مهمشات ضحايا الألغام

لا مساواة في الرعاية الطبية والتعويضات
عبدالغني عقلان
December 7, 2023

مهمشات ضحايا الألغام

لا مساواة في الرعاية الطبية والتعويضات
عبدالغني عقلان
December 7, 2023
.

فتحية صالح محمد (26 عامًا)، متزوجة ولديها خمسة أطفال، إحدى الفتيات المهمشات التي تعرضت لإصابة خطيرة جراء انفجار لغم قبل نحو 4 سنوات، حينما كانت في طريقها إلى أحد الجبال للاحتطاب، لطهي ما توفر لهم من طعام، فضلًا عن كونها تتخذ من الاحتطاب مهنة تقتات منها الفتات من الأسر التي تزودها بالحطب، وفي أغلب الأحوال لا تجد سوى بقايا أطعمة تتخلص منها هذه الأسر.

تقول فتحية لـ"خيوط": "بينما كنت ذاهبة إلى الجبل للاحتطاب، انفجر بي لغم أدّى إلى بتر قدمي اليسرى، حيث تم إسعافي إلى المستشفى، لكنني لم أجد أي اهتمام ولا أي مساعدات طبية مناسبة، سوى أقدامٍ صناعية من النوع الرديء والتي لم تعد صالحة للاستخدام"، مضيفةً أن إحدى النساء من نفس منطقتها تعرضت خلال الفترة نفسها، لإصابة بلغم، لكنها وجدت اهتمامًا طبيًّا، إضافة إلى الحصول على راتب جريح وإكراميات، بخلاف فتحية التي تم إهمالها لأنها مهمشة، وكان يجب مساواتها بأخريات في الحصول على راتب أو مساعدات لكي تستطيع الاهتمام بأطفالها الخمسة ورعايتهم وتعليمهم؛ كونها إحدى النساء ضحايا الألغام، وضحايا تمييز المجتمع وعنصريته، الذي أجبرها وغيرها من الفتيات المهمشات على الزواج في سنّ مبكرة والإنجاب في ظروف صعبة وحرجة تعاني منها فئة المهمشين بشكل عام.

أجهشت فتحية بالبكاء، وتساقطت دموعها وهي تتحدث لـ"خيوط"، بصوت عميق عن التأثير النفسي الذي تعانيه من الإعاقة التي سبّبها اللغم الذي انفجر بها، وصوت الانفجار الذي لا يزال يدوي في رأسها.

من جانبها، تدعو رئيسة جمعية الفرص المتكافئة، مها حسن حميد، في حديثها لـ"خيوط"، المنظمات الحقوقية المحلية والدولية والجهات العامة الحكومية، إلى الاهتمام بالنساء والفتيات المهمشات ضحايا الألغام في مناطق النزاع، وتعويض أُسَر من فقدن حياتهن بسبب هذه الألغام، وتوفير الرعاية الكاملة للمبتورات أسوةً ببقية النساء دون تمييز.

الألغام من أكبر أنواع العنف ضد النساء، فهو يولّد لهن أعاقة دائمة، إذا كُتبت لهن الحياة، إضافة إلى الإعاقة الاجتماعية بسبب النظرة الدونية والتمييزية، التي يجب على الجميع محاربتها لرفع الضيم والظلم والقهر عن هذه الفئة من المواطنين اليمنيين.

يغيب دور الدولة بشكل كلي في تمكين النساء والفتيات المهمشات، من زمن بعيد، وقد كشفت الحرب في اليمن التي اندلعت في مارس/ آذار 2015، عن الترسبات الاجتماعية من التمييز والعنصرية التي تمارس ضد الفتيات والنساء المهمشات المعنَّفات في كل المراحل التاريخية التي تمر بها اليمن، سواء كانت في السلم أو في الحرب.

وذلك بالنظر إلى عدم وجود مساواة في الاهتمام والرعاية الصحية، وتقديم المساعدات المالية، وغيرها من الحقوق الأخرى بين النساء والفتيات المهمشات اللاتي وقعن ضحايا لانفجار الألغام، مقارنة بنظيراتهن من النساء والفتيات غير المهمشات.

صدمات الانفجارات والتهميش

لا تزال حادثة انفجار لغم كبير بإحدى النساء المهمشات في العقد السابع من عمرها، عالقة في أذهان أبنائها وأحفادها وجميع ساكني الوادي الجديد، والمفتش، في منطقة التعزية، شرقي محافظة تعز (جنوب غربي اليمن)، وذلك في المناطق الواقعة تحت سلطة أنصار الله (الحوثيين).

يروي الناشط الاجتماعي عبده علي الدعيس، لـ"خيوط"، ما حدث لهذه المرأة، نور الدهبيلي، بالقول: "انفجر لغم كبير قبل نحو ثلاثة أعوام في أحد الأودية، في هذه المنطقة الواقعة شرقي تعز، أدى إلى تمزق جسدها، فقام الناس الذين تجمعوا بعد الانفجار، بتجميع أشلاء جسدها المتناثر، ووضعوها داخل كيس، والقيام بدفنها".

النساء والفتيات المهمشات موجودات في عموم اليمن، لكن قدَرهن جعلهن يسكنَّ في أهم مناطق النزاع؛ ما أدى إلى تعرض بعضٍ منهن للإصابات بالألغام، ويصبحن عالة على أسرهن وعلى المجتمع، وبعضهن تتمزق أجسادهن أشلاء. 

يشعر الدعيس بالأسف والحسرة لما حدث لهذه المرأة، إذ لم يتم تعويض أسرتها، أسوة بالنساء الأخريات اللاتي يتعرضن لمثل هذه الحوادث، ومنها حوادث وقعت في هذه المنطقة ومناطق أخرى قريبة واقعة على التماس بين طرفي الحرب والصراع الدائر.

ويلاحظ أنّ كثيرًا من المهمشين يقطنون في هذه المناطق، مرجعًا سبب التعامل مع هذه المرأة المسنة وغيرها من المهمشات والمهمشين إلى التمييز العنصري والعنف المزدوج التي يمارس ضد النساء ذوات البشرة السمراء.

هناك أيضًا أبرار مختار فرحان، طفلة تبلغ من العمر 16 عامًا، وقعت ضحية انفجار لغم أثناء قيامها بجلب الحطب، أدى إلى بتر قدمها اليسرى في منطقة "الدمنة"، شرقي تعز. 

يقول راني الحذراني، أحد أقارب أبرار لـ"خيوط"، لا يزال التقرير الطبي الخاص بالطفلة أبرار موجودًا في مستشفى الثورة العام الحكومي بتعز - مركز الأطراف، الذي يؤكد ضرورة إجراء عملية جراحية، وتركيب قدم صناعي في تركيا، أسوة بضحايا آخرين للألغام تم نقلهم للعلاج إلى تركيا.

ويضيف: "الوساطة والمحسوبية هي السبب الرئيسي لحذف اسمها من الكشوفات المقرر سفرها إلى تركيا لتركيب قدم صناعي؛ كونها من النساء المهمشات الأكثر تضررًا من التمييز القائم في مجتمعنا اليمني"، داعيًا إلى الاهتمام بضحايا الألغام من قبل الجهات المسؤولة.

من جانبه، يقول الناشط الاجتماعي محمد أحمد لـ"خيوط": "انتشار الأمية في أوساطهن، وغياب الوعي لدى أسرهن، هو الذي يرفع من مخاطر دخولهن المناطق الملغومة بدون علمهن، حيث تجبرهن ظروف الفقر على الذهاب إلى الاحتطاب، أو جلب الماء، أو رعي الأغنام؛ الأمر الذي يعرضهن لانفجار الألغام".

التمييز وعدم المساواة

تعنيف الفتيات والنساء المهمشات يُعد من القضايا المهمة في المجتمع، ولا يتم تسليط الضوء عليها من قبل الإعلام، إضافة إلى التمييز الاجتماعي الذي تواجهه، وعدم وجود أي اهتمام حكومي بهذه الفئة من المجتمع في اليمن.

الأمر الذي يتطلب إبراز قضاياهن على المستوى المحلي والدولي والمنظمات المهتمة بحقوق الإنسان والأقليات، لإحداث تغيير في سياسة السلطات، وتمكين الفتيات والنساء ضحايا الألغام من نيل كافة حقوقهن وفق القانون، والحصول على التعويض العادل لأسرهن وفق قاعدة "جبر الضرر" أسوة بغيرهن، إضافة إلى اهتمام المنظمات الحقوقية والجهات الحكومية بقضايا ومعاناة ضحايا الألغام.

تعتبر رئيسة مبادرة رحماء للتنمية، أشواق المقطري، في حديثها لـ"خيوط"، أنّ الألغام من أكبر أنواع العنف ضد النساء، فهو يولّد لهن أعاقة دائمة إذا كُتبت لهن الحياة، إضافة إلى الإعاقة الاجتماعية بسبب النظرة الدونية والتمييزية، التي يجب على الجميع محاربتها لرفع الضيم والظلم والقهر عن هذه الفئة من المواطنين اليمنيين.

وتتعدد الصعوبات والتحديات في هذا الجانب، منها غياب القدرة لنيل حقوقهن المدنية والاقتصادية، بسبب الأمية والعزلة والفقر.

الناشطة الإعلامية، بشرى الأغبري، تقول لـ"خيوط": "لوحظ بشكل كبير غياب اهتمام الإعلام بقضايا النساء المهمشات والمعنفات، وتعرض بعضهن للموت بسبب الألغام، والبعض للإعاقة الدائمة أو البتر"، مُرجِعةً ذلك إلى العادات والتقاليد الاجتماعية، وغياب الوعي في التعامل مع هذه الفئة.

بدوره، يؤكد إسماعيل رشيد، مهتم بشؤون الدمج الاجتماعي، لـ"خيوط"، أنّ تعرض النساء والفتيات المهمشات للإصابة بالألغام، يعيق اندماجهن أسوة ببقية النساء في المجتمع، ويجعلهن يعشن في حالة معاناة نفسية دائمة تتطلب الوقوف معهن ومساندتهن في التماسك والاندماج الاجتماعي.

•••
عبدالغني عقلان

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English