أعمال الليل في صعدة

مشكلات متعددة تُقلق حياة السكان
خيوط
March 5, 2024

أعمال الليل في صعدة

مشكلات متعددة تُقلق حياة السكان
خيوط
March 5, 2024
الصورة لـ: علي السنيدار

منذ 2005، بدأت تنتشر في الصعيد والمناطق المجاورة لها بمحافظة صعدة، ظاهرة العمل ليلًا، في قرى يعمل أغلب سكانها في فلاحة الأرض وتربية المواشي. هذه الظاهرة صارت مع مرور الوقت الطويل، تحل محل ما ألفه السكان في حياتهم البسيطة والهادئة، فقد اعتادوا على النهوض باكرًا، والذهاب للعمل في مزارعهم وحقولهم بمشاركة النساء اللواتي يؤدّين أدوارًا حيوية في الاقتصاد الريفي.

أما المهنة المستحدثة، التي تبدأ من السادسة مساء حتى التاسعة من صباح اليوم التالي، تتمثل في قيام العمال بطَرْق الحديد وتقطيعه بمناشير كهربائية، ثم تشكيله على هيئة أقواس يتم تثبيتها في الحقول من أجل بناء بيوت زراعية، لحماية المحاصيل، وخصوصًا الورقية منها من أجل حمايتها من موجات البرد القارس التي تبدأ مع حلول الشتاء، ويأتي على رأس تلك المحاصيل: القات، الذي أصبح يعتمد عليه حوالي 70% من سكان المنطقة، والمحافظة بشكل عام.

هذه المهنة الليلة رافقها الكثير من الاختلالات في المجتمعات المحلية، فبعد أن كانت تنعم، هذه المجتمعات، بالهدوء والسكينة ليلًا، صارت المنطقة كلها عبارة عن ضجيج متصل لأصوات المناشير الكهربائية ومطارق العمّال الثقيلة وصخبهم.

أغلب العمال في هذه المهنة، هم من الشبان الذين تركوا مدارسهم، والتحقوا بمهنة سهلة لا تتطلب منهم مهارات كبيرة سوى المطارق والفؤوس وقوة العضلات، بمقابل دخل يوميّ يوازي 20 دولارًا فقط، وهذا الدخل البسيط أسال لعاب أولياء أمور الطلاب، وأرباب الأسر الذين شجّعوا أبناءَهم على العمل ليلًا، على حساب استمرارهم في التعليم؛ لأنّهم لا يستطيعون الذهاب بعد عمل ليليّ شاق يستمر قرابة خمس عشرة ساعة كاملة، ومعظم هؤلاء الشبان هم من طلاب المدارس الثانوية، التي صارت شبه خاوية بسبب تسرب الطلاب إلى هذه المهنة، ومهن أخرى فرضتها تداعيات الحرب.

صحيًّا، يعاني الكثير من هؤلاء العمّال الليليين من أمراض متنوعة، ومنها التدرن الرئوي واحتباس السوائل، بسبب التعرض لصدمات برد قاسية واستنشاق الأتربة وعوادم المولدات. وفي هذا الصدد، يقول فيصل صالح عيضة، الذي يعمل مقاولًا في تركيب أقواس حديد في مديرية الصفراء، إنه أصيب بسوائل في الرئة، حيث استدعى الأمر نقله إلى صنعاء، لتلقي العلاج عند دكتور متخصص، فأنفق بسببها مبالغ طائلة، وصلت إلى مليون ريال تقريبًا، وما زال يعاني من تدرن في الرئة، وأرجع الطبيب المتخصص السببَ في تفاقم حالته الصحية، إلى العمل ليلًا حتى ساعات الصباح الأولى في البرد القارس، واستنشاق الأتربة والغبار، والتعرض لعوادم المولدات التي تشغل المناشير الكهربائية. وفي بداية العام 2022، أصيب أخوه الكبير بنفس المرض، الذي لم يمهله السفر إلى صنعاء، إذ أُسعِف على وجه السرعة إلى مستشفى السلام بصعدة.

هذه المهنة الليلية ألقت بتبعاتها أيضًا على العلاقات الزوجية والتماسك الأسري، فعند عودة الزوج العامل ليلًا، إلى منزله، يبدأ النزاع والشجار بينه وبين زوجته، حيث يريد أن ينام ولا يريد أن يستمع لمشاكلها، ولا أن يسمع أحدًا من أطفاله الصغار.

لوحظ في الآونة الأخيرة، خصوصًا في قرية المهاذر، بمديرية سحار، عزوف الشباب عن الزواج، ورغبتهم في العمل ليلًا والنوم نهارًا، دون الالتزام الأسري وتبعاته الحياتية. ومن جراء السهر الطويل، تم رصد حالات عديدة لبعض عمّال الليل الذين أقدموا على قتل أشخاص من أقاربهم على مشكلات صغيرة، فجّرتها ضغوط ساعات السهر الطويل والإرهاق النفسي. 

لوحظ أيضًا، أنّ الانعزال عن المجتمع ومناسباته المتعددة (أفراح ومآتم ومناسبات أخرى)، يلازم عمّال الليل، ويقول الأهالي إنّ هذا العمل الليلي نذير شؤم، وهو امتداد لتراكمات الحروب التي مرت وتمر بها المحافظة.

(تعاون نشر مع مواطنة)

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English