"الجَمّاليةُ" لحنٌ من أعماق التراث اليمني

ترانيم فريدة ارتبطت بقوافل الجمال
محمد اليوسفي
February 26, 2021

"الجَمّاليةُ" لحنٌ من أعماق التراث اليمني

ترانيم فريدة ارتبطت بقوافل الجمال
محمد اليوسفي
February 26, 2021

الألوانُ الغنائية اليمنية متنوعة وثرية وفريدة، فللمزارعين والفلاحين أغانٍ خاصة بهم تتناسب وطبيعة حرفتهم، وللبحارة والصيادين أغانيهم الخاصة، وللمسافرين والتجار وناقلي البضائع والسلع عبر قوافل الجِمَال أغانٍ خاصة بهم، وهي الألحان التي ارتبطتْ بقوافل الجِمَال، وأطلق عليها مسمى (الجَمّالية)، والجَمّالية لونٌ غنائي يمني أصيل، ضاربٌ في أعماق التاريخ، وهي ألحانٌ أصيلة وفريدة، شدا بها الجَمّالة المسافرون، ورافقتهم في ترحالهم، وكانتْ تلك الألحان زادًا لهم وهم يقطعون القفار والسهول والوديان، فعندما يشتد عناء السفر على الجَمّالة يشدو الجَمّال بلحن مطول وبكلمات شعبية تعبر عن عنائه مترنمًا:  

 ألا شدوا الجِمّال ما عادناش جَمّالْ

ألا من باطل السُّخري وزوع الاحمالْ

ظلتْ هذه الكلمات بألحانها المعروفة يتناقلها الإنسان اليمني منذ القدم، ولا يُعرف -بالتحديد- تاريخًا لظهورها، وكانتْ هذه الألحان ملهمة لعدد كبير من فناني اليمن، والذين استطاعوا أن يستلهموا من هذه الألحان أغانيهم الخاصة، كالفنان أحمد صالح الأبرش في أغنية "ماعادناش جَمّال"، والفنان علي بن علي الآنسي الذي بنى أغنيته "يا الله رضاك" على هذا النوع من الألحان، وكذلك الفنان محمد أبو نصار في أغنية " فقد رسولي الطير"، والفنان أحمد المعطري في أغنية "الجَمّالية"، وغيرهم من الأصوات الفنية. 

 في هذا الخصوص يتحدث لـ"خيوط"، الباحث الفنان جابر علي أحمد، عن هذا النوع من التلحين وعن مقاماته وميزانه الإيقاعي قائلًا: "من الواضح أن هذه الأغنية الشعبية التي رددها بعض المحترفين بشيء من التصرف تتضمن إيقاع الدسعة المتوسطة وميزانه سبعة على أربعة، وأذكر هنا أغنية "يا الله رضاك" للفقيد علي الآنسي. ويبدو أن مصطلح "الجَمّالية" المرتبط بهذا اللحن يشي إلى علاقة بينه وبين علاقة الإنسان بالجِمَال في المنطقة الوسطى، حيث الاستخدام الواسع لـ"الجَمّالية". ومن الناحية المقامية يبدو أن مقام الهزام لازم هذا اللحن رغم تعدد المقاطع الشعرية، ولكن الفنان علي الآنسي استخدم مقام بياتي في أغنية "يا الله رضاك".

هناك ألحان جَمّالية من يريم ومن صنعاء ومن أماكن كثيرة، فقط يختلف في الأداء ولهجة الفنان ونطقه، وبعض الفنانين تكون لهجته محصورة في جَمّالية معينة، وهذا النوع من الألحان يضاف إلى الألحان المطولة مثل الألحان الحرازية، التي غنى منها الفنان علي الآنسي

من جانبه يرى الفنان أحمد المعطري، وهو واحد ممن قدموا هذا اللون الغنائي، أن كثيرًا من المناطق اليمنية لها ألحان من ألحان الجَمّالية، وهي ألحانٌ فلكلورية قديمة، كان يغنيها الجَمّالة في سفرهم.

يضيف المعطري لـ"خيوط"، قائلًا: "كنتُ أسمع تلك الألحان الجَمّالية وأنا صغير، فعندما يدخل الجَمّال وهو فوق الجَمَل، ويبدأ مستهلًّا غناءه بالملالا: "ألا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا لا للا للا لا لا لا لا هو"، وبعد ذلك يدخل بلحن الجَمّالية المعروف، وأول من غنّى هذا اللون على مستوى التسجيلات، وأشهرَ الجَمّالية، هو الفنان أحمد صالح الأبرش، ولكن كان أداؤه بلون منطقته، فقد غناها بأسلوبه الخاص واشتهرتْ كثيرًا في حينه". 

اختلاف الأداء ولهجة الفنان

هناك ألحان جَمّالية من يريم ومن صنعاء ومن أماكن كثيرة، فقط يختلف في الأداء ولهجة الفنان ونطقه، وبعض الفنانين تكون لهجته محصورة في جَمّالية معينة، وهذا النوع من الألحان يضاف إلى الألحان المطولة مثل الألحان الحرازيّة، التي غنى منها الفنان علي الآنسي، إذ كان الآنسي أكثر ما يطور الألحان الشعبية، ويعطي لها طابعًا خاصًّا بنفس إيقاع المنطقة التي ينتمي إليها اللحن.

يشير المعطري إلى أغنية "لو هو صحيح مخلص"، إذ يستند إيقاع هذه الأغنية على رقصة معينة في حراز، وهنا المعطري يشدو بأغنية الفنان علي الآنسي "لو هو صحيح مخلص"، ومن الألحان المطولة في المناطق الوسطى ألحان "الدلالية" أيضًا.

 أبدع الفنان أحمد علي المعطري في تقديم أغنية "الجَمّالية"، وحصد المركز الأول في مهرجان الأغنية الشعبية اليمنية في عدن في العام 1982، وذلك بمصاحبة الفرقة الوطنية، بقيادة الفنان عبدالباسط الحارثي، ومشاركة أعضاء الفرقة الوطنية، وهم: 

عازف القانون: أحمد الخالدي

عازفو الكمان:

محمد مقبل مُرَيْوح 

سعيد ناصر الويز

فؤاد الغابري

عبدالله الدبعي 

محمد علي البيرق

- عازف الكونتر باص: ظافر دحان 

- عازف الناي: علي صالح اليوبي 

- عازف آلة التشيلو: عبدالملك الحرازي 

- عازف آلة الأكرديون: عبدالله الغابري 

- عازفو الإيقاع كل من: 

محمد أحمد قعطبي

محمد صالح الشلالي 

يحيى جعدان


وعن تجربته في تقديم هذه الأغنية البديعة يقول الفنان أحمد المعطري: "أنا غنيتُ "الجَمّالية" بشكل حديث، ووضعتُ لها موّالًا خاصًّا: "وأنا مسافر الليل"؛ لأن الجَمّالة كانوا دائمًا يسافرون في الليل، فطرحتُ الفكرة على الشاعر الفقيد الصديق أحمد مانع الجنيد، وهو شاعر معروف، غنى له عدد من الفنانين، ومنهم الفنان أيوب طارش عبسي، وعمر غلاب، وغيرهم؛ كان شاعرًا مبدعًا".

التوزيع الموسيقي لأغنية "الجَمّالية" ساهم في تقديمها للجمهور اليمني بشكل راقٍ وحديث، وهنا يحدثنا الفنان المعطري عن دور ولمسات الفرقة الوطنية: "قامَت الفرقة الوطنية بقيادة الفنان عبدالباسط الحارثي بتوزيع الأغنية في العام 1982، من أجل تقديمها "لأنّ لحنها فلكلوري" في مهرجان الأغنية اليمنية الذي كان يقام في عدن كل عام، ويحصل تنافس كبير بين الفرق الموسيقية اليمنية والفنانين، فكان هذا اللحن "الجَمّالية" لحن شعبي بامتياز، أخذ أبعادًا تاريخية وفلكلورية؛ لأنّ تاريخ الجَمّالة تاريخٌ قديم، وكان تقديم هذه الأغنية نادرًا في التوزيع الموسيقي، لأنّه أيضًا أول لحن جمالي يوزع موسيقيًّا".

ويتابع الفنان أحمد علي المعطري حديثه عن تجربته مع أغنية الجمالية: "غنيتُ أغنية الجَمّالية مرتين؛ مرة مع الفرقة الموسيقية، ومرة تسجيل تجاري على العود فقط، وكان التسجيل بمصاحبة الفرقة الوطنية في العام 1982، وذلك في مهرجان الأغنية الشعبية اليمنية في عدن، كان هناك لجنة تحكيم برئاسة الفنان المرحوم محمد مرشد ناجي، والمرشدي -كما تعرف- فنان كبير، كان يُحَكّم في لجان عربية، وليس فقط على المستوى المحلي، والجَمّالية -كما أسلفتُ- قدمتها خصوصًا لمهرجان الأغنية الشعبية اليمنية في عدن، حاولتُ أن أدخل عليها الفرقة الموسيقية، وبعض التوزيعات، وأيضًا موالًا في المقدمة، حتى إنها ظهرتْ بقالب جديد وحصدت المركز الأول في ذلك العام". 

يتحدث المعطري عن شاعر أغنية "الجَمّالية" التي قدمها، بالإشارة إلى الشاعر المعروف أحمد علي مانع الجنيد، الذي يؤكد أنه غنى من كلماته الأستاذ أيوب طارش عبسي أروع الأغاني والأناشيد الوطنية، وكذلك زفة العروس، وله أغانٍ كثيرة، وقد كان ضابطًا في الأمن، وخريج كلية الشرطة، وهو من المدافعين على الجمهورية أثناء حصار صنعاء، كان ضمن دفعة الكلية الحربية في مطار صنعاء، وقعتْ له بعض العوائق والمشاكل، ولكن أعيد له اعتباره بعد قيام الوحدة، ومنح رتبة عقيد، وتوفي رحمه الله بعد ذلك بفترة قصيرة.


•••
محمد اليوسفي

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English