مركز الأطراف في صنعاء.. مقاومة إجبارية للإعاقة

يرمم جروح اليمنيين الذين تبطش بهم آلة الموت
علاء الشلالي
February 20, 2022

مركز الأطراف في صنعاء.. مقاومة إجبارية للإعاقة

يرمم جروح اليمنيين الذين تبطش بهم آلة الموت
علاء الشلالي
February 20, 2022

في نهار الحادي والثلاثين من يناير/ كانون الثاني الفائت، كان عدد من ذوي الإعاقة من ضحايا الحرب الجارية في اليمن، يتهيَّؤون لتركيب أطراف صناعية لهم، بينما يخضع آخرون لتدريبات بدنية ضمن برنامج لإعادة تأهيلهم في مركز حكومي لصناعة الأطراف والعلاج الطبيعي في العاصمة صنعاء.

وفي مساء ذلك اليوم، تعرض زجاج نوافذ صالات التدريب في هذا المركز للكسر بسبب قصف طائرات التحالف لمعسكر الإذاعة القريب من ذلك المركز، تلك الحادثة أثارت الرعب في مرتادي المركز من ذوي الإعاقة، لكن منتسبيه قالوا لـ"خيوط"، إنهم اعتادوا على تلك الحوادث، إذ إنها ليست المرة الأولى التي يواجهون فيها التهديد بالموت في مركز باعث للأمل بالحياة في نفوس من فقدوا أجزاء من أجسادهم بسبب آلة الموت التي تستهدف اليمنيين منذ أزيد من سبعة أعوام، وهي الفترة التي استقبل فيها المركز مئات الآلاف من مختلف المحافظات اليمنية. 

تطور مع الأزمات 

تأسس مركز الأطراف كجهة تابعة إداريًّا لوزارة الصحة اليمنية في أواخر ستينيات القرن المنصرم في مبنى متواضع مكوّن من غرفتين بجوار المبنى الحالي لوزارة الخدمة المدنية بحي البَوْنِيَة وسط العاصمة صنعاء، بإشراف مزدوج من جمعية الهلال الأحمر اليمني واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وكانت الخدمات التي يقدمها المركز تقتصر على ترميم وصيانة الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية التي كان يحصل عليها الأشخاص مبتورو الأيدي والأقدام من خارج اليمن.

في عام 1982، تولى إدارة مركز الأطراف الدكتور منصور عبدالملك الشجاع، وبعده بثلاثة أعوام تولى إدارته الضابط في الجيش اليمني اللواء أحمد حمود السقاف، والذي استمر في منصبه مديرًا لمركز الأطراف لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن، وفي العام 2019، تم تعيين علي محمد الأعوج مديرًا للمركز، والذي ما يزال مستمرًا في منصبه حتى وقتنا الراهن.

استقبل المركز خلال الثلاثة الأعوام الأولى منذ اندلاع الحرب العام 2015، أزيد من 30 ألف حالة، منها 17 ألف في قسم الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية، وفيها تم صناعة وصرف أطراف صناعية سفلية وعلوية.

كانت الانطلاقة الفعلية لبدء مراحل تطور المركز أواخر ثمانينيات القرن المنصرم حينما منحت وزارة الصحة اليمنية مساحة واسعة لأرض قريبة من مبنى الوزارة في حي الحصبة (شمال صنعاء)، من أجل بناء المبنى الجديد للمركز، حينها تم تنظيم المركز ماليًّا وإداريًّا، وأصبح مسماه الرسمي "مركز الأطراف والعلاج الطبيعي".

وفي مطلع تسعينيات القرن المنصرم، استقدم المركز عشرات الكوادر المؤهلة لصناعة الأطراف الصناعية، وأخصائيي العلاج الفيزيائي من بريطانيا وجنوب أفريقيا والهند وباكستان ومصر، على نفقة وزارة الصحة اليمنية التي تولت صرف مرتباتهم ومستحقاتهم المالية حتى العام 2013، وهو العام الذي غادر فيه العشرات من أولئك الكوادر إلى بلدانهم بسبب عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي الذي عانى منه اليمنيون إبان ثورة 11 فبراير 2011.

كانت تلك الكوادر الأجنبية تعمل على تعليم وتأهيل اليمنيين العاملين في المركز حتى أصبح عدد الكوادر المحلية التي بإمكانها أن تعمل على تصنيع الأطراف الصناعية يزيد عن خمسة عشرة شخصًا من منسوبي المركز.

عقب الحرب الأهلية في اليمن الناتجة عن قرار إعادة انفصال جنوب اليمن عن شماله صيف 1994، زادت أهمية عمل المركز حينما توافد له المئات من المواطنين الذين فقدوا أطرافهم في جبهات القتال، وفي المزارع والحقول والطرق التي زُرعت فيها الألغام؛ الأمر الذي جعل السلطات العليا في البلاد تولي اهتمامها بتطوير المركز، حيث تم تقسيم المركز إلى الإدارة العامة، والإدارة الفنية، وإدارة العلاج الطبيعي، والقسم الخاص بالنساء، وخلال فترة الألفية الثالثة عمل المركز بالشراكة مع منظمات دولية على إيفاد عدد من منسوبيه إلى الهند والصين وتنزانيا وكينيا، والعودة لأداء مهامهم في المركز. 

يقع على عاتق الإدارة الفنية صناعة الأطراف الصناعية لمن فقدوا أطرافهم، ولمن أصيبوا بإعاقات كلية أو جزئية، وهي الإدارة الأهم في المركز، وتنقسم إلى خمسة أقسام، وهي: قسم المقاسات، وقسم الجبس والصبة، وقسم الأطراف الصناعية، وقسم الأجهزة التعويضية، وقسم المشغولات الجلدية. بحسب حديث نائب مدير المركز محمد جياش لـ"خيوط".

أما إدارة العلاج الطبيعي فقد تم تخصيصها لعلاج وإعادة تأهيل الحالات المرَضية التي أصيبت بإعاقات مختلفة نتيجة أمراض الباطنية، والجلد والأغشية المحيطة، والعظام والمفاصل، وتم في هذه الأقسام استخدام الوسائل الحديثة للعلاج الطبيعي؛ ومنها العلاج بالشمع، وبالكمادات والقِرَب، والمياه، والليزر، وبالحمامات المتعاكسة، كما يقول مدير إدارة العلاج الطبيعي في المركز، حسن السامعي، خلال حديثه لـ"خيوط".

ويضيف السامعي: "يوجد في هذا القسم أيضًا أجهزة العلاج بالموجات القصيرة، وبالأشعة تحت الحمراء، وفوق البنفسجية، وبالموجات الصوتية وفوق الصوتية، وأجهزة العلاج بالتنشيط الكهربائي والموجات التصادمية، والمجال المغناطيسي، وهي الإمكانيات التي لم تتوفر في أي مؤسسة طبية في اليمن، لافتًا إلى أن داخل إدارة العلاج الطبيعي يوجد قسم لإعادة تأهيل ذوي الإعاقة، وقسم للتمارين العلاجية. الأقسام الخاصة بالعلاج الطبيعي المخصص للرجال، توجد مثلها في القسم الخاص بالنساء، إضافة إلى وجود مسبح.

أعداد مهولة من ذوي الإعاقة

أثرت الحرب الجارية على أداء مركز الأطراف والعلاج الطبيعي بصنعاء بسبب تزايد أعداد ذوي الإعاقة والمرضى الوافدين إليه من مختلف المناطق اليمنية، بما فيها المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًّا.

ووفقًا لإحصائيات صادرة عن مركز الأطراف بصنعاء، اطلعت "خيوط" عليها، فإن المركز استقبل خلال الثلاثة الأعوام الأولى منذ اندلاع الحرب العام 2015، أزيد من 30 ألف حالة، منها 17 ألف في قسم الأطراف الصناعية والأجهزة التعويضية، وفيها تم صناعة وصرف أطراف صناعية سفلية وعلوية، وكراسٍ متحركة وعكاكيز، ومشايات، وأحزمة للرقبة والبطن والكتف، وأحذية وجبائر للأيدي والأقدام.

ويؤكد محمد جياش، نائب مدير عام المركز، بأن هذا التزايد في أعداد ذوي الإعاقة شكّل عبئًا وضغطًا على المركز، حيث يتطلب الأمر توفير المواد الخام الخاص بالأطراف الصناعية، والذي يتم استيراده من شركات عالمية سويسرية وألمانية وصينية، كما يتطلب الأمر توفير كوادر بشرية مؤهلة تواجه متطلبات تلك الأعداد المهولة من المرضى وذوي الإعاقات.

يؤكد مدير عام مركز الأطراف بصنعاء، علي الأعوج، أن عزيمة وإصرار العاملين في المركز كانت السبب الأهم في استمرار تقديم الخدمات لذوي الإعاقة من الرجال والنساء بمختلف أعمارهم.

في قسم التدريب وإعادة التأهيل نقوم بتدريب الأشخاص الذين بترت أطرافهم، ولا يقتصر عملنا على التدريب والتأهيل البدني بل النفسي، بحسب حديث ملكة الطويلي، إحدى مدربات ذوي الإعاقة في المركز.

وتضيف: "حينما يأتي إلينا الشخص الذي فقد جزءًا من أطرافه، لا نعامله على انتمائه المذهبي أو السياسي، فالكل هنا سواسية ونحن نقدم خدماتنا للإنسان اليمني دون تفرقة".

يفند عدد من العاملين في مركز الأطراف الذين التقتهم "خيوط"، الصعوبات التي واجهها مركز الأطراف؛ ومنها: تأخر وصول المواد الخام اللازم لصناعة الأطراف بسبب تأخر تصاريح دخول تلك المواد من قبل التحالف العربي، وانقطاع الميزانية المالية التشغيلية التي كانت تُصرف من وزارة المالية قبيل نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن في التاسع عشر من سبتمبر/ أيلول 2019، إضافة إلى مشكلة انقطاع المرتبات التي كان لها أيضًا التأثير السلبي على نفسية العاملين في المركز، والذين اضطروا للعمل خلال فترتي الصباح والعصر لتلبية احتياجات مرتاديهم المتزايدة يومًا بعد آخر.

غير ربحي

غالبية الخدمات التي تقدم من المركز شبه مجانية وبعض الخدمات والأجهزة والمعدات تقدم لذوي الإعاقة بأسعار زهيدة، مقارنة بأسعار باهظة لأطراف يتم تصنيعها في مراكز خاصة تجارية.

يؤكد مدير عام المركز، علي محمد الأعوج، لـ"خيوط"، أن عزيمة وإصرار العاملين في المركز كانت السبب الأهم في استمرار تقديم الخدمات لذوي الإعاقة من الرجال والنساء بمختلف أعمارهم.

ويقول الأعوج، إن إدارته استوعبت كوادر يمنية مؤهلة بدلًا من الأجنبية التي غادرت البلاد عقب الحرب الجارية، وأن المركز أصبح أيضًا مؤسسة لتدريب الطلاب المتخصصين في صناعة الأطراف والعلاج الطبيعي.

تُقدَّم بعض خدمات الأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي في المركز بدعم من صندوق رعاية وتأهيل المعاقين، كجهة حكومية، ومن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث تُعتبر العلاقة بين الأخيرة كمنظمة دولية وبين مركز الأطراف شراكة ناجحة ونموذجية، بحسب وصف مسؤول العمليات في اللجنة الدولية للصليب الأحمر دومينيك استيلهارت، إذ يرى، خلال حديثه لـ"خيوط"، أن "مركز الأطراف بصنعاء يُعد نموذجيًّا على مستوى المنطقة؛ لذا يستحق أن يستمر دعمه في إطار الدعم الإنساني المقدم دومًا من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن".


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English