مهاجل المرأة اليمنية في الريف

أهم سبعة أغراض للأهازيج الشعبية في اليمن
زيد الفقيه
April 9, 2021

مهاجل المرأة اليمنية في الريف

أهم سبعة أغراض للأهازيج الشعبية في اليمن
زيد الفقيه
April 9, 2021
Photo by: Mohammed Al-Mekhlafi - Khuyut

لا شك أن الأمة العربية أمةٌ ارتكز فكرها على التواتر الشفاهي، أكان ذلك في الشعر الجاهلي، أم الحديث النبوي، أم القرآن الكريم، وجاء عصر التدوين متأخرًا عن ظهور هذه المشارب الثقافية، ومن هنا كان لا بد أن يظل هذا التواتر الشفاهي الموروث والمتأصل في ذاكرة هذه الأمة ساريًا في شرايينها -حتى الآن- في الأدب العربي عامة والشعبي بخاصة، "والأدب الشعبي يعدُّ من أهم وأبرز موضوعات التراث ". [1] كثرها عراقة، وهناك من يسميه الأدب الشفاهي، أو الفن اللفظي، أو الأدب التعبيري".

ومهاجل المرأة اليمنية ضرب من هذا التعبير الذي تكون السليقة والعفوية هما منبته، وتقوم هذه "المهاجل" على التواتر الشفاهي أساسًا، لتداوله في مختلف مناطق اليمن وتكون حوارية الترديد هي أساس شلَّته بأصوات عالية، حيث تنقسم النِّسوة اللائي يرددنها إلى مجموعتين مثنى مثنى أو ثُلاث ثُلاث، ويتجاذبن أطرافه بأصوات مرتفعة تنبعث من أواسط الحقول في موسم العلان، كتغاريد البلابل. وتشي كلمات هذه "المهاجل" بما يختلج في نفس المرأة من أحلام وأحزان وفرح وشكوى وشوق وعتاب، شارحة الوضع الاجتماعي التي تعيشه بتفاصيل حياتها الاجتماعية القروية، ذاهبة في قصائدها "المهاجلية" إلى أبعد من المعاني المباشرة لأبيات "المهاجل"، حيث تتخفى خلف ألفاظها المعاني التي تريد المرأة الإفصاح عنها بطريقة ما، وسنعرف هذا لاحقًا عند شرح الأبيات .

وترتبط مهاجل المرأة اليمنية في الريف بحقبة زمنية محددة هي المساحة الزمنية التي يكون فيها الموسم الزراعي قد وصل إلى مرحلة يطمئن فيه المزارع على خراج الأرض بأنه مبشرٌ بالخير، وأن الثمار قد وصلت إلى مرحلة النضج، وغير قابلة للنكوص إذا ما شحت الأمطار بعد هذا الموسم الذي يسمى بـ"العلان"، ولذلك سميت الأهازيج الخاصة به بـ"مهاجل العلان" وتردّدها النسوة في الحقول عند جمعهن أوراق الذرة بأنواعها: الشامية، البيضاء والحمراء، وقد تردّدها النِّسوة على أسطح المنازل عند ما يسدل الليل جلبابه على الأرض، في ليالٍ يكون القمر هو مصدر ضوء السماء، وتكون المغردات بـ"المهاجل" هنَّ مصدر ضوء الأرض، وكذلك يفعلن عند ما يقمن بإطعام الأبقار علفها المعدّ من أوراق الذرة أو ما تُسمى (الغُرَز) في وقت الضحى أو نهاية النهار.

هذه "المهاجل" هي فنٌّ ارتبط بالنسوة بخاصة، ومن العيب أن يشلّ رجل بصوته هذه المغارد، إلا فيما ندر عند حدوث عجز في عدد النسوة، وفي هذه الحالة الضرورية، يكون الرجل المشارك ممن تسكنه الفكاهة وصوته جميل وقريب من الّنِسوة في الطباع، لكنه- أي الرجل- قد يكتب أو يقول أبياتًا مغاردية ويعطيها للنسوة، وقد يردُّ الرجل على المرأة للدفاع عن نفسه، كما سيأتي في النصوص أدناه. 

يرى الأستاذ عبدالله البردّوني أن "فن المهاجل والزوامل والأغاريد، قد شكل أساس شعر العامية من الناحية التفاعيلة ومن حيث اللغة ومن حيث النكهة، وإذا كان الشعر العامي عند المثقفين من (ابن فليتة) إلى (عبدالله هاشم الكبسي) يمتّ إلى بعض البحور الخليلية والموضوعات الموروثة، فإن فن المزارع والشعاب، أشخص ينابيعه وأهم مبررات وجوده؛ لأن فن الأرياف جذَّره وخلق بيئته الاجتماعية، ولم يخرج شعراء العامية على الفصيح، إلا لأن فن الريف قد سبقهم بخلق ملكة الإيقاع وحاسة التقبل" [2]، وتدخل هذه "المهاجل" تحت التصنيف اللغوي الثالث للعامية المعاصرة عند الدكتور عبدالعزيز المقالح، وهي عامية القرية. [3]

ولعل أهم ما يميز هذه "المهاجل" أن البيت الواحد يعطي دلالة ذات معنى تامّ يُحْسَن السكوت عليه وتكتمل به المقاصد التي تذهب إليها. وفيما ندر تضطر إلى تجاوز البيت أو البيتين عند الرَّد على غيرها؛ وتحصر هذه "المهاجل" بزمن معين هو زمن "العلّان" الذي لا تتجاوز مدته شهرين من بداية موسمه حتى نهايته، ثم يطويها النسيان وتستعاد في العام الذي يليه. ولكون موسيقى الشعر، بأبحرها الستة عشر، صنيعة الإنسان عفوي الخاطر وليس العكس، فإن "مهاجل" المرأة قد جاءت على أوزانٍ خاصة بها، يسميها الأستاذ عبدالله البردّوني "بحر المهاجل الشعبي"، ويرى أيضًا أن شعر غزال المقدشية، وعلي ناصر القردعي ألصق بشعر "المهاجل" والزوامل لريفيتهما حتى إن بعض أشعار غزال المقدشية من "المهاجل" صالحة لغناء هذا النوع من الأهازيج [4]، وهذه "المهاجل" تُعد ضربًا من أهازيج العمل وأغانيه ومغارده المختلفة.

 ويرى الأستاذ مطهر علي الإرياني أن: الْهَجَلَ -بفتحتين على الهاء والجيم- اسم جنس لها، والهَجْلةُ- بفتح فسكون- تطلق على الواحدة منها وتجمع على "هجلات"، وفي بعض المناطق تطلق "الهجلة" اسمًا للمطولات من أغاني بعض الأعمال الخاصة أهمها "الشرف"، وهو جمع أوراق الذرة البلدي. وهي تُغنى بأبيات مفردة بالمئات من العفوي الشعبي، وتكون على وزن معين من بحر شعري خاص يسميه الإرياني "بحر الخفيف التام الذي لم يحفظه لنا شعر التراث وبقي في الشعر العفوي الشعبي اليمني، ووزنه:

فاعلن / فاعلن / مستفعلن / فاعلاتن: فاعلن/ فاعلن/ مستفعلن/ فاعلاتن [5]. ومنه قول المرأة: "آح يا قلب آح.. يا ليت للقلب مفتاح.. نفتحه للرياح.. يروح من الهم ما راح"

وقد تعددت أغراض "المهاجل" بتعدد النوازع الإنسانية للمرأة اليمنية في الريف، بما يتطلبه وقت العمل في الحقول. وهذه الأغراض هي:

 1ـ الاستهلال.

 2ـ الغرض العاطفي.

 3ـ مناجاة الطبيعة.

 4ـ التعبير عن نعمة الخير.

 5ـ المواقيت ودلالاتها.

 6ـ القيلولة وتداعياتها.

 7ـ التغليس أو التشريق.

 وعادة ما تبدأ بـــ:

  • مهاجل الاستهلال، كقولهن: 

"يا صباح الرضا عليك يا طالب الله ** طالب الله سَرَح وابليس لا ردّهَ الله 

يا صباح الرضا شرَّقت يا سيد الاحباب ** المحبة بَلاش وعاشق اثنين كذّاب 

البُكَر هي صواب ما شي على الباب بواب

               جيت قبل الغراب والطل جامد وشي ذاب 

يا صباح من براح طاير نَشَرْ صفّ الاَجْناح

                نقيِّده بالعشي والصبح لا راح له راح" 

  • الغرض العاطفي 

[6]يا صباح الرضا كلٌّ يبدي حبيبه ** تمر والاّ زبيب والاّ عنب من رطوبه

 يا حبيب يا لبيب يا زين من غير تحقيق ** الشفايف عقيق والفم يا فارج الضيق 

يا حبيب القلوب ما لك مغضي ومكروب * بالشوارع تلوب أو شِي معك خلّ معيوب

يا زبيب المَصَر يا رازقي يا مجوَّل * شد فوق الجمل قد المحبهْ للأوَّل 

يا بريد اليمن سنّب ذا الخط شلِّه  * بلغ الغايبين كلّن يروح لخلِّه 

قل لفيصل سعود يبنّد الشغل كلِّه  * إن يجي لا رجب والاّ فغيره يشلِّه 

يا عنب رازقي كم لي مراعي لك أيام *  لا سخيت اقطفك ولا معي قلب هكّام 


  • مهاجل مناجاة الطبيعة 

يا شمس يا حاميه يا ذي بجو السماء  * سبحان من سيَّرك لا عيش ولا شرب ماء

[7]يا ليت يا البرق من يطلع معك لا سَمَاك *  يجزع بضوئك ويشرب من سحابك وماك

[8]لعن ابوك يا الخريف "عَلّان" صدر بتعريف * كان زادك رهيف واليوم زين المهاديف 

علّنَت علّنَت بعد الخريف نطلب الله  *  طالب الله سرح وابليس لا ردّه الله 

البرود بالجبال والقاطفهْ باللويّهْ     * وانت يا قاطفي للقات خلّه شويّهْ


  • مهاجل الفرح بالحصاد 

شدّ لك يا خريف "علان" صدَّر بتعريف * كان قوته رغيف واليوم زين المهاديف 

الله المستعان لو زاد خلِّي تجمل   * كان باقي ثمان وخيرنا قد تحصَّل

الصلاة للنبي والحمد لله ربي    * السَّبُول أعجبت والرازقي طاب له طاب 

شد لك يا خريف علان صدَّر بتعريف * المسابل صعيف والجعْدنهْ أصبحت ليف 

والمثمر يطوف يكتب وفي الكم عنصيف * قد كتب فوقنا من كل حبه ولفليف 

يا (برام) الحلص اليوم دجرهْ ودُبَّا * بيننا في الجُبا "علان" بدَّى المخبّا

علنت علنت ياهل القلوب السليهْ  * علنت وأعلنت بشرى بِغِلّة هنيّهْ  

  

  •   مهاجل الحياة الاجتماعية 

يا صباح من فلاح يا طير علَّى بلا اجْناح * من يريد النجاح شارك مع كل فلاح 

يا غصين الشذاب يا معتلي فوق تجواب * للمجنَّهْ خراب ذي فرَّقت بين الأحباب 

يا غصين الشذاب ما قالك غصن الإزّاب * للمجنهْ خراب ذي فرَّقت بين الأحباب 

الله المستعان يا دار واينو حلالك     * قد خرب دابرك من حين قلّتْ رجالك 

يا بوي يا بوي سهّل لخلّي شروطه   * المهور قد غَلَتْ والخل موظف بدينهْ


  • مهاجل التشريق أو التغليس 

يا شرق يا شرق شرَّق نميم المشالي * يا نميم المشالي أو يا حلى وأنت حالي 

مروح الليل دنى وانِّي بشوذي على الماء * قال حط اسقني وأطراف بنانك محنّا 

مروح الليل يا غاوي طريقك ملاوي    * لا طريقك ملاوي ما جزعتك ليل داوي 

برَّد الله عليش يا حِمْحِمِهْ يا نديّهْ      * برَّد الله عليش بالصبح وآخر عشيّهْ 

ليلش الليل يا زِرَّهْ ويا زنجبيلهْ       * مروح الليل يا تمرهْ برأس النُّخيلهْ


هوامش:

[1] ـ نضال محمد الإرياني، مجلة الحراس العددان 178، 179، صيف 2003م.

[2] ـ عبدالله البردّوني، فنون الأدب الشعبي في اليمن، دار البارودي بيروت، 1998م، ص195.

[3] ـ انظر: د.عبدالعزيز المقالح، شعر العامية في اليمن، دار العودة بيروت، 1986م، ص8.

[4] ـ انظر: فنون الأدب الشعبي، سابق، ص194،195.

[5] ـ انظر: مطهر علي الإرياني، المعجم اليمني في اللغة والأدب ج2، ط2 مؤسسة الميثاق 2012م، ص1053.

[6] ـ عبدالقوي العشاري.

[7] ـ أحمد المعرسي، ص44.

[8] ـ مطهر الإرياني، ص1180

•••
زيد الفقيه

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English