ألواح التشكيلي مظهر نزار

حياة تنبض بشخصية المكان ولغة بصرية ملهمة
محيي الدين جرمة
August 23, 2022

ألواح التشكيلي مظهر نزار

حياة تنبض بشخصية المكان ولغة بصرية ملهمة
محيي الدين جرمة
August 23, 2022

تميل تجربة الفنان البصري اليمني مظهر نزار، وهو أحد أبرز روّاد الحركة التشكيلية اليمنية تأسيسًا وتميزًا بسمات عدة، إلى تطويع المكان كشخصية سردية مخفورة بروح اللون والبهجة في تفاصيله وزواياه المختلفة.

تبدع لوحاته الفنية لحظات وأزمنة شتى، تحال بواسطة الرؤية البصرية واللون كخطاب يمسّ بنية العنصر التشكيلي إلى حياة روائية ملهمة تنطق ألوانها شخوصًا وأمكنة، ومعيوشات.

لوحته تحرر (فوتوغرافيا الواقع) من جمود الصورة. فيظهر الصدى جليًّا في الفن عبر لغة وحداثة سيرية شاخصة لأمكنته، أفكاره مواكبة، متعالقة فنيًّا بلغة بصرية شفيفة حميمة اللون، وتشي بصيرورة في الزمن.

إنّ استبصارًا ومشاهدات نقدية لأعمال نزار الثرية والمتعددة، يوسّع مفردة الفنّ بصريًّا، في تجربة فارقة وأصيلة بطليعية منجزه التشكيلي، ومعارضه الاستعادية، فالتيمات تستحضر صورة اليمن إنسانًا ومكانًا وميراثًا ثقافيًّا وتحولات وأحزانًا، عبر الرمز الكاشف والجلي، لتبدع رؤيا اللون آفاقًا من التأويل النقدي في إنتاج خطاب اللوحة بين واقعية اللون ومزجها بشعرية عناصر، ودفق سيال، تجربة تستجلي صورة أخرى متغايرة للمكان تمامًا، عن مألوف المكان غير المستقر والعادي.

تمزج ريشة نزار روحًا يحتوي أفكارها؛ صورة تعدد لوني متقن، يَسِم مناحي الحركة النابضة في المدن كخصوصية ثقافية تَسِم إبداعه، وتحديدًا ما يتعلق بثنائية صنعاء القديمة متماسًّا بحضرموت، كما في أعمال تجارب أخرى، غير أنّ توأمة المدن لدى مظهر نزار يأخذ مسارًا بالتجديد والتلقي الحر. 

تتماهى في أعماله ظلال وأضواء وشروقات وسطوع ونصوع، وانكسار للضوء والظل، نتوءات وأبعاد لونية، من زوايا، تكاد تسمع تأوّه حكاية المكان كشخصية، فاللحظة تحفر في زمن آخر، هو زمن المشاهدة البصرية التي قد تعبرها أزمنة أخرى

تيمة ومواضيع أعماله تنهل من مخزونه المعرفي وإلمامه بالفن البصري العالمي، تعزز ذلك أكاديميته في دراسة الفن وتخرجه بتفوق في جامعة الفنون بكلكتا- الهند، ما زاده فكرًا في تأطير اللحظة وأبعادها دون كلفة، وهو لا يتوسل تقنيات من خارج الفن، بقدر ما يراكم رصيدًا أسهم بامتياز تأثيراته على تجارب فنية عديدة ليمنيين شبان منذ بضعة عقود.

ضمن تجارب مهمة في التشكيل اليمني والعربي، بنى كفنان مداميك أصيلة في مجاله، ودلّت معارض عديدة، حية ضمت نتاجه الغزير، بنوعية، على توطين بيئة الفن، بأثر عالمي، مع الحفاظ على خصوصية محلية فارقة، تستوقف العين الأجنبية قبل غيرها وتعزز رؤية الناقد لها في تعبيراته وعلاقتها بالآخر القريب والبعيد.

تأخذ رسومات مظهر نزار بقصدية الخطاب الفني، إلى أبعد مدى من جماليات الفن، ومنجمية الرؤية، وعمقها، فتجربته تمثل مشهدية خاصة بتركيز عالي الحضور في اشتغالاته، فنارًا يدل، وأسفارًا عبر اللون إرادة بحار يمخر عباب خاماته ومختبره المكتنز عطاء، وموقفًا في الفنّ والحياة.

ريشة الفنان هنا تتجذر في طبيعة المكان كعنصر سردي روائي يحكي قصة أمكنة، وحوارات حميمة مع رصد أدق تفاصيلها، معمارًا بزيّ وفكر الفن، كما تحضر رمزية الهدهد غالبًا، والمرأة بلبوس الحرب تارة، أحجبة، وأقمطة لونية متعددة، وخمارات شفافة لا تحجب، بقدر ما تكشف، مساقه اليومي ورؤية الفن.

يتحقق فعل الإبداع بتحرير الفوتوغرافيا كمكان إستاتيكي من جمود شخصيته، إلى واقعية خاصة تنبض بحياة الألوان، فتؤثث الفضاء، برؤية وطبيعة مختلفة، في حركتها تجاه الانطباع الأولي لمألوف المشاهدة، وزمنه المتحول، غير أنّ فكرة الفن هنا وليدة الرؤية والتجريب المتعدد اللون بسطوحه البنيوية، وركيزته شبيهة بشعرية تنثر صورها وتعكس أداءها وخيالاتها كبصمة اختلاف.

وكالمعتاد، فإنّ أعمال نزار تبدو، لا كإطار مكاني يحاط بزمن مغلق، بل بما هي مكان يحيل لدى المشاهد إلى حنين تجوالات وذكريات وعلاقات متساكنة بهُوية المكان الثقافي والوطني ممسكًا بتاريخ اللحظة الفنية، كنزوع نحو زمن متجدد وعابر، وقد يصعب في أحايين استعادته، سوى كمضمر دلالي في الفنّ ذاته، وكرواية بصرية لم تُكتب بعد.

تتماهى في أعماله ظلال وأضواء وشروقات وسطوع ونصوع، وانكسار للضوء والظل، نتوءات وأبعاد لونية، من زوايا، تكاد تسمع تأوه حكاية المكان كشخصية، فاللحظة تحفر في زمن آخر، هو زمن المشاهدة البصرية التي قد تعبرها أزمنة أخرى، وتعايشات أعمار وأجيال بقيت تحلم وتتجاسد والمكان بألفة كبيرة، وألم حد اليتم والهجر.

يبدو الفن برسم ريشة مظهر نزار خارج التأطير، حين تجده غالبًا يكسر "أُدلوجات" الواقع، ليتسع اللون كرؤية صافية تحرك جمود المكان في اعتياديته وتؤنسنه، كما أنّ صورة المرأة تظهر انكسارات متوارية خلف حجب شفيفة ومزهرة ترتديها.

هي إذن، تجربة نوعية تتزيّا بلمعانات لونية لا تبدو أقنعة لغموض واقعٍ ما، يستعصي حينًا على التفسير، أو التأويل الضيق لكموناته، قدر سيلانه كعنصر حياة ضاجّة ومتناقضة وتذكار ينبض برواية اللون، وعنصر المحكي.

تيمات تصعق السكون في المشهد، وتحيله إلى لحظة حية برؤية الفنان وحدسه المحلق وحواسه المتنزهة، إبداعه، مهجوسًا بروح الفن، يرسم بألوانه منمنمات، يتجلى بعدها في الجذب الصوفي أحايين، لا محض لقطات توثقها عين أو عدسة فوتوغرافي، أو كما يستسهل كثيرون تحريك الصورة في ظل تفشيها، كلحظة وكتلة صماء!

•••
محيي الدين جرمة

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English