ابتزاز يتحوّل إلى محاولة انتحار

أين يكمن الخلل؛ في القانون أم العادات؟
محمد علي محروس
November 8, 2022

ابتزاز يتحوّل إلى محاولة انتحار

أين يكمن الخلل؛ في القانون أم العادات؟
محمد علي محروس
November 8, 2022

تسعة أشهر تحت رحمة الابتزاز، قضتها سارة علوان، أملًا في أن تصل قضيتها إلى نهاية تنهي معاناتها التي ولدتها صورة، وصلت إلى متناول شاب استخدمها للابتزاز؛ محيلًا بذلك حياتها إلى مواجهة مفتوحة العواقب، حتى كادت أن تنهيها عندما حاولت الانتحار بمسدس أصابت رصاصته المنطقة التي تتوسط كتفها الأيسر وقلبها، مساء الأربعاء 2 تشرين الثاني/ نوفمبر، بمدينة تعز (جنوبي اليمن)، لكنها تجاوزت مرحلة الخطر، وبات وضعها الصحي مستقرًّا، بعد تدخل جراحي إسعافي.

ضحية الخذلان

في يوم 2 نوفمبر/ تشرين الثاني، نشرت سارة علوان على حسابها في فيسبوك، منشورات تحكي فيها تعرّضها للخذلان، وبأنها لم تعد قادرة على الاستمرار فيما بدأته، وهي فتاة في نهاية العشرينيات من عمرها.

"أنا آسفة لكل الناس الذين أحبّوني، آسفة من قلبي، لا تدعُوا أحدًا يتكلم عني أنّي كنت ضعيفة، تكلموا عن كيف كان العالم بشعًا فوق طاقتي. حاولت بكل ما أوتيت من قوة، حاولت قدر استطاعتي"، بهذه الكلمات أوعزت علوان إلى نيّتها بالانتحار، أكّدها فقدُ أهلها الاتصالَ بها، والرسائل المتتابعة لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي لم تثنها عن خطوتها المعلنة. بعد مرور ساعة، حاولت أن توثق لحظة انتحارها، ولكن ضعف الإنترنت لم يساعدها بذلك، كما تقول.

محاولة انتحار سارة، لقيت اهتمامًا واسعًا، وسط اتهاماتٍ للعادات والتقاليد المجتمعية بالوقوف وراء ظهور هكذا قضايا كسبب محوري؛ إذ لا تتعامل الأسرة مع أبنائها من منطلق حمايتهم من الضرر الذي سيلحق بهم، بل تهتم بدرجة أساسية بسمعتها، وما سيقوله الناس عنها، من منطلق "العَيب" الذي أصّلته العادات والتقاليد المتوارثة بين الأجيال.

عُرفت سارة علوان بنشاطها الإنساني، ومبادراتها القائمة على مساعدة الشرائح الأشدّ احتياجًا، كمرضى السرطان، والمصابين بالتوحد، والأيتام، والنازحين، وتمحورت أنشطتها إلى جانب المساعدات الإنسانية، في الجانب الترفيهي والدعم النفسي للأطفال على وجه الخصوص.

شكّل ما حدث لها صدمةً كبيرة على مستوى البلاد، فاتحًا المجال لأسئلة تمحورت حول القوانين اليمنية وتعاطيها مع مثل هذه القضايا، وما الذي يمنع الأجهزة الأمنية والقضائية لسرعة البت والحسم في قضايا الابتزاز، وكيف تصنع العادات والتقاليد الضابطة للرتم الأسري فجوات بين الفتاة وأسرتها، ما يجعلها عرضة للعديد من حالات الابتزاز والتنمّر.

مواجهة بدون إطار

لا يوجد نص قانوني لمكافحة الابتزاز والجرائم الإلكترونية في اليمن، لكن المادة "313" من قانون العقوبات اليمني والمخصصة للابتزاز بمفهومه العام، تنص على: "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز خمس سنوات أو بالغرامة كل من يبعث قصدًا في نفس شخص الخوف من الإضرار به أو بأي شخص آخر يهمه أمره ويحمله بذلك وبسوء قصد على أن يسلمه أو يسلم أي شخص آخر أي مال أو سند قانوني أو أي شيء يوقع عليه بإمضاء أو ختم يمكن تحويله إلى سند قانوني".

بينما تنص المادة "245" التي خصصت للتهديد، على: "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة، كلُّ من هدّد غيره بأي وسيلة بارتكاب جريمة أو بعمل ضارّ أو بعمل يقع عليه أو على زوجه أو أحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة إذا كان من شأن التهديد أن يُحدِث فزعًا لدى من وقع عليه".

أثارت قضية الابتزاز التي تعرّضت لها سارة علوان مطالبات سابقة لحقوقيين بضرورة سنّ قانون لمواجهة الجرائم الإلكترونية بأنواعها، وفي مقدمتها الابتزاز والتنمُّر، وهو ما دفع رئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات المحامية هدى الصراري، للتساؤل: "هل آنَ الأوان لإنشاء قانون لمكافحة الابتزاز والجرائم الإلكترونية، والتي تُظهِر المؤشرات والوقائع تعرّض الكثير من الضحايا النساء والفتيات لابتزاز وتهديد وتحريض وسبّ وقذف في شتى المجالات في مجتمعنا اليمني؟ وإلّا نحن فالِحون بمراقبة المنشورات ومكافحة الآراء والنقد تجاه سلطات الأمر الواقع أيًّا كانت؟!".

ترى الصراري أنّ الأمر يحتاج لمناصرة ومنظمات نسوية فاعلة، فكما أقرّوا نيابة بلا قانون، فَلْيُقِرّوا قانونًا يحمي فئة وشريحة كبيرة في المجتمع تتعرّض لشتى أنواع العنف، بسبب غياب آليات المساءلة، وضعف آليات الحماية القانونية والتشريعات، والنيابة التي تعنيها الصراري هي للصحافة والنشر الإلكتروني والمطبوعات، كان مجلس القضاء الأعلى في عدن أقر إنشاءها في آب/ أغسطس 2022.

الأجهزة الأمنية في تعز ألقت القبض على المتهم الأول في قضية الابتزاز، وقالت في منشور لها إنّها تلاحق آخرين على علاقة بالموضوع، ووفقًا للمنشور فإنّ القضية كانت منظورة في إدارة البحث الجنائي منذ أيار/ مايو 2022، بعد بلاغ بتعرّض الفتاة لابتزاز من قبل أرقام مجهولة محلية ودولية بدءًا من 5 شباط/ فبراير 2022.

المنشور ذكر أنّ والد "سارة" طلب إيقاف الإجراءات في 29 آب/ أغسطس 2022، بمبرر وجود مساعٍ للصلح، بعد تحديد هُوية المبتز الذي اتضح أنّه من جيران منزل أسرة "علوان".

المجتمع سلاح الجريمة!

محاولة انتحار سارة، لقيت اهتمامًا واسعًا، وسط اتهاماتٍ للعادات والتقاليد المجتمعية بالوقوف وراء ظهور هكذا قضايا كسبب محوري؛ إذ لا تتعامل الأسرة مع أبنائها من منطلق حمايتهم من الضرر الذي سيلحق بهم، بل تهتم بدرجة أساسية بسمعتها، وما سيقوله الناس عنها، من منطلق "العَيب" الذي أصّلته العادات والتقاليد المتوارثة بين الأجيال، وهو ما دفع المحامي والناشط الحقوقي عمر الحميري للقول في حديث لـ"خيوط"، بإنّ الابتزاز جريمة سلاحها المجتمع.

يوصّف الحميري ذلك من وجهة نظره، إذ يرى أنه لولا فكرة العار، وخوف الضحية من عقاب المجتمع، والتعرض لمعاملة الشخص المنبوذ، لما استطاع المبتزّ إحداث الخوف اللازم لتمام الجريمة.

بنبرة تهكمية، يعتبر الحميري أنّ "جزءًا كبيرًا من تعاطف المجتمع مع الضحية اليوم سببه محاولتها الانتحار، لا لكونها تعرّضت للابتزاز"، وتوصّل لذلك، "كون المجتمع هو ذاته الذي ينبذ عشرات الضحايا الأخريات؛ لمجرد انتشار صورة أو فيديو شخصي، كان لتسربها وانتشارها ألف سبب، لكنه اختار سوء الظن وأسوأ سيناريو في خياله المريض، وظلّ يلاحق الضحية بها".

ويحكي الحميري عن معاناة ضحايا ابتزاز وقعن في تلابيب القيود الأُسريّة، فهناك أب يحرم الضحية من الدراسة، أو يزوِّجها قسرًا ممن لا يكافئها، وأخ يشنقها ويرتّب موتًا طبيعيًّا لها، وأسرة تنبذها وتستثنيها من امتيازاتها، وصديقات يجعلن الشائعة حقيقة ويرفضن صحبتها، وزميلات دراسة يتجنبن رفقتها، ومجتمع يرفض إعادة الاعتبار لها، والزواج منها، ولا يأتي اسمها في أوساطه إلا مع ذكر الوصمة، كل هذه الوقائع والممارسات تمثل سلاحًا لمن يريد الابتزاز، مستغلًّا بذلك جبروت القيود المجتمعية التي تتعامل مع المرأة كحلقة ضعيفة، وكتابعٍ مجمل ما يقوم به يندرج تحت قائمة "العيب".

بينما تنظر الدكتورة ذكرى العريقي، رئيسة قسم علم الاجتماع بكلية الآداب في جامعة تعز، في حديثها لـ"خيوط"، إلى أنّ التراكمات الأُسرية منذ الصغر، تولِّد ما وصفتها بأصنام من الموروث والأفكار المغلوطة، أصبحت قيمًا ومعاييرَ وسلوكًا معاشًا ومرجعيةً أخلاقية وثقافية غير قابلة للنقاش، وهو ما يعني بروز مثل هذه المشكلات التي تُخرِج الإنسان عن طبيعته وقيمته الوجودية في الأرض، كما تقول.

أُوقف نزيف سارة، وسُحِبت السوائل من رئتها، لكن الرصاصة ما زالت عالقة، بانتظار قرار الأطباء، وبينما تخضع للرقابة الصحية المشدّدة، يخوض ناشطون حقوقيّون وإعلاميّون نقاشاتٍ مستفيضة في مجالسهم الجماعية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، يأملون أن تُسَنّ قوانين رادعة، وأن تتبنى المؤسسات المجتمعية حملات توعية لتعزيز الحماية الرقمية، ولتوعية الأسرة بضرورة تفهّم واستيعاب كل ما تواجهه المرأة كجزء من المجتمع، بعيدًا عن العادات والتقاليد.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English