ريشته سفيرة نوايا إنسانية

مراد سبيع: وجع اليمنيّ بين التجريد والتراجيديا!
محيي الدين جرمة
March 12, 2023

ريشته سفيرة نوايا إنسانية

مراد سبيع: وجع اليمنيّ بين التجريد والتراجيديا!
محيي الدين جرمة
March 12, 2023

حينما أخذ مراد سبيع على عاتقه رسالة الفنّ، لم تكن همومه تلهث حول غاية من تلك التي عادةً ما تتبخّر خلالها مواهب كثيرين، لكنّه رأى الفنّ كقيمة قابلة للتحديث والتطور، والنزوح بالفنّ والريشة والقضية والموقف معًا، بكلّ هذه العناصر مجتمعة، إلى مجالات وبلدان تحتضن غربته داخل منافٍ كثيرة.

لقد استطاع ترميم الواقع اليمني بكل مفرداته عبر الفنّ، في ورشة عالمية قلّ أن تتوافر غزارة موهبتها ونتاجها لفنّانين وناشطين يمنيين في اشتغالات محايثة في خطابها ومعناها، وتجديد رؤاها من داخل فكرة الفنّ ذاته.

لم يؤسِّس مسارات جديدة لفنّ التشكيل الإطاري البصري، فحسب، بل إنّ جلّ أعماله، تنحاز إلى فلسفة الألم اليمني، بكل تفاصيله، وثيماته، بكل أبعاده ونزاعات فضائه، بضيقه في الواقع، ورحابته في لا توقُّع ورمزية الفن، وهو ما منح لطبيعة الحركة داخل الألوان، ميكانيزم وحيوية، ودأبًا عميقًا، عند سبر دلالة الحيز الذي يمنحه الفنّ البصري، متغلبًا فيه على إطاريته حتى في اللوحة المنجزة ذاتها.

تبدع ريشته دومًا حضورها بمستويات ومواضيع عديدة، كفنٍّ طوع واقع أقامته المستوطنة لرفد رؤيته بمخزون ألمه ومجتمعه المتعدد المشكلات، داخل إطارات سياسية ومجتمعية وأبعاد صراعية، استلهم بعض أفكاره ومواقفه وتوقيعات ريشته من خلالها، لتبرز ريشة الفنّ ومواضيعها الطيفية اللون، كسفيرة نوايا إنسانية خارج التعيين أو التكليف البروتوكولي، الذي يتخذ عادةً طابعَ الرسمية لدى عديد من الناشطات والناشطين في مجال الفنّ والنزوح ومعالجة قضايا اللجوء.

أعمال سبيع غيرُ مُنبتّة عن لحظات إنسانها؛ فهي تشكّل منجمًا للفنّ، وموقف الفن الجامع لهُويات متعدّدة داخل فكرة المنجز الفنيّ لمراد سبيع في امتداده الجسري الآخذ في صهر المشكلة اليمنية، لإيصال صوتها عالميًّا بنكهة قنبلة تنفجر في محيط هائل لأغراض سلمية.

تنفرد الرؤية الفنية في لوحاته الإطارية المفتوحة على فنّ البورتريه، على نحو تبرز عبرها حتى جماليات ما تخلّفه الحروب والصراعات المرَضية المزمنة من ألمٍ يتسع، لتمتدّ خارطته ضمن وجع إنسان كونيّ في جهات عديدة من العالم، وعلى أنقاض الإنسان التي تخلف الكارثة، تنبت زهورٌ، وأخيلة في بقايا رماد هنا أو هناك.

سمات جديدة ومواقف مؤثّرة بفاعلية ترتبط بالفنّ، عمّقت من حضور تجربة مراد سبيع وتنقّلاته في بلدان أوروبية وغيرها، لحمل رسالة عبر الفنّ، حيث أعماله تستحثّ المعنى وتستنبت في ترابه بذرتها، بلغة تواصل وإدهاش، قلّ أن نجدها في تجارب تحاول أن تتميّز وتنفرد، وتؤسّس كما تؤثّث بيت مجتمعها ببدائل وطرائق احتجاجية تستنهض إرادات قويّة، من قعر ألمٍ لا يزال متجدِّدًا هو الآخر.

أعماله خطاطات لسيرة الوجع اليمني الذي لا يبدو كسرديّة عابرة فحسب، في سياق صراعي بعينه، بقدر ما يدمغ حضورها ومطالبها المشروعة بميسم كونيّ التأثير والتوقيع والصوت المسموع، مطالِبًا بجدارة أن يكون لإنسانِ بلادِه كرامةٌ وإقامة ومواطنة وحقوق مستقرة، يُوْصِل ذلك بصوغٍ رمزيّ غير معهود، ما يجعل من أعماله أيقونات تكسر مرايا نفسها بالتأمّل، وبتوظيف خامات فنية جديدة وغير مهادنة غالبًا.

•••
محيي الدين جرمة

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English