أيام في صنعاء (2)

مقيل المقالح وقبر الشاعر
محمد الصالحي
August 20, 2022

أيام في صنعاء (2)

مقيل المقالح وقبر الشاعر
محمد الصالحي
August 20, 2022

 نادَى المُنادي أنْ حَيّ على "مقيل المقالح"، فخفّ، من الفُندق، مَركبُنا، حسن نجمي وصلاح الوديع والداعي لكم بطُول العُمر. يَستقبلُنا المقالح عند مدخل البَيت بلباس تقليديّ أبيض، نَجتازُ شَجَرًا ونباتًا وأصص وَرد. اخضرارٌ زادَهُ لونُ الجدران الرّمليّ، وطينيّة التراب سرًّا. نَصعدُ درجًا شبْهَ مُلَوْلب، ثمّ ها نحنُ في "المقيل". بَيتٌ مُستطيلٌ ذو أفْرشَة مَبسُوطة. يَجلسُ الواحدُ من الحُضُور مُتّكئًا على الجَنب الأيسَر، وأمامهُ حزمةُ قات، مادًّا يَدَهُ اليُمْنى، في شبْه استقامة، مع الحرْص، طوال الوَقت على إبْقاء الجسْم جامدًا، من غيْر تَحريك، ليَبلغَ الاسترخاءُ مَداه، وليَبلغَ "المُخَزّن" لحظة التّفريج، تَفريج الكَرْب عن النّفس. طقسٌ أقربُ ما يَكونُ إلى اليُوغا، وما هو باليُوغا.

   تَشرعُ "الدواوين" أو "المفارج" في الامتلاء بَدءًا من الظهيرة، وتَفرغُ مِنْ روادها عند الغُروب. ولحظْتُ أنّ القادمَ أو المُغادِرَ من الرواد، يَفعلُ ذلك من غيْر إشْعار أو اسْتِئذان.

   وليسَ بخَافٍ أنّ مَنْ كتَبَ عن "مقيل المقالح" كثْرَةٌ كاثرة، يُخطئُها العَدّ. فقد افترَشَت كتيبَةٌ من الكُتّاب العَرب، وغَير العَرب، أتَوا من كُلّ فجّ عَميق، على اختلاف أجْيالهم ومَدَاركهم ومَشَاربهم، هذه المَفارشَ التي نَفتَرشُها اللحظة. يَكفي أنْ أذكُرَ لك منهُم أدونيس وكمال أبو ديب. أبو ديب الذي وَصفَ هذه المقيلات بـ"التّكايا الفردَوسيّة". وأدونيس الذي قد تكونُ أزهارُهُ الشعريّة الأولى عن المَقيل والقات قد تَبَرْعَمَتْ هُنا: "إنّها ساعةُ المَقيل، أربطُ مُخَيّلتي بتلك الخُضرة وأُخْلي جسمي من دَبيب الهَواجس". قد يكونُ أدونيس اختارَ لهُ مكانًا، هذا المَكان نَفْسه الذي أقتعدُهُ الآن. في الرّكْن، على يَمين الداخل إلى "الديوان". وقد يكونُ واحدٌ أو أكثر من هؤلاء الذين أُقاسمُهُم الجلسة، ممّن عَناهُم بـ"... وتدعو الهُدوء والتأمّل والحكمة إلى الجُلوس مَعك، تُصْغي إلى أصدقاء المَقيل يَتَجاذَبون أطرافَ المَعنى، وكُلّ يَدعُو في غَيمه الخاصّ". قلتُ في نَفْسي: هل مَرّ شوقي عبد الأمير، صَديقُ اليَمَن، العارفُ الكبيرُ بحَيثيّات ودقائق الحَيَاة الثقافيّة اليَمَنيّة، من هُنا، فقد كَتَبَ، يَومًا، عن القات: "جَمْرَة خَضْراء نُحاولُ إطْفاءَها بين الشِّفَاه، قات!".

   أسألُ عبد السلام الكبسي، وهو مِنْ مُريدي "مَقيل المقالح"، وقد مرّ بك أنّهُ أقامَ مُدّةً بالرّباط، عن قَرابَته لأسماء كَبيرة تَحملُ الاسْمَ ذاتَه: الكبسي. أذكرُ لهُ السّيّد أحمد الكبسي، مَبعوث اليَمَن في مجلس النّواب العُثمانيّ، اقتطعَ له صاحبُ "الرّحلة اليَمنيّة" حيّزًا مَلحوظًا، وأثْنَى عليه حتّى إنّهُ عَدّهُ أذكى مَنْ أنْجَبَت البلاد. وأذكرُ له السّيّد محمد بن الحسين غمضان الكبسي، صاحب "رحلة أعيان اليَمن إلى إسطنبول سنة 1325"، المَنعوت بالوَرع والعِلم وكرَم الأخلاق وجَمال الصَّوت، ولّاه الإمامُ يحيى قضاءَ ذمار، ثمّ عَيّنَهُ حاكمًا للواء الحديدة، ثمّ لحُكومة سنحان. وأذكرُ له حسين الكبسي، مُمثّل اليَمن في الجامعة العربيّة، (لهُ حكاية مع أم كلثوم).

ونحنُ نهمّ بالمُغادَرَة، سألَني المقالح: كيف كانَت إقامَتُكم بين ظهرانينا؟ أجيبُهُ: كانت ماتعةً مُمْتعةً، لكنّني، رغم ذلك أغبطُ رينزو مانزوني الذي تنقّلَ على ظُهور الدّوابّ عبْر أرجاء اليَمَن، فرحلتُهُ، لذلك، أغْنَى

صُلنا، الكبسي وأنا، بُرهةً من الزّمن، وجُلْنا في عِلم الأنساب، وما جاوَرَ عِلمَ الأنساب. بَعدَها، حَدّثَني عن صداقَتِهِ لسَعدي يوسف، الذي أحْضَرَ معهُ، يقول الكبسي، القات، يَومًا، إلى المغرب.

   وحَدَثَ أنْ شارَكَنا الحديثَ، شاعرٌ سعوديّ اسْتَهْوَتْهُ صَنعاء، فأقامَ بها. قال لي: حبّبَ إليّ اليَمنَ أهلهُ. محمد مسير مباركي، الذي لقّبَ نَفْسَه بـ "الشنفرى". والحَقّ أقول لك، لم تصدف آراؤُهُ النقديّة ولا مُيولُه الشعريّة هَوى في نَفْسي. وَجَدْتُه كثيرَ التّأفّف والشّكوَى مِنَ الشّعر الحديث ومِنْ بَنيه. قلتُ في نَفْسي، لوْ لقّبَ نَفْسَه بـ "شاتم الدّهر" لكان ذلك أليَق وأصْوَب، و"شاتم الدهر" شاعرٌ من "عبد القيس". أمّا الشنفرى فقد كان قليلَ التّشَكّي والتّألّم، كما أوْرَدَ عنهُ المعرّي في "رسالة الغفران".

   يَنهضُ المقالح إلى مَكتبه ويُحضرُ "أحفرُ بئرًا في سَمائي"، وكنتُ ناوَلتُه نُسخَةً منهُ في المركز الثقافيّ. أقرأ نُتفًا من هُنا ومن هُناك. ذاك تقليدٌ قديمٌ في هذا المَقيل- المدرسة. وهو، من هذه الناحية، تَحديدًا، ذاعَ صيتُهُ وانتَشر.

   وقد يَكونُ المَقيلُ مَقيلَ غناء وطَرَب، لذا أطلقَ اليَمَنيّون عليه "طبّ النفوس" أو "دواء الرّوح"، وهو ما استَهْوَى الأنثروبولوجي الفرنسيّ جان لامبير فاختارَهُ عُنوانًا لكتابه الفتّان: "طبّ النّفوس، فنّ الغناء الصّنعانيّ".

   وكما أنّ المُجتمَع اليَمَنيّ طبَقات، وأنّ سُمُوَّ وعُلُوَّ طبَقات البَيت اليَمَنيّ، من عُلُوّ وسُمُوّ مَنزلة صاحب البَيت الاجتماعيّة، فإنّ القات طبَقات، ولكُلّ طبَقة قاتها: قات العائلة المالكة (أو من حَلّ محلّها) - قات الأشراف - قات طبَقة المَشايخ والعقّال (وهُم رُؤساء القبائل وشُيوخ القرى والأحياء) - قات الرّيفيّين من زرّاع ومُربّي ماشية - قات الحِرَفيّين والصّنّاع اليَدَويّين (وهُم مَن يَتذَيّلُ اللائحة). وهي التّراتبيّة التي تَرِدُ، أحيانًا، كالتالي: السّادة - القُضاة - العرب - بنو الخمس.

   ثمّ إنّ القات - زادَ اللهُ في أنفاسك - بالنّيّات، وإنّما لكُل "مُخَزّن" ما نَوَى: فمِنْ راغب في إطالةِ الليل وإقامَتِه، ومِنْ مُسْتَجْلب للمَرَح والاغتباط، ومِنْ زاجرٍ للاكتِئاب، ومِنْ دافع لقلاقل جنسيّة، ومِنْ...

   وكما أنّ للرّجال مَقيلًا، فللنّساء مَقيلهنّ: "التفرطة".

   رأيتُ من خلل نافذة صَغيرَة ذات مُرَبّعات ومُستطيلات زُجاجيّة مُختلفة الألوان، إلى الأرض وقد بلّلَها المَطر، ونحنُ في عزّ الصّيْف. إنّها "الوسمي"، الرّياح الجَنوبيّة اليَمانيّة التي اشتاقَ إليها عبد الملك الفقعسي (ت 825 م)، والتي تقودُ السّحُبَ الماطرَة، فقال:   (طويل)

وأشْتَاقُ للبَرْق اليَمَانيّ أنْ بَدَا     وأزْدَادُ شَوقًا أنْ تَهبّ جَنُوب

   وقد سبقَ أن قرأتُ في "وصف صَنعاء" المُستَلّ من "المنشورات الجلية" لعلي بن محمد الشهاري، كيفَ أنّ الرجُلَ يقولُ لصاحبه وهُما في الحُقول، والوَقت صَيف: "عَجّل قبْل الغيْث، لأنّهُ لا بدّ من المطَر في هذه الأيام"، وهو ما سَتَراهُ عَيني، لاحقًا، في "تُحفة النظار" لابن بطوطة، بل أوْرَدَ ذلك - أرغمَ اللهُ أنفَ شائِنك - الرّحّالةُ المَغاربة الذين وَطِئَت أقدامُهُم ثَرى "العربيّة السعيدة": ابن رشيد، وابن جبير، والعبدري، صاحب "الرّحلة المغربيّة"، وغيرهم.

   ونحنُ نهمّ بالمُغادَرَة، سألَني المقالح: كيف كانَت إقامَتُكم بين ظهرانينا؟ أجيبُهُ: كانت ماتعةً مُمْتعةً، لكنّني، رغم ذلك أغبطُ رينزو مانزوني الذي تنقّلَ على ظُهور الدّوابّ عبْر أرجاء اليَمَن، فرحلتُهُ، لذلك، أغْنَى. كنتُ مُدركًا لعِلمه بالتّفاصيل، إذ هو مَنْ قدّمَ لـ "اليمن، رحلة إلى صَنعاء، 1877-1878" لرينزو مانزوني، ترجمة ماسيمو خير الله من الإيطاليّة. ابتَسَمَ ابتسامةً واسعَةً، ثمّ خَطَوْنا نَحوَ الباب. (عبد العزيز المقالح، مُستشار رئيس الجمهوريّة في الثقافة والأستاذ بجامعة صنعاء، ورئيس المجمع اللغويّ اليَمني ورئيس مَركز الدراسات والبُحوث اليَمنيّ).

   عُدْنا إلى الفُندق وقد أفطمَ النّهار. تَشَمّمْنا، في الطريق، ونَحنُ نَرنو إلى جبَل نُقُم، نَداوَةَ الأرض. كما لو أنّنا في خَريف أو شتاء. أتناولُ عشاء خفيفًا، وأعتذرُ للخلّان عن الانضمام. أندسُّ في فراشي. أتصَفّحُ جرائدَ يَمَنيّة حَمَلتُها من وَسَط البَلد: "الجمهوريّة"، "الثورة"، "22 مايو"، "الشورى"... تَتَسَلّلُ إليّ، على رُؤوس الأصَابع، نوْمَة، تُهَدْهدُني ثمّ تأخُذُني.

قبْر الشاعر

   أقلّنا زيد صالح الفَقيه، بُعيْد الظّهيرة، من الفُندق، صلاح الوديع وأنا، صَوبَ مقهى ذي فَضاء مَفتوح، في أطرافِ المَدينة. بَدا لي مقهى شبابيًّا، يَنعمُ روادُهُ بغَيْر قليل من الطّمأنينة.

   قَلّبْنا الحديثَ ذات اليَمين، وذات الشمال. صرْنا نَخرُجُ من حديقة فكريّة لنَلجَ حديقةً أدبيّة، والعَكْس. نَلهُو مُغتَبطين بين دفاّت الكُتُب. ننطّ من غُصن إلى غُصن. ألْحَحْتُ على رفيقَي على زيارةِ قبر عبد الله البردوني. كيف تَخلُو زيارَتُنا لليَمن من زيارَةِ مرقدِ البردوني؟

   ذكّرتُهُما بالقولة المَسكوكة التي شاعَت، بَيننا، ذات زَمن: "في اليَمن ظاهرتان، القات وعبد الله البردوني. أقولُ لهُما: ها قد "خَزّنتُ"، وها قد زُرتُ قبْرَ الشاعر، ها قد صرْتُ يَمَنيًّا! 

طالما قرأتُ البردوني. نداءٌ داخليّ يلحّ عليّ لقراءَته. مساء. في غبَش الوقت، في بيتي بالرباط. أجلسُ ووَجهي إلى البَحر. في شُرفة مُطلّة على المُحيط. أقرأ البردوني. مجموعات شعريّة من الحَجم الصّغير. أقرأُ البردوني وأتأمّلُ مَوْجَ البَحر. أقولُ ما أشْبَهَ بَيْتَ البردوني بالمَوج. يأتي قويًّا. سريعًا. ثمّ يَنكَسر. يَتَلاشَى.

   صرْنا على عجلة من أمْرنا. خَشينا أنْ يُدركَنا الليل. فقد هزلَ النّهار وغارَتْ عَيناه وأحاطَتْهُما دوائرُ سود، والشّمس تَجري إلى مُستقَرّ لها، وصارَ التّعَبُ يدبّ إلى مفاصلنا.

   حدّثنا صالح الفقيه، ونحنُ في الطريق إلى مقبَرَة "خزيمة"، المقبَرَة التي فيها تُربَةُ الشاعر عبد الله البردوني، عن المُحاوَلات الحَثيثة لتَحويل بَيْته مُتحفًا، بَيته الآيل للسّقوط، بل قُل إنّه انهارَ، في حيّ "بُستان المنصور"، غيْر بَعيد عن ميدان التّحرير، وَسَط العاصمة. (زيد صالح الفقيه، باحثٌ وقاصّ، كان يَومئذ وكيل الهَيئة العامّة للكتاب لقطاع النشر والتوزيع بوزارة الثقافة اليَمنيّة).

   ها نحنُ، اللحظة، نقفُ على قبْر الشاعر. قبرٌ نالَ من العناية ما لا تُخطئُهُ العَين. قبرٌ وَسيع من رُخام. وعلى الشاهدة: ""يا أيّتُها النّفس المُطمئنة..."، ضريح المَرحوم المُفكّر الأديب الشاعر الكبير عبد الله البردوني، المُتوفى يوم الإثنين 30 أغسطس 1999م"، ثمّ طرف من قصيدَته "أحزان وإصرار".

   جَلسْنا إلى القبْر بُرهَة، يلفّنا صَمْتٌ ويَعترينا وُجُومٌ. وفي طريق العَودة إلى الفُندق، تلَوْتُ عليهما تلك الأبيات الثلاثة التي أهْدَى من خلالها البردوني ديوانهُ "السفر إلى الأيّام الخضر" إلى صَنعاء. الأبيات التي، من فَرْط استئناسي بها، صارَتْ جُزءًا من مَحفوظاتي: ( طويل)

 أغَنّــــي لمَن؟ للحلوَة المُرّة التي    أبرعم من حُزن الرّماد شَذاهــا

لصَنعا التي تُردي جميعَ مُلوكها    وتَهوَى وتَستَجدي مُلوكَ سواها

لصَنعا التي تَأتي وتَغرب فجأةً     لتَأتي ويَجتاز الغُروب ضحاهـا

   صباحَ اليَوم الموالي، أرافقُ صلاح الوديع لاقتناء ديوان البردوني. البردوني الذي أذكرُ أنّهُ ثالثُ ثلاثة رَحلوا في ذات الصيف، صيف 1999، شكري محمد عياد، وعبد الوهاب البياتي.

   وكان صالح الفقيه رَغّبَني، والنفسُ راغبةٌ إذا رغّبْتَها، ونحنُ في المقهى، في قراءَة كتاب "البردوني المُثقّف المُؤسّسة، ساخرًا" لقادري أحمد حيدر. وسُخريّة البردوني التي كنتُ على عِلمٍ وَسيع بها، هي من مَوضُوعات صالح الأثيرَة، كما أخْبَرَني. سجّلتُ عُنوانَ الكتاب في وُرَيْقةٍ قَصْد اقتنائه، لكنّني، وا حَسْرَتاه، عُدْتُ إلى المغرب من غَير الكتاب.

   كانت "دار الحداثة" في بيروت، أصْدَرَت دواوينَ البردوني على دفعات، فأُتيَحْت لنا فُرصة قراءته. دواوين من حُجُوم ضَئيلة، في حَجْم الكفّ، أحْللْتُها، في خزانتي، مَكانًا عليًّا: "وُجوه دُخانيّة في مَرايا الليل"، "كائنات الشوق الآخر"، "السفر إلى الأيام الخضر"...

   طالما قرأتُ البردّوني. نداءٌ داخليّ يلحّ عليّ لقراءَته. مساء. في غبَش الوقت، في بيتي بالرباط. أجلسُ ووَجهي إلى البَحر. في شُرفة مُطلّة على المُحيط. أقرأ البردوني. مجموعات شعريّة من الحَجم الصّغير. أقرأُ البردوني وأتأمّلُ مَوْجَ البَحر. أقولُ ما أشْبَهَ بَيْتَ البردوني بالمَوج. يأتي قويًّا. سريعًا. ثمّ يَنكَسر. يَتَلاشَى. أنت لا تستطيعُ استراحةً ولا وقفة ولا سكتَةً. قوّةٌ خفيّةٌ تدفعُك، دفعًا، إلى نهايةِ البَيت. إلى الرّويّ الرّتيب. لا يَبقى في أذنك، من النّص كله، إلا رتابة الروي. مسألة مُثيرة في شعر البردوني. شعرٌ سريعٌ. أنت لا تستطيعُ إلّا أنْ تَرضخَ لهذه السّرعة. كأنّك على عَجلة من شِعْرك. هل للمَسألة علاقةٌ بعَماه؟ لستُ أدري، ثمّ إنّك لا تستطيعُ قراءةَ شعر البردوني إلّا جَهرًا. نَعم. هكذا. جهرًا. هو شعرٌ لا يَمْنَحُ نَفْسَهُ إلّا لذي الصّوت الجَهور. هل للأمْر علاقة بعَماه؟ لستُ أدري. شَيءٌ مُحَيّر. ثمّ إنّ شعرَ البردوني لا يَمنحُ نَفْسَه إلّا للمُلمّ بالشأن اليَمَني تاريخًا. أدبًا. سياسة. اجتماعًا. لا يَخلو بيتُ البردوني الشعريّ من إحالة تاريخيّة أو سياسيّة أو اجتماعيّة. شَيءٌ لافتٌ في شِعْره. من هُنا كثرَةُ الحَواشي والتّفسيرات والشّروح أسْفَل كُلّ قَصيدَة.

•••
محمد الصالحي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English