30 نوفمبر 1967

تفاصيل الأيام الأخيرة التي سبقت الاستقلال
خيوط
November 30, 2022

30 نوفمبر 1967

تفاصيل الأيام الأخيرة التي سبقت الاستقلال
خيوط
November 30, 2022

إشارة تمهيدية

(هذا النص عبارة عن استخلاصات لآراء المستشرق الروسي فيتالي ناؤومكين، من كتابه "الجبهة القومية في الكفاح من أجل استقلال اليمن الجنوبية والديمقراطية الوطنية"، والباحث أحمد عطية المصري، من كتابه "النجم الأحمر فوق اليمن؛ تجربة الثورة في اليمن الديمقراطي")

في بداية نوفمبر/ تشرين الثاني 1967، أحرزت الجبهة القومية ثلاثة من أهم الانتصارات، الأول: استيلاؤها على جميع مناطق الجنوب اليمنيّ باستثناء عدن، والثاني: انتصارها على جبهة التحرير، والثالث: كسبها الجيش إلى جانبها، ولم يبقَ أمامها سوى عدوٍّ واحد هو: المستعمر.

بعد إحراز هذا القدر من الانتصارات الجوهرية، طلبت الجبهة القومية ألَّا تكتفي إنجلترا بالاعتراف بها ممثِّلًا شرعيًّا وحيدًا لشعب اليمن الجنوبية، بل وأن تبدأ على الفور مفاوضات حول تسليم السلطة لها. وفي انتظار الجواب من الحكومة البريطانية، أعلن قادة الجبهة القومية لغرض إظهار نيّتهم الحسنة عن وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام، اعتبارًا من 8 نوفمبر/ تشرين الثاني، وبعد انقضاء هذه المدة دون الحصول على جواب، استأنفت الجبهة القومية بقوة جديدة العمليات العسكرية في عدن 11 نوفمبر، وخلال الأشهر 11 [كذا ورد!] من عام 1967 التي كان الإنجليز إبانها ما يزالون موجودين في اليمن الجنوبية، قَتلَ الفدائيون، حسب المعطيات الإنجليزية، 44 عسكريًّا بريطانيًّا، و9 مدنيين، وجرحوا 337، و34 شخصًا على التوالي، وقتلت القوات البريطانية بدورها 119 شخصًا، وجرحت 123 من السكان المحليين، وحسب معطيات يعتبرها الإنجليز أنفسهم غير دقيقة، لقيَ مصرعه، خلال هذه الفترة بنتيجة الاقتتال الأهلي بين الجبهتين، ما لا يقل عن 250 شخصًا، وجرح ما لا يقل عن 800 شخص. 

وفي 13 نوفمبر، أعلنت الحكومة البريطانية عن موافقتها على بَدء المفاوضات مع الجبهة القومية، وفي اليوم التالي أعلنت أنّ القوات البريطانية ستغادر عدن، لا في 30 نوفمبر، بل في 29 نوفمبر.

حتى ذلك الحين لم يكن لدى الإنجليز اتصالٌ مباشر مع زعماء الجبهة القومية، وأجروا معهم مفاوضات من خلال كبار ضبّاط الجيش الذين كانوا يضطلعون بدور الوسطاء، ويُستفاد من أقوال تريفليان أنّ الإنجليز كانوا يسعون لبَدء مفاوضات بأسرع ما يمكن؛ لذا فقد اقترحوا بأن تبدأ في 16 نوفمبر، ووافق الجيش على هذا الاقتراح، ولكن قادة الجبهة القومية رفضوه على اعتبار أنّهم لن يتمكنوا من القدوم إلى جنيف قبل 20 نوفمبر، وفي النهاية قبلت شروط الجبهة القومية. 

خلقت مصاعب معينة للجبهة القومية كون بعثة الأمم المتحدة الخاصة بالجنوب التي لم تتمكن من تفهم الوضع على حقيقته، وكانت تسترشد بالقرارات العامة للأمم المتحدة، لهذا اقترحت -كما في السابق- أن يجري في الجنوب العربي تشكيلُ حكومة عريضة بمشاركة التنظيمين الوطنيين كليهما، وقد أشير في التقرير الذي قدّمته بعثة الأمم المتحدة في 30 نوفمبر، إلى أنّ تشكيل حكومة مستقلة على قاعدة واحدة فقط من الجبهتين، سيؤدّي حتمًا إلى حرب أهلية، واتخذت قيادة الجبهة القومية عدة خطوات دبلوماسية، هدفها كشف وضع الأمور الحقيقية في جنوب اليمني للأمانة العامة لمنظمة الأمم المتحدة، كما قامت الجبهة القومية بنشاط سياسي لتوضيح الوضع في المنطقة أمام الرأي العربي. 

وكانت الجبهة القومية في نفس الوقت، قد اضطلعت ببعض وظائف السلطة المركزية في البلاد؛ ففي 10 نوفمبر، بدأت بإصدار الجريدة الرسمية باسم الجبهة القومية، ضمّنتها عدة قرارات من القيادة العامة للجبهة القومية، تؤكِّد من خلالها تولّيها السلطة فعلًا قبل أن تتسلَّمها رسميًّا من بريطانيا، وفي العدد الأول منها نُشر عددٌ من القوانين التي طلبت الجبهةُ القومية من جميع السكان التقيدَ بها؛ فمن ذلك: طلب من أهالي عدن الذين كان في حوزتهم سلاح بإذنٍ من السلطات الاستعمارية، تسليمَه إلى مقرّ قيادة الجبهة القومية في الشيخ عثمان، كما جرى إصدارُ عددٍ من القرارات الأخرى، بما فيها قرارات ذات طابع اقتصادي.

وقد قامت الجبهة بممارسة السلطة الفعلية بوصفها السلطة الشعبية المنبثقة عن إرادة الجماهير، والممثلة الحقيقية لها، وطالبت القيادات العسكرية والشعبية باتخاذ التدابير الكفيلة بتنفيذ قراراتها المبيّنة بالجريدة الرسمية، وحذّرت من نتائج الامتناع عن تنفيذ هذه القرارات، وهذا يعني أنّ الجريدة الرسمية قد عكست واقع المنطقة، حيث إنّ بريطانيا لم يكن لها وجودٌ إلا في حي كريتر، وخورمكسر، والتواهي، وهي مناطق محدودة من عدن احتفظت بها لتأمين انسحابها الأخير. 

وتعبِّر قرارات الجبهة عن سيطرتها الكاملة، وتقدِّمها إلى مائدة المفاوضات مع بريطانيا وهي راسخة القدم:

  1. فقد أعلنت الجبهة مسؤوليتها كاملة عن أمن وسلامة المناطق المحررة، وبقية المناطق التي ستتحرر بعد جلاء الاستعمار، وتعهدها ومسؤوليتها عن حماية أرواح وممتلكات المواطنين، والممتلكات العامة، وتحذيرها من الإضرار بهذه الممتلكات، وضمانها لسلامة وأمن الأشخاص، والممتلكات الأجنبية والتحذير من الإضرار بها.
  2. ثم أمرت بإيقاف حملات تفتيش المنازل والشوارع في عدن وضواحيها إلا في حالة الضرورة، وأن يقوم المواطنون الذين يحملون سلاحًا مرخّصًا من السلطات الاستعمارية، بتسليم أسلحتهم إلى قيادة الجبهة القومية في الشيخ عثمان، كما تم ذكره مسبقًا.

وفي 11/ 11/ 1967، بعد أن أكّدت الجبهة القومية سيطرتها، قام سيف الضالعي- رئيس المكتب السياسي للجبهة القومية، بالإبراق إلى وزير خارجية بريطانيا عن طريق المندوب السامي البريطاني- أكّد فيها أنّ الجبهة تعبّر عن الإرادة الشعبية، وأنّها تتولَّى السلطة فعلًا، وقد قامت بتشكيل وفدٍ عهدت إليه بمهمّة التفاوض مع بريطانيا؛ لنقل السلطة السياسية، وطلب الضالعي من براون قيامَ المفاوضات حوالي 20/ 11/ 1967، وقد وافقت بريطانيا، وتم اختيار جنيف مكانًا للتفاوض، حيث يقوم اللورد شاكلتون برئاسة الوفد البريطاني.

وقد حدّد السيد قحطان الشعبي- عضو القيادة العامة، ورئيس الوفد المفاوض، في مؤتمر صحفي، موقفَ المتفاوض الجنوبي، بأنّه يهدف إلى:

  1. تحقيق الاستقلال الفوري، وانتقال السيادة إلى الحكومة الوطنية، والتأكيد على وحدة أراضي الجنوب، بما في ذلك كل الجزر.
  2.  رفض الاتفاقيات العسكرية بما في ذلك الدفاعية، على أن تقوم بريطانيا بتسليم ممتلكات الجيش البريطاني في الجنوب إلى حكومة الثورة. 
  3.  رفض الأحلاف السياسية، ورفض الانضمام إلى الكومنولث، ومقاومة أية قيود سياسية، وطلب إنهاء كل معاهدات واتفاقيات بريطانيا السابقة مع السلاطين والاتحاد.
  4.  رفض القيود الاقتصادية والمالية، ومع ذلك تقبل الجبهة القومية الارتباطَ بمنطقة الإسترليني لفترة محدودة قابلة للتجديد أو الإلغاء، وستقوم بطلب معونات مالية غير مشروطة.  

وليس هناك خلاف كبير حول النقاط التي حدّدها رئيس الوفد الجنوبي، فيما عدا نقطة المعونة المالية؛ إذ كان في تصوّر الجبهة القومية أن تحصل على معونة مالية تبلغ 60 مليون جنيه إسترليني على مدى ثلاث سنوات، وهي المعونة التي سبق أن وعدت بها بريطانيا حكومة الاتحاد، وأنّ بريطانيا عند انسحابها ستترك خزينة البلاد خاوية، وأنّ وفد الجبهة القومية سيطلب هذه المعونة، وربما أكثر منها، وذلك لمواجهة متطلبات البلاد في الفترة التي تلي الاستقلال مباشرة، ولا سيما أنّ بريطانيا التي التزمت بدفع هذه المعونة، ستغادر البلاد، والسنة المالية شبه منتهية.

ولدى الإجابة عن أسئلة المراسلين الأجانب، أكّد سيف الضالعي أنّ الحكومة القادمة سوف تقيم علاقات دبلوماسية مع بريطانيا، وأنّ الجبهة القومية ستوقف بعد بَدء المفاوضات، جميعَ العمليات ضدّ الإنجليز، وأية أعمال استفزازية من جانب جبهة التحرير أمرٌ مستبعد؛ لأنّ الجبهة القومية تسيطر على الوضع في البلاد، وقد نظفتها من أنصار جبهة التحرير.

وقد واجهت الجبهة القومية عقبةً سياسية متصلة بالأمم المتحدة، تمثّلت في شجب البعثة الدولية في تقريرها إلى السكرتير العام للأمم المتحدة ما وصلت إليه الأوضاع في اليمن الجنوبي، وسيطرة الجبهة القومية، وتعضيد الجيش العربي لها، ونوّهت البعثة بأن الجيش هو دائمًا رهن أوامر سلطة الإقليم وهي بريطانيا، وأن إعلان الجيش عدم اعترافه بالجبهة الأخرى، وهي التحرير، يثيرُ مخاوف واحتمالات تفجير حرب أهلية، واقترحت البعثة على أجهزة الأمم المتحدة أن تطلب من بريطانيا بوصفها سلطة الإدارة في الإقليم أن تعمل على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، لكي يحصل الإقليم على استقلال حقيقي في إطار السلام والوفاق، وهذا يقضي بأن يقوم اتصال مباشر بين بريطانيا والمنظمات الوطنية، وألّا يُترك الأمر لكي تقرره الجبهة القومية والجيش معًا؛ أي إنّ البعثة لا تزال تلح في قيام الحكومة العريضة في المنطقة.

وقد علّقت صحيفة معبرة عن اتجاهات الجبهة القومية، على تقرير البعثة الخاصة، وخاصةً حول التحذير من حرب أهلية إذا لم تشارك جبهة التحرير في الحكم- بأن الجبهة القومية هي الممثِّلة الوحيدة لشعب الجنوب، وأنّها أخطرت السكرتير العام بمجرى الأحداث، وتصفية العناصر المخربة، ونعت على البعثة أنّها قبلت التعامل مع السلاطين والاتحاد، وهو أمر يناقض قرارات الأمم المتحدة. وأخيرًا أفادت الصحيفة أنّ الجبهة القومية سترسل وفدًا إلى الأمم المتحدة؛ ليعلن الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والتعهدات الدولية، وشرح ما غمض من أحداث، وبهذا استبعدت الجبهة القومية نهائيًّا دورَ البعثة الخاصة للأمم المتحدة، وفضّلت الدخولَ مباشرةً في مفاوضات مع بريطانيا بعد أن استتبّ لها الأمر؛ إذ إنّ قرارات الأمم المتحدة تؤدّي إلى انتخابات عامة، وإقامة حكومة عريضة تشارك فيها كل القوى السياسية، سواء في ذلك الجبهتين، والقوى الأخرى في المنطقة، وهي قرارات تعبر عن روح وأسلوب المنظمة الدولية التي تصدر قراراتها بشكل يرضي مختلف الاتجاهات، وتأتي بحلول وسطية ترفضها الثورة، بالإضافة إلى أنّ الأحداث كانت قد تجاوزت هذه المرحلة.

موقف المتفاوض البريطاني

من أجل إيجاد صيغة ملائمة لحل قضية الجنوب، كانت المحاولات الأخيرة التي قام بها المندوب السامي وغيره من المسؤولين، بعد أن تبيّن لبريطانيا أنّ ما أقامته في الماضي أخذ ينهار تحت إلحاح الحركة الوطنية المسلحة؛ فإنّ بريطانيا عندما تبيّن لها انهيار الاتحاد الذي صنعته لمصلحتها، ورفض الجيش تولي السلطة بسبب انقسامه، وتعضيده لقيام الثوار بتسلم السلطة، كان عليها أن تستمرّ في مخططها قُدمًا مع بعض التعديلات، وأصبح كلُّ ما يهمّها الآن أن تنسحب بقوّاتها ومعداتها من المنطقة بأقل خسائر ممكنة، وأن تترك -حسب تصوّرها- إن أمكن حكومة مستقرة، حتى لا تُتّهم أمام العالم بأنّها قد خلّفت الفوضى وراءها.

وكانت بريطانيا بحكم تعرُّفها على جوانب الحالة الداخلية، وعلى طبيعة القوى المحركة للعمل الوطني، وعلى حقيقة انتماء الجنود والضبّاط بالقوات المسلحة والبوليس- تدرك أنّ الجبهة القومية هي التنظيم السياسي الذي تغلغل في كل الجنوب، وله قواعد وقيادات نشطة، ويحظى بتعاطف معظم القوات المسلحة والبوليس، بالإضافة إلى وعيها بالحساسيات التي تحكم العالم العربي، وتؤثِّر على العلاقات بين الجبهتين؛ ومن هنا، ورغبةً في إتمام انسحابها بالشكل الذي تراه، وبما كانت تراهن في نفس الوقت، على سرعة فشل وانهيار الحكم الوطني في حالة انفراد الجبهة القومية بالسلطة- استقرّ رأيها على أن تتفاوض مع الجبهة القومية، وأن تسلّمها السلطة، وتسرع بترك المنطقة، وخاصة أنّ الجيش العربي في الجنوب كان يحثّ بريطانيا على التعامل مع الثوار، ويقصد بذلك الجبهتين، في ذلك الوقت.

وعندما بدأت المفاوضات في جنيف بين وفدي حكومة بريطانيا، والجبهة القومية، قام الأصدقاء العرب لجبهة التحرير، بمحاولة أخيرة لإعادتها إلى الميدان السياسي؛ فقد توجّهت حكومة الجمهورية العربية اليمنية باقتراح إلى الجبهة القومية وجبهة التحرير، بِبَدء مفاوضات في تعز حول الوحدة الوطنية، مطالبةً في الوقت نفسه، بوقف مفاوضات جنيف، وتشكيل وفدٍ مشترك من الجبهة القومية وجبهة التحرير. 

وتقابل شاكلتون، الذي كان يرأس الوفد البريطاني في المفاوضات، مع ممثِّلي الجبهة القومية في جنيف في 22 نوفمبر، وكان يرأس وفد الجبهة القومية قحطان الشعبي، ويتألف من: فيصل عبداللطيف، وسيف الضالعي، وعبدالفتاح إسماعيل، ومحمد أحمد البيشي، بالإضافة إلى تسعة مستشارين، منهم الرائد سالم المناحي من جيش البادية، واستمرّت المفاوضات حتى 27 نوفمبر، وقد تركت جدية قادة الجبهة القومية انطباعًا في نفوس الإنجليز الذين كانوا يتوقّعون رؤية "مقاتلين ثوريين"، وليس سياسيّين؛ فقد كان يجلس أمامهم قادة شبّان ذادوا بكل صلابة عن مصالح بلادهم، وأدهشهم أنّ أعضاء وفد الجبهة القومية كانوا على استعداد جيدٍ للمفاوضات، ويحوزون وثائق في جميع المسائل، ويتّخذون موقفًا بنّاءً وعمليًّا لدى مناقشة هذه المسائل، وأشار شاكلتون إلى أنّ قادة الجبهة القومية هم رجال من عيار ثقيل، وكانت المفاوضات تجري في جوّ هادئ نسبيًّا. 

كانت إحدى أعقد المسائل مسألة الجزر كمران، وبريم (ميون)، وسقطرة، وكوريا موريا التي كانت الجبهة القومية تعتبرها جزءًا لا يتجزّأ من اليمن الجنوبية، وبعد أن وعد الإنجليز بأخذ رأي سكان الجزر بعين الاعتبار، أجروا استفتاءً هناك، أعلنوا على إثره أنّ أهالي جميع الجزر أيّدوا الانضمام إلى اليمن الجنوبية، باستثناء سكان كوريا موريا -الذين لا يتجاوز عددهم 75 نسمة- الذين صوّتوا لصالح الانضمام إلى مسقط، واستندت إليه بريطانيا في تسليم الجزر إلى سلطنة مسقط، على أساس أنّ الجزر أقرب إلى السلطنة من النواحي السياسية والاقتصادية والتاريخية. 

وقد فاجأت بريطانيا وفدَ الجنوب إبان المفاوضات، بقرارها بتسليم كوريا موريا إلى مسقط، وحاولت التأثير على الوفد للموافقة على هذا الإجراء، وقد رفض الوفد هذا التصرُّف البريطاني الذي يتنافى مع الحقّ الوطنيّ، وقرارات الأمم المتحدة الصريحة في هذا الصدد، وأعلن الوفد أنَّ بلاده لن تتنازل عن هذه الجزر، وتأكيدًا لهذا الاتجاه، قام رئيس الجمهورية عقب إعلان الاستقلال في 1/ 12/ 1967، بتعيين محافظ لجزر كوريا موريا، هو السيد علي ناصر حسني، واحتفظت الدولة الجديدة بحقّها في اتخاذ ما تراه من تدابير لاستعادة الجزر.

والمسألة المعقّدة الأخرى، كانت المساعدة المالية؛ فقد رفض الإنجليز تقديم مساعدة مجانية إلى حكومة الجبهة القومية بالحجم الذي وعدوا به سابقًا الحكومة الاتحادية، ووافقوا على دفع مليون جنيه إسترليني في غضون ستة أشهر، كما تقرّر مواصلة المباحثات بشأن تقديم مساعدة إضافية بشرط أن تضمن الحكومة الجديدة سلامةَ الأجانب وممتلكاتهم، وعلى الرغم من المصاعب تسنّى للوفدين الوصول إلى اتفاق.

قبل بَدْء عملية الجلاء، ألغى الإنجليز حالة الطوارئ في المستعمرة التي فرضت عام 1963، وأطلقوا سراح جميع المعتقلين السياسيين، وأرسلوا إلى إنجلترا جميع أفراد دائرة الأمن. 

وفي 28 نوفمبر، وقف همفري تريفليان على سُلّم الطائرة التي ستقِلّه إلى إنجلترا، بينما أخذت أوركسترا حاملة الطائرات "إيجل"، تعزف لحن "أنّ الأمور تسير ليس كما في السابق"، وهو لحن غير تقليدي، ولكنّه ملائم تمامًا بالنسبة لهذه اللحظة. 

في الساعة الـ15 بالتوقيت المحلي من يوم 29 نوفمبر، دخل المقدم داي مورغان الذي شاء حظه أن يكون آخِرَ عسكريّ بريطانيّ في اليمن الجنوبية [على] متن آخِر طائرة بريطانية في خورمسكر، ومنذ هذه اللحظة وحتى منتصف الليل كان الوجود البريطاني في جنوب اليمن، يتمثّل فقط بالسفينة الحربية "البيون" التي كانت لا تزال موجودة في مياهه الإقليمية، وبعد منتصف الليل ارتفع فوق جمهورية اليمن الجنوبية الشعبي الحديثة العهد علمُ الاستقلال: الأحمر، والأبيض، والأسود. وفي نفس هذا اليوم، عاد وفد الجبهة القومية إلى عدن على طائرة مستأجَرة خصيصًا؛ لذلك مُنع عليها لاعتبارات أمنية أن تهبط في أيّ مطار من مطارات الشرق الأوسط، ما عدا بيروت وأسمرة. 

إحراز الاستقلال: 

قيام جهورية اليمن الجنوبية الشعبية: حكومة قحطان الشعبي

في 30 نوفمبر، ولدت جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية المستقلة، وفي نفس اليوم، أصدرت القيادة العامة للتنظيم السياسي الجبهة القومية بيانًا أعلنت فيه الجبهة القومية السلطة العليا في الجمهورية الفتية، وأُعلن في البيان عن اتباع الشكل الرئاسي للحكم، وعن تعيين قحطان الشعبي أول رئيس للجمهورية لمدة حُدِّدت بسنتين، وكلف الرئيس بتشكيل أول حكومة وطنية، ضمّت في قوامها: 

  • قحطان محمد الشعبي – رئيسًا للجمهورية، رئيسًا لمجلس الوزراء، قائدًا عامًّا للقوات المسلحة. 
  • سيف أحمد الضالعي – وزيرًا للشؤون الخارجية. 
  • علي سالم البيض – وزيرًا للدفاع. 
  • محمد علي هيثم – وزيرًا للشؤون الداخلية، ووزيرًا للصحة بالوكالة.
  • محمود عبدالله عشيش - وزيرًا للمالية. 
  • عبدالفتاح إسماعيل - وزيرًا للثقافة والإرشاد القومي، وشؤون الوحدة اليمنية. 
  • فيصل عبداللطيف الشعبي - وزيرًا للاقتصاد والتجارة والتخطيط. 
  • عادل محفوظ خليفة - وزيرًا للعدل والأوقاف. 
  • فيصل شملان - وزيرًا للأشغال العامة والمواصلات. 
  • عبدالملك إسماعيل - وزيرًا للعمل والضمان الاجتماعي. 
  • محمد عبدالقادر بافقيه - وزيرًا للتعليم. 
  • سعيد عمر عكبري - وزيرًا لشؤون الإدارة المحلية والزراعة. 

المصدر:

  • الجبهة القومية في الكفاح من أجل استقلال اليمن الجنوبية والديمقراطية الوطنية، فيتالي ناؤومكين، ترجمة: سليم توما، دار التقدم - موسكو، 1984م.
  • النجم الأحمر فوق اليمن، تجربة الثورة في اليمن الديمقراطي، أحمد عطية المصري، مؤسسة الأبحاث العربية، الطبعة الثالثة، 1988م. 

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English