أطفال اليمن: تسرب متواصل من المدارس

ما الذي يجب عمله للتصدي لهذه المشكلة؟
عمران مصباح
October 16, 2022

أطفال اليمن: تسرب متواصل من المدارس

ما الذي يجب عمله للتصدي لهذه المشكلة؟
عمران مصباح
October 16, 2022

حتى في مرحلة ما قبل الحرب، لم يكن التعليم في اليمن على ما يرام، وبقيت نسبة الأمية عالية جدًا مقارنة بدول أخرى. هذه الإشكالية تعززت بعد اشتعال الصراع الدامي في اليمن. فالتعليم كان أكثر الجوانب تأثراً بشكل مباشر، حيث تسبب الصراع في ابتعاد عدد كبير من الطلاب عن المدارس لعدة أسباب، أبرزها: عدم القدرة المادية، والاضطرار للذهاب نحو سوق العمل في سن مبكرة. يورد هذه التقرير الأسباب، وكذلك آثار هذه الظاهرة، بالإضافة إلى الحلول الممكنة.

أسباب التسرب

هناك أسباب لا حصر لها تؤدي إلى التسرب من المدارس. زينب عبدالله، تربوية وقريبة من حقل التعليم، تعبر عن رأيها في الأسباب الرئيسة التي تؤدي إلى انتشار ظاهرة التسرب من المدارس، قائلة: "الفقر هو السبب الأول والرئيس. قد تكون هناك أسباب أخرى لكنها قليلة، وغير مؤثرة في مقابل هذا البؤس الاقتصادي الذي يمر به مجتمعنا اليمني". أما محسن الأغبري، وهو شخص قضى عدة أعوام في التعليم، يقول: "موضوع التسرب من المدارس متشعب جداً، ومتجذر منذ سنين، وليس في فترة الحرب، فالدولة اليمنية لم تكن ذات توجه مدني تبني الفرد على أساس علمي صحيح، وبالتالي لا تعمل على الحد من الابتعاد عن المدرسة للشباب في سن التعلّم. كما نجد أن دخل الحاصلين على التعليم في المجتمع اليمني دخل أقل من دخل التجار أو بقية الأعمال الحرة، ما أدى إلى العزوف عن التعليم".

هناك الكثير ممن يعملون في هذا المجال، يلتمسون الأسباب بشكل مباشر، منهم مكتب اليونيسف في اليمن الذي خص منصة "خيوط" بهذه التصريحات، قائلاً: "وفقاً لأحدث البيانات، كان نصف اليمنيين تقريباً يعيشون في فقر عام 2014. ويُقدر الآن أن معدلات الفقر قد قفزت إلى نحو 80%، ويُعتقد أن أكثر من 8 أطفال من كل عشرة يعيشون في أسر ليس لديها دخل كافٍ لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وهذا سبب آخر لترك المدرسة، حيث ينتهي الأمر بالأطفال في سوق العمل للمساعدة في كسب لقمة العيش للأسرة".

تأثير تبعات الحرب

من المعروف أن التعليم في اليمن من قبل الحرب، لا يشمل نسبة كبيرة من المجتمع، وهناك نسبة لا يلتحقون بالمدارس. لكن ثمة شيئًا ملاحظًا، وهو أن الحرب عززت ذلك الابتعاد بشكل كبير. يؤكد مكتب اليونيسف في اليمن على ذلك في هذا التصريح الخاص: "أصبح التعليم في اليمن في خطر كبير اليوم. أكثر من مليوني طالب وطالبة في سن الدراسة باليمن هم خارج المدرسة بسبب الصراع والفقر وقلة فرص التعليم. وهذا هو ضعف العدد الذي كان سائداً في عام 2015، أي في بداية الصراع. ويوضح التقرير الصادر عن اليونيسف في يوليو 2021 أن هذا العدد يمكن أن يزيد بنحو 4 ملايين إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة لدعم التعليم في اليمن، وبشكل عاجل. كما يزداد الفقر سوءاً أيضاً".

عن الحرب وكيف رمت بثقلها على العملية التعليمية، يتحدث محسن الأغبري قائلاً: "بكل تأكيد الحرب عززت من تدمير التعليم، لكن أكثر صورها كارثية؛ أن المعلمين وأساتذة الجامعة يعيشون بدون مرتبات، ما يدمر العملية التعليمية كلها. فعندما يشاهد الطالب حالة الأستاذ الاقتصادية، سيفضل البقاء خارج المدرسة والذهاب نحو سوق العمل بوقت مبكر، فالمراهقون والشباب يستطيعون ملاحظة هذا الأمر بسهولة، ويعقدون مقارنات في عقولهم، بأنه في حال أكملوا تعليمهم سيكون هذا مصيرهم، ليقرروا وقتها إما الذهاب نحو العمل، أو الالتحاق بالجبهات".

من الطرق التي من شأنها أن تحد ظاهرة التسرب من المدارس، أو البرامج الممكنة التي قد تساعد على عودة الطلاب المتسربين إلى المسار الدراسي يتحدث مكتب اليونيسف في اليمن: "اليمن بحاجة إلى سلام دائم، يجب أن يتوقف الصراع، ولكن، حتى ذلك الحين، يجب دعم التعليم. ولذلك، من المهم دعم المدارس لكي تتمكن من الاستمرار في العمل.

وفي نفس السياق، تمنح الأستاذة زينب عبدالله رأيها عن تعميق الحرب لمشكلة الدراسة، قائلة: "مجتمعنا من المجتمعات الفقيرة جدًا، ثم فاقمت الحرب الأمر، وازداد الوضع سوءاً، وخرج الأطفال في ظاهرة عمالة محزنة، وشردت الفتيات من حضن التعليم للعمل أو البقاء في المنازل حتى تقضي فيهن العادات والتقاليد أمرها".

كورونا، والابتعاد عن المدارس

أثرت فترة كورونا على مسار الدراسة، وعملت على ابتعاد بعض الطلاب عن المدارس، لدرجة أن البعض يقول إن هناك طلابًأ لم يعودوا بعد انتهاء فترة كورونا. عن فترة كورونا، يتحدث مكتب اليونيسف: "لم يسلم اليمن من جائحة كوفيد-19 التي ضربت البلاد في أوائل عام 2020. وقد أغلقت المدارس والجامعات، وكل مؤسسات التعليم قبل نهاية العام الدراسي، مما أدى إلى تعطيل 5.8 مليون طفل في المدارس الابتدائية، والثانوية" ويضيف أن الجائحة أدت إلى تفاقم الفقر بين السكان، وبالتالي هذا سيؤثر بشكل أو بآخر على عملية التعليم.

الأستاذة زينب عبدالله، تقول عن ارتباط العملية التعليمية بفترة كورونا، والتأثير الذي تسببت به: "كان كورونا عامل إحباط في مسار العملية التعليمية في حينه؛ لكن برأيي أن عملية التسرب من المدارس لم تكن من إفرازاته بشكل كبير، أو كان تأثيره بسيطا. كما يمكننا القول أننا لو امتلكنا دولة لتلافينا مثل هذه الإشكاليات".

مشكلة استراتيجية

لا يعتبر التسرب من المدارس مشكلة شخصية للطالب، بل قضية بلد، وله آثار مستقبلية على المجتمع. كأستاذة، تعبر زينب عبدالله، عن شعورها تجاه هذه المشكلة الاستراتيجية، قائلة: "أنا أشعر بقلق كبير حيال مستقبل التعليم في بلدنا. كل ما يحدث لا يبشر إلا بمجتمع أكثر جهلًا وأسوأ حالًا. أتمنى أن توجد حلول معينة، قبل أن نذهب نحو مرحلة تعليمية أكثر سوداوية مما هي عليه".

عن تلك المشكلة الكبيرة، يتحدث مكتب اليونيسف في اليمن: "يواجه التعليم في اليمن تحديات متعددة، أولها؛ الصراع. وقد شهدنا اشتداد حدة الصراع في عام 2021, وأوائل عام 2022, إلى أن دخلت الهدنة حيز التنفيذ في أبريل 2022. وخلال اشتداد الصراع زادت عدد خطوط الجبهات، مما أجبر العديد من الأسر على الابتعاد عن جبهات القتال، لتصبح المدارس غير قابلة للوصول لأن القتال كان قريباً جداً. كما أدى النزاع إلى تدمير شديد أو أضرار في المدارس، ولم تعد حوالي 2900 مدرسة صالحة للاستخدام (وهذا حوالي يمثل مدرسة من كل 5 مدارس). لذلك فإن ما هو معرض اليوم للخطر هو النظام التعليمي بأكمله والذي هو على وشك الإنهيار في اليمن، ويمكن أن يؤدي إلى خروج 6 ملايين طفل من المدارس".

وسائل للحد من المشكلة

من الطرق التي من شأنها أن تحد من ظاهرة التسرب من المدارس، أو البرامج الممكنة التي قد تساعد على عودة الطلاب المتسربين إلى المسار الدراسي يتحدث مكتب اليونيسف في اليمن: "اليمن بحاجة إلى سلام دائم، يجب أن يتوقف الصراع، ولكن، حتى ذلك الحين، يجب دعم التعليم، ولذلك، من المهم دعم المدارس لكي تتمكن من الاستمرار في العمل، ومن المهم دعم الأطفال باللوازم المدرسية حتى يتمكنوا من الذهاب إلى المدرسة". ويضيف المكتب بأن اليونيسف تواصل، وبكل السبل الممكنة، دعم قطاع التعليم في اليمن، بما فيها تحسين البيئة المدرسية للأطفال من خلال إعادة تأهيل المدارس، بما في ذلك مرافق المياه، والصرف الصحي، وتركيب مساحات مؤقتة للتعلم، وتوزيع المواد التعليمية، والحقائب، واللوازم، ودعم الامتحانات الوطنية، وتدريب المعلمين، إلى جانب أنشطة أخرى، بحسب تعبيرهم.

كما أنه، بحسب اليونيسف، لا يمكن الحديث عن عملية التعليم دون التطرق إلى مرتبات المدرسين التي يجب أن تتم معالجتها فوراً، مضيفًا: "يوجد في اليمن أكثر من 170.000 معلم لم يتلقوا رواتبهم منذ أكثر من خمس سنوات، هؤلاء المعلمون سيضطرون لإيجاد وظائف بديلة فقط لرعاية أسرهم، لذلك فنظام التعليم يفقد تدريجياً عناصر أساسية في العملية التعليمية. ومن المهم للغاية أن نجد سبلاً لاستئناف دفع الرواتب أو الحوافز المالية للمعلمين حتى يتمكنوا من مواصلة أداء دورهم الحاسم في مستقبل الأطفال، وتزويدهم بالمهارات الأساسية ليس فقط لمستقبلهم، ولكن لمستقبل اليمن برمته".

وعن الوسائل الممكنة لمعالجة المشكلة وكذلك الحلول العاجلة، تتحدث زينب عبدالله، قائلة: "لا يوجد حل إلا في نهضة تعليمية شاملة، تبتدئ بتوقف الحرب، وليدرك السياسيون أن النصر لن يكون بالبندقية بل بالقلم، وأن المستقبل ليس للذين يتفاخرون بجثث الشهداء، بل للذين يتباهون بعقول تساوم النجوم على مكانها". محسن الأغبري، أيضاً يؤكد بأن الأمر لا يقتصر على برنامج واحد فقط، بل يحتاج إلى وجود بيئة أفضل، ودولة مستقرة، تقوم بخطط مدروسة للعمل على مدى أبعد. فأنشطة المنظمات، وبالرغم من الجهد الكبير الذي تبذله والذي يحسب لها، إلا أنها لا تكفي على الإطلاق.

وفي الأخير ستبقى مشكلة التعليم في تفاقم مستمر، إذا لم يوجد تدخل جاد يبدأ بإنهاء الأسباب المؤدية للتسرب من المدارس، وليس في معالجات سطحية للمشكلة، كما أن ذلك يتطلب خطة طويلة المدى، لأن محو الأمية، وخاصة عندما يكون بالنسبة الكبيرة الموجودة في اليمن، يحتاج لسنين ليست بالقصيرة.

" تم نشر هذا التقرير بدعم من JDH/JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا"

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English