مختطفو اليمن.. معاناة السجون ومآسي الأوبئة

انتهاكات صارخة في المعتقلات
خالد سعيد
October 31, 2022

مختطفو اليمن.. معاناة السجون ومآسي الأوبئة

انتهاكات صارخة في المعتقلات
خالد سعيد
October 31, 2022

ليست الحرب وحدها من أثقلت كاهل المختطفين والمخفيّين قسرًا في اليمن، ودفعت بهم إلى السجون والمعتقلات، بل كانت الأوبئة أيضًا، والأسى، والوجع، رفيق آلاف اليمنيين، بين دهاليز السجون وسياط السجّان، في مختلف المحافظات اليمنية، ومعتقلات أطراف الصراع.

مختطفون بلا ذنبٍ، ومخفيّون قسرًا بلا سبب، في انتهاكاتٍ صارخة، وجرائمٍ فادحة، بحق المدنيين بمختلف مستوياتهم العلمية والاجتماعية والسياسية، أفرزتها الحرب في اليمن منذ العام 2015، ومارسها أصحاب القوى وسلطات الواقع خارج القانون، دون مراعاة لحق الإنسان في الحريّة والعيش.

حيث نصّت المادة (23) من القانون اليمني رقم (48) الصادر عام 1991، والذي عُدِّل عام 2003، بشأن تنظيم السجون، أنّه "يجب على إدارة السجن أن تهتم بمراعاة الصحة العامة داخل السجن، وتتولى علاج السجناء وتوفير الرعاية الصحيّة والوقائيّة لهم وتعيين أطباء متخصصين بالتنسيق مع وزارة الصحة العامة".

بينما توضح المادة (24) من القانون نفسه، أنّه "تعتبر إرشادات وملاحظات الأطباء في الجوانب الصحية والوقائية والعلاجية والغذائية للمسجونين ملزمة التنفيذ لإدارة السجن".

ويرى رئيس المنتدى الألماني اليمني للحقوق والحريات خالد العفيف، في حديثه لـ"خيوط"، "أنّ تعامل أطراف النزاع مع المختطفين وحرمانهم من حقهم في الرعاية الصحية، وخاصة أثناء انتشار الأوبئة، يعدّ جريمة بحق الإنسان، في كل القوانين والمواثيق الدوليّة، والأعراف الإنسانية".

كورونا في أزقّة سجون المختطفين

ومع انتشار جائحة كورونا في العام 2019، كان للمختطفين والمخفيين قسرًا ومعتقلي الرأي، نصيبًا وافرًا من المعاناة، تجشموها في أماكن اختطافهم، دون أيّ مراعاة للجانب الإنساني، أو التعاطي بمسؤولية تجاههم، ممّا عرّضهم للخطر وهدّد حياتهم.

حيث تلقت رابطة أمهات المختطفين بلاغًا بأول حالة اشتباه بالإصابة بفيروس كورونا، في 25 مايو/ أيار 2020، وسجلّت الرابطة أول حالة إصابة مؤكدة من المختطفين المدنيين في السجن المركزي بصنعاء، في 1 يونيو/ حزيران من العام نفسه، واشتبهت بخمس حالات، بحسب أسماء الراعي- مديرة رابطة أمهات المختطفين في محافظة تعز، كما تلقّت الرابطة بلاغات بالإصابات في كلٍّ من سجن الصالح بتعز، وسجن بئر أحمد في عدن، ممّا ضاعف من المعاناة لدى المختطفين، كون هذه السجون تفتقد مقومات السلامة الصحيّة.

ترجح الراعي في حديثها لـ"خيوط"، "أن تكون الإصابات أكثر، وفي سجون أخرى وفي فترات سابقة، لكنّ إدارات السجون والمعتقلات تتكتم على مثل هذه المعلومات". مشيرةً إلى وجود العشرات من الإصابات بالفايروس، نتيجة ازدحام السجون، واكتظاظها بالمختطفين، في مختلف معتقلات أطراف الصراع في اليمن.

لم يكن أهالي المختطفين في معزِلٍ عن المعاناة التي طالت ذويهم في السجون أثناء انتشار جائحة كورونا، بل تجشّموا الكثير من المتاعب النفسيّة والصحيّة، جرّاء القلق الذي عايشوه خوفًا على حياة أقاربهم في المعتقلات.

عزام الواسعي (30 عامًا)، أحد معتقلي الحرب المفرج عنهم في إحدى صفقات التبادل، ما زال يشعر بالأسى، ويعاني ضغطًا نفسيًّا وتدهورًا صحيًّا حتّى اللحظة، حاولنا مرارًا التحدّث إليه، لكنه يشعر بالضيق -حدّ قوله- كلما تذكر السجن والكوابيس التي عاشها داخل المعتقل والتعذيب الذي رافقه في أيام انتشار وباء كورونا.

يتذكر الواسعي، خلال إصابته بفيروس كورونا في المعتقل، أنّ كوب ليمون، هو أكثر الأشياء التي حصل عليها في السجن، وفي لغة بسيطة، تحدّث لـ"خيوط": "ربك الساتر، وينزّل البرد على قدر الدفاء"، في إشارة إلى اللطف الذي حظيَ به في تلك الأيام التي عاشها، واكتفى بالاعتذار عن مواصلة الحديث، لأنّه لا يقوى على المزيد، ويدخل في حالةٍ نفسيّة صعبة، ويشعر بالضيق كلما تذكر المعتقل.

الإهمال الطبّي وسيلةٌ للتعذيب

بحسب مديرة رابطة أمهات المختطفين بمحافظة تعز، فإنّ أصنافًا كثيرة من المعاناة تعرّض لها المختطفون والمخفيين قسرًا، في مختلف السجون والمعتقلات، أبرزها: استخدام مسؤولي السجون الإهمال الطبّي بحق المختطفين، كورقة من أوراق التعذيب النفسي والجسدي في أروقة وزنازين المعتقلات، حيث قالت الراعي: "كان تفشي وباء كورونا مُخيفًا بالنسبة لنا في الرابطة، لأنّ بيئة السجون مزدحمة".

وتضيف الراعي بالقول: "ففي بعض السجون لا يجد المختطف مكانًا للجلوس أو التمدّد، التهوية والتغذية سيّئتان للغاية في كل السجون، كما لا تتوفر فيها المياه النظيفة ومستلزمات النظافة العامة والشخصية، ويتم حرمان المختطفين من التعرّض للشمس".

كما تمارس إدارات السجون والمعتقلات، وفق أسماء الراعي، الإهمال الطبي وسيلة للتعذيب، وتابعت: "وباء كورونا والكثير من الأوبئة، أثّرت وما زالت تؤثر، في وضع المختطفين الصّحي، خاصةً المصابين منهم بأمراض مزمنة".

ورصدت رابطة أمهات المختطفين، في تقرير "أمهات على أبواب العدالة 3"، صادر مطلع العام الحالي 2022، نحوَ (689) حالة تعرّضت لسوء المعاملة والإهمال الطبي داخل السجون خلال العام 2021.

وبيّن التقرير ذاته، أنّ مسؤولية الانتهاكات بحق المختطفين، وتعريضهم لسوء المعاملة والإهمال الطبّي، تصدرتها جماعة أنصار الله (الحوثيين) بواقع (601) حالة، تلتها قوات الحزام الأمني التابع للمجلس الانتقالي بواقع (62) حالة، بينما ارتكبت الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة المعترف بها دوليًّا نحو (26) حالة انتهاك.

قتلٌ خلف القضبان

تنوّعت الأساليب، وتعدّدت الطرق، والنتيجة واحدة، فقد وثّقت منظمة "رايتس رادار"، بحسب التقرير الحقوقي، عن جرائم القتل تحت التعذيب، بعنوان: "قتلى تحت التعذيب"، الصادر عنها في فبراير/ شباط 2021، نحو (28) حالة قتل نتيجة الإهمال الطبّي المتعمّد داخل السجون والمعتقلات المختلفة، التابعة لأطراف الصراع في اليمن.

في أساليب ممنهجة، تستهدف إضعاف أجسام الكثيرين، المتمثلة في حرمانهم من الرعاية الطبية اللازمة أثناء الأوبئة، وخاصةً وباء كورونا، وأشارت المنظمة في تقريرها، إلى أنّ هذه من أساليب القهر والإذلال والتعذيب التي يمارسها القائمون على تلك السجون.

وذكرت المنظمة في تقريرها، أنّ مسؤولية الانتهاك تقع على جماعة أنصار الله (الحوثيين) بواقع (25) حالة قتل بالإهمال الطبّي المتعمّد، تلتها التشكيلات المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي المدعومة من دولة الإمارات بنحو (3) حالات بالأسلوب نفسه.

أهالي المختطفين وكورونا

لم يكن أهالي المختطفين في معزِلٍ عن المعاناة التي طالت ذويهم في السجون أثناء انتشار جائحة كورونا، بل تجشّموا الكثير من المتاعب النفسيّة والصحيّة، جرّاء القلق الذي عايشوه خوفًا على حياة أقاربهم في المعتقلات.

وعن الحال الذي وصل بأُسر وأهالي المختطفين إزاء وضع أبنائهم المختطفين في السجون، تحدّث الإعلامي والناشط الحقوقي وضاح المنصوري، وهو شقيق أحد المختطفين، بقوله: "وضع مزرٍ، وقلق كبير مررنا به أثناء انتشار جائحة كورونا، خوفًا على حياتهم، وصحتهم، لأنّنا نعلم وضعهم المأساوي الذي يعيشونه في السجون".

وتابع المنصوري، حديثه لـ"خيوط": "حتّى إنّ والدي ساءت حالته، وتدهور وضعه الصحي، وضعفت مناعته وأصيب بالفايروس، وفارق الحياة في منتصف يونيو/ حزيران 2020، خوفًا وقلقًا على ولده المختطف في أحد سجون العاصمة صنعاء".

في هذا السياق، تصف أسماء الراعي، حالَ أمهات وأهالي المختطفين، من وضع أبنائهم الصحي والنفسي أثناء انتشار جائحة كورونا، بقولها: "عندما تسمع أم مختطف أو مخفيّ قسرًا عن وفاة أحد المختطفين، أستطيع أن أجزم لك أنها تبدأ في رحلة الموت"؛ إشارةً منها للوضع المأساوي الذي يرافق أهالي المعتقلين، إن أصابهم أيّ مكروه.

وتضيف الراعي بالقول: "تبذل الأمهات أعمارهنّ في النضال لإبقاء أبنائهنّ أحياء في زنازين الظلم، أصحّاء نفسيًّا وجسديًّا في معركة غير متكافئة ألبتة، فكما يخسر المختطفون فرص الحياة يومًا بعد يوم ومعها أعمارهم، تخسر عائلاتهم بالمثل".

في حين ظل وباء كورونا "القاتل المتربّص"، بحسب وصف المنصوري، كابوسًا يهدّد حياة آلاف المختطفين في أماكن اعتقالهم، قبل وأثناء وبعد الجائحة، بلا حولٍ أو قوةٍ لأجسادٍ أنهكتها آلام السجون وأوجعتها يد السجّان، في بلدٍ غيّبت الحربُ فيه الحريّة، وصادرت معه الكرامة والعيش الكريم.

"تم إنتاج هذا التقرير بدعم JDH/JHR صحفيون من أجل حقوق الإنسان والشؤون العالمية في كندا"

•••
خالد سعيد
صحفي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English