"الهُويّة" وجغرافية السياسة

جدل عابر لتاريخ الذات في اليمن!
قادري أحمد حيدر
July 12, 2023

"الهُويّة" وجغرافية السياسة

جدل عابر لتاريخ الذات في اليمن!
قادري أحمد حيدر
July 12, 2023
.

الإهداء:

إلى د. أحمد قايد الصايدي، باحثًا وصديقًا، وإنسانًا.

حين وجد نفسه –ابن الصايدي- المناضل والمثقف والسياسي المحنك، أمام سؤال: السياسي، والمثقف (الباحث) في مرحلة صعبة من تاريخ الفعل السياسي الوطني اليمني، اختار "المنزلة بين المنزلتين" بالمعنى الإيجابي "المعتزلي"، الذي لم يضحِّ بالمناضل، لصالح المثقف (الباحث)، ولم يقم –كذلك- بالتضحية المعاكسة، بل جمع بينهما بشكل خلاق: المثقف، والمناضل، مع ترجيحه لروح المثقف (الباحث)، وهو ما يؤكّده في كل فعله الحياتي الإبداعي على مستوى الإنتاج الفكري البحثي الرصين، حيث المعرفي والفكر الثقافي "البحثي"، هو الذي جعل ويجعل من صورة السياسي أجمل وأوضح وأنقى.

وفي تقديري أنّ د. أحمد الصايدي، كان محقًّا ومصيبًا في اختياره، ليس لأنه كسب نفسه، ولم يخسر العالم من حوله، وإنما لأنه مع ذلك الخيار والاختيار، كان يؤكّد أنّ الجمع الخلاق بينهما هو الخيار والطريق الأنجح والأسلم.

د. أحمد قايد الصايدي، مثقف وإنسان مسالم دون استسلام، بدأ حياته عسكريًّا (خريج كلية عسكرية، في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي)، ومشاركًا فاعلًا في قلب النضال السياسي الوطني/ التحرري، فقد تولى رئاسة مكتب "طلائع حرب التحرير الشعبية" الجناح المسلح لمنظمة البعث في جنوب البلاد فترة الكفاح المسلح. خرج من كل تجربته في الكفاح السياسي المدني والتحرري الديمقراطي، يحمل بصيرة ورؤية واضحة تجاه المعنى العميق لليمن، وعقل هادئ في التفكير، عقل مدني حواري ديمقراطي، بعيدًا عن الأضواء الإعلامية، وضجيج النجومية السياسية.

إليه، مع خالص المحبة والتقدير.

ليس من هُوية اجتماعية ثقافية تاريخية (كيانية)، لأيّ شعبٍ كان، أن تتشكّل من اللاهُوية، أو من العدم، أو بانفصال عن تاريخ الذات والمجتمع الصغير، والواسع، وعن الشعب وعن المنطقة، وعن التاريخ، أي عن الناس الذين سكنوا وأنجزوا أعمالًا مشتركة في قلب هذه المنطقة الجغرافية المحددة، وشكّلوا معناها ومفهومها كهوية، في تفاعل إبداعي إنساني بين الديمغرافية والجغرافية. 

بمعنى آخر، ليس من كتابة في السياسة أو في الفكر أو في التاريخ بما فيه الكتابة عن وحول التاريخ الحديث والمعاصر، بما فيه كذلك الكتابة عن الانتماء والهُوية- تأتي مفصولةً عن أصولها وجذورها الثقافية والاجتماعية والحضارية، هي دائمًا كتابة، أو هُوية مرتبطة بالسلف الذي كان، ولا تأتي وتتشكّل من الفراغ ومن العدم، هي كتابة/ هوية، تتضمن استمرارية في صورة سلف، وخلف (لاحق).

إنّ الكتابة المُحدّدة والمؤسسة لمعنى "الهُوية"، لا يمكن أن تكون وتوجد بدون جذر وأصل تاريخي: سياسي اجتماعي ثقافي حضاري، يمثّل امتدادًا وعمقًا لها، ذلك أنّ الجغرافية (المكان) –على سبيل المثال– مرتبطة ومتوحدة بالثقافة، وبالاجتماع الإنساني، وبالتاريخ، والجغرافية السياسية، هي في عمقها تاريخ، هي فعل إنساني في التاريخ في نطاق جغرافية محددة ومعلومة.

وهذا الحديث الذي أسطّره في هذا المقام، يأتي بمناسبة حديث البعض عن "الجنوب العربي"، باعتباره محدّدًا لهويتهم السياسية والثقافية والاجتماعية والوطنية والتاريخية، والذي قاد البعض منهم إلى إنكار هويته اليمنية، بالمطلق؛ أي إلى التنكر لهويتهم ذات الطابع الثقافي والتاريخي والحضاري والإنساني التي تحكيها المصادر والمراجع التاريخية: القديمة و"الجاهلية"، والإسلامية والحديثة والمعاصرة، والمصادر التاريخية الفكرية والثقافية العالمية. 

إنّ حديث البعض عن أن أصل هويتهم، إنّما يحدده مصطلح "الجنوب العربي"، وهو الذي يميزهم عن باقي إخوانهم من أبناء اليمن، بل وهو الذي يجعل منهم هوية جديدة، "مستقلة"، غير معلوم منها سوى البعد الجغرافي -كما يرى البعض- وبانفصال عن كل ما كان في التاريخ، إنما هو الأمر العجيب الغريب! 

لم نسمع من قبل أنّ لأبناء الجنوب اليمني هوية مستقلة غير الهوية اليمنية، ولا لغة مختلفة، ولا ديانة مختلفة، ولا أنهم عِرق أو جنسية مختلفة "أنثرويولوجيًّا"، يفصلهم ويميزهم عن حقيقة وواقع الهوية اليمنية، ولم يقل أحد في كل تاريخ الصراع السياسي، وفي الكتابة التاريخية، إنّ لأبناء الجنوب اليمني تاريخًا مختلفًا جذريًّا عن تاريخ إخوتهم من أبناء شمال البلاد! 

هناك تباينات وخصوصيات محلية وثقافية واجتماعية ومذهبية... إلخ، بين مختلف مناطق البلاد، وخصوصيات داخل مناطق الجنوب نفسه، كما في الشمال، وخصوصيات بين مناطق الجنوب والشمال، بل وفي داخل المنطقة الواحدة (المحافظة)؛ خصوصيات في اللهجات وفي واقع الثقافات المحلية، خصوصيات في الملبس وفي المطبخ، خصوصيات في علاقتهم بالعمل، والإنتاج، وفي طرائق أداء الطقوس الاجتماعية والدينية، وفي الرقصات، والموسيقى، وفي احتفالات الأعراس (الزواج)... إلخ، وهي ظواهر طبيعية ثقافية اجتماعية داخل بيئة وبنية ومكونات ومقومات الشعب الواحد في أي مكان، بما فيه شعبنا اليمني الواحد، في تعدّده وتنوّعه القائمَين والكائنَين في نطاق جدلية الوحدة والاختلاف (الوحدة والصراع)، جدل الجغرافية والديمغرافية، جدل الشعب، والمكان، في التاريخ، وفقًا لفلسفة جمال حمدان. 

ليس هناك ما هو أسوأ وأقذر وأخطر من التعصب المذهبي، والطائفي، والقبَلي، والمناطقي، القروي، في تمزيق وتفكيك المجتمعات والشعوب والدول، وخاصة حين تكون مرتبطة ومتوحدة بأجندة خارجية واستعمارية، وهو ما نعيشه اليوم –بدرجات متفاوتة– في كل البلاد، شمالًا وجنوبًا. 

إنّنا، ومع هذا الفهم والمفهوم الجغرافي "الجنوب العربي"، لمعنى الهُوية والانتماء، للناس في جنوب البلاد، نجد أنفسنا أمام كتلة متناقضة من المشاعر والغرائز الانفعالية البدائية، والعصبوية، التي تتحكم بمنطق تفكيرنا، هي ثقافة ردود الفعل السياسية الخالية من أيّ فعل عقلاني نقدي، واقعي وتاريخي؛ ثقافة تضر سياسيًّا بمن يقول بها! فمتى كانت الجغرافية السياسية المجزأة في تاريخ أيّ جماعة أو شعب هي المحدد لمعنى ومفهوم الهُوية الاجتماعية والثقافية والكيانية والحضارية لهذا الكيان السياسي الاجتماعي أو الدولتي؟! تحديدًا حين يكون هذا المفهوم الجغرافي للهُوية، ملتبسًا ومراوغًا ومطاطًا. ويمكن أن تدخل في نطاقه الجغرافي مجموعة شعوب وحتى دول كما كان في التاريخ! 

فالجنوب العربي، أو جنوب الجزيرة العربية، تاريخيًّا، تدخل ضمنه مناطق ودويلات وجماعات سكانية خارج المسمى اليمني، شمالًا وجنوبًا، "عمان"، على سبيل المثال!

لا يحق لكائن من كان، أن يخرج أو يسحب الجنوب اليمني إلى خارج جغرافيته، وديمغرافيته، وتاريخه الثقافي والاجتماعي والحضاري المشترك مع بقية جهات اليمن.

ودون العودة إلى بحث مسمى اليمن في تطوره، ككيان وشعب، وحتى كدول، دويلات مختلفة كانت جميعها تندرج وما تزال ضمن الكتابة التاريخية تحت مسمى "اليمن" و"أهل اليمن": سبأ، ومعين، أوسان وقتبان، وحمير وذي ريدان... إلخ، جميعها تشير في الكتابة التاريخية في الأمس واليوم إلى معنى اليمن. 

إنّ الكتابة التاريخية، بمصادرها القديمة والإسلامية والحديثة والمعاصرة، تضع اليمن في حدوده الجغرافية المعلومة، مشتملًا على ما نسميه اليوم (جنوب اليمن)، و(شمال اليمن)، بما فيه الأراضي المنهوبة خلال التسعة العقود المنصرمة، وهي أراضٍ جغرافية سيادية واسعة وغنية بالثروة، هي أراضٍ تدخل ضمن المسمى اليمني التاريخي، بصرف النظر عن تحولات السياسة والصراع، في هذه المرحلة أو تلك، وبصرف النظر كذلك عن "بيع" أو "تفريط" أو "تنازل" بعض الحكومات/ الدول، والأشخاص، بالأرض اليمنية دون حق يخولهم بذلك، باعتبار ذلك التفريط أو التنازل يدخل في باب الخيانة الوطنية العظمى، ستلاحقهم لعناته على مدى التاريخ كله.

لا يحق لكائن من كان، أن يخرج أو يسحب الجنوب اليمني إلى خارج جغرافيته، وديمغرافيته، وتاريخه الثقافي والاجتماعي والحضاري المشترك مع بقية جهات اليمن؛ ذلك أنّ منطقًا كهذا من التفكير هو الوهم بعينه، هو لعب سياسي طفولي بالجغرافية والتاريخ، وبالكفاح المشترك لليمنيين، وحدةً وصراعًا، وعلى ذلك فإنّ أي سياسات ترسم على هذه القاعدة والخلفية، لن تكون سوى سياسات عبثية اعتباطية، سياسات مفصولة عن الواقع والتاريخ، حصادها مر، ومدمر وكارثي، على الصعد كافة. 

العب في السياسة كما تريد، وقل ما تشاء في مجرى الصراع السياسي حول كل شيء، بما فيه مطالبتك بالانفصال السياسي، وبحقك كإرادة مجتمعية ودستورية ومؤسسية حرة في "تقرير المصير"، كخيار سياسي، ولكن لا تلعب كالأطفال بالذاكرة التاريخية للشعب اليمني في الجنوب والشمال، لا تلعب بوحدة الجغرافيا والتاريخ، بوحدة الشعب، والمكان، في سياقهما الثقافي والوطني والحضاري. 

لقد انقسم السودان التاريخي تحت دواعٍ عصبوية وتمييزية وتنفيذًا لمخططات استعمارية إلى دولة جنوب، ودولة شمال، ومع ذلك حافظ أبناء الجنوب على هويتهم السودانية، ولم يبحثوا عن هوية جديدة تميزهم عن شمال السودان، رغم تاريخ العنف والصراعات الدينية البينية والمطالبات التاريخية بالانفصال، بل ورغم الاختلافات الدينية والعرقية والثقافية (وحتى أشكال من الكراهية الدينية)...إلخ.

إنّ من يتصور أن بإمكانه إعادة إنتاج وصياغة الهوية، والتاريخ، وفقًا للأجندات وللأهواء السياسية العابرة فهو واهم، تحكمه وتتحكم به عقلية سياسية ميكانيكية (غرائزية/ عصبوية/ لا تاريخية). وهذا الحديث بقدر ما ينطبق على الجماعة الحوثية في صنعاء، فإنه وبنفس المقدار ينطبق على بعض تيارات الحراك السياسي الجنوبي في طبعاته الأخيرة "المجلس الانتقالي" وغيره.         

لقد تجاوز الفكر السياسي اليمني التاريخي والمعاصر في الجنوب وفي الشمال هذا الخطاب السياسي العصبوي القبَلي، العشائري والانعزالي، في صيغتيه الإمامية والاستعمارية، في خضم الكفاح السياسي والوطني التحرري للشعب اليمني في جنوب البلاد وفي شماله، والذي تم وتحقق بالأعمال والتضحيات المشتركة بين أبناء اليمن من جميع مناطق الأرض اليمنية (شمالًا وجنوبًا)، وجاءت دولة الاستقلال الوطني المجيد في 30 نوفمبر 1967م، لتشكل قطيعة معرفية وسياسية وثقافية ووطنية وتاريخية مع ذلك الشعار "الأنجلو سلاطيني" المسمى "اتحاد الجنوب العربي"، ولا يحدثني البعض، بالقول إنهم يتحدثون عن "الجنوب العربي" بالمفهوم الجغرافي التاريخي، جنوب الجزيرة العربية، وليس بمفهوم الرؤية الاستعمارية حول "اتحاد الجنوب العربي"! 

وفي زمن التشطير الإمامي الاستعماري كان التنسيق بين "الاتحاد اليمني"، و"الرابطة"، قائمًا، دون تناسي أنّ (محمد علي الجفري) مؤسس "رابطة أبناء الجنوب العربي"، كان قبل ذلك أحد مؤسسي "كتيبة الشباب اليمني"، برئاسة الأستاذ/ أحمد محمد نعمان، في القاهرة أواخر الثلاثينيات.

إن "رابطة أبناء الجنوب العربي" قد تحولت في تجلياتها الفكرية والسياسية والتنظيمية اللاحقة إلى مسمى "رابطة أبناء اليمن"، ولا أتصور أنّ ذلك كان سلوكًا تكتيكيًّا (انتهازية سياسية)، بل إنّ واحدة من أدبيات الرابطة المنشورة، في كتيب صغير، تعلن كتابة، أنّ مسمى "الجنوب العربي" هو مسمى استعماري، وقد أشرت إلى ذلك في كتابي "الأحزاب القومية في اليمن"، ضمن دراسة مطولة عن "رابطة أبناء الجنوب العربي".

وأزيدكم، من الكتابة الفكرية والسياسية، رأيًا مكتوبًا للأستاذ/ محمد علي الجفري في محاضرة منشورة له ألقاها في اتحاد طلبة الكويت بمقره في القاهرة 1956م، يحدد فيه "الجنوب العربي" بأنه اليمن الكبرى، ومنه المملكة المتوكلية اليمنية، وعدن والمحميات الشرقية والغربية.

وللأستاذ/ شيخان الحبشي، كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة تقريبًا سنة 63 أو 1964م، وكان حاضرًا في ذلك اللقاء وزير خارجية ما أسمي بـ"اتحاد الجنوب العربي"، فسفهه شيخان كل التسفيه وسفه ما أسمي بـ"اتحاد الجنوب العربي"، بأنه صيغة استعمارية انجليزية مزيفة.

وفي زمن التشطير الإمامي الاستعماري كان التنسيق بين "الاتحاد اليمني"، و"الرابطة"، قائمًا، دون تناسي أن (محمد علي الجفري) مؤسس "رابطة أبناء الجنوب العربي"، كان قبل ذلك أحد مؤسسي "كتيبة الشباب اليمني"، برئاسة الأستاذ/ أحمد محمد نعمان، في القاهرة أواخر الثلاثينيات.

في تقديري أنّ خصوصيات ومهمات الكفاح السياسي والوطني في الزمن الاستعماري والإمامي، هي أحد أهم دوافع تشكيل التنظيمات السياسية الوطنية ذات الطابع المحلي (شمالًا وجنوبًا)، والحديث حول ذلك يطول.

إنّ الهوية اليمنية تعبير وتجسيد عن التواصل الثقافي، والتاريخي والحضاري، بين سكان المنطقة الجغرافية المسماة "اليمن" في تطورات هذا المعنى والمفهوم عبر التاريخ، من النقوش اليمنية، إلى الشعر الجاهلي؛ من امرؤ القيس إلى عبد يغوث، حتى الكتابة المعاصرة. فالهوية اليمنية، لم تنشأ من فراغ، بل من تفاعل ثقافي اجتماعي تاريخي وحضاري، هو الذي حدد عبر هذا المسار والسياق التاريخي لمعنى ومسمى "اليمن"، و"أهل اليمن"؛ ولمن يكابر من خلال ردود الفعل السياسية العصبوية المناطقية والقروية، حول هذا المعنى والمفهوم، عليه أن يعود، لكتابات البروفيسور، أستاذ التاريخ الجامعي، محمد عبدالقادر بافقيه، وغيره المئات من علماء الاختصاص في التاريخ اليمني القديم، والإسلامي، والحديث والمعاصر، يمنيين وعربًا وأجانب. 

فهل من فراغ أن يسمّي البروفيسور/ محمد عبدالقادر بافقيه، كتابه باسم "تاريخ توحيد اليمن القديم"؟! في صيغة وصياغة تؤكد على معنى ومفهوم "الهوية اليمنية".

ثم أين نذهب باسم اليمن "الهوية اليمنية"، الذي تردده أغاني الفنانيين اليمنيين الكبار: أبوبكر سالم بافقيه، ومحمد محسن عطروش، ومحمد سعد عبدالله، وكرامة مرسال، وعبدالرحمن الحداد، وأحمد بن أحمد قاسم، ومحمد مرشد ناجي، وعوض أحمد...، والقصائد الشعرية للأستاذ/ حسين المحضار، ولطفي جعفر أمان، وأحمد بومهدي، والمئات من الأسماء الشعرية من الجنوب قبل الشمال؟!

 إنّ الكتابة التاريخية والمسندية تقول إن الجنوب كجهة تعني وتشير إلى مسمى ومعنى اليمن!

إنّ التواصل الثقافي التاريخي الحضاري هو القاعدة، والانعزال والتجزئة "الانفصال"، هو الاستثناء -لأن تعبير ومفهوم الانفصال هو تعبير سياسي معاصر- فمهما طالت أو قصرت سنوات التجزئة والعزلة والانفصال، فالتوحيد والوحدة السلمية المدنية الديمقراطية، والمحققة للمصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية المشتركة، هو الهدف الواقعي والمستقبلي المرتجى، في إطار الهوية اليمنية. 

الهوية اليمنية كواقع وتاريخ، تشكّلت عبر عملية تراكمية وصراعية طويلة، (وحدة وصراعًا)، هي نتاج عملية تاريخية، وتفاعل معقد بين مكونات عدة، ديمغرافية، وجغرافية، وتكوين ثقافي وديني وحتى نفسي تاريخي.

إنّ الهوية الثقافية والاجتماعية والتاريخية والحضارية، وعلى أي مستوى كان، لا تتشكّل دفعة واحدة، ولا تتحقق بالمصادفة، ولا تتكون عبر ردود الفعل السياسية العصبوية العابرة، ولا تُكتشف تحت دواعي ضغوطات وتحديات سياسية صعبة عابرة وقاهرة كما كان وتم مع جريمة حرب 1994م، وهي الحرب التي يجب أن تدان سياسيًّا ووطنيًّا ودستوريًّا، لأنّها هي البداية السياسية والواقعية لتعميق الانقسام السياسي والاجتماعي والوطني، ولتمزيق الهُوية اليمنية، الذي تقع علينا مهمة استعادة لحمتها، ووشائجها وصلاتها، على طريق استعادة الدولة الجامعة، فلا نجعلَن من حرب 1994م، القذرة واللاوطنية، ونتائجها المأساوية على الصعد كافة، مدخلًا ومنطلقًا لإنكارنا لهويتنا اليمنية. 

إنّ الهوية اليمنية كواقع وتاريخ، إنما تشكّلت عبر عملية تراكمية وصراعية طويلة، (وحدة وصراعًا)، هي نتاج عملية تاريخية، وتفاعل معقد بين مكونات عدة، ديمغرافية، وجغرافية، وتكوين ثقافي وديني وحتى نفسي تاريخي، يدخل فيه تاريخ الوحدة والصراع، والتغلب بالقوة والحرب، (التجزئة والوحدة)، يدخل فيه الغزو، والهجرات، وأشكال التهجير المختلفة في التاريخ، بين مكونات وجهات المجتمع المختلفة، التي توزعت بين الشمال والجنوب، وعبر الكيانات السياسية المختلفة، وهو ما كان في تاريخ اليمن السياسي، من القديم، إلى الإسلامي، إلى الحديث والمعاصر. 

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English