حِيَلٌ متنوعة لسماسرة العقارات بصنعاء

ضحايا تزيد من معاناتهم أقسامُ الشرطة والنيابات!
محمد مقبل
April 19, 2024

حِيَلٌ متنوعة لسماسرة العقارات بصنعاء

ضحايا تزيد من معاناتهم أقسامُ الشرطة والنيابات!
محمد مقبل
April 19, 2024
الصورة لـ: محمد زياد - خيوط

منذ أشهر، يبحث أحمد أمين (38 سنة)، أحد أبناء حارة البستان في شارع الزراعة بصنعاء، عن بيت يستأجره، دون فائدة، وما يتذكره من رحلة العناء هذه، هي تلك الفخاخ التي نصبت له من دلّال (سمسار) بيوت، ووصلت إلى حالة النصب المكتمل، لتضيف إلى متاعبه ومشاكله اليومية عبئًا إضافيًّا لم يكن في حسبانه مطلقًا.

يستغل الكثير من سماسرة المساكن، حاجةَ الناس للسكن والمأوى في العاصمة، فينصبون أشراكهم الناعمة للإيقاع بالضحايا دون أن يجد الضحايا أيّ نوع من الحماية القانونية في أقسام الشرطة والنيابات، ممّا يجعل ظاهرة الاحتيال العقاري تكبر وتستطيل، في المدينة المزدحمة بأطياف متعددة من السكان المنحدرين من كل مناطق اليمن.

شرك ناعم

يقول أحمد أمين، لـ"خيوط": "تواصلت مع أحد السماسرة (ن.ي)، وأبلغته عن حاجتي لشقة للإيجار، وبعد أيام اتصل بي، وقال إنّ هناك شقة بسعر 70 ألف ريال شهريًّا. عندما وصلنا إلى أمام العمارة التي قال إنّ الشقة موجودة في دورها الثالث، اتصل السمسار لشخص أظنّ أنه صاحبه، خاطبه باعتباره مالك العمارة، حضر هذا الأخير في لحظتها، سلّمته مبلغ 140 ألف ريال إيجار شهرين مقدمًا، و20 ألفًا أجرة السمسار، طلبوا مني صورة لبطاقتي الشخصية حتى يتسنى للأطراف صياغة عقد الإيجار، لكن الرجل الذي يفترض أنه صاحب العمارة تعذَّر بأن وثائقه في القرية، ووعد أنه سيُحضرها اليوم الثاني، الذي لم يحن بعدُ إلى الآن".

ويتابع أمين: "ظللت أتواصل معه، لكنّه في كل مرة، كان يخلق لي أعذارًا على شاكلة أن صاحب العمارة سافر القرية، أو أنّ الشقة قيد التجديد، وهكذا إلى أن اتضح لي لاحقًا أنّه تم استغلالي والنصب عليّ".

ويسرد أمين معاناته: "أبلغت عاقل الحارة ليحلّ الأمر، لكن -للأسف- دون جدوى، لذلك قدّمت شكوى لقسم شرطة 14 أكتوبر، وبدوره وجّه برفع البلاغ للنيابة، وللآن منتظر على أمل أن يتم إرجاع مالي".

من جهته، نبه خالد البيلي، عاقل حارة البستان في شارع الزراعة بصنعاء، إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر من هؤلاء النصّابين، الذين تكاثروا مؤخرًا، وباتت لهم طرق وأساليب متعددة للابتزاز والاستغلال، ما يستدعي وقفة جادّة للتصدّي والمواجهة منّا أفرادًا ومن الجهات المعنية في مؤسسات الدولة. 

وأضاف البيلي في حديث لـ"خيوط": "الظاهرة بحاجة لتكثيف جهود مكافحة النصب العقاري، وتعزيز الوعي المجتمعي، الذي سيساهم بدوره في خلق بيئة قائمة على النزاهة والثقة؛ لأنّ صنعاء عاصمة لكل اليمنيين وهي تستحق أن تكون معقلًا للنظام والقانون والعدالة الاجتماعية، وهي شروط تتحقق بوعي عام وتضافر المواطنين، إذ لا بُدَّ من وضع حدٍّ لهذه الفوضى التي يذهب ضحيتها المواطن المغلوب على أمره، الذي يحتاج من الجهات المعنية أن تحميه". 

بالرغم من تعديل قانون المؤجر والمستأجر الذي أقرّه مجلس النواب سنة 2021، بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر بما يكفل حماية المستأجرين من جشع ملاك البيوت، فإن هذا التعديل في القانون لم يوقف تجاوز واستغلال ملاك العقارات، وبقيَ حبرًا على ورق. في المقابل، ظلّت محاولات المستأجرين في الفكاك من هذا الاستغلال قائمة، لكنها غالبًا ما تنتهي إلى أنياب سماسرة محتالين يضيفون على الجرح جراحًا!

وسائل ترويج

باتت العمليات الاحتيالية لسماسرة العقارات ظاهرةً تثير القلق، خاصة مع تطور أساليبهم الإقناعية واستفادتهم من تقدم وسائل الترويج والإعلان، التي يسخرونها لتلميع أنفسهم وخداع المضطرين من الناس والباحثين عن عقارات للإيجار أو لعمل أو ما شابه ذلك.

مدير مركز شرطة 14 أكتوبر، المقدم سليم الجائفي، ينصح المستأجرين الباحثين عن شقق للإيجار بأخذ الحيطة والحذر، والتحقّق جيدًا من هُوية السماسرة (الدلّالين)، ومن صحة المعلومات التي يقدّمونها، وضرورة التبليغ عن أيّ نشاط مشبوه.

وتابع الجائفي حديثه لـ"خيوط"، قائلًا: "يوجد في قسم 14 أكتوبر وحدَه، 23 بلاغًا متعلقًا بقضايا نصب سماسرة البيوت، لكن أصحاب هذه الشكاوى كثيرًا ما يتهاونون في متابعة قضاياهم -للأسف- مكتفين بتقديم شكوى فقط، دون أن يرفعوا بالدعاوى إلى النيابة العامة، وتصعيد القضية إلى مسارات قانونية صحيحة، بل هناك كثيرون يُؤْثرون الصمت على الدخول في متاهات النيابات، وهذا يبدو من أهم أسباب انتشار الظاهرة، حدَّ علمي". 

في سياق متصل، يشير سامح الأحمدي، مالك مكتب عقارات، إلى نقطة مهمة ساهمت في تزايد أعداد الدلّالين وشجّعتهم على النصب والاحتيال، وهي قصور الوعي القانوني لدى المواطنين بخصوص أهمية أن يكون مقدّم الخدمة حاصلًا على رخصة قانونية، يتم بموجبها الاحتكام للقانون، حال وجود أيّ إخلال بالاتفاقية المبرمة بين الجانبين، وأضاف في حديث لـ"خيوط": "يتجنّب الكثير من المواطنين اليمنيين البحث في مكاتب العقارات بشكل عام، معتقدين أنّ السمسار أو الدلّال أسرع في العثور على السكن المناسب، وأقل تكلفة، لكنهم غالبًا ما يقعون في فخ المحتالين والنصّابين الذين يلجؤون للإنكار أو الهروب أثناء استدعائهم للأقسام والنيابات". 

تعديل قانون المؤجر والمستأجر سنة 2021، بشأن تنظيم العلاقة بينهما، لم يُوقف تجاوز واستغلال ملاك العقارات، وبقي حبرًا على ورق. في المقابل، ظلّت محاولات المستأجرين في الفكاك من هذا الاستغلال قائمة، لكنها غالبًا ما تنتهي إلى براثن سماسرة محتالين يضيفون على الجرح جراحًا!

بدون تراخيص

الدكتور سامر المكردي، مستأجر آخر في حارة سواد حنش، أرغمه جشع مالك الشقة التي يسكن فيها على الوقوع فريسة سهلة لسمسار محتال، يقول المكردي لـ"خيوط": "ذهبت برفقة الدلال (أ.ج) إلى مكان عمارة كان قد أخبرني أنّ فيها شقة في الدور الثاني بـ50 ألف ريال، وفيها مستأجر سيخرج نهاية الشهر لأحلّ محلّه، أتى أحدهم مدّعيًا أنّه صاحب العمارة، وكعادة ملاك البيوت طلبَ إيجار شهرين مقدمًا، دفعت 100 ألف إيجارًا، و18 ألفًا سعاية للدلال، بعد ذلك قال صاحب العمارة: "غدًا نلتقي وسأحضر والدي، فهو المخول بإبرام العقود"، ومن وقتها اختفى ولم ألتقِ به مجدّدًا، حاولت مرارًا أن أتواصل بالدلال الذي كان يبرر هذه المماطلة بالقول إنّ صاحب العمارة مريض، ولا يستطيع أن يخرج، وأحيانًا أخرى يقول إنّ المستأجر الذي فيها طلب شهرًا آخر حتى يخلي الشقة، وهكذا استمر الحال ثلاثة أشهر متتالية".

ويتابع المكردي: "رفعت دعوى للنيابة، لكن العاقل وأحد أصحاب مكاتب العقارات تدخّل بيننا لحل الخلاف، ومنذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، حتى الآن لم أصل إلى نتيجة معهم، بل إنه اتضح لي أنّ من ادّعى أنّه صاحب العمارة لم يكن إلا صاحب الدلال، وقد خطّطا بشكل مسبق لإيقاعي في فخ الاستغلال".

من جهته، قال مدير مكتب وكيل قطاع شؤون الأحياء في أمانة العاصمة، إسماعيل البياضي، لـ"خيوط": "ليس لدينا توجيهات أو قوانين للتعامل مع مثل هؤلاء الدلّالين (السماسرة)، ممن يقومون بالنصب والاحتيال؛ لأنّه بالأساس ليس لديهم تراخيص، ويقتصر منح التراخيص على مكاتب العقارات فقط، مع وجود استثناءات لأعداد قليلة من الدلالين ممن منحناهم تراخيص على ضمانة مكاتب العقارات، التي تعتبر كفيلًا عنهم في حال رُفِعَت قضايا ضدّهم".

منفذ قانوني

وأضاف البياضي: "عملنا هنا في القطاع هو التعامل مع الجشِعين من أصحاب العقار المؤجر، فإذا وصلتنا شكوى من أحد المواطنين، نقوم بإرسال مذكرة لعاقل الحي الذي أتت منه الشكوى، لفهم حيثيات القضية، وفي حال لم نصل لحل، نقوم برفع مذكرة إلى النيابة، وتنتهي مسؤوليتنا هنا".

ويشير البياضي إلى أنّ بعض ملاك العقار، يحتالون حتى على القانون، حين يُبدون عدم رغبتهم في تأجير عقارهم مجدّدًا وأنهم سيستخدمونه لأغراض شخصية، وهكذا يتم الالتفاف على تعديل قانون الإيجارات رقم 22 لسنة 2006، الذي أقرّه مجلس النواب وتعديلاته الصادرة سنة 2021، بشأن تنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر حتى انتهاء الحرب في البلاد.

المحامي والمستشار القانوني غمدان الخيل، يقول لـ"خيوط": "يعاقب القانون اليمني بالسجن على جريمة الاحتيال، مدة لا تزيد على خمس سنوات، ودفع غرامة مالية تساوي المبلغ المحتال به، كما يجوز للمجني عليه أن يطلب التعويض المدني عن الضرر الذي لحق به، وفي حال تم استخدام وثائق مزورة في الاحتيال، يُعاقب الفاعل بالسجن مدة تصل إلى عشر سنوات، ويمكن تشديد هذه العقوبات في حالات معينة، مثل تسبُّب المحتال بتلفيات أو خسائر مادية كبيرة". 

الشرطة غريمًا

مواطنون كثر يتّهمون الشرطةَ بالتهاون مع المحتالين، نظير تلقي رشاوى للخروج من السجن، وهذا ما يسبّب اليأس والإحباط لدى رجل الشارع العادي، الذي ينظر إلى الشرطة كغريم ثانٍ؛ حسب تعبير المحامي والمستشار القانوني، غمدان الخيل.

أمين يؤكد ما قاله الخيل بشأن هذا التساهل، حيث قال: "مرّ الكثير من الوقت ولم يتم القبض على الدلّال الذي أخذ مني المال، وعوضًا عن ذلك، تفاجأت بالقسم يطلب مني إفادة من عاقل الحارة، بالرغم من أني أعطيت نسخة من الشكوى التي قدّمتُها للنيابة، لكنهم مرة يتحججون بضياعها، ومرة أخرى يقولون إنّ الختم مفقود وأنهم يبحثون عنه، وهكذا إلى الآن لم يحدث أيّ جديد يُذكَر في قضيتي".

ينهي الخيل الحديث بالقول: "يتطلب هذا التصاعد الخطير لحالات النصب والاحتيال، تدخُّلًا فوريًّا وحازمًا، إلى جانب تكثيف جهود السلطات وتعزيز التوعية، وتشديد الرقابة على الدلّالين، وتعزيز دور مكاتب العقارات، والتأكد من تراخيصهم لضمان توجيه المواطنين، نحو مصادر أكثر أمانًا".

•••
محمد مقبل

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English