استقطابات التعليم الديني في حرب اليمن

التوظيف للمقدس في الفتن والحروب (2-2)
عبدالباري طاهر
March 14, 2022

استقطابات التعليم الديني في حرب اليمن

التوظيف للمقدس في الفتن والحروب (2-2)
عبدالباري طاهر
March 14, 2022

تتناول الباحثة ميساء شجاع الدين في دراستها المهمة، استقطابات التعليم الديني في حرب اليمن، ومع عدم الاختلاف مع قراءة الباحثة، ورؤيتها الثاقبة، أودّ الإشارة إلى أن التوظيف للمقدس في الفتن والحروب قديم قِدَم تاريخ الصراعات؛ فالحروب الصليبية والاستعمارية، رغم دعاويها الحضارية والمدنية، إلا أن التبشير كان مقدمة لهذه الحروب المدمرة. أسفار العهدين: القديم، والجديد، وُظِّفت أبشع توظيف في الحروب، ولا تزال الصهيونية العالمية، وقادة دولة إسرائيل، رغم علمانية الدولة، حريصة أشد الحرص على الطبيعة اليهودية للدولة، ولم يكن الأمر مختلفًا لدى اليمين المسيحي أو البوذي أو الهندوسي.

في مرحلة التأسيس للدولة الإسلامية، كان القرآن ورفع المصاحف تكتيكًا من تكتيكات الحرب، وكان الطرفان المتقاتلان يستدلان بنفس الآيات والأحاديث للانتصار؛ بينما كان علي بن أبي طالب يقول لابن عباس: "لا تجادلهم بالقرآن؛ فإنه حمّال أوجه، وهو مزبور بين دفتين، وإنما ينطق به الرجال"، وكان عمر بن عبدالعزيز، المشهود له بالعدل، يقول: "لم يختلف المسلمون على نبيهم وربهم، ولم يقتتلوا على صوم أو صلاة أو حج، وإنما اقتتلوا على المال والسلطان".

يقول العلامة الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل): "لم يُسفك دم على قاعدة دينية كما سفك على الإمامة"، وتلكم مأساة اليمنيين حتى اليوم، وإن اختلفت المسميات.

تقف الباحثة إزاء الصوفية، وترى –محِقّةً- أنها الحاضن الأخير للمذهب الشافعي، وترى أيضًا أن الصوفية ليست مذهبًا فقهيًّا، بل مدرسة سلوكية وتربوية. تركز برؤيتها الصائبة على الجوانب الروحانية، ويزكي ما ذهبت إليه الباحثة، المعركةُ في زبيد بين الفقهاء والمتصوفة، وهو ما يدرسه بدقة وإنصاف الأستاذ عبدالله الحبشي في كتابه (الصوفية والفقهاء)، ولعل قراءة وتتبع أسلوب نشر الحضارم للإسلام في شرق أفريقيا، وجنوب شرق آسيا، يؤكد ما ذهبت إليه الباحثة؛ فهؤلاء المهاجرون الحضارم، ومن خلال السلوك القويم، وتقديم الأنموذج والمثل، قد غرسوا الإسلام في قلوب الملايين من الأفارقة والآسيويين، وهناك مقولة شهيرة للمتصوفة: "الوعظ بالحال، أبلغ من الوعظ بالقال"، كما تؤكد الباحثة حضور التصوف في تهامة، وتعز، وعدن، وحضرموت، والبيضاء، وأضيف إب؛ مشيرة إلى ما تعرضت له هذه المدارس الصوفية أيام حكم الحزب الاشتراكي من قمع وإغلاق، والتنكيل بعلمائها من قتل، وسحل، وسجن، وتشريد، وهي خطيئة التطرف، وكان مردود هذا القمع البشع على حضرموت والمهاجر الحضرمية مقيتًا؛ فالمئات من الطلاب الحضارم الذين كانوا يفِدون سنويًّا إلى حضرموت لتلقي الدروس والتعرف والتعلم في بيئتهم الحضرمية، توجهوا إلى السعودية للتمذهب على الوهابية، وتعلم التطرف والعنف، وابن الشيبة وأمثاله ثمرة هذا التطرف.

تعزو الباحثة اعتماد الزيدية على العقل، للأصول المعتزلية. والزيدية منذ البدء مدرسة كلامية اعتزالية، كما تشيد بفتح باب الاجتهاد، وتشير إلى التخوف الجمهوري من البعد السياسي لمبدأ الخروج في الزيدية، وللأمر ارتباط بالنزعة القتالية القبلية المتجذرة في بيئة مغلقة شديدة العصبية والتخلف.

وتستغرب الباحثة من اصطفاف المدارس الصوفية، واصطفاف بعض الصوفيين مع الحزب الاشتراكي في حرب 1994 رغم تنكيله بهم، ومع وجود التنكيل إلا أن التمييز بين مرحلة حكم الجبهة القومية والتنظيم السياسي، والحزب الاشتراكي الذي لم يتأسس إلا عام 1978 ضروري، ثم إن للبعد الجهوي أثره أيضًا. كانت الباحثة دقيقة في الإشارة إلى "البعض"، كما تشير إلى تفسير البعض بأنه انحياز للسعودية، مشيرة إلى بعض الأسماء، ومع عدم استبعاد التأثير السعودي، وارتباط شخصيات حضرمية كبيرة ونافذة بالسعودية، إلا أن الأساس والرئيس هو أن حرب 1994 كانت ضد الوحدة السلمية، وضد شراكة الجنوب، والموقف ضد الحرب وطني بالدرجة الأولى، مع وجود تأثيرات كثيرة.

وتأتي على بَدء النشاط الصوفي في حضرموت (دار المصطفى)، ومؤسسيها: عمر بن حفيظ، وعلي الجفري، وهو من مواليد السعودية، والتحاق العديد من الطلاب من دول شتى بها، ووجود معارضة من الصوفيين التقليديين، ودعم صالح لذلك، كما تتناول تأسيس محمد علي مرعي عام 2000 (كلية العلوم الشرعية) في الحديدة؛ رابطة بين دعم علي عبدالله صالح للمدارس الصوفية بالخلاف مع الإصلاح، ورغبة صالح في التخلص من نفوذه، كما تتناول استيلاء القاعدة على حضرموت، ومن المعلوم أن تحرك القاعدة وداعش وأنصار الشرعية لعبٌ دامية تحركها الأطراف المختلفة؛ لتفكيك الجنوب، والسيطرة عليه، ولم يكن خروجهم من حضرموت مختلفًا عن مغادرتهم أبين بعد بضعة أشهر.

تدرس الباحثة مخاوف حضرموت من دعوات الانفصال، وللحضارم مخاوفهم من الحرب، ولهم تجربة مريرة مع الجميع، وهم ميالون إلى الأمن والسلام والاستقرار، وأكثر نأيًا بالنفس عن الصراعات الكالحة، وعزوف الصوفية عن الحكم سمة عامة. 

وتدرس المدارس الزيدية في شمال اليمن منذ أكثر من ألف عام، وانتشارها في المساجد والمدارس حتى قيام ثورة الـ26 من سبتمبر 1962، وتشير إلى المضايقات التي تعرض لها علماؤها ذوو الأصول الهاشمية، وتتناول بداية التمدد السني في عموم المناطق بما فيها الزيدية بدعم حكومي، وتمويل سعودي، والواقع أن انغلاق الإمامة المتوكلية وعزلتها، والتحولات القومية في المنطقة العربية كان لها تأثير كبير على التحولات في اليمن، ولم يكن التيار السني بعيدًا عنها.

وتعزو اعتماد الزيدية على العقل للأصول المعتزلية. والزيدية منذ البدء مدرسة كلامية اعتزالية، كما تشيد بفتح باب الاجتهاد، وتشير إلى التخوف الجمهوري من البعد السياسي لمبدأ الخروج في الزيدية، وللأمر ارتباط بالنزعة القتالية القبلية المتجذرة في بيئة مغلقة شديدة العصبية والتخلف.

تؤرخ لنشأة بداية التأسيس للنشاط التعليمي الزيدي كردّ على اتساع نطاق التعليم المذهبي السلفي خصوصًا في صعدة، وبعض المناطق الزيدية، وتأسيس (معهد السماوي) في صعدة، ونشأة الأحزاب السياسية كحزب الحق، وتأسيس المخيمات للشباب المؤمن، كما تشير إلى دور محمد عزان كمؤسس، ومن ثَمّ عودة حسين بدر الدين، والدعم البسيط من قبل الحكومة للتخفف من ضغط الإصلاح والسلفيين؛ مشيرة إلى أن التسييس بدأ عقب عودة حسين الحوثي، وشق جماعة الشباب المؤمن، وللتعليم الطائفي علاقة بنفوذ السعودية منذ 5 نوفمبر 1967، ووظف في المواجهة مع النظام في الجنوب، وضد التيارين: اليساري، والقومي، وارتبط صعود دعم أنصار الله (الحوثيين) في البداية مع بداية الخلاف مع الإصلاح، وعيال الأحمر، والجنرال علي محسن، وبالأخص من حول رغبة صالح التفرد بالسلطة والتوريث.

في قراءتها لأنصار الله (الحوثيين) تشير إلى أنها حركة زيدية بداية من العام 2000، ومقتل المؤسس حسين الحوثي، واندلاع القتال لخمس مرات متتالية 2004، و2010، واستيلاء قوات الحوثي على صنعاء، وتؤكد الباحثة على تطابق الأيديولوجية الحوثية مع الزيدية في القضايا الأساسية، مع المغايرة في قضايا أخرى مثل: خطاب الثورة الإيرانية حول المقاومة، وإدانة الاستكبار العالمي؛ وهو ما يعني بروز الطابع السياسي للصراع.

وتقرأ الباحثة الجوانب العقدية للتيار، كما تقرأ الخلافات مع التيار التقليدي في الزيدية، مبرزةً الطابع السياسي لأنصار الله إزاء العديد من القضايا، والتركيز على التشيع، والقضايا الخلافية مع الزيدية (سنة الشيعة، وشيعة السنة) كحقيقة لهذا المذهب.

وتدرس الدورات الحوثية المفروضة على الموظفين والشباب الذاهبين للقتال، وعلى أئمة المساجد والنساء، كما تقرأ مصطلحات الأصالة والهُوية، وما يشبه تنابز الألقاب بين السلفية والصوفية والزيدية والحوثيين (أنصار الله)، واعتبار كل طرف من الأطراف الأخرى غير يمني، وبالعودة بالصراع إلى عصبيات العدنانية والقحطانية.

وتأتي على دراسة الخلافات بين الزيدية والصوفية والسلفية، وحقيقة الأمر، فهذه الخلافات آراء بشرية، والخطورة تحويلها إلى معتقدات دينية، وتكفير وتفسيق الرأي الآخر المختلف.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English