حق التنقل المسلوب في اليمن، تعز نموذجًا

عروس علقت وسط اشتباكات، ومريض احتُجز بسبب رقم طبيبه
لمياء الشرعبي
April 28, 2022

حق التنقل المسلوب في اليمن، تعز نموذجًا

عروس علقت وسط اشتباكات، ومريض احتُجز بسبب رقم طبيبه
لمياء الشرعبي
April 28, 2022
Photo by: Ahmed Basha - © Khuyut

تشهد مدينة تعز الخاضعة لحصار من قبل أنصار الله (الحوثيين) -الطرف المسيطر على أجزائها الشرقية والجنوبية الشرقية- أقسى أنواع المشقة في حياة سكانها؛ ما بين انقطاع للخدمات وصعوبات المعيشة، ومشقة الانتقال عبر الطرقات التي يقطعونها عند الخروج من المدينة والعودة إليها، إضافة إلى الانتهاكات والتُّهم الجاهزة التي يتلقاها المدنيون في نقاط التفتيش على حدود سيطرة أطراف النزاع. وفي حين تستمر محاولات التفاوض بشأن فك الحصار عن المدينة لتخفيف كرب المدنيين، تنتهي في كل مرة بالفشل الذريع.

"عندما تجاوزت الساعة الرابعة عصرًا، فقدت الأمل بأن يكون ذلك اليوم يوم زفافي. ما كان يهمني حينها هو أن أُطَمئن أمي وعائلتي في القرية، الذين ينتظرون وصولي بفستان أبيض، بأنني بخير، لقد شاهدت كل أنواع الأسلحة، وأشياء ظننتها موجودة فقط في المسلسلات".

هكذا تروي عبير خالد (26 سنة) "لخيوط"، قصتها يوم زفافها الذي صادف يوم إغلاق "مفرق شرعب"- غرب مدينة تعز، وهو آخر المنافذ التي استكملت حصار المدينة. عبير فتاة عاشت طفولتها وشبابها في "بلاد الغربة" (المملكة العربية السعودية)، لكنها قررت أن تعود إلى بلدها -اليمن- لتقيم زفافها بين عائلتها في إحدى قرى مديرية "شَرْعَب". قررَت أن تحتفل بيوم فرحها في وطنها الأمّ، غير أن الحرب حوّلت الفرح إلى مأساة وحزن، أو كما وصفته قائلة: "كان يوم نكبتي، وليس يوم فرحتي!".

سافرت عبير في الليلة السابقة لزفافها إلى المدينة، متجهة إلى "معمل الكوافير" كي تتزين لعرسها. وتصف لـ"خيوط" أحداث ذلك اليوم بالقول: "خرجت من معمل الكوافير الساعة العاشرة صباحًا متوجهة إلى شرعب، هناك كانت طقوس الزفاف قائمة، وأصوات الزَّفّة عالية وجميع أهلي والمعازيم ينتظرون وصولي، وفي اللحظة التي وصلت فيها إلى "مفرق شرعب"، حدثت الاشتباكات التي أوقفت عبوري وألغت موعد زفافي".

ظلت عبير في السيارة المحاصرة وسط خط النار، في انتظار أي بارقة أمل تسمح لها بالعبور، وفي الساعة الخامسة عصرًا، فقدت عبير الأمل، في حين لم يكن سائق السيارة يعرف طرقًا أخرى. وبعد أنّ حلّ الظلام، تحول الفرح إلى مأساة؛ بين خوف وقلق وبكاء عائلتها في القرية -الذين عاشوا يومًا أسودَ أشبه بالمأتم، كما تقول- وبين بكائها هي. بعد بحث طويل، وجد السائق رجلًا دلّه على طريق بعيدة ووعرة، كانت الطريق الممتدة من منطقة "الأقروض"- جنوب المدينة، إلى الحوبان بالقرب من الريف الشرقي.

المبادرات السابقة لفتح منافذ المدينة ورفع الحصار عنها لم تتضمن جلوس الطرفين بصورة جادة لأجل الترتيبات الأمنية والعسكرية والسياسية التي تحتاجها عملية فتح الطرق في تعز.

ليلًا، ودون دليل أو خارطة، تسلقَت سيارة العروس الجبال، وبعد معاناة وحسرة ونحيب، وصلت عبير قريتها في مديرية "شرعب" عند الساعة الثانية بعد منتصف الليل. وبسبب وعورة الطريق والوقت الطويل الذي استغرقه سفرها، كانت ملامح الحزن والإرهاق والخوف قد حلت في وجهها بدلًا من ملامح العروس.

تقول الحقوقية معين العبيدي لـ"خيوط"، إن حصار مدينة تعز، سبّب معاناة كبيرة للمدنيين، كما أنّ هناك أشخاصًا لا يلتقون بأقاربهم منذ سنوات بسبب نشاطهم السياسي السابق. وتشير معين إلى معاناة المرضى في الطريق، "وخاصة مرضى الفشل الكلوي الذين يموتون في الطرقات أو في بيوتهم بسبب المعاناة الجسدية والمادية".

لا تزال مشكلة التنقل بين مدينة تعز وريفها الشرقي والشمالي والجنوبي، تؤرق مئات الآلاف من سكان المحافظة الأكثر كثافة سكانية في اليمن، وسبق أن خصصت بنودًا ضمن اتفاق ستوكهولم- ديسمبر/ كانون الأول 2018، لحل هذه المشكلة، لكنها لا تزال حبرًا على ورق.

وفي 6 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري (2021)، تم فتح هذا الملف في لقاء بمدينة عدن جمع محافظ تعز نبيل شمسان وممثلين عن المجتمع المدني ومجموعة من الأحزاب السياسية بتعز، مع المبعوث الأممي هانس غروندبرغ. 

ألفت الدبعي، التي حضرت اللقاء ضمن نشطاء المجتمع المدني، تقول لـ"خيوط"، إن "المبادرات المحلية الأخيرة التي انطلقت في تعز بشأن قضية رفع الحصار، تَبيّن خلالها أنّ جماعة الحوثي مؤجِّلة أي حديث حول قضية التفاوض بشأن تعز". وتشير الدبعي إلى أنّ تأجيل جماعة أنصار الله (الحوثيين) التفاوض بشأن حصار تعز، يعود لتركيز الجماعة حاليًّا على الاستيلاء على مأرب، وتعلل ذلك قائلة إن "جماعة الحوثي يعتقدون بأنهم بعد الاستيلاء على مأرب سيتمكنون من السيطرة على تعز".

وتضيف أن المبادرات السابقة لفتح منافذ المدينة ورفع الحصار عنها لم تتضمن جلوس الطرفين بصورة جادة لأجل الترتيبات الأمنية والعسكرية والسياسية التي تحتاجها عملية فتح الطرق في تعز، لكن "في الفترة الأخيرة، وفي آخر مبادرة محلية، كان الرفض بشكل صريح وواضح من قبل جماعة الحوثي، وهذا يعني أنه الطرف المعرقل"- حسب تعبيرها.

وبحسب الدبعي، فقد تم استكمال حصار تعز من قبل جماعة أنصار الله (الحوثيين) في 16 أغسطس/ آب 2016، حين أغلق مقاتلو الجماعة "مفرق شرعب"- آخر منافذ مدينة تعز، مشيرة إلى أنّ "هناك منافذ أخرى تصل تعز بالعالم الخارجي، لكن سلوكها صعب وينطوي على مخاطر كبيرة، أهمها طريق مديرية "جبل حَبَشي"- غرب، وطريق "الأقروض"- جنوب شرق.

يقول علي الأجعر، نائب رئيس لجنة المفاوضات، في حديث لـ"خيوط"، بشأن رفع الحصار عن تعز من جانب الطرف الموالي للحكومة المعترف بها دوليًّا، إنهم لم يحققوا أي نجاح مع الطرف الآخر بشأن قضية رفع الحصار، موضحًا أنّ المسؤولين من جماعة أنصار الله (الحوثيين) في تعز، "لا يملكون القدرة على التنفيذ" دون موافقة القيادة العليا للجماعة.

وبحسب مصادر محلية، قامت منذ عدة أشهر مبادرات محلية لشق طريق جديد، في محاولة لكسر حصار الحوثيين لمدينة تعز، ويفترض أن ينطلق هذا الطريق من مديرية "الشمايتين"- أقصى الحدود الإدارية لمحافظة تعز جنوبًا، مرورًا بمحافظة لحج، ووصولًا إلى "البُرَيقة" في مدينة عدن.

يتعرض المدنيون لانتهاكات في نقاط التفتيش التابعة لكلا طرفي الحرب، وتحدث اعتقالات للمسافرين بتُهم تنحصر الأدلة عليها في صور بالتلفون، أو لمجرد الاشتباه، خاصة أولئك الذين يأتون إلى المدينة لأجل قطع جوازات سفر.

سلب أموال

تبعات مشقة التنقّل على سكان محافظة تعز، وخصوصًا المدينة، يتصدرها سلب أموال المواطنين التي باتت تظهر مؤخرًا في النقاط التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، حيث يقوم أفراد هذه النقاط بمصادرة أموال المسافرين الذين يحملون نقودًا من الفئة الجديدة المطبوعة خلال سنوات الحرب.

المواطن (ص. ع) (55 سنة)، يسرد لـ"خيوط"، كيف استوقفت نقطة تابعة لأنصار الله (الحوثيين) السيارة التي كان يستقلها، في سائلة "جبل حبشي"، وهو عائد إلى قريته "شَمِيْر"، وقام أفراد النقطة بمصادرة كل ما كان بحوزته من نقود "فئة جديدة" (70 ألف ريال). يقول هذا المواطن إنّ ذلك المبلغ كان آخر ما في جيبه، وأنه كان يحتفظ به لشراء الدقيق والأرز لأطفاله في القرية.

أحد سائقي السيارات العاملة في نقل الركاب من وإلى مدينة تعز -فضّل عدم الكشف عن اسمه- يقول أيضًا لـ"خيوط"، إن "نقطة الهَنْجَر" التابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين) بمنطقة "الرُّبيعي"- غرب المدينة، استوقفته ذات مرة، وصادر أفرادُها كلَّ ما كان بحوزة الركاب من نقود "الفئة الجديدة"، (225 ألف ريال)، وأجبروهم على التوقيع على تعهدات خطية بعدم حيازتها مرة أخرى.

توضح الناشطة الحقوقية معين العبيدي في حديثها لـ"خيوط"، أنّ المدنيين يتعرضون للانتهاكات في نقاط التفتيش التابعة لكلا طرفي الحرب، و"تحدث اعتقالات من الطرفين في بعض الحالات، ولكن الأكثر هو طرف الحوثيين، حيث يُعتقل المدنيون بتُهم تنحصر الأدلة عليها في صور بالتلفون، أو في الاشتباه بالمسافرين، خاصة أولئك الذين يأتون إلى المدينة لأجل قطع جوازات سفر".

تهم جاهزة

المواطن عمار -اسم مستعار، حسب طلبه- (30 سنة)، يشرح لـ"خيوط" قصته، وهو في طريقه للعودة إلى مدينة تعز بعد رحلة عمل قضاها خارجها. يقول عمار إن إحدى نقاط التفتيش التابعة لـ"المقاومة الشعبية" التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا بمنطقة الضباب- جنوب غرب المدينة، وجدوا في هاتفه "زَوامل حوثية"، مشيرًا إلى أن هاتفه يحوي أيضا "زوامل" (أناشيد حربية) للطرفين، وإنه كان مولعًا بهذا النوع من "الطرب الحماسي"- حد تعبيره. وعلى إثر ذلك، احتُجز عمار في النقطة ذاتها، ولم يخرج إلى أهله إلا بعد ثلاثة أيام، بعد أن دفع غرامة مالية.

من جهته أفاد المواطن (أ. م) (40 سنة)، في حديث لـ"خيوط"، أنه تم احتجازه ليلة كاملة في نقطة التفتيش الواقعة في سائلة "جبل حبشي"، وذلك لوجود رقم في هاتفه باسم "العمليات"، مؤكدًا أنه كان عائدًا من رحلة مرَضية في مدينة تعز، وأن ذلك كان رقم هاتف الطبيب الجرّاح. ومع ذلك، تم اتهامه بالعمالة والتخابر مع جهات سياسية.

وهكذا تستمر أزمة التنقل من وإلى مدينة تعز للعام السادس على التوالي، حتى مع تحولها إلى قضية رأي عام، وقضية إنسانية بالدرجة الأولى، وصارت مطروحة على طاولة المفاوضات بين طرفي الحرب الرئيسيين، وبرعاية أممية لم تفلح في التوصل إلى حل يرفع المشقة عن سكان المدينة وأريافها.

* تحرير خيوط

•••
لمياء الشرعبي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English