أطفال بلا مأوى

قصص مؤلمة عن الفقدان والفقر
محمد جمال الطياري
March 25, 2024

أطفال بلا مأوى

قصص مؤلمة عن الفقدان والفقر
محمد جمال الطياري
March 25, 2024

تفاقمت معاناة الأطفال المشرّدين في ظل الحرب والصراع في اليمن، على مدار السنوات التسع الماضية، حيث أصبح الصغار المشردون فئةً مهمشة ومتضررة، بعد أن وجدوا أنفسهم في مواجهة تحديات هائلة، تتفاوت بين الفقدان والفقر والعزلة.

وفق بيانات تقديرية، اطلعت عليها "خيوط"، يصل عدد الأطفال المشردين في اليمن إلى حوالي مليونَي طفل، حيث يواجهون ظروفًا قاسية تتراوح بين نقص الغذاء، ونقص الرعاية الصحية والحرمان من التعليم، كما يُعدّ الأطفال المشرّدون في اليمن هدفًا سهلًا للتجنيد القسري والاستغلال الجنسي والعمل في أعمال شاقة، ممّا يتسبّب في تشويه طفولتهم وتحطيم أحلامهم.

إضافة إلى معاناتهم نتيجة للعديد من التحديات والصعوبات التي يواجهونها، بما في ذلك عدم وجود مأوى آمن لهم، وفقدان أفراد عائلاتهم، وانفصالهم عنهم، وعدم الحصول على التغذية الكافية والرعاية الصحية اللازمة.

واقع مرير يجسده الطفل، حمير الحنمي، البالغ من العمر 13 عامًا، الذي يقول لـ"خيوط"، إنه لجأ إلى العيش على الرصيف، وتناول "القات" للهروب من الواقع، مضيفًا: "لا أعلم كم سأعيش على هذا الحال، لكن أحاول أن أخفف عن نفسي بهذا التصرف (العيش على الرصيف، وتناول القات) رغم كونه تصرفًا خاطئًا، والسبب أني لا أعرف إلى أين أذهب، فلا أسرةَ لديّ".

يتابع الحنمي، وهو من منطقة بني حشيش (شرقي صنعاء): "فقدت أمي وأبي في سن مبكرة، لم أتذوق حنان الرعاية الكاملة، ليس هذا فقط، بل فقدت إخواني نتيجة الظروف الصعبة؛ فقد اضطر إخواني الثلاثة، معاذ ومنير ووهيب، إلى الالتحاق بالجبهة، ولم يعودوا حتى الآن منذ عام، أصبحت مشرّدًا، أعيش في هذا السوق، وأعمل بالأجر اليومي مع تجار القات، بمبلغ لا يزيد على ألف وخمسِ مئة ريال يمني"؛ بما يعادل ثلاثة دولارات أمريكية.

تتشرد الأطفال في اليمن، يشكّل كارثة إنسانية حقيقية تستدعي تدخلًا فوريًّا وحلولًا جذرية، حيث يعيش أغلب الأطفال في ظروف قاسية ومأساوية، ومعاناة لا يمكن وصفها، مع تعرضهم للفقدان والعنف والاستغلال.

يحلم الحنمي بأن يعيش في منزلٍ يجمعه بكامل إخوانه، فهو لم يعُد يفكر في شيء غير توفير مصاريفه الشخصية، وتوفير قيمة نبتة "القات" التي أدمن عليها نتيجة التشرد الذي يعاني منه.

يتابع حديثه: "كان حلمي أن أتعلم وأعيش كبقية الأطفال، لكن ظروفي أجبرتني على أن أعيش هكذا، لا أبالي بشيء، أنام على رصيف الشارع أو في اللوكاندات (الاستراحات أو المتنزهات)".

بسبب وضعه المزري، وحالة التشرد التي يعيشها في "سوق الحتارش"، أصبح مستعدًا لأن يتجند ويذهب لجبهات القتال، بعد أن وصل إلى طريق مسدود في حياته، كما قال في ختام حديثه.

غياب الحماية 

في ظل غياب العديد من المنظمات الإنسانية المحلية والدولية لتقديم المساعدة والحماية لهؤلاء الأطفال، ولتوفير الرعاية النفسية والتعليم والدعم اللازم لمساعدتهم على بناء مستقبلٍ أفضل، هناك العديد من قصص الأطفال المشرّدين في اليمن، تتحدى ضمائر الجهات المسؤولة، وتدعوهم للتفكير في مدى أهمية توفير الحماية والرعاية لهؤلاء الضحايا الأبرياء.

يشير الباحث الاجتماعي غانم الصيادي، لـ"خيوط"، إلى أنه في معمعة الحرب والصراع الدائر في اليمن، يتعرض الأطفال لأعباء تفوق طاقتهم على تحملها، ويجدون أنفسهم مشردين في ظروف قاسية تتراوح بين الفقدان والفقر والعزلة. ذلك هو الواقع القاسي الذي يلقي بظلاله على ملايين الأطفال في هذا البلد المنكوب، حيث تتفاوت قصصهم بين المأساة والصمود. 

يعاني الأطفال في اليمن منذ العام 2015، من تبعات الحرب والصراع المدمرة، حيث تدمّرت البنية التحتية، وتفشَّى الفقر والجوع والمرض، ممّا خلف تداعيات إنسانية وخيمة.

تشير العديد من الدراسات إلى أنّ الصراع في اليمن، أدّى إلى تفشي هذه الظاهرة بشكل مخيف، في ظل تجاهل القوى المتصارعة للنظر إلى الواقع المأساوي الذي يعيشه الإنسان اليمني، الذي يدفع ثمن فشل السياسات الحكومية، وهو الفشل الذي لم يكن طرفًا فيه حدّ التشرد والشتات والضياع والحرمان من أدنى الحقوق.

إضافة إلى ذلك، تقول منظمات معنية بالطفولة: "هنالك 7 ملايين طفل يخلدون للنوم كل ليلة وهم جياع في اليمن. في كل يوم يواجه 400 ألف طفل، خطرَ سوء التغذية الحاد، ويتعرضون لخطر الموت في أي لحظة. كما أنّ هناك أكثر من مليونَي طفل لا يذهبون إلى المدرسة، أما الذين يذهبون إلى المدرسة فيواجهون تعليمًا ذا جودة متدنية داخل غرف صفية مكتظة". في حين تذكر اليونيسف أنه تلقّى ما يقرب من 800,000 طفل الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدتهم في التغلب على الصدمات التي عانوا منها، حيث وُجد نحو (1.2) مليون طفل في اليمن، في 31 منطقة كانت مشتعلة بالنزاع، بما في ذلك: الحُديدة، وتعز، وحجّة، وصعدة التي شهدت عنفًا شديدًا طوال السنوات الماضية، خصوصًا في الأعوام الخمسة الأولى من الحرب.

بحسب المادة (144) من القانون اليمني لحماية الأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة، التي تنص على أنه: "على الدولة اتخاذ الإجراءات والتدابير العلمية والعملية للتحقق من معاناة الأطفال الذين يعيشون في ظروف صعبة، كأطفال الشوارع والمشردين وضحايا الكوارث الطبيعية والكوارث التي من صنع الإنسان، والأطفال المعرضين لسوء المعاملة والمحرومين والمستغَلِّين اجتماعيًّا، وضمان عدم استدراج الأطفال إلى الاقتراب أو مباشرة الأعمال غير المشروعة أو السقوط في ممارستها".

النزوح وإغلاق المدارس

يواجه الأطفال المشردون، وفق منظمات أممية، مخاطرَ جسيمة على رفاههم وسلامتهم، وينطبق هذا بشكل خاص على مئات الآلاف من الأطفال غير المصحوبين بذويهم أو المنفصلين عن ذويهم، إذ يتعرضون لخطر متزايد من الاتجار والاستغلال والعنف وسوء المعاملة.

يؤكّد الناشط الحقوقي أحمد السهيلي، لـ"خيوط"، أنّ التشرد من بين أكبر التحديات التي يواجهها الأطفال في اليمن؛ إذ فقدوا بيوتهم ومنازلهم، ونزحوا في أرجاء البلاد بحثًا عن مأوى آمن، ويعيش العديد منهم في مخيمات مؤقتة، بينما يجد بعضهم نفسه في العراء أو في ظروف سكن غير آمنة.

كما يعاني هؤلاء الأطفال، بحسب السهيلي، من نقصٍ حادّ في الرعاية الصحية والتعليم، ويتعرضون لمخاطر التجنيد القسري والاستغلال الجنسي والعمل الشاق.

ويرى مسؤولون في منظمات أهلية معنية بالطفولة، أنّ هدم أو إغلاق المدارس، وتحويلها إلى ثكنات وأهداف عسكرية، من مختلف الأطراف، تعد واحدة من أسباب تسرب الأطفال من التعليم بأعداد كبيرة وغير مسبوقة؛ هؤلاء الأطفال منخرطون في أسوأ أشكال العمالة والتشرد.

حقوق مسلوبة 

تشرد الأطفال في اليمن، يشكّل كارثة إنسانية حقيقية تستدعي تدخلًا فوريًّا وحلولًا جذرية، حيث يعيش أغلب الأطفال في ظروف قاسية ومأساوية، ومعاناة لا يمكن وصفها، مع تعرضهم للفقدان والعنف والاستغلال.

وتدعو منظمات أممية إلى سرعة إحلال السلام والاستقرار السياسي والأمني في اليمن، باعتبار ذلك مدخلًا رئيسيًّا لمعالجة قضية وظاهرة تشرد الأطفال.

إضافة إلى حاجتهم إلى توفير مأوى آمن ومرافق صحية وتعليمية لتلبية احتياجاتهم الأساسية، وينبغي أيضًا توفير برامج دعم نفسي واجتماعي للمساعدة في تخفيف آثار الصدمات النفسية التي يعاني منها الأطفال، علاوة على ذلك، ينبغي أن تتخذ السلطات المعنية في اليمن والمجتمع الدولي، إجراءاتٍ قويةً لمكافحة التجنيد القسري والاستغلال الجنسي.

يشدّد نائب مدير مكتب وزارة حقوق الإنسان في محافظة ذمار، إبراهيم العفارة، في حديث لـ"خيوط"، على ضرورة فرض عقوبات من قبل السلطات اليمنية للمتجاوزين والمعتدين على حقوق الأطفال، وتعزيز الوعي والتثقيف للحدّ من هذه الظواهر الضارّة.

يضيف العفارة: "ينبغي أن يتم تخصيص المزيد من الموارد والتمويل لتلبية احتياجات الأطفال المشرَّدين، إضافة إلى أهمية تركيز الجهود على توفير فرص التعليم والتدريب المهني لهؤلاء الأطفال، بحيث يتمكنون من التفكير في مستقبلهم". مؤكدًا أنّ حقوق الطفل لا يمكن التنازل عنها، ويجب أن تكون حمايتهم ورعايتهم أولوية لجميع الأطراف المحلية وبمساعدة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، داعيًا إلى التحرك والوقوف بجانب الأطفال المشرّدين في اليمن، ومنحهم الحماية والرعاية التي يستحقونها، والفرص الحقيقية لتجاوز هذه المعضلة. 

 

•••
محمد جمال الطياري

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English