"أنا المعاق بصريًّا"

الخطوات الأربع على سُلَّم التحدّي المرتفع
محمد الحسن الشيباني
February 16, 2024

"أنا المعاق بصريًّا"

الخطوات الأربع على سُلَّم التحدّي المرتفع
محمد الحسن الشيباني
February 16, 2024
.

أنا من مواليد الخامس عشر من أغسطس، سنة ألف وتسع مئة وتسع وتسعين للميلاد، في صنعاء. معاق بصريًّا منذ الولادة، مضى من عمري أربعة وعشرون عامًا. عشت وتربيت مثل أي طفل ينشأ في كنف أسرته، ومارست حياة الأطفال الطبيعية، ودرست مرحلة التعليم الأساسي في مركز النور لرعاية وتأهيل المكفوفين، ثم أكملت دراستي الثانوية مندمجًا مع المبصرين. في العام ألفين وعشرين، بدأت مشواري الجامعي حتى تخرجت من قسم الإعلام (إذاعة وتلفزيون)، بجامعة العلوم والتكنولوجيا. 

مرحلة اكتشاف الإعاقة البصرية

لم تكن أسرتي على علم بإعاقتي البصرية في بداية الأمر، فقد عشتُ طفولتي بشكل طبيعي دون أي عوائق، وبعد مرور ثلاثة أشهر، بدَرت مني حركات غريبة توحي بأنني لا أبصر، مثل: اهتزاز العينين، وعدم التركيز على الضوء. استمرّت هذه الحال بصورة متكررة، الأمر الذي جعل عائلتي تلاحظ الوضع، وتعرضني على الأطباء. فوجِئ والدي والأسرة حين أخبرهم الأطباء بإصابتي بالعمى، وحاولوا البحث عن السبب لكن دون جدوى. وفي العام ألفين وواحد تقريبًا، ذهب بي والدي إلى المملكة العربية السعودية لمحاولة العلاج أو اكتشاف سبب العمى، لكن للأسف لم يتمكّن الأطباء من معرفة السبب الذي أصابني بالعمى، وكانت ترجيحاتهم أن تكون تليُّفات في شبكية العينين.

ما بعد الإعاقة ومدى تكيّف الأهل

أصيب الجميع بصدمة من هذا الأمر، وبدَؤُوا بالتفكير في مواجهة هذا الابتلاء الإلهي، وبدأ معه التفكير في كيفية تعليمي، وكيف سأذاكر وأهتم بتحصيلي العلمي أسوة بمن حولي، وكيف سأواجه الحياة بشكل عام؛ فقد فقدتُ أهمَّ نعمة ربانية وهي البصر، غير أنّ الأمل بالله ووعده للفاقدين أبصارَهم بالجنة والعوض في الآخرة، جعلنا نصبر ونفكر في كيفية التلاؤم مع هذا الظرف الذي يعدّ جزءًا من التنوع البشري. 

لن يدوم هذا الهمّ طويلًا، فقد كانت أسرتي متعلمة مثقفة، إذ عرفت مبكرًا بوجود مدارس متخصصة تهتم برعاية وتأهيل المكفوفين، وتتوفر لديهم البدائل المختلفة، التي تساعد على القراءة والكتابة والمذاكرة ومواصلة المشوار التعليمي. عاد الأمل للجميع، وفرحت كثيرًا لأنني سأبدأ مشواري التعليمي من دون أن تكون الإعاقة بالنسبة لي، عائقًا.

التحقت بمعهد الشهيد فضل الحلالي، الذي يتبع جمعية الأمان للكفيفات، لدراسة التمهيدي مدة سنتين. كان ذلك في العام ألفين وخمسة للميلاد حتى العام ألفين وسبعة. في تلك الفترة تميّزتُ كثيرًا رغم شقاوتي وتصرفاتي المشاغبة التي تعبِّر عن براءة الطفولة وحياة الأطفال المليئة بالبطولات التي قد تبدو مجنونة بعض الشيء. في العام ألفين وسبعة، بدأت الصف الأول في مركز النور للمكفوفين، واستطعت اجتياز مرحلة التعليم الأساسي. كانت والدتي حينها قلقة كثيرًا بشأني؛ إذ كيف سيبدو الطقس التعليمي في المدرسة بعيدًا عن البيت والأسرة. التحقت والدتي في العام نفسه، بصفتها معلمة للغة العربية، وكان الهدف من التحاقها بالمركز هو متابعتي والاهتمام بي.

طوال تلك الفترة حتى اليوم وأنا أتخطى الأشواك وأتجاوز المراحل المتعددة متحدّيًا شيئين؛ الإعاقة والواقع، وسط استغراب البعض وإعجاب البعض الآخر، كنت مستمرًّا، وما زلت.

مرحلة الاندماج بأقراني المبصرين 

في العام ألفين وستة عشر، بدأت في خوض مرحلة الثانوية العامة، حيث التحقت بثانوية ابن ماجد، وكنت أدرس بشكل طبيعي مستعينًا بعائلتي وزملائي في حل الواجبات المدرسية. كان زملائي والمعلمون غير مستوعبين لي، وكانوا في حيرة بشأني وبشأن توصيل المعلومة لي، ومراعاة درجة العجز الملازمة لي بسبب الإعاقة البصرية.

لكن، الحمد لله، بفضل إثبات وجودي، وكذا التوعية السليمة، استطعتُ الاندماج معهم بشكل طبيعي رغم التصنُّع والافتعال في التعامل معي إلى حدٍّ ما.

أما في الاختبارات فقد كانت المدرسة تقوم بتوجيه مراقب يكتب لي الإجابات التي أمليها عليه. طوال تلك الفترة حتى اليوم وأنا أتخطى الأشواك وأتجاوز المراحل المتعددة متحدّيًا شيئين، هما: الإعاقة والواقع، وسط استغراب البعض وإعجاب البعض الآخر كنت مستمرًّا، وما زلت.

مرحلة الحياة المهنية واكتساب الخبرة

كنتُ أطمح إلى أن أكون مذيعًا، وتمسكت بهذا الهدف. في العام ألفين وسبعة عشر، تلقيت اتصالًا من إحدى الإذاعات المحلية التي عرفتني من خلال مداخلاتي المتكررة والمستمرة حتى اللحظة في البرامج والموضوعات المختلفة. عرضت الإذاعة عليَّ تقديمَ برنامج متخصص بالأشخاص ذوي الإعاقة تحت مسمى "نحن هنا".

تحقّق الحلم وبدأ صوتي في الأثير الإذاعي، مذيعًا ومستقبِلًا لاتصالات الجمهور ومشاركاتهم المتعددة في مختلف الموضوعات التي أتناولها، وتختص بهذه الفئة؛ كوني منها وأمثّلها، كما كنت أستضيف ذوي الاختصاص، وأدير الحوار معهم حول العديد من القضايا ذات الصلة، وتميزتُ كثيرًا بموهبتي في الإعلام، وكنتُ شغوفًا به، وبدت هذه الهواية مبكرًا.

استمرَّ عملي في الإذاعة المحلية (إف إم شباب) مدة سنتين، ثم تقدّمت للعمل في إحدى المنصات الإعلامية صحفيًّا وكاتب أخبار وتقارير، غير أنّ هذه المؤسسة توقفت لظروف تمويلية. الجدير بالذكر أنّ مشواري العملي بدأ وأنا في مرحلة الثانوية قبل تخرجي من الجامعة. وما زال لديّ الكثير من الطاقة لتنمية القدرات العملية والمهنية، متجاوزًا الإعاقة البصرية. 

•••
محمد الحسن الشيباني

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English