". 

فيما يذهب المحامي مجدي الفقيه، أثناء حديثه لـ"خيوط"، إلى أبعد من ذلك، قائلًا إنّ: "هناك نصوص قانونية جديدة تنظم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، من شأنها أن تحمي المستأجرين، صدرت سنة 2021؛ أهمها عدم زيادة الإيجارات، وعدم إخراج المستأجرين من مقارّ سكنهم حتى انتهاء الحرب، وأيضًا كل من عليه إيجارات متأخرة من المستأجرين يسدّدها مقسّطة؛ مراعاة لظروف المستأجر، وظروف البلد عمومًا".

شروط جديدة

وإذا كان البحث عن مبررات منطقية للزيادة المتنامية في الإيجارات، يحيّر المستأجرين، فإن تفسير مطلب الضمانة التجارية أكثر حيرة من وجهة نظرهم ويفاقم معاناتهم، لكنه بالنسبة للمؤجرين حلًّا تفرضه متغيرات العلاقة مع المستأجر، بحسب المؤجر مجاهد علي.

ويوضّح أحد المؤجرين -ولم يفصح إلا عن اسمه الأول (مجاهد)- في حديث لـ"خيوط"، أسباب اضطرارهم كمؤجرين لطلب ضمانة تجارية، بالقول: "اضطررت لذلك بعدما عانيت مع مستأجر لم يكن يرضى أن يدفع الإيجار، ولم يخرج من الشقة إلا بعد شق الأنفس. أملك شقة واحدة، وهي مصدر دخل أساسي لعائلتي بعد وفاة والدي".

قانونيًّا، ليس لهذا المبرر أيّ سند قانوني، حيث تنص المادة (23) من قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر لسنة 2016، أنه "يجوز للمؤجر أن يتقاضى تأمينًا يتفق عليه الطرفان، وللمستأجر الحق في استرداده عند نهاية مدة العقد أو إخلاء العين المؤجرة".

تقييد المؤجر

في هذا السياق، يشير المحامي عامر إلى أنه "تم سنّ نصوص قانونية معدلة للنصوص الواردة في قانون تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، وقيّدت حق المؤجر في طلب الإخلاء لسبب عدم سداد الإيجار أو الرغبة في رفع الإيجار، وقصر القانون هذا الأمر على موضوع الأعيان المنتفع بها للسكن الشخصي، وليس المحلات التجارية وما شابه، وهذا التعديل هو لمواجهة الآثار المترتبة على الوضع الاقتصادي والأمني الذي تمر به البلاد، حيث سيتم العمل بالنصوص السابقة عند زوال الأسباب".

وتوافقًا مع هذا التفسير، يعتقد المحامي الفقيه أنّ التعديلات الجديدة "كافية ووافية" في تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، لكنه يستدرك قائلًا إن القانون لا يحمي المغفلين، في حالة قيام المستأجر بالاتفاق والتصالح مع المؤجر على الإخلاء مقابل إعفائه من الإيجارات المتراكمة عليه أو موافقة المؤجر على ذلك الاتفاق.

ومن المتغيرات التي طرأت في قطاع العقارات، ما يرويه المواطن محمد صالح، وهو اشتراط بعض المؤجرين أن يكون المستأجر من محافظات معينة بمزاعم تجنب المشاكل وضمان السداد.

يتحدث محمد عن تجربته لـ"خيوط"، قائلًا: "تفاجأت عند لقائي بصاحب سكن للإيجار، عندما سألني عن اسم محافظتي، ولمّا أخبرته أني من صنعاء رفض الموافقة على تأجيري دون توضيح الأسباب، واكتفى بالقول إنه لا يؤجر إلا لأشخاص من محافظات بعينها وحددها (إب وتعز)".

مستأجرون مسالمون

وعن هذه المسألة، تقول موظفة في مكتب عقارات، فضّلت عدم ذكر اسمها لـ"خيوط": "يعتقد الكثير من المؤجرين أن السكان الذين ينحدرون من المناطق الجبلية، يرفضون الخروج من العين المؤجرة ويفتعلون مشاكل في حال أراد المؤجر عينه المؤجرة، علاوة على أن أغلبهم من ذوي الدخل المحدود، مما لا يضمن أنهم سوف يوفون بسداد الإيجارات بشكل منتظم، بعكس أصحاب إب أو تعز فهم مسالمون ولا يحبون المشاكل".

وتكمل حديثها: "كل ذلك مجرد اعتقاد ولا ينطبق كلامهم على الكثير، وما يؤثر فعلًا هو حال البلاد في ظل الأزمة الاقتصادية، مما يدفع أغلب المستأجرين إلى رفض طلب الخروج من العين المؤجرة، مع عدم قدرتهم على دفع الإيجارات، خاصة الإيجارات المرتفعة".

تحايل المؤجرين

بحسب المحامي الفقيه، فإن أكثر قضية يحتكم فيها المؤجر والمستأجر للقضاء هي: "عدم قدرة المستأجر، خاصة في القطاع العام الخدمي، على دفع الإيجار الشهري أولًا بأول، وتراكم الإيجارات عليه"، مشيرًا إلى أن "أغلب القضايا ترفع من المؤجرين على المستأجرين بإخلاء العين المؤجرة بسبب انتهاء عقد الإيجار، وعدم رغبة المؤجر في تجديد العقد أو بسبب رغبة المؤجر في الاستخدام الشخصي للعين المؤجرة، مثلًا يريد أن يزوّج ابنه ويسكنه في الشقة".

ومع ذلك، فهناك أسبابٌ أخرى تتعلق بجشع بعض المؤجرين في الزيادة بداية كل عام جديد، ومضايقتهم للمستأجرين من أجل إجبارهم على إخلاء العين المؤجرة، ومن ثم إيجار العين المؤجرة لمستأجرين جدد بمبالغ باهظة.

ويتابع الفقيه متحدثًا عن أساليب التحايل التي يتبعها بعض المؤجرين، قائلًا: "يبرم المؤجرون اتفاق صلح مع المستأجر بإعفائه من الإيجارات المتراكمة عليه مدة ثلاثة أشهر أو خمسة أشهر، مقابل أن يقوم المستأجر بإخلاء الشقة المؤجرة خلال شهر أو شهرين، وبعد انتهاء الفترة إذا لم يُخلِ الشقة، يقوم المؤجر برفع دعوى إخلاء على المستأجر وفقًا للاتفاق، وطبعًا المؤجر يكسب القضية وتحكم المحكمة بالإخلاء وفقًا للاتفاق وبما تم التصالح عليه بين الطرفين، وأحيانًا بعض المؤجرين يقومون بمضايقة المستأجرين بقطع الماء أو الكهرباء أو بوضع قفل وغلق العين المؤجرة، فيقوم المستأجر برفع شكوى جنائية ضد المؤجر أمام قسم الشرطة أو أمام النيابة، ويتم حبس المؤجر باعتبار تلك المضايقات جرائم ومخالفات يعاقب عليها القانون، لكنهم يستطيعون الإفلات منها بطرق شتى، ومنها الرُّشَى".

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English