المراكز الأجنبية العاملة في اليمن

جسور التواصل الثقافي والبحثي قضت عليها الحرب
زهور ناصر
December 31, 2022

المراكز الأجنبية العاملة في اليمن

جسور التواصل الثقافي والبحثي قضت عليها الحرب
زهور ناصر
December 31, 2022

لعبت المراكز الثقافية العربية منها والأجنبية، دورًا هامًّا في تقليص فجوات التقارب الثقافي في المناطق التي تعمل فيها، ومنها اليمن، ومثّلت هذه المراكز شكلًا متقدّمًا، من أشكال التفاعل، وفتحت الباب أمام المهتمّين للإسهام في أنشطتها، كما أنّها أتاحت الكثير من فرص التنافس والابتكار لإعادة اكتشاف اليمن ثقافيًّا واجتماعيًّا وتاريخيًّا، غير أنّ هذا الحضور قُدِّر له أن يشهد موتًا سريرًا منذ بدأت الأزمة تلف البلاد كلها، قبل أن تتحول إلى حربٍ أكلت الأخضر واليابس.

إنجاز ثقافيّ 

يقول مدير العلاقات العامة والإعلام بمكتب الثقافة عدن، مسؤول التنسيق للمراكز والمنتديات الثقافية عدن، نزار أبو بكر القيسي: "كان تأسيس المراكز الثقافية الأجنبية اليمنية إنجازًا ثقافيًّا كبيرًا يعود بالنفع على الشريحة المثقفة في بلادنا، من خلال نشر الوعي الثقافي، والاستفادة من الفعاليات الفنية والأدبية وأعمال الترجمة التي تقوم بها هذه المراكز، إلى جانب دعمها كافة الفعاليات الثقافية اليمنية، مانِحتها فرصةً ثمينة أسهمت في عرض الموروث الثقافي اليمني أمام دول وممثّلي دول هذه المراكز الأجنبية". 

وعن دورها بالمجمل، يشير محمد الغباري، مدير مكتب رويترز باليمن، إلى زاوية منفردة في أثر وفائدة هذه المراكز؛ وهي إجادتها، بحكم إمكانيات المادية لهذه المراكز، في اكتشاف الموروث التاريخي لليمن. 

وأضاف موضّحًا بالقول: "فقد تفرد المركز الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية بأنّه -إلى جانب الأنشطة الفنية وتدريس اللغة الفرنسية– كان نشيطًا بمجال البحث التاريخي، وتمكّن من تحقيق مخطوطات مهمة من تاريخ اليمن، ووفّر للباحثين اليمنيين والفرنسيين أيضًا إمكانات جيدة للبحث والتحقيق والدراسات الاجتماعية والسياسية".

من جهته، اعتبر الصحفي الأكاديمي، نشوان العثماني، وجودَ هذه المراكز الأجنبية ذا أهميةٍ بالغة، وقال: "أنا مُنتمٍ وأميل لتأييد وجود المراكز الثقافية الأجنبية في اليمن لأسباب، من ضمنها إنعاش الوعي اليمني، وكذا إنعاش قدرات ومواهب الشباب؛ نظير كون الشباب والأجيال القادمة يتعلمون من خلال هذه المراكز اللغةَ الأجنبية التي تفتح لهم ومعهم آفاقًا مهمة جدًّا، في التحصيل المعرفي وفي اكتساب مهارات للوصول إلى أماكن جديدة، لتقديم صورة البلد بثقافات ولغات وآفاق أوسع".

المراكز ودورها التواصلي

شهدت اليمن خلال العقود الماضية، تواجدَ العديد من المراكز الثقافية العربية الأجنبية، التي زاولت أنشطة وفعاليات كثيرة، وأحيَت مناسباتٍ وطنيةً وعامّة، ومن هذه المراكز: المجلس الثقافي البريطاني في اليمن، المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، المعهد الأمريكي للدراسات اليمنية، البيت الألماني اليمني "معهد جوته"، المركز الهولندي اليمني الشرق أوسطي، المجلس النرويجي للَّاجئين، وكذا المركز الثقافي السوري، وغيرها.

يضيف نزار أبو بكر القيسي، قائلًا: "كان أبرز أنشطة المراكز الثقافية الأجنبية في اليمن تقديم بعض العروض المسرحية الهادفة والأعمال الموسيقية والمحاضرات التثقيفية وبعض الأنشطة الأخرى كالترجمة وتعليم اللغات، والتي كانت على ارتباط وثيق بشريحة الشباب، وأثْرَت الحياةَ الثقافية المحلية بشكلٍ ملحوظ، غير أنّ مَرْكَزة الأنشطة على مستوى العاصمة، حيث كانت تتواجد مقراتها، قلّل من حضورها وتأثيرها الفاعل في بقية مناطق اليمن".

بدوره، قال لـ"خيوط"، رئيسُ قسم العلاقات العامة في معهد الفنون- عدن، ورئيس منتدى الفن، شعيب العفيف: "هذه المراكز الثقافية تسهم في دور كبير، في التعريف بالثقافات وإتاحة الفرصة للفنانين والمبدعين للتعرف على ثقافات الآخر والاستفادة منها، كما أسهمت في تبادل المنح الدراسية والبعثات الثقافية، وكان يتجلّى نشاطها في: الندوات، قراءات الكتب، الروايات، والأعمال مسرحية، والحفلات الموسيقية، والمعارض التشكيلية، ومنح التبادل الثقافي". 

وأضاف أنّ المجتمع لمس الاستفادة منها؛ كونها عملَت على إنعاش الوضع الثقافي، فأغلب شباب البلد تعلّم لغات بلدان مختلفة من خلال هذه المراكز، وتحديدًا: الألماني، والروسي، والفرنسي.

عن تأثير هذه المراكز الأجنبية، يقول نشوان العثماني: "شكّلت تأثيرًا جيدًا، هذا ما أعرف، من خلال أصدقاء وصديقات نالوا تعليمهم بها؛ وبالتالي خاضوا مسارات في حياتهم الإبداعية والمهنية؛ منهم من خدم في اليمن، منهم من ذهب إلى دول أخرى، واستطاعوا بالفعل أن يكتسبوا ويحتكوا بمعطيات مختلفة وجديدة".

تشكّلت على مدى طويل، صورٌ نمطية عن الآخر وثقافته، لكن مع وجود هذا المركز تنجلي أشياء كثيرة، ويتضح ما هو غامض، ويفيد الوعي اليمني كذلك، حسب العثماني، الذي يضيف بقوله:

"من المهم جدًّا أن تكون وجهة النظر إيجابية لهذه المراكز، مع التركيز على تحسين أدائها ودورها، حتى تكون بطابع البلاد أكثر، التي تأثّرت كثيرًا بالحرب".

الصوت الذي أسكتَتْه الحرب

يقرّ مدير مكتب رويترز، محمد الغباري، بفظاعة الحرب وجرمها وتجنّياتها على هذه الحواضن الثقافية، ويقول: "لم تكتفِ الحرب بإيقاف هذه الأنشطة، لكن الحرب قضت على معظم مكاسب تلك المراكز". 

كما يؤكّد حقيقة أثر الحرب وجنايتها على هذه المراكز، رئيسُ قسم العلاقات العامة في معهد الفنون عدن، ورئيس منتدى الفن، شعيب العفيف، الذي قال: "في 2010، كانت هذه المراكز تسهم بشكل كبير في دعم الثقافة والعمل على التقارب بين الثقافات، ولكن من بعد الأحداث التي حصلت في البلد، أُغلقت أغلب هذه المراكز، وتلاشى دورها". 

لا يكتفي الفنّان اللحجي، أحمد فضل، بتصريحٍ خاص عن المراكز الأجنبية للقيام بدورها، مُرشدًا إلى أهمية ما يجب أن تضطلع به هذه المراكز الثقافية، في ظل غيابها عن اليمن، بسبب الأوضاع، وعودتها للعمل من بلدانها، ولكن بما يمتّ لليمن بالنفع من خلال تنفيذ جملة من الأنشطة. 

ويقول الفنان أحمد فضل: "يفترض أن تقوم المراكز الثقافية التي نقلت أوضاعها خارج اليمن، بأداء رسالتها على أكمل وجه، على الأقل من خلال التواصل مع السفارات والملحقيات اليمنية بالحدّ الممكن والمسموح، لتطبيع جديد لأنشطتها في الداخل أو إسناد اليمنيين في المناطق التي لها تأثيرات فيها خارج اليمن، إلى جانب الحرص على الحفاظ على الموروث الثقافي اليمني، من أغانٍ وشعر ورقصات ولهجات، في بلدانهم وحمايته والحفاظ عليه من أيّ تعدٍّ أو لصوصية". 

في هذا الجانب، يقول مدير العلاقات العامة والإعلام بمكتب الثقافة عدن: "في الوقت الحالي، لا أرى أيّ صدى في ظل الحرب، إلّا فيما ندر من أعمالٍ تكاد تكون معدومة! وأهم الصعوبات التي تواجه عودة نشاطها، هي توفير الدعم الكافي والمناسب لهذه المراكز، حتى يتسنّى لها إقامة الفعاليات الثقافية المختلفة، وإعادة فتح المراكز التي أغلقت أبوابها، وافتتاح مراكز جديدة في عدن، والتنسيق مع الجهات المختصة في الثقافة لتقديم كافة الإمكانات لخدمة هذه المراكز بما يعود بالنفع على الحركة الثقافية في بلادنا. 

وأضاف: "بالطبع نحن نريد تغيير نوعية هذه المراكز والعمل معها، وبات الواقع اليومَ يحتم علينا إعادتها وبشكل آخر، من خلال إشراكها في الخطط، من أجل تحريك المياه الراكدة للنشاط الثقافي، خاصة في الظروف التي تمرّ بها بلادنا في شتى المجالات". 

من جهته، يؤكّد شعيب العفيف، على ضرورة عودة هذه المراكز للمناطق التي لم تعد ملتهبة، ويقول: "نحن بحاجة لعودة هذه المراكز؛ لأنّها تعمل على إنعاش الوضع الثقافي، وتنشيط الحركة الفنية والثقافية، كما تعمل على دعم الأعمال الفنية، وإقامة العديد من الفعاليات". 

الصحفي والأكاديمي، نشوان العثماني، أشار إلى أهمية عودة المراكز الأجنبية، وأنّ الواقع اليوم يفرض تمامًا عودة تحريك المياه الراكدة، بالنشاط الثقافي. وأضاف أنّه حتى في مرحلة الحرب علينا أن نمضي قُدمًا في هذا الجانب الثقافيّ التراثيّ التاريخيّ.

•••
زهور ناصر

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English