"جزيرة المطففين" لحبيب سروري

تفكيك لعالم اليوم المضطرب المريض
خيوط
November 19, 2022

"جزيرة المطففين" لحبيب سروري

تفكيك لعالم اليوم المضطرب المريض
خيوط
November 19, 2022

https://

منذ أصدر الروائي حبيب عبدالرب سروري عملَهُ الأول "الملكة المغدورة" بالفرنسية عام 1998، وصدرت مترجمة إلى العربية في العام التالي بواسطة الدكتور علي محمد زيد، لم يتوقف الكاتب عن خوض تجربته السردية المتنوعة، التي لم تَغِب فيها اليمن ومعضلاتها الكبرى.

الاشتغال على الغرائبيّ والمتخيّل والمزاوجة الذكية بين العلم والأدب، واحدة من أدوات الكاتب المتنوعة، ابتدأ من مجموعة "همسات حرّى في مملكة الموتى" 2000، و"دملان"، و"تقرير الهدهد"، و"أروى"، و"طائر الخراب"، و"حفيد السندباد"، و"ابنة سوسلوف"، و"وحي"، وصولًا إلى روايته الأخيرة "جزيرة المطففين" 2022.

تقول أماني فارس أبو مرّة في مراجعتها للرواية(*)، في النهار العربي:

"الرّاوي في "جزيرة المطفِّفين" صحافي يمني ثلاثيني، و"وكيل سرّي" لا اسم له ولا عنوان (رجل ظل)، في طريقه إلى لندن، لمهمة عمل صحافيّ استطلاعيّ سريعة (قبيل أعياد كريسماس 2020). اضطر، بسبب إغلاق حدود مدينة كاليه (التي تقع في أقصى شمال فرنسا) على حين غرة ولأجل غير مسمى، إثر متغيّر إنكليزي لفيروس الكوفيد، أن ينتظر عودة المواصلات ليكمل رحلته وإتمام مهمته.

أثناء سيره في أنحاء هذه المدينة، دغدغَ مسمعه صوت نغمٍ يمنيٍّ قديم. وعند اقترابه، وجدَ نفسَه أمام خيمتين يختبئ فيهما شابّان لاجئان غير شرعيين يختفيان عن أنظار العالم (طفران اليمني، وحجي الإريتري)، ليسرد لنا الرّاوي رحلتهما المأساوية ومعاناتهما وصور الموت والعذابات الكثيرة، وليضعنا أيضًا، من الصفحات الأولى في الرّواية، أمامَ مقارنة بين شعوب الشمال الغنية وشعوب الجنوب الفقيرة المنكوبة، ثمّ ليعود بعدها إلى لحظة وصوله إلى المدينة ولقائه "الافتراضي" بسينديا الثلاثينية، الهندية الإنكليزية القادمة من زمن مستقبلي لمهمة استقصائية تتعلّق بأصول أحد الفيروسات التي تُقلق أكثر من أي فيروس آخر.

يسرد الرّواي ماضي الغاب وحاضره وصراعاته، ويحدثنا عن جائحة جديدة مختلفة تتعلّق بإدمان الإنسان على التكنولوجيا، وهي جائحة تصيب مقل أعين البشر (رقص العناكب الطائرة)، جرّاء داء الشاشات. وعن الشعوب المسحوقة التي تقسّم إلى الشعوب المدللة (المسحوقة) والشعوب الأكثر انسحاقًا.

تدخل فجأة في الرواية شخصية محورية: لِلاجئين (طفران وحجي) علاقة ما بناسك في "صومعة إخوان العلمانية"، قرب مدينة تولوز بجنوب فرنسا. (تضمّ هذه الصومعة مؤخَّرًا بَشرًا بعقائد دينية ولا دينية). فريد شخصية فريدة ومميزة، يحمل اسمه (فريد) بجدارة، من أمٍّ ألمانية (ميلا) متخصصة في الفيلولوجيا، وأب يمني (سعدان) درس الهندسة الكيماوية في ألمانيا، وهو أهمّ شخصيّة في الرواية، مسيرة حياته مذهلة، له جمال وذكاء استثنائيَّان.

للرواية هوس واضح: ملامسة الواقع بكل تعقيده، وتفكيك واستشراف الاتجاهات المستقبلية لعالم اليوم المضطرب المريض، والذي سوف يزداد اضطرابًا في السنوات والعقود القادمة، ليس فقط بسبب جائحة الكوفيد وما سيليها من طفرات، ولكن أيضًا، بسبب الحروب الأهلية المحلية والأنظمة الديكتاتورية الفاسدة وما تسبِّبه بجانب الكوارث البيئية والجوائح، من هروب ولجوء لا شرعي جماعي، ازداد على نحو خاصّ العامَ الماضي. وبسبب الاستلاب الذي يعيشه الإنسان المعاصر في عالم بلا بوصلة تهيمن عليه الآلة والتكنولوجيا، وأيضًا بسبب جوائح العالم الرقمي وشاشاته، وإدمان الإنسان عليها على نحو مَرَضي.

كما تجاوز سروري في هذه الرّواية دوّامة الرّواية العربيّة في الدوران الخذروفي حول الذات العربيّة، بعيدًا من إشكاليّات وأزمات العصر البيئية والعلمية والجيوسياسية، وكثّفَ من ناحيةٍ أخرى الواقعَ العربي في إطار حركة العالم واتجاهات الحاضر والمستقبل والإطار العالمي.

ومن خلال الزمن المطاطي للراوية، حيث معظم حوادثها تدور في الحاضر، مع قفزات استباقية إلى المستقبل القريب، يقدّم لنا الكاتب استشرافًا لهذا المستقبل الذي يُدار على يد الحواسيب والآلات، ويسلّط الضوء على المستقبل التكنولوجي والمستقبل البيولوجي المتمثّل بإحداث تغيرات في جسم الإنسان نتيجة العقاقير والهندسة البيولوجية".

(*) جزيرة المطففين (رواية)، حبيب عبدالرب سروري، منشورات المتوسط ميلانو، طبعة أولى 2022.

المصدر:

https://www.annaharar.com/arabic/culture/books-authors/20032022022425832

•••
خيوط

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English