ثورة 14 أكتوبر اسمًا ومعرفة

المجتمع الحرّ لا يتسرّب إليه الخوف
محمد توفيق
October 14, 2022

ثورة 14 أكتوبر اسمًا ومعرفة

المجتمع الحرّ لا يتسرّب إليه الخوف
محمد توفيق
October 14, 2022

في البداية، أعرِّف بنفسي كناشط في ثورة 11 فبراير الخالد، وما أزعجني عند زيارتي، في عدن قبل أربع سنوات أنّني سمعت صوت الرصاص يتعالى في الأحياء، ولم أعد أفهم ما يعنيه ذلك بالنسبة لأبناء المحافظات الجنوبية؛ هل هو صحيح ما يقع أم الأمر مجرد نزوة يدخلها الجنوبيون ضمن عدَّاد موت؟!

لم تبشّر ثورة أكتوبر التي يتّكِئ عليها الجنوبيون اليمنيون بقيمة الموت، ولم تبشّر أيضًا بمشروع للدولة الانفصالية، لكن العثرات الكثيرة ودوامات الدم الطويلة التي تآكلت معها الدولة التي يتوجب إصلاح مساراتها أنتجت مثل هذه الانفعالات الطارئة، ولي في هذا الجانب رأي وبحماسة، فإذا لم يكن هناك مشروع للدولة، فقد فشلت أهداف ثورة 26 سبتمبر لارتباطها بثورة 14 أكتوبر ضد ظلم الاستعباد من المحتل البريطاني، ففي الثورة تعلو المنجزات، ويبقى الضمير الحي ويظلّ ما هو تصحيحي غير ما هو متقدم، لعل الجراح لم تلتئم ممّا تبقى من خضوع لمصلحة المستقوي سلاليًّا، ومن المعجزات أن تنجح ثورات من تحت أيادي الظلم كثورة 14 أكتوبر دون تغيير في سبيل الواقع، فالمعايشة للوضع تستقرأ منها أنّ الجنوب ليس غنيًّا عن الشمال ولكن العمل تبادلي بينهما، فالمجتمع الحرّ لا يتسرب إليه الخوف، وما من ضغينة تعلو عليه، فمن أشعل فتيل الثورة في الجنوب هم أبناؤه ممّن قدّموا الكثير في سبيل الحرية والديمقراطية، فلم يعد اليوم من معتدٍ، وعلى ضرار ذلك هي الثورة اللاحقة بالركبان في مطلع الستينيات، هذا هو الجنوب الأبي بكل حذافيره من شابات وشبان يعصرهم الرفاقية الواحدة في سبيل الثورة والتقدم.

يتراجع الوقت في الثورات، ولكن في 14 أكتوبر كانت ثورة حقيقية لم يقس معها التأجل، لأنّها كانت ضد استعمار قد ضرب كثيرًا من حركة التحرير حين كانت في اليمن الجنوبي، فقد أنتجت الثورة مكاسبها من خلال ما عانته من صراعات داخل الحركة نفسها، فالمجد للثورة في أرجاء الجنوب حقيقة، فلم يعد من مكسب لدى أبناء المحافظات الجنوبية خلال الوضع الراهن، غير التخلص من أيادي الكهنوت فيما يطال أراضي الوحدة مجددًا في الوقت الراهن، فأنا أراهن على المكتسبات الحقيقية من قيادة أبناء الجنوب في نفس الوقت، فالفداء والتضحية قدمه الأبطال الأشاوس، فهنا، وفي أمانة العاصمة تحديدًا، علينا الاحتفال بالعيد الـ59 لثورة الجنوب المحتل، فنحن كشباب لا بدّ أن نعيد للدولة مقدارها من خلال التركيز على أهداف الثورة وعلى تاريخ الوحدة المباركة، فلمَ لا نضحي –ولو بالقليل– حتى بأقلامنا من ثورات صنعها التاريخ، وعمّدها الأبطال المغاوير بتضحياتهم الجسيمة، فلم يكن للثورة غير الفداء يومًا بعد يوم، وتاريخ بعد تاريخ، ومن الضروري أن نشيد بالاستدعاءات الحاصلة في الجنوب في الماضي والحاضر والمستقبل؛ ففي الماضي قد قدمت الثورة أعلى منجزات على الاستذكارات الحادثة، وممّن هم أشد ثناء على الوطن الواحد المكتمل، وهنا كما حصل في الحاضر المتحرك في أحداث جديدة ومتعاقبة على سبيل الحصول والنهوض بالحرية، أما في المستقبل فتحركنا الدهشة عمّا قد يحدث من إرهاصات جلية وجديدة في المجتمع اليمني برمته.

على ما يبدو أنّ الحقيقة تتضح في مجرياتها القادمة؛ الواضح والمستقبلي في مختلف أرجائه، حيث إنّ هذه الظلال لم يكن لها أكثر من طيف، فقط ما يزال هناك دولة وإن كانت قادمة من الجنوب، ولا يعني هذا أننا قد لا نتكيّف في القيمة العظمى مع الدولة، فقط نراهن على البحر الواسع في كمياته النفيسة، كما يمكننا الشروع للملمة الصف في مجريات دولة قائمة في أرجاء الوطن، أما من يلعب على غير ذلك فسيرضخ يومًا ما على قبضة الدولة الموحدة والواحدة أساسًا، وهذا الطغيان المعمى لن تكسر قيوده غير الثورة، وهي تزهر حينًا بعد حين؛ كم من مباني التحرير قد شيدت، وكم من ذل قد انهزم، وعلى المستوى الثوري لم تخرج أهدافها على سبيل المقارنة –كالثورات في كل العالم– فإنّ ثورة الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني قد أزهرت بالكفاح الطويل من أجل بناء الدولة في أرجاء الوطن الموحد، ومهما طال المطال فلن نتقاعس عن إحداث ثورات متتالية حتى النصر لإخراج المجتمع اليمني من هوة السقوط في تداعيات النزوات العمياء، فنحن أبناء الوطن اليمني ومهما حدث، لن نخرج من هذا المعنى، لأنّ الوحدة منجز عظيم بالنسبة لكلا الشطرين، وعلى الرغم من شدة الامتعاض فقد نخسر الوطن في حال بدأ الجميع يتقاعس عن أداء دوره، وترك القوى الماضوية تتحكم بالمشهد- كما هو حادث اليوم في عصر العودة إلى الإمامة.

صفوف الأيام عالية وتتسع للجميع، فليس هناك ما هو شمالي وما هو جنوبي، فقط النسيان من يلغي ذاكرة الأيام في حياة البؤساء، فهناك من ضحى كثيرًا من أجل التحرُّر من الأسْر ومن قبضة الظالم، فنراهن فيما هو قادم على الورقة الوحيدة في لعبة الطاولة على تحرير اليمن من أيادي الكهنوت عاجلًا أم آجلًا، لأنّ هناك ترابطًا قويًّا وأكيدًا في مجمل العلاقة بين الشمال والجنوب، فلم يبقَ على أيادي الأسر إلا القليل، للخروج من الأزمة الباقية في عصر ليس عصره ولكنه قد انتهى. وعلى السياق نفسه، لا بد أن نكتم الأنفاس ونحن نجابه الكهنوت في كل أرجاء الوطن من ذوي السلالات المفلسة، وعلينا أن نتجه بأنفسنا ناحية التقدم، لأنّ بذرة الثورة ما زالت معجونة في الأرض، وأنّ المطر سيأتي وإن سقى الأرض عرق الفلاحين، فهنا يكتب المجد للقوى المتقدمة كما في التنظيم للحل في المحافظات الجنوبية لأجل كسر الذل الباغي، وفي التعتيم الحادث بين شركاء الدولة؛ ففي الجنوب لم يُرَ أنّ هناك حدثًا يدعو إلى الانفصال، وإنما هي مجرد أجندة دولية قد تحدث، ولكن اليمن الخالد قادر على البعد عن المآسي، وإن كانت تتحرك في مفاعيلها الثورية، وممّا لا شك فيه قد ندخل في أزمات اقتصادية، ولكن علينا تفاديها مستقبلًا وعلى أنفسنا نكتب الفداء ليس الدموي ولكن التحرري من الواقع البائس في اليوم والحاضر.

شارك في ثورة 14 أكتوبر، الكثيرُ من الأبطال الوطنيين في الجنوب، وأيضًا قام بمساندتها ثلة من الثوار الحقيقيين من أبناء شمال الوطن بعد التحرر من الأَسْر الظالم في 26 من سبتمبر، فنحن نحيي القادة الباسلين في المحافظات الجنوبية، ونريد أن ندفع بها نحو التقدم، لا ناحية الاستبداد، ونشيد بالترابط والتعاون بين قيادة الدولة مرارًا وتكرارًا، فسوف يكون في القريب العاجل ما هو مصحّح لا ما هو مُلغٍ، عن حكاية العرس المتقارب بين أبناء الوطن الواحد، وأتمنى أن يزول الخوف من صدورنا. وأحب أن أهنِّئ نفسي، بصفتي شابًّا في مقتبل عمره، تربّى على الأغنية العدنية، وحتى الألفاظ المناسبة للنطق في الليالي الرافضة للظلم والاستبداد، ويبقى على سبيل المحال أن نرفض كل ما هو لا ثوري، وعلينا أن نتبع خطى التقدم في الفكرة والمعنى من خلال توطيد العلاقات داخليًّا وخارجيًّا، ونرحب بالقيادة اليمنية على المستوى الرئاسي إلى كامل هرمه، وعلينا أن نفرح كل يوم باستبسال مع مَن جابَه النصر في كل معارك جابت أرجاء الوطن.

 في هكذا يومٍ 14 أكتوبر، أقف على تراب هذا اليمن الواحد والسعيد، ولا يسعني غير القول الوحيد في الوطن المزهر في كل انتكاساته؛ إننا نحيا من جديد، ولم يعد لدينا متسع من الغصات، فنحن أبناء وأحفاد الوطن الواحد، فما هو الظل بالنسبة للثورة الورداء وهي زهرة من أزهار الفل كعقد على عروس مختم تختيمًا أبديًّا، بالوحدة يبقى الحب ويخفت الظل، مهما ظل الاستبداد ينهش من كبد المواطنين اليمنيين، أتمنى أن تعود السلامة من الجراح للحياة اليمنية قيادة وشعبًا، فهناك كثير من المنجزات أَلَا وهي الوحدة اليمنية المباركة، ولم يعد بعدها ما يتسلّل من الخوف، وعلى المستوى المحلي نرحب وبإخلاص بكل عمل على بناء هذه الدولة من أجل أن تحيا الثورة، وإن امتدّ أجلها، فلكل الثورة التحية والتقدم في كل يوم وعلى أي منجز، فنار الحرب لا تطفئها إلا الثورة، وتبقى الدولة من نتاج الكفاح الطويل للشعب وإن طال الأمد، فلا جراح ممّن يقدمون أرواحهم من أجل بناء الدولة يومًا بعد يوم. خلاصةً، ستبقى الثورة في جنوب اليمن مستمرة ورغم الطاغي والمستبد، ولن يبقى على أرضي وصيًّا، ونحن أبناء وأحفاد رجالك، وسيبقى الترابط موجودًا وثمينًا بين الثورتين في العقد الستين من القرن الماضي، وللوحدة بقاء على مسيرنا المتنفس عبقًا وحبًّا، فنحن أبناء شعب واحد، وسنبقى كذلك.

المجد والإخلاص لثورة 14 أكتوبر المجيدة، وخالص الامتنان للوطن.

•••
محمد توفيق

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English