"اليهودي الحالي"

قصة عشق محرم في مجتمع متنافر
عبدالسلام يعقوب فهمي
December 7, 2022

"اليهودي الحالي"

قصة عشق محرم في مجتمع متنافر
عبدالسلام يعقوب فهمي
December 7, 2022

هي قصة الحب بين فاطمة بنت المفتي- المسلمة، وسالم يوسف- اليهودي، ولقد جرت أحداثها في ظل التنافر العدائي. بين الديانتين الإسلامية واليهودية في منطقة ريدة اليمنية، في عهد أئمة آل القاسم. فاليهود يُحكمون بسلطة الإسلام، فهم توابع وملحقون، لذلك يعانون من التمييز والاضطهاد كما تعكسها الرواية، كونهم ناقصين "خدم، ومزاينة، وحطّابين، وعمال"، مثل سالم الذي يخدم كحطّاب في بيت المفتي. فأمّه تحطب من الجبل وتضع الحطب على رأس سالم ليوصله إلى هذا البيت، كما يقومون بزراعة القمح والذرة والشعير مقابل أجورهم، وبأعمال الصنعة كصناعة القمريات والزجاج المعشق. وبإصلاح ونجارة الأبواب والشبابيك وزخرفتها بالنقوش التوراتية وتجميلها بنجمة داؤود المسدّسة، ووطنهم الحقيقي هو أورشليم كما قال صالح- مؤذن المسجد، لأسعد اليهودي "أليست أورشليم ما توعدون؛ فلِمَ لا تذهبون إليها؟! فمتى ستشدون الرحال من أرض العرب؟!" وفي هذه الأجواء نشأ وترعرع الحب بين فاطمة وسالم، في قصة اخترقت الحواجز والأسوار بين الديانتين إلى علاقة إنسانية سامية. وهدمت غلو الأيديولوجيا والسياسة والمكوِّن الديني.

كانت فاطمة تنتمي إلى عصر سابق. وقد خبرت الحياة منكسرة ومتشرخة الروح والوجدان، فلقد سبق أن تزوجت بأحد شيوخ القبائل الذي أذاقها الويلات، فأهانها وتكبّر عليها، بينما كان سالم صغير السن ابن الحاضر أو ابن اللحظة لا يعرف عن الدنيا أو عن فاطمة شيئًا.

ولحبها له كانت تترقب مجيئه بفارغ الصبر، وكلما أتى تحتضنه وتضمّه إلى صدرها. فعلّمته الحروف الهجائية، وبعض سور القرآن، وهي التي أسمته باليهودي الحالي، ولما علم يوسف النقاش أنّ سالمًا وصلَ إلى البيت وهو يتلفظ بسور القرآن، جنّ جنونه، وخاف من فاطمة أن تفتن صغيره عن دين آبائه وأجداده، فبلّغ الحاخام في ريده، كما قامت الدنيا وقعدت في الحي اليهودي، وشدّدوا على أبويه أن يتخذ الإجراءات الصارمة لمنع الصغير من مواصلة هذه التجربة.

وهنا مقاربة قرائية لبنية النص وانفتاحاته السردية:

بالنسبة لتقنية الكتابة السردية عمومًا من حيث (المفتتح، الزمان والمكان، الحدث، الشخصيات، الحوار، الدراما، العقدة أو الحبكة، الانحدار نحو الخاتمة، الخاتمة)، فلقد ظهرت دعوات بعدم التوقف على هذه القواعد والشروط، وتجاوزها عند كتّاب وناقدي القصة الجديدة بما يسمى التفكيك والتشظي، كما سنرى لاحقًا بالحبكة.

والمتميز بهذه الرواية، الاستخدامُ المبدع للغة السردية، من حيث الألفاظ والعبارات الإيحائية، والمعاني ذات الدلالة والحكم المعبرة من التراث الشعبي، والمقولات الدينية المتقابلة من التراثين الإسلامي واليهودي، والأشعار المغناة من التراثين أيضًا، وأهمّ من ذلك كله الصور الشعرية أو الجمالية في اللغة السردية بالربط الوثيق بين القصيدة والرواية. باحتراف متمكِّن ويتجلّى بعضٌ من ذلك في الاستعارات والكنايات والتشبيهات. 

وما يميز هذه الرواية بامتياز، دقة سحر الوصف والتصوير للأشخاص والبيئة المحيطة، كفنان يرسم بالكلمات واقعًا حيًّا كأنّه مصوّر فوتوغرافي، فيأخذ بعقولنا والألباب، كوصف سالم وهو يحمل حزمة الحطب إلى بيت فاطمة، وأشواك الحطب تحيط برأسه وعيناه مغمضتان فلا يستطيع فكّهما نهائيًّا إلّا بعد أن توضع الحزمة على الأرض، وفاطمة تنظر إليه بحبّ وعطف، وحين تحتضنه وتضمّه إلى صدرها كلما أتى إليها، يواري خجله فلا ينظر إلى عينيها حياءً لما يشعر به من إحساس خفي، بعد أن تمطره بوابل من القبلات. ولقد علّمته الحب رويدًا رويدًا، إلى أن اعترفت له بحبّها له وبرغبتها بالاقتران به. واستندت إلى فقه الإمام أبي حنيفة النعمان وعالم آخر، فكتبت رسالة لسالم بموافقتها على الزواج منه. وهناك مشهد آخر للإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم، والناس تسلّم عليه بالأيدي وتُقبله بالرُّكَب، وتعرض عليه مشكلاتها في صنعاء، بهيبة ووقار. ويؤخذ على الرواية أنّ السرد التاريخي كان متغلِّبًا على الحسي والجمالي، وهو ما يفقد المتعة النفسية والوجدانية، وهي الغاية والهدف من العمل الفنّي والروائي.

كما أنّ الزمان -وهو ما يعني في السردية تتابع الأحداث، ومن خصائصه: التسلسل والتراكم- أدّى إلى عدم السيطرة على الحبكة، ومن ثَمّ تفجيرها بكسر الزمان واختزاله ونفيه بالكامل، ممّا شكّل صعوبة بالانحدار نحو الخاتمة، وكأن شروط الرواية المعروفة الجديدة صارت تقليدية، تعيد إنتاج الوعي السائد والمألوف والمستقر، بينما الرواية الحديثة هي تصميم يجسد راوية وثوقية للعالم وللمستقبل.

كما أنّ التكرار في الأزمنة المتعدد أيام ريدة وأيام صنعاء وأيام الحُديدة و... إلخ، يوهم بحركة الفعل، ولكنه فعل يرسخ المستقر، ولا يتجاوز أيام حاضره ولا يتخطّاه.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English