مستوطنة (حجرة)

شاهدة على تاريخ سُقطريٍّ مهدّد بالاندثار
أحمد الرميلي
October 6, 2023

مستوطنة (حجرة)

شاهدة على تاريخ سُقطريٍّ مهدّد بالاندثار
أحمد الرميلي
October 6, 2023
.

لم تكن سقطرى مجرد أشجار وطيور نادرة، وأحياء برية وبحرية مدهشة، ومناظر خيالية مثيرة فقط، بل هي أكبر من ذلك، فهي موطن عريق، وتراث متجدر، وإنسانها قديم قدم التاريخ، ففيها من الدلائل على ذلك الشيءُ الكثير، إلا أن هذا الجانب ما زال غامضًا متسمًا بشيء من الضبابية وعدم الاهتمام، لكن هناك بعض الدلائل التي تعطينا بعض الضوء عن هذا الماضي العريق.

من أهم المعالم الأثرية التي توضح ماضي وعراقة سقطرى هي مستوطنة (حجرة). وتقع تلك المستوطنة على ضفاف وادي (شق) الذي يصب في الساحل الواقع بجوار قرية (شق) التي تعد العاصمة القديمة لسقطرى، وتبعد المستوطنة عن (شق) العاصمة القدمة حوالي كيلوين إلى الجنوب منها. وتبعد عن مركز العاصمة حديبو حوالي 10 كيلو تقريبًا.

تتكون تلك المستوطنة من بقايا مبانٍ لغرف تقع داخل مبنى مشكل بشكل مستطيل، ومن سور يحيط بالمستوطنة، وكذلك العشرات من القبور غير الإسلامية التي تقع إلى الشرق من المستوطنة.

البعثة الروسية الخاصة بأعمال الحفر والتنقيب والمسح زارت المستوطنة في عام 2008م، وقامت بأعمال التنقيب هناك، ووجدت العديد من اللقى الأثرية المتنوعة، منها كسر لأوانٍ منزلية، وأغلب تلك اللقى صُنعت محليًّا والقليل منها تم استيراده من خارج سقطرى.

يذكر الباحثون أنّ المستوطنة كانت مركزًا تجاريًّا هامًّا، يتم فيه تبادل البضائع والمنتجات المحلية، ففي فترات زمنية قديمة كانت سقطرى قد اشتهرت بمنتجاتها المحلية الهامّة حينها، مثل اللبان الذي يتم توريده للمعابد والكنائس في كلٍّ من إفريقيا والهند ومصر وغيرها من بلاد العالم، وكذلك كانت تنتج وتصدر دم الأخوين والسمن والعسل والصوف وغيره. وكان السقطريون يأتون بتلك المنتجات إلى المركز التجاري الواقع في (حجرة) ليتم هناك عملية شراء تلك المنتجات وتصديرها عبر البحر، ويأخذ السقطريون قيمة المنتجات هناك من مواد غذائية وملابس وغيره.

من الأهمية بمكان الحفاظ على ما تبقى على هذا الشاهد الحضاري العظيم، الذي نقرأ من خلاله تاريخ سقطرى الضارب في عمق التاريخ، وذلك بتسوير المستوطنة وقبورها للحفاظ عليها من زحف المباني ومن الأيادي العابثة التي طالت كل شيء جميل.

ومما يدل على أن تلك المستوطنة كانت مركزًا تجاريًّا أنّ مياه البحر كانت تدخل إلى وادي (حجرة) من ساحل (شق)، وكانت السفن تمر في الوادي لترسو بجوار المستوطنة. ويُحكى أنه كانت هناك بقايا لمراسٍ كانت ترسو بها السفن، وما زالت بقايا تلك المراسي إلى عهد قريب.

ويرى آخرون أنها كانت معبدًا لديانات قديمة وصلت إلى سقطرى. ويرى البعض أنها كانت مقرَّ الحكم.

ما يذكره الخبراء أنّ تلك المستوطنة كانت قد ازدهرت في عصور ما قبل الميلاد، واستمر ازدهارها إلى القرنين (15 و16) بعد الميلاد. وهذا يعطينا دلالة واضحة على قدم تلك المستوطنة، ومنه نستشف قدم الإنسان السقطريّ وقدم حضارته، كما نفهم أن تلك المستوطنة كانت مستخدمة لفترة زمنية كبيرة.

من المؤسف أنّ تلك المستوطنة الهامّة لم يبقَّ منها سوى بعض أحجار الأساس، كما أنّ جزءًا كبيرًا من المستوطنة قد طمرته المباني الحديثة التي أحاطت بالمستوطنة، وخاصة في الجهة الشمالية الشرقية منها، وما تبقّى من معالمها ما زال في خطر، فهي تتناقص يومًا بعد يوم بسبب الإهمال، والناس ما زالت تأخذ من أحجارها وطينها المتبقي، وما زالت المباني تزحف نحوها.

من الأهمية بمكان الحفاظ على ما تبقى على هذا الشاهد الحضاري العظيم، الذي نقرأ من خلاله تاريخ سقطرى الضارب في عمق التاريخ، وذلك بتسوير المستوطنة وقبورها للحفاظ عليها من زحف المباني ومن الأيادي العابثة التي طالت كل شيء جميل. كما أنه من الأهمية جلب الخبراء لغرض التنقيب وكشف مزيدٍ من الأسرار عن تلك المستوطنة الهامّة، حيث إنّ تنقيب البعثة الروسية كان في جزء بسيط من المستوطنة، ولم تكن نتائجه كافية.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English