خسائر الاقتصاد اليمني تربك الإحصاءات

تدمير منشآت واختناق تجاري وهجرة رؤوس الأموال
محمد الصلوي
December 2, 2021

خسائر الاقتصاد اليمني تربك الإحصاءات

تدمير منشآت واختناق تجاري وهجرة رؤوس الأموال
محمد الصلوي
December 2, 2021

عاش مازن إسحاق (اسم مستعار بحسب طلبه)، جحيمًا لا يستطيع وصفه منذ مطلع عام 2017، حتى منتصف عام 2019، قبل أن تخف معاناته بشكل طفيف عندما تمكن من العودة إلى عمله في مصنع "أسمنت عمران" (منشأة حكومية).

كان مازن قد أُجبر وعشرات العمال غيره على التوقف عن العمل بعد تعرض المنشأة لقصف طيران "التحالف العربي"، بقيادة السعودية والإمارات، لأكثر من أربع مرات طوال هذه الفترة.

يقول مازن لـ"خيوط"، إن القصف ألحق أضرارًا بالغة في المصنع الذي وجد صعوبة بالغة في استعادة قدراته الإنتاجية، نظرًا لتهالك كثير من الآلات والمعدات في ظل عدم القدرة على إجراء أية صيانة شاملة، ونتيجة لعدم توفر المواد الخام وصعوبة استيرادها بسبب الحصار المفروض على المنافذ اليمنية.

واستهدف طيران "التحالف العربي"، منذ بدء الحملة العسكرية على اليمن في 26 آذار/ مارس 2015، الكثيرَ من المنشآت العاملة في الصناعة التحويلية، متسببًا بفقدان عشرات من الأيادي العاملة مصدرَ دخلهم الوحيد، وبارتفاعٍ مضاعف في أسعار بعض المواد في السوق المحلية، منها الأسمنت على سبيل المثال.

ويوجد في اليمن ثلاثة مصانع أسمنت حكومية، ونحو ثلاثة مصانع مملوكة للقطاع الخاص.

القطاع الصناعي وجهود التشغيل الشاقة

يُعد القطاع الصناعي من أكثر القطاعات المتضررة من الحرب الدائرة في اليمن منذ عام 2015، إذ كان هذا القطاع في صدارة استهداف قصف طيران التحالف الذي دمرت غاراته، وفق إحصائية رسمية صادرة عن القطاع الخاص اليمني تم الحصول على نسخة منها، نحو 12 مصنعًا غذائيًّا واستهلاكيًّا وعشرات الشركات والمؤسسات والمراكز الاقتصادية والخدمية والاستثمارية العامة والخاصة في اليمن.

حسب نتائج الحصر الخاصة التي قامت بها لجنة القطاع الخاص والصادرة نهاية عام 2018، فقد تم استهداف نحو 80 منشأة خاصة تعود لشركات ورجال أعمال، تتصدرها المنشآت المصنف نشاطها الاقتصادي كشركات بنسبة 38% وتقدر قيمة أضرارها بحوالي 867 مليون دولار.

يشير أبو بكر باعبيد، رئيس غرفة عدن التجارية والصناعية ونائب مدير الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية، إلى أن القطاع الخاص "دفع ثمنًا باهظًا" في هذه الحرب، إذ تسببت في تضرر كثير من المصانع والشركات وتدميرها، إضافة إلى تأثير آخر تمثل في هجرة رؤوس الأموال بشكل كبير، لافتًا إلى استقرار الوضع في آخر عامين وتحسن الأمور مقارنة بالأوضاع التي تلت الحرب.

وبذلت المصانع التي تم استهدافها، والقطاع الصناعي في اليمن بشكل عام، جهودًا ذاتية شاقة للتكيف مع ما لحقها من أضرار واستعادة قدرتها الإنتاجية، وهو ما انعكس على التكلفة النهائية للمُنتَج، وفق ما يؤكد الخبير الفني فؤاد غيلان المتخصص في الإنتاج الصناعي والمسؤول في أحد المصانع الغذائية العاملة في العاصمة صنعاء.

وعادت مصانع للعمل في صنعاء مثل مصنع "السواري" للصناعات المطاطية، ومصنع "العاقل" للأغذية الخفيفة، بعد ما بذل أصحابها جهودًا كبيرة لإعادة تشغيلها بما أمكن من القدرات المتاحة.

المصانع المستهدفة وأزماتها

تُقدر بيانات رسمية صادرة في العام 2018 عن الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية أن المصانع المستهدفة تزيد عن 45% من حجم القطاع الصناعي في اليمن، فيما تزيد أضرارها على 50 مليون دولار، كما شملت الأضرار أنشطة الاستيراد والتصدير قُدّرت خسائرها بنحو 150 مليون دولار.  

كما قدرت اللجنة المشكلة من قبل الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية في صنعاء، بالتعاون مع الغرفة التجارية والصناعية، الأضرار التي تعرض لها القطاع الصناعي بنحو مليار و373 مليون دولار، كان القصف المباشر لطيران التحالف سببًا رئيسيًّا فيها بنسبة 55%، فيما احتل القصف غير المباشر المرتبة الثانية بنحو 35%، بينما تسببت الاشتباكات التي دارت داخل المدن بنحو 10%.

عوامل أخرى ساهمت في تكبيد القطاع الخاص هذه الخسائر، يتحدث عنها مدير إدارة الاتصال والإعلام في الغرفة التجارية بأمانة العاصمة صنعاء، أحمد حسن، مشيرًا إلى القيود المفروضة على الحركة التجارية للأفراد، إلى جانب تقلبات أسعار الصرف، وتدهور العملة الوطنية، وارتفاع تكاليف الاستيراد، والجبايات المتعددة والمزدوجة، وكلها عوامل أثرت بشكل كبير على الأسواق وأسعار السلع، خاصة المواد الغذائية والاستهلاكية.

حسب نتائج الحصر الخاصة التي قامت بها لجنة القطاع الخاص والصادرة نهاية عام 2018، فقد تم استهداف نحو 80 منشأة خاصة تعود لشركات ورجال أعمال، تتصدرها المنشآت المصنف نشاطها الاقتصادي كشركات بنسبة 38% وتقدر قيمة أضرارها بحوالي 867 مليون دولار، بينما حلت المنشآت الخدمية في المرتبة الثانية بقيمة أضرار تصل إلى 212 مليون دولار.

ويقدر تقرير صادر في شهر يوليو/ حزيران من العام 2020، عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي، حجم الخسائر المباشرة وغير المباشرة التي لحقت بالقطاع الخاص، خصوصًا في السنوات الثلاث الأولى من الحرب بين 25 و27 مليار دولار، يتصدرها القطاع التجاري بنسبة 18%، بينما وصلت نسبة تأثر قطاع الصناعة التحويلية 8%، وتشمل النسبة المتبقية بقية القطاعات الاقتصادية.

كما تسبب ذلك في قيام كثير من الشركات والمصانع بتقليص ساعات العمل وتسريح عدد كبير من العمال لديها، فيما ساهمت القيود المفروضة على التجارة في خلق صعوبات كبيرة في حصول المنشآت الصناعية المتضررة على المواد الخام وقطع الغيار، ناهيك عن خسائر وأضرار لحقت بالقطاع الخاص جراء تدمير البنى التحتية الأساسية في أجزاء واسعة من البلاد، بما في ذلك الطرق والجسور التي تعرضت لقصف متواصل للطيران طوال سنوات الحرب.

في هذا السياق، يتطرق رجل الأعمال عمار الحسني ومالك شركة للاستيراد والتصدير، إلى قطاع النقل الذي قال إنه من أبرز القطاعات المتضررة من الحرب إذا لم يكن أبرزها. إذ كان تأثره في طليعة العوامل التي أدت إلى الإضرار بشكل كبير في المعروض من السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، مع ارتفاع تكاليف الاستيراد بأكثر من 100%، استحداث نقاط ومراكز تفتيش على كل الشحنات التجارية المتجهة إلى اليمن، خصوصًا عبر النقل البحري، إلى جانب إغلاق المطارات والمنافذ البرية والذي أثر بشكل كبير على استيراد كثير من السلع المهمة، مثل الأدوية.

ويتحدث الحسني عن تأثر سلاسل التوريد بطول مدة وصول السفن التجارية إلى الموانئ اليمنية العاملة والتي أصبحت تستغرق أشهر عديدة لوصولها، إضافة إلى ضعف قدرات الموانئ اليمنية، مثل ميناء عدن الذي أصبح الميناء الرئيسي في الاستيراد التجاري إلى اليمن.

تظل قضية التعافي الاقتصادي وإعادة إعمار اليمن وبناء السلام المستدام، إحدى القضايا الكبرى التي يدعو النشطاء والمعنيون إلى الاهتمام والتفكير والإعداد المبكر لها في أجندة العمل الحكومية، من قبل جميع الأطراف الإقليميين والدوليين.

من جانبه، يشير التاجر عبدالكريم المعمري، إلى تكبد التجار والمستوردين خسائر جسيمة جراء هذا التأخير في عملية الاستيراد وارتفاع تكاليفه وأزمة الانقسام المالي وما أفرزه من إشكاليات في فتح الاعتمادات المستندية للمستوردين، وازدواجية الجبايات مع تعدد منافذ تحصيلها في مناطق سيطرة طرفي الحرب الرئيسيين، وهو ما دفع كثير من التجار المستوردين إلى التركيز على عدد محدد من السلع لاستيرادها من الخارج، والبحث عن بدائل أخرى للاستيراد لا تقل صعوبة، من أجل تغطية ما أمكن من احتياجات الأسواق المحلية.

خسائر متعددة

تسببت الحرب الدائرة في اليمن منذ سبع سنوات، في إلحاق دمار هائل وخسائر ضخمة في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية، وتزايد معدلات الفقر والبطالة، والتسبب بأكبر أزمة إنسانية في العالم، بحسب تصنيف الأمم المتحدة.

وتصل خسائر تدمير البنية التحتية إلى عشرات المليارات من الدولارات يجملها تقرير صادر عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي بنحو 98 مليار دولار.

ماذا عن إمكانية التعافي؟

يشير أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء الدكتور أحمد كليب إلى أن تكلفة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والاقتصاد اليمني تفوق قدرات اليمن على التعافي والبناء والإعمار وتطبيع الحياة العامة. ويضيف أن الحرب عطلت معظم قطاعات الإنتاج، وأثرت بشكل كبير على الناتج المحلي ومتوسط دخل الفرد، مع انهيار الأمن الغذائي وتوسع رقعة الجوع.

وتظل قضية التعافي الاقتصادي وإعادة إعمار اليمن وبناء السلام المستدام، إحدى القضايا الكبرى التي يدعو النشطاء والمعنيون إلى الاهتمام والتفكير والإعداد المبكر لها في أجندة العمل الحكومية، من قبل جميع الأطراف الإقليميين والدوليين، فهي برأيهم لا تحتمل التأجيل، خاصة بالنسبة للقطاعات الحيوية كونها ترتبط بمصائر وحياة أفراد المجتمع ومستقبل بقائهم ومعيشتهم واقتصادهم، فضلًا عن مستقبل الدولة اليمنية ككل.

وبحسب تقييم الأضرار وتحديد الاحتياجات (المرحلة الثالثة) الذي نفذه البنك الدولي، بالتعاون والتنسيق مع الحكومة المعترف بها دوليًّا ممثلة بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، فإن تكلفة الأضرار في 12 قطاعًا في 16 مدينة شملها التقييم، تراوحت بين 6.9 مليار دولار (تقدير منخفض) و8.5 مليار دولار حتى كانون الثاني/ يناير 2020، فيما تتراوح تكلفة إعادة الإعمار واحتياجات التعافي لتلك القطاعات ما بين 20 و25 مليار دولار.

يُذكر أن التقييم السابق لحجم الأضرار وتحديد الاحتياجات، يظل تقييمًا جزئيًّا وغير مكتمل، إذ إن التقييم الشامل يتطلب تقييم الأضرار لكل القطاعات الاقتصادية على مستوى كل المدن والمناطق الحضرية والريفية التي تضررت منشآتها وبنيتها التحتية. كما يتطلب تغطية النطاق الزمني الممتد من بداية النزاع وحتى لحظة الخروج منه، فضلًا عن حصر حجم الأضرار والخسائر في المنشآت.

يُضاف إلى ذلك احتساب تكلفة الأضرار لمجمل التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والمؤسسية على المدى القصير والمتوسط والطويل، ومن المرجح أن يكون حجم الأضرار والتكلفة التي تكبدها الاقتصاد اليمني أضعاف تلك التقديرات، إذا أخذنا هذه الاعتبارات في عملية التقييم والتقدير.

خلفت الحرب التي تعيشها اليمن منذ سبع سنوات أضرارًا بالغة في بنية الاقتصاد اليمني، ومع استمرارها من عام لآخر يزداد الوضع الاقتصادي والمعيشي سوءًا وتعقيدًا. ويظل موضوع تعافي الاقتصاد اليمني مرهونًا بمدى اهتمام الأطراف الإقليمية والدولية باليمن، إضافة الى تبني استراتيجية للخروج من حالة الحرب التي تعيشها اليمن من سنوات. 

 

*أُنجزت هذه المادة في إطار برنامج تدريب يضم صحافيين من سوريا وغزة واليمن، من تنظيم "أوان" وبدعم من منظمة "دعم الإعلام الدولي" (International Media Support).


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English