الملابس في اليمن.. تكدُّس "للبوليستر"

بسبب الأوضاع الاقتصادية وغياب الرقابة
عمران مصباح
July 7, 2022

الملابس في اليمن.. تكدُّس "للبوليستر"

بسبب الأوضاع الاقتصادية وغياب الرقابة
عمران مصباح
July 7, 2022

مع اشتعال الحرب قبل ثماني سنوات، تأثرت، وبشكل مباشر، العملةُ المحلية؛ حيث تراجعت قيمتها أمام الدولار إلى ثلاثة أضعاف عمّا كانت عليه في السابق، وهو ما انعكس على ارتفاع أسعار البضائع والسلع في الأسواق المحلية.

ودفعت صدمة الأسعار التي عانى منها المستهلكين، بعض التجار خصوصًا تجار الملابس، انتهاج حيلًا مختلفة لجذب الزبائن؛ من هذه الحيل: التضحية بالجودة لصالح السعر، فقاموا بملء الأسواق بملابس ذات جودة رديئة، لأجل أن يبقى السعر بمتناول غالبية الناس.

هذه الرداءة تكلف المواطن الكثير، ماديًّا؛ من حيث سرعة تلف القطعة المشتراة، وكذلك نفسيًّا؛ بشراء شيء لا يمنحه أي راحة، بالإضافة إلى أنه يشكل خطورة على صحته، بسبب نسبة "البوليستر" -مجموعة ألياف تتكون من مواد كيميائية- العالية في تلك الملابس.

وعمد تجار بعد الحرب لإغراق السوق بالملابس ذات الجودة المنخفضة للغاية والتي تتركز مادة "البولستر" في بعض أصنافهها، أمرٌ برره أحد التجار -تحفَّظ عن ذكر اسمه- بقوله لـ"خيوط": "كل التجار فعلوا ذلك، وجلبوا ملابس ليست ذات جودة عالية؛ لأنهم كانوا مضطرين حتى يستمر الطلب على المنتجات، ففي حال استمرّ التجار باستيراد الملابس ذات الجودة العالية، ستكون تكلفتها عالية بالنسبة لقدرة المواطن الشرائية".

يضيف: "كنت أجلب ملابس جيدة، بأسعار عالية، وأخرى متوسطة، وثالثة منخفضة السعر، لكن الآن أحاول جلب نوع واحد لعدة أسباب، منها أن الطبقة التي تبحث عن الماركات لم تعد موجودة كثيرًا، وأغلبهم قد غادروا البلاد، إلى جانب الوضع الاقتصادي للناس غيّر أولويات الناس، إذ لم تعد الملابس أولوية لدى الغالبية من الناس".

تؤثر الملابس ذات الجودة الرديئة على صحة الإنسان، وبالأخص على الجلد، حيث تسبب حساسية والتهابات عالية، كما تشمل هذه التأثيرات أيضًا الجهازَ التنفسي، والتناسلي، إذ إنّ ارتداء الملابس الداخلية ذات نسبة "البوليستر" العالية، تؤدي إلى مشاكل في الإنجاب، قد تصل إلى العقم

تنوع المعروضات قبل الحرب، كان يتيح بضاعة ذات جودة عالية، وأخرى أقل جودة تتناسب مع تفاوت إمكانيات المواطنين، لكن الأمر اختلف حاليًا، مما قلص خيارات المواطنين وأجبر البعض منهم على شراء الأنواع المتوفرة.

رداءة وسعر مرتفع

رغم قَبول الناس بالأصناف ذات الجودة المنخفضة، في سبيل توفير متطلبات أطفالهم واحتياجاتهم الأساسية، لكن يلاحَظ أنّ الأسعار لاتزال مستمرة بالارتفاع، إذ يقول عاصم محمد، شاب يمني، لـ"خيوط": "سعر البضائع مقارنة بتواضع جودتها يظل مرتفعًا، ولذلك يخسر المواطن كثيرًا بسبب تلفها بعد أول "غسلة"، ما يضطرّنا لشراء الملابس باستمرار، على العكس في حال كانت الملابس ذات جودة فإنها تبقى لفترة أطول، وبكفاءة أفضل، وتكلفة أقل بالنظر للخسارات المتتالية بسبب الملابس ذات الجودة الضعيفة".

التكلفة المضاعفة للملابس الرديئة دفعت البعض للُّجوء نحو التسوق الإلكتروني، "في الفترة الأخيرة، كما يؤكد عاصم، والذي بحسب حديثة لم يعد يشتري كثيرًا من الأسواق اليمنية؛ لأن الجودة تشمل اللون وخامة القماش والتصميم والشكل، وهو ما لا يتوافر في البضاعة الموجودة محليًّا، الأمر الذي دفعه للشراء عبر بعض التطبيقات، فالفارق السعري -إن وجد- ضئيل للغاية، لكن فارق الجودة كبير جدًّا.

الأثر الصحي والنفسي

بالمقابل، تؤثر مادة البوليستر، التي تتركز في الأقمشة ذات الجودة الرديئة، بنسبة كبيرة على صحة الإنسان، وهو ما أكّدته الطبيبة هيام العطنة لـ"خيوط"، بالقول: "تؤثر الملابس ذات الجودة الرديئة على صحة الإنسان، وبالأخص على الجلد، حيث تسبب حساسية، والتهابات عالية، كما تشمل هذه التأثيرات أيضًا الجهازَ التنفسي، والتناسلي، إذ إن ارتداء الملابس الداخلية ذات النسبة العالية من البوليستر، تؤدي إلى مشاكل في الإنجاب.

البوليستر هو أحد أنواع الأقمشة التي تتكون من خيوط صناعية وليست طبيعية، كالأقمشة القطنية أو الصوفية أو المكونة من الحرير الطبيعي، بينما قماش البوليستر عبارة عن أـلياف صناعية تم تطويرها من خلال حدوث تفاعل مواد حمضية وكحولية.

وتضيف العطنة أن الملابس التي تتركز فيها مادة البوليستر تتسبب بارتفاع درجة حرارة الجسم بشكل كبير، مما يزيد من التعرق، ونمو البكتيريا، والروائح الكريهة، وقد تساهم في حدوث الأرق في حال تواجدت مادة البوليستر بشكل كبير في الوسائد، والفراش، والبطانيات"، لكن الأخطر من كل هذا، وفق الطبيبة هيام، أنّ مادة البوليستر تحتوي على مواد مسرطنة، وسامة، قد تسبب أمراض آخرى على المدى البعيد.

لا يقتصر تأثير وجود مادة البوليستر بدرجات كبيرة في الملابس رديئة الجودة على الحالة الجسدية للشخص، بل يمتد للحالة النفسية. ليلى خليل، استشارية في الصحة النفسية، تقول لـ"خيوط": "نفسية الإنسان تتأثر من أبسط الأشياء، ويمكن لتفصيلة صغيرة أن تؤثر عليه دون أن يشعر، الملابس مثلًا تؤثر بطريقة مباشرة على نفسية الفرد ومزاجه بالتضافر مع تذبذب الطقس؛ ففي الشتاء تساهم مادة البوليستر في زيادة برودة الجسم، وفي الصيف تضاعف من ارتفاع درجة الحرارة، وبالتالي مزيد من الضجر والتوتر والردّات الانفعالية، بالمقابل تبعث الملابس ذات الجودة العالية الشعور بالراحة والثقة، وهو معيار تركز عليه الشركات ذات السمعة الحسنة في سباقها التنافسي".

الدور الرقابي

بعض الدول تعتبر "البوليستر" مادة سامة، مضرّة بجسم الإنسان، ولا تسمح بدخول بضائع مصنعة بنسبة كبيرة من البوليستر، في اليمن لا يتحقق هذا الدور الرقابي. وليد العباسي، مسؤول في الهيئة العامة للمواصفات والمقاييس، يقول لـ"خيوط": "تسمح اليمن بدخول البوليستر، الذي يدخل في كل الصناعات تقريبًا، وهو غير ممنوع عالميًّا، وإلا كان سيتم منعه من دول المصدر".

وعن تضارب ارتفاع السعر ورداءة المنتج، يقول العباسي: "لسنا مخولين بتحديد الأسعار، هذه مسؤولية وزارة الصناعة، إضافة إلى أنّ الشركة المصنعة هي من تضع البيانات المكتوبة على الملابس، ونوع الألياف، وغيره".

وعن المعايير المتّبعة في هيئة المقاييس وضبط الجودة، يؤكد العباسي: "يعتمد المعيار على نوع الفحص، وأهميته؛ ما إذا كان متعلِّقًا بالجودة أو بالصحة والسلامة، فإذا كان الأمر له علاقة بالصحة، فنحن نرفض المنتج مباشرة، مثل ارتفاع الرقم الهيدروجيني في الملابس الداخلية".

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English