النفود والمال يهددان العدالة في إب

محاولات لتبرئة متهم بقتل واغتصاب طفل في الجعاشن
أسامة عفيف
January 23, 2024

النفود والمال يهددان العدالة في إب

محاولات لتبرئة متهم بقتل واغتصاب طفل في الجعاشن
أسامة عفيف
January 23, 2024
.

بجسدٍ نحيل هدَّهُ الإعياء، وملامح غزاها الشيب والتعب، يداوم عبدالحميد الجعشني (41 عامًا)، منذ أكثر من عام، على زيارة أروقة النيابة الابتدائية ونيابة الاستئناف في محافظة إب، راجيًا نيل العدالة وإنزال العقوبة على قاتل ولده ذي التسعة أعوام، الذي تعرض للاغتصاب والقتل مع التمثيل بجثته بطريقة وحشية.

خلال أكثر من عام وأربعة أشهر، يقول والد الطفل، إنه لم تمر عليه ليلة واحدة إلا ويبكي فيها؛ جراء ما يتعرض له من قهر وظلم ومحاولات لتبرئة المجرم، في قضية ولده الذي قُتل في قرية القحفة بمنطقة الجعاشن، في محافظة إب، وسط البلاد.

والد الطفل الضحية وهو يروي لـ"خيوط" تفاصيلَ الواقعة منذ بدايتها، يجسّد بذرف دموعه حالةَ الصدمة التي تلقّاها إثر سماع الخبر وهو مغترب في السعودية، حينما قيل له: "إنّ ولدك تُوفِّي إثر سقوطه من شجرة عالية في سائلة القرية".

وبعد يوم من الحادثة، كان يتم تجهيز الجثة للدفن، ولأنّ الحادثة، ليست مجرد سقوط طفل من شجرة، فقد وصل طقمان من إدارة أمن مديرية ذي السفال، لجمع الاستدلالات في الواقعة، حتى اعترف بعد 5 أيام (أمام ضابط البحث الذي تم القبض عليه لاحقًا بتهمة التستر على المتهم)، صبيان في نفس عمر محمد، قالا إنهما أقدما على قتل الولد دون إيضاح الدوافع.

بعد أن انحرفت القضية عن مسارها، لم تستطع أم محمد أن تتمالك نفسها، وأصيبت بحالة نفسية، تم على إثر ذلك إدخالها إلى المصحة عدة أشهر، لكنها مؤخرًا وبفضل مساندة زوجها عادت إلى البيت وهي بحالة صعبة منذ وقوع الحادثة.

لاحقًا، عرف والد الطفل من إدارة البحث الجنائي أن ولده تعرض للاغتصاب، وأنه قُتل عن طريق (الخنق)، لتتفاقم حالته الصحية والنفسية أكثر. يؤكد أنهم لم ينتظروا حتى خروج التقرير الطبي، الأمر الذي دفعه إلى رفض دفن الجثة، والإسراع في العودة لمتابعة إجراءات القضية في البحث الجنائي.

اقرار الطب الشرعي للطفل

تلاعب لتبرئة المتهم

بينما تمر الأيام، ما تزال جثة الطفل ترزح في مستشفى الثورة العام لأكثر من عام وأربعة أشهر، في محافظة إب، الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين).

يتابع والد الطفل حديثه لـ"خيوط"، بالقول إنه باع ذهب زوجته وأسرته لكي يدخل السعودية، ولم يستمر فيها إلا مدة ستة أشهر، حتى حدثت واقعة مقتل ولده، ليعود بجيوب فارغة وقلب مكسور. ويضيف أن أهالي الأطفال يتسترون على القاتل ويحاولون طمس القضية، فيما باقي الأهالي صامتون منذ اليوم الأول للحادثة.

يؤكد أنه بعد مرور 8 أشهر، وأثناء التحقيق في نيابة الاستئناف، اكتشف من خلال التقارير الطبية، أنّ الأطفال ليسوا القتلة، إذ إنهم تعرّضوا للاغتصاب أيضًا، كما تم توثيق اعترافاتهم بمقطع فيديو.

يشير إلى أنّ هناك من يتلاعب بالقضية، في نيابة الاستئناف، مع محاولة تلفيق القتل على الأطفال وتبرئة الفاعل الحقيقي، موضحًا: "تم التلاعب بالقضية وتبرئة المتهم في النيابة الابتدائية، لكن عندما تم الاستئناف ظهر أن الأطفال أيضًا تعرضوا للاغتصاب باعترافاتهم الموثقة...". (حيث صدر القرار أن المتهم متستر فقط، وعلى ضوء ذلك استأنف والد الطفل الضحية).

من جانبه، يقول الناشط الحقوقي أحمد هزاع، لـ"خيوط"، إن سلطة "الحوثيين" تتستر على الجناة، خصوصًا إن كانوا على علاقة معهم، رغم أن القضية هزت الرأي العام في إب، وفي عموم اليمن.

يضيف هزاع أنّ من المَعيب أن يتعصب الناس، سواء قبيلة أو شخصيات اجتماعية، لمحاولات التوسط لمتهم يغتصب الأطفال وقام بمثل هذه الجريمة الوحشية، مرجحًا أنه من الممكن أن تضيع هذه القضية في ظل الفوضى الحاصلة، كما أن والد الطفل قد تمارس عليه ضغوط ليصمت أو ربما سيتعرض للملاحقة، مشيرًا إلى أنّ القضية لم تأخذ حقها في التداول من قبل الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان ومن المنظمات المعنية بحقوق الطفل.

الكشف الطبي لحالة الطفل
قرار طبي شرعي

قهر انحراف القضية

بحرقة وألم بالغ، يلفت هذا الأب المكلوم إلى أنّ "سكان المنطقة كلّهم ساكتون، غالبية القرية من أسرة المتهم، وكلهم متعصبون معه، وأنا بالأساس من منطقة أخرى؛ من العدين ولست من الجعاشن، لذلك يقولون: هذا إلا (نقيلة)".

بعد أن انحرفت القضية عن مسارها، لم تستطع أمُّ الطفل أن تتمالك نفسها، وأصيبت بحالة نفسية، تم على إثر ذلك إدخالها إلى المصحة عدة أشهر، لكنها مؤخرًا وبفضل مساندة زوجها عادت إلى البيت وهي بحالة صعبة منذ وقوع الحادثة.

في حين لم تجد هذه الأسرة من يساندها في المنطقة الريفية التي قُتل فيها ولدها، حيث لم يعد لهم متسع فيها، وفق حديث الأب: "لم أعد للقرية وتركت بيتي منذ الحادثة، حاليًّا نحن نعيش في منطقة "القاعدة" (جنوب غربي إب) داخل غرفة واحدة مع باقي أطفالي وزوجتي".

بعد كل هذه المدة من القهر والظلم والتعب، لم تجد الحقيقة مجراها بعد، فيما يبين (عبدالحميد) أنه قد خسر أكثر من 6 ملايين أتعاب التقاضي منذ وقوع الحادثة، يقول: "قد استدنت من كل مكان وبعت كل شيء، ومع ذلك يحاولون تضييع قضية ولدي".

وفيما المتهم بالجريمة ما يزال محبوسًا احتياطيًّا، هناك قوى ذات نفوذ تحاول تبرئة المتهم وإخراجه من السجن، وهذا ما يؤرق عبدالحميد أكثر ويزيد من معاناته، فمتى ستجد العدالة طريقها، ليرقد الطفل الذي ما يزال في ثلاجة الموتى، منتظرًا العدالة المرجوَّة؟

•••
أسامة عفيف

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English