الجوائز الأدبية.. حضورٌ في الغياب

جيل أعزل يشق طريقه في زمن المحنة والحرب
د.عبدالحكيم باقيس
September 23, 2023

الجوائز الأدبية.. حضورٌ في الغياب

جيل أعزل يشق طريقه في زمن المحنة والحرب
د.عبدالحكيم باقيس
September 23, 2023

في الأربعينيات من القرن الماضي، حزم الشاب الحضرمي حقائبه باتجاه القاهرة، عاصمة الثقافة والفكر والأدب والفنون، وهناك قرر أن يكتب رواية تاريخية، وكذلك فعل ذلك الشاب القاهري، وتقدم الاثنان إلى واحدة من أهم الجوائز الأدبية التشجيعية للإبداع، اسمها جائزة قوت القلوب الدمرداشية. ألقى الشاب الحضرمي بسهم من كنانته، وألقى الشاب القاهري بسهمه كذلك، ولم يغلب أحدهما الآخر، فجاءت الجائزة مناصفة بينهما؛ علي أحمد باكثير، ونجيب محفوظ، وبعدئذٍ مضى كل واحد منهما يشق طريقه في اتجاه خاص في الكتابة الروائية، استقر باكثير على الرواية التاريخية، وانصرف محفوظ إلى الرواية الواقعية الاجتماعية. لعلّ الفوز بالجائزة بما تمثله من قيمة معنوية أكثر من مادية، قد مهّد الطريق لرسم مسارات حياتهما نحو هذا الفن الذي سوف يخلدهما في تاريخنا الأدبي.

هنا لا بدّ من القول بأهمية أن تكون هناك جوائز تشجّع على الإبداع، وتكتشف المبدعين في الكتابة، وتصنع بذلك أثرًا مهمًّا، وهذا من أهم وظائف الجوائز في تنشيط المشهد الإبداعي وخلق أجواء وثقافة تنافسية بين المبدعين، وبين الجوائز نفسها، على الرغم مما يمكن أن يكتنف بعضها من مآخذ أو ملاحظات هنا وهناك، وهذا أمر طبيعي، المهم أن تكون هناك جوائز ودورات مستمرة لها، وكم نحن بحاجة إلى المزيد من الجوائز التي تتنافس فيما بينها في استقطاب الكتّاب إليها قبل أن يتنافس المبدعون نحوها.

في مشهد الغياب، تفتقد اليمن بفعل الحرب والتحولات العنيفة، جوائزَ مهمة كانت تشرف عليها مؤسسات ثقافية كبرى، مثل مؤسسة العفيف الثقافية في صنعاء، وجائزة مؤسسة السعيد الثقافية في تعز.

والمتابع لتحولات المشهد الأدبي في اليمن في السنوات الأخيرة، سيلحظ حضور العديد من الجوائز وأثرها الإيجابي في إضفاء حراك إبداعي جميل، وهي ظاهرة صحية، صحيح أنّ منها التي ظهرت ثم تعثرت مثل جائزة عدن24، وجائزة قاص شبوة، والعديد من الجوائز (الجنوبية) التي تشير -للأسف- إلى مشهد التراجع على مستوى المبادرات والفعاليات الثقافية عامة، وقد كتبت مقالًا منذ شهرين عن ذلك التراجع، ولكن هناك جوائز استطاعت الاستمرار والنجاح، حتى الآن على الأقل، مثل جائزة الربادي في القصة القصيرة، وجائزة محمد عبدالولي للرواية، وجائزة حزاوي في السرد، ولا أريد أن أصف هذه الجوائز بالشمالية بسبب تركيبة القائمين عليها، كلا، فهي لم تقيد حدود عملها بجغرافية معينة في اليمن، ولعل بعضها ينفتح إلى ما هو أبعد من اليمن مستقبلًا، ومن الإنصاف القول إن ما تحقق لها من نجاح يعود، وفي جانب مهم، إلى توفر الدعم المالي المناسب لها، وبفضل مشاركة رأس المال المحلي والجهات الداعمة شمالًا، فيما يغيب رأس المال المحلي الجنوبي عن أية مساهمة في المبادرات الثقافية وتشجيع الإبداع!

وعمومًا، سوف يحسب للجوائز الأدبية أنها لفتت الأنظار إلى أسماء جديدة من هذا الجيل الذي يشق طريقه في زمن المحنة والحرب، ويكفي لنطمئن أن ننظر إلى قوائم المشاركين والفائزين عددًا وتنوعًا. وسيبقى على هذه الجوائز أن تضمن استمراريتها أولًا، وتحسن من شروطها ومعاييرها ثانيًا، بما في ذلك دقة اختيار لجان التحكيم من كتّاب لهم حضورهم في الكتابة الإبداعية، ونقّاد أو أكاديميين مشتغلين بالنقد والكتابة، وعندهم الخبرة بتفاصيل المشهد الإبداعي في اليمن، ما يؤهلهم لفهم ظواهره وتحولاته، وحبذا لهذه الجوائز أن تنوع في مجالاتها، مثل استحداث جوائز للأبحاث والدراسات، وتكريم الشخصيات الثقافية العامة وهي ما تزال على قيد الحياة.

في مشهد الغياب، تفتقد اليمن بفعل الحرب والتحولات العنيفة جوائز مهمة كانت تشرف عليها مؤسسات ثقافية كبرى، مثل مؤسسة العفيف الثقافية في صنعاء، وجائزة مؤسسة السعيد الثقافية في تعز، ومؤسف جدًّا ذلك الغياب المتصل لمؤسسات وجوائز مماثلة في عدن والمكلا، فضلًا عن غياب جائزة رئيس الجمهورية للشباب، لكن الغياب الأبرز هو لوزارة الثقافة اليمنية ودورها منذ سنوات، ما يستدعي النظر في أهمية وجود هذه الوزارة في الأساس، إلا من وزير بلا وزارة! التي يتراكم عجزها يومًا بعد يوم، على الرغم من أهمية وجود جائزة رسمية تتبناها الحكومة، وليس بالضرورة أن تكون باسم رئيس جمهورية أو أي مسمى يشير إلى هوية سياسية، ولتكن جائزة كبرى تليق باسم محمد علي لقمان، أو علي أحمد باكثير أو عبدالله البردوني، أو عبدالعزيز المقالح، مثلًا، وكل واحد من هؤلاء جدير بأن تحمل اسمه جائزة عظيمة، فضلًا عن وجود جوائز أخرى تشجيعية في مجالات البحث العلمي، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والفنون الجميلة، وغيرها من الحقول المنسية في ظل هيمنة الرواية والسرد على المشهد الأدبي والثقافي في اليمن. وتجدر الإشارة هنا إلى توقف جائزة جامعة عدن للبحث العلمي منذ عام 2014، التي حققت دوراتها الأربع الماضية نجاحات ملفتة في مختلف مجالات العلوم التطبيقية والإنسانية.

•••
د.عبدالحكيم باقيس

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English