تجويع اليمنيين يوحد القادة "الطائشين"!

عن فشل إدارة الحرب بالاقتصاد وكوارث أخرى
خيوط
March 17, 2022

تجويع اليمنيين يوحد القادة "الطائشين"!

عن فشل إدارة الحرب بالاقتصاد وكوارث أخرى
خيوط
March 17, 2022
©خيوط

أرادت دول الخليج المتنافرة التي يحكمها ثلاثة من أكثر الحكام "طيش"؛ الإمارات وقطر والسعودية، أن تسجل موقفًا موحدًا، بعد أوقات القطيعة، فاختارت اليمن؛ مرة أخرى، لإثبات أن هذا الاتحاد الملفق، هو نكبتنا الأبدية، في حال الوحدة أو الفرقة. وها نحن وقد تيقنّا أن لحمة الأشقاء الثلاثة، التَأَمَتْ، لا مكسب في أن يعاد رباط الوحدة في سياق آخر من خلال التركيز على تجويع اليمنيين، وحرمانهم من لقمة عيشهم.

في خريف العام 2016، قرر هذا التحالف الخليجي قبل أن ينفرط، الزَّجَّ بلقمة عيش المدنيين، كأداة في الحرب، دون استشعار لأخلاق أو تأنيب لضمير. تم إلغاء الحياد الاقتصادي القائم، ونقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن. ومع تقادم الأيام، رأينا كيف أثّر هذا القرار الكارثي على بقاء الحرب، وكيف استُغل اليمني الأعزل من راتبه، وتم الزجّ به -عنوة- في جبهات القتال مقابل فتات يطمع بإعالة أسرته منه.

لكن كيف لنا أن نستنتج كارثية الحرب وحماقة قادتها، إن لم نرَ سلوكهم غير المسؤول هذا؟! كيف لك أن تقِرّ مرة أخرى تجويع شعب بأكمله، فقط لأن الحرب التي أدرتها لا تتناسب ومقاس نفوذك؟! ثم إن هذه الدول الخليجية في حالة حرب نشطة داخل اليمن، ومثلما تتحمل حكوماتنا الفاسدة الجزءَ الأكبر من فساد إدارة الودائع المالية، تتحمل هي الأخرى المسؤولية الكبرى في خلق حالة إنسانية هي الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية.

الفضيحة فيما حدث أمس بجنيف، يتمثل في معطى واضح وضوح الشمس؛ كيف لك أن تقاتل ولا تدفعك مسؤوليتك لتحمل جزء من التكلفة التي خلّفتها حربك. ثم إن آلة التدمير المشترك في لعبتها، لا تزال تعمل؛ لذا فإن الحديث عن أنّ ما قدمته خلال السنوات الماضية كافٍ، يخلع رداء المسؤولية والأخلاق عنك، ولا يعطيك أي حق قد تتوهم امتلاكه.

يأتي قرار هذه الدول، في غفلة من انشغال العالم بمعارك أكبر، ما يجعله أكثر خسة ودناءة، إذ كلف هذا الاقتتال العالمي بين القوى الكبرى، أثمانًا إضافية على المدنيين اليمنيين، في الحرب التي حاول الضمير العالمي تجاهلها. حتى الأمس، قال الصليب الأحمر الدولي إن أكثر من 16 مليون شخص في اليمن لا يجدون ما يكفيهم من غذاء. وإنه ومع ارتفاع تكلفة الوقود على مستوى العالم، تصاعدت حدة النزاع في أوكرانيا، ومن المحتمل أن ترتفع أسعار المواد الغذائية، ولاسيما الحبوب، بحسب بيان اللجنة الدولية.

ورجحت الأمم المتحدة، بعد المؤتمر المخيّب للآمال، أن ينضمّ مليونٌ وستُّ مئةِ ألف شخص إلى قائمة الجياع، مع تقلص الدعم الإنساني الدولي إلى أقل من الثُّلث. وما يهمنا هنا، التأكيد على خطأ السياسات التي تنتهجها الأطراف المتحاربة، والتي تعتقد بأنها عقيدة قتالية صائبة، عوضًا عن كون سياسة التجويع المتعمدة قد تشكل جريمة حرب، فيما إذا كانت متعمدة، وهي كذلك.

ماذا يمكن أن نسمي سيطرة التحالف بقيادة السعودية والإمارات على خطوط إمداد الطاقة، ومنع تصدير هذه الثروة المهمة للعالم، والقيود المشددة على دخول المشتقات النفطية ومفاقمة الحالة المعيشية للناس، هذا عوضًا عن سياسة الكذب المتبعة، والتي من شأنها استهداف الاقتصاد الوطني، وبالتالي حياة المدنيين وحقهم في الحصول على الطعام والكرامة؟! قبل نهاية السنة المنصرمة، أي قبل العمليات العسكرية في شبوة، بث هذا التحالف شائعات بوديعة مالية ضخمة للحد من تدهور العملة في مناطق سيطرة الحكومة، ثم انتهى هذا النبأ إلى نوع من المزاح الثقيل، لتعاود العملة ترنحها.

هذه الممارسات الفضائحية، لا يمكنها -بأية حال- أن ترسي أي شكل من أشكال التفهم، عوضًا عن تناقضها الصارخ مع الادعاءات التي قامت على أساسها الحرب، حتى بالموازين التكتيكية والاستراتيجية التي لا نعتد بها. أي رسالة يجب أن تصل لمواطن يمني جائع، ولا يزال ينتظر الأسوأ؟ لماذا الإصرار على إطالة أمد هذا العذاب، بتكرار ارتكاب الحماقات؟ وأي عقاب أكثر من سلب مواطن لوطنه، ومن ثَمّ لقمة أطفاله، أي عقاب؟!

جماعة أنصارالله (الحوثيين)، وإن بدا مؤتمر الأمس لا يمسها، إلا أنها مشارك أصيل في سياسة التجويع هذا، إذ تعتقد أنك يجب أن تحكم الناس بالقوة، ثم تضع نفسك في حلٍّ من مصالحهم، هذا إن لم تكن قرارات القادة الخليجيين تشكل لها دافعًا إضافيًّا للزج بالناس في أتون جحيم الحرب. هذه الجماعة، التي ترى في الحرب فرصة ثمينة للسيطرة والنفوذ، هي الأخرى، تصادر حق الناس في رواتبهم، بل تذهب لممارسة سلوك الجباية المكثفة على الاقتصاد الخاص، وإنهاكه. 

وعند الحديث عن المساعدات الإنسانية، ظلت الجماعة، حاضرة في كل أدبيات الحرب، باعتبارها ناهبة. نعم، لقد تم التقطع لأطنان من الحاجيات الإنسانية وحرفها عن مسارها إلى المسار البغيض الذي يغذي استمرار الحرب ومفاقمتها، ما يعطي دليلًا إضافيًّا على تجرد قادة هذه الحرب من المسؤولية الاجتماعية، وبشكل كامل. 

أما الحكومة المعترف بها دوليًا، فلا يمكن إيقاظها بهذا الخطاب، إذ إنها على تثاؤبها الدائم، تبدو في كامل انشغالها قبل أن يأتي من ينبِّهها إلى ضرورة وجود سياسات مالية رسمية. وإننا لنمل الحديث المكرور، عن أن حكومة لا تقيم وزنًا لوضع مواطنيها الذين سلمتهم للميليشيات، هي بالضرورة فاسدة، ولا مسؤولة. 

هي أيضًا فرصة، لقرص أُذن المنظمة الدولية، للنظر في آلياتها لتسيير المساعدات، ومراجعتها، بما يدحض ادعاءات الفساد، ويحقق الفائدة الكبرى المرتجاة من وصولها إلى الشعب اليمني، ويعمل على سدّ الثغرات؛ ففي النهاية ليست كل الانتقادات على خطأ، ما لم تقم على المناكفات والاستثمار السياسي.

 

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English