الحلقة التاسعة من مذكرات القيادي الناصريّ اللواء حاتم أبو حاتم

التعددية السياسية على الطريقة اليمنية، ولماذا تريد السعودية أن يكون اليمن غارقًا في الفوضى؟
February 18, 2023

الحلقة التاسعة من مذكرات القيادي الناصريّ اللواء حاتم أبو حاتم

التعددية السياسية على الطريقة اليمنية، ولماذا تريد السعودية أن يكون اليمن غارقًا في الفوضى؟
February 18, 2023

حاوره: عبدالله مصلح

كيف نشأت الخلافات بين الناصريّين والبعثيّين والاشتراكيّين والإسلاميّين في اليمن؟ ولماذا لم يحدث التقارب بين القوميّين واليساريّين؟

وهل تعتبر مخرجات مؤتمر الحوار أفضل ما توصّل إليه اليمنيّون؟ ومن أول المنقلبين على مخرجات الحوار؟ وكيف جاء تحالف الأضداد بين علي عبدالله صالح وأنصار الله (الحوثيين)؟ 

وما الإرهاصات التي سبقت حرب الثماني سنوات في البلاد؟ وما سبب التدخل الخارجي في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية؟

هذا ما يُجيب عنه اللواء حاتم أبو حاتم، في الحلقة التاسعة من مذكراته لمنصة "خيوط".


- في مرحلة العمل السريّ، هل كان هناك تنافس بين الناصريّين والبعثيّين والإسلاميّين وغيرهم؟

* لم يكن تنافُسًا فحسب، وإنّما كانت هناك مراهَقة سياسيّة بين اليمنيّين نتيجةً لغياب الوعي والثقافة الديمقراطية فيما بينهم بشكلٍ عام، فكلّ طرفٍ كان يعتقد أنّه هو وحده الذي بيده الحقيقة، ويرى الآخرين بأنّهم في الاتجاه الخاطئ، وهذه الثقافة ما زالت مستمرّة حتى اليوم، بدليل أنّ الصراعات ما زالت مستمرة، فيما غيرنا من الدول المتقدِّمة توصّلت إلى القَبول بالرأي والرأي الآخر، والتنافس عبر صناديق الانتخابات.

- هل كان هناك شبه تكتّل بين الناصريّين والبعثيّين واليساريّين، ضدّ الإسلاميّين؟

* لم يكن هناك أيّ تكتلٍ أو حتى تقارب، وكان من المفترض أن يحدث تقاربٌ بين الناصريّين والبعثيّين، أو بين الناصريّين واليساريّين، لكن هذا لم يحدث. 

فعلى سبيل المثال؛ في حركة 15 أكتوبر 1978م، لو أنّنا كناصريّين نسّقنا أدنى تنسيق مع النظام في الجنوب، لكان تحرّك الطيران وتغيّرت المعادلة، ولكن نحن كنّا آخذين موقفًا من النظام في الجنوب، بعد إعدام وسجن عددٍ كبير من الناصريين في عام 1973م، استبعدنا فكرة التعاون والتنسيق معهم، واعتبرناهم طرفًا معاديًا للأسف، وكان هذا أحد الأخطاء التي أدّت إلى فشل حركة أكتوبر 1978م.  

- وكيف كانت علاقة الناصريّين بالإسلاميّين في اليمن؟

* الإسلاميّون في اليمن -للأسف- وقفوا ضدَّ الناصريّين استنادًا للصراع الذي كان قائمًا بين الرئيس جمال عبدالناصر وجماعة الإخوان المسلمين في مصر، ولكنّ الإسلاميّين في اليمن طبّقوا هذا الصراع ضدّنا، باعتبارنا في الاتجاه المعاكس، مع أنّ الناصريّين ملتزمون بالقيم الدينية، بل من شروط التنظيم الإيمان بالله ورسالاته.

أيضًا كان الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي هو الزعيم اليمنيّ الوحيد الذي حاول أن يتحاور مع كلّ القوى السياسية، وكان يسعى إلى أن يتفق الجميع على التحوّل الى انتخابات ديمقراطية حقيقيّة، ولكنّه أُجيب بالرفض التامّ من تلك القوى.

 

- وماذا عن الصراع بين الإسلاميّين واليساريّين "الاشتراكيين"؟

* الصراع بين الإسلاميين والاشتراكيين لم يكن له أيّ مبرر، سوى غياب الوعي وعدم وجود ثقافة ديمقراطية.

أيضًا، علي عبدالله صالح استخدم الإسلاميّين للتخلُّص من الاشتراكيين، وتم استغلال الدِّين لأغراض سياسيّة.

ولهذا؛ المفروض أن نعيد النظر في ثقافتنا كحزبيين ومثقفين، ينبغي التوجّه نحو خلق روح القَبول بالرأي الآخر والتعايش، ونبذ العنف وتجريمه، والاحتكام لصناديق الاقتراع، وكل طرف يطرح برنامجه.

وعندما تحدُث الخلافات، يتم اللجوء للحوار السلميّ بدلًا من الصراعات والحروب، كما حدث في مؤتمر الحوار الوطني.

- أَلَا ترى أنّه بعد كلِّ حوارٍ سياسيٍّ، تندلع الحروب في اليمن، وآخرها ما حدث بعد مؤتمر الحوار الوطني، حيث اندلعت الحرب واستمرّت ثماني سنوات، وما زالت؟

* أنا كنتُ عضوًا في مؤتمر الحوار الوطني، ممثّلًا للتنظيم الشعبي الناصري. وعند توزيع المهام، كنتُ في فريق بناء الجيش والأمن، وتم انتخاب الأخ يحيى الشامي رئيسًا للفريق، إضافة إلى اثنين من النوّاب ومقرّر .

ثم تم تشكيل ثلاث لجان، هي لجنة بناء الجيش، وانتُخِبت أنا رئيسًا لها، ولجنة بناء الأمن برئاسة الأخ رشاد العليمي، ولجنة الأمن السياسي برئاسة أحد الإخوة من جنوب الوطن.

ويعتبر مؤتمر الحوار الوطني أعظمَ ظاهرة في تاريخ الوطن؛ أن تلتقي جميع الفئات، بممثلين عن النساء والشباب والأحزاب وكل المكونات السياسية والدينية وغيرها، وهذا لأول مرة في يحدث في تاريخ اليمن، واستمر الحوار أكثر من عشرة أشهر، وتوصلنا إلى مخرجات في كل هذه المجالات، حيث توزعت إلى سبع أو ثماني فرق، وتوصّلوا إلى إجماعٍ وطنيّ، وفوجئنا في نهايته بمقترح بتشكيل لجنة لدراسة وضع الأقاليم، ونحن عارضنا هذه الفكرة، وقلنا هذه من مهام مؤتمر الحوار الوطني بشكلٍ عام، وعند التصويت على نتائج الحوار بندًا بندًا، وتمّ التصويت من قبل جميع الأطراف، سواء من قبل ممثّلي "المؤتمر الشعبيّ العام" وممثِّلي جماعة "أنصارالله" وممثّلي "حزب الإصلاح"، وغيرهم، ولم أسمع أيَّ شخصٍ اعترض على نتائجه، باستثناء الاعتراض على تشكيل لجنة تحديد الأقاليم، وتم رفضها من قبل 80٪ من أعضاء مؤتمر الحوار، ثمّ تمّ تمريرها للأسف.

ولكن رغم ذلك، تعتبر مخرجات مؤتمر الحوار أفضل ما توصّل إليه اليمنيّون، من حلول كانت ستجنّب البلادَ الكثيرَ من المحن والاضطهاد والديكتاتوريات والنعرات المناطقية والطائفية وغيرها.

- إذا كانت جميع الأطراف موافقة على مخرجات مؤتمر الحوار، فلماذا اندلعت الحرب؟

* أول من اعترض على نتائج مؤتمر الحوار هو علي عبدالله صالح، وبدأت الأمور تتخلخل، وفوجئنا بانقلاب أنصار الله "الحوثيين" وبدَؤُوا التحرك عسكريًّا من صعدة، فاستولوا أولًا على مركز دماج السلفي، ووصلوا إلى عمران، وكانت هناك احتكاكات بين حزب الإصلاح وعبدربه منصور الذي ألقى خطابًا وقال إنّ عمران عادت إلى حضن الدولة بعد أن سيطر عليها الحوثيّون، وكان محافظ عمران وقتَها محمد حسن دماج وهو قيادي في حزب الإصلاح.

بعد ذلك، تفاجأنا بنشوء تحالف بين الحوثيين وعلي عبدالله صالح الذي حاربهم ستة حروب في صعدة، وقضت على الأخضر واليابس هناك.

- وكيف حدث هذا التحالف بي الأضداد: "علي عبدالله صالح" و"الحوثيّين"، من وجهة نظرك؟

* تحالف علي عبدالله صالح مع الحوثيين نكاية بحزب الإصلاح الذي كان لديه احتكاكات مع علي عبدالله صالح، رغم الحلف الاستراتيجي بين الطرفين منذ صعود علي عبدالله صالح للسلطة، وكان حزبَا المؤتمر والإصلاح يشكّلان حلفًا ثنائيًّا لضرب بقية القوى الوطنية، حتى حدثت انتخابات عام 1997م، عندما بدأ الفراق بينهما، وقال علي عبدالله صالح حينها بأن الإصلاح مجرد كرت استخدمه صالح، ثم حدثت انتخابات 2006م الرئاسية، وبعدها بسنوات اندلعت ثورة 11 فبراير عام 2011م، التي شكّلت القطيعة الكبرى بين المؤتمر والإصلاح.

ولهذا تحالف علي عبدالله صالح مع الحوثيّين بهدف الانتقام من حزب الإصلاح، وأيضًا الانتقام من ثورة 11 فبراير الشبابية السلمية، حيث خرج الشباب بصدور عارية يطالبون بتغيير النظام، وبناء دولة ديمقراطية مدنية تساوي بين جميع اليمنيّين.

ولكن علي عبدالله صالح دفعَه حقدُه للتحالف مع أنصارالله (الحوثيّين)، الذي اعتقد بأنّهم سوف ينسون ما ارتكبه من جرائم ضدّهم، بمجرد أن يعلن تحالفه معهم وتسليمهم أسلحة الدولة.

وأنا صرحت في حينه، بأنّ الحوثيّين لن ينسوا مقتل الشهيد حسين بدر الدين الحوثي، وهذا ما حصل بعد ذلك، حيث دخلوا إلى منزله وتم إعدامه بتلك الصورة البشعة.

- نفهم من كلامك أنّ أسباب الحرب الدائرة حاليًّا منذ ثماني سنوات، هي أسباب محلية وليست خارجية؟

* هناك أسباب محلية تقاطعت مع مؤامرة خارجية، وهذه كلها -برأيي- لعبة أمريكية صهيونية، نظرًا لانزعاجهم من اتفاق جميع اليمنيّين على نتائج مؤتمر الحوار الوطني، وأهم نتيجة هي بناء دولة مدنية ديمقراطية، ولهذا خشيَ الأمريكان والصهاينة من بناء دولة حقيقيّة في اليمن؛ لأنّها ستؤثّر سلبًا على مصالحهم في المنطقة، سواء في ابتزاز دول الخليج العربي ونهب ثرواتها النفطية والغازية أو غيرها.

- البعض يُلقي باللوم على ثورة 11 فبراير التي أطاحت بنظام علي عبدالله صالح، ويرى أنّ فترة "صالح" رغم سلبياتها الكثيرة، تعتبر أفضل من الأوضاع الراهنة، في ظلّ هذه الحرب الطويلة وانقطاع المرتبات منذ سنوات، وتقسيم البلاد وتجزئتها؛ فما قولك في ذلك؟

* كل ما يحدث اليوم في البلاد، هو نتيجة وامتداد لحكم وسياسة علي عبدالله صالح الذي أوصلنا إلى هذه الأوضاع، لأنّه لم يبنِ نظام ودولة مؤسسات، وإنّما سلطة عائلة أو عصابة، وكان يدير البلاد بسياسة الأزمات، رغم أنّه أتيحت له العديد من الفرص كونه زعيمًا بتحقيق الوحدة اليمنية، وبدأ يتآمر على من حقّق الوحدة ويقتلهم، حتى داخل صنعاء، ودفع الإخوة في الجنوب إلى أن ينادوا بالانفصال رغم أنّهم كانوا وحدويّين حقيقيّين. 

ومثلما انقلب صالح على شريكه الجنوبي في تحقيق الوحدة اليمنية، انقلب أيضًا على حلفائه في الشمال، وانقلب على حزب الإصلاح، وانقلب حتى على القبائل بقيادة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، وانقلب على مخرجات مؤتمر الحوار، وانقلب على الجيش والأمن عندما أمرهم بتسليم كلّ الأسلحة للحوثيّين.

- وكيف تنظر إلى التدخل الخارجي في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية؟

معروفٌ عن المملكة العربية السعودية منذ إنشائها، أنّها تقف حجر عثرة أمام تطور اليمن، ولا تريد أن تكون دولةٌ حقيقيّةٌ في اليمن، ظنًّا منها أنّ ذلك يُشكِّل خطرًا عليها؛ ولذلك تسعى السعودية لأن يكون اليمن مستنقعًا للحروب والصراعات، حتى يظلّ جميع الأطراف بحاجة إلى أموالها، لأنّ السعودية تدرك أهمية الموقع الجغرافيّ لليمن، وتعرف أنّ اليمن يمتلك ثروات هائلة من النفط والغاز ومختلف المعادن، ولكن السعودية مارست كلّ ضغوطاتها في سبيل عدم استخراج اليمن لثرواته النفطية، ولهذا تاريخ السعودية مع اليمن تاريخٌ تآمُريّ توسّعيّ، ولا يمكن أن يكون تدخل السعودية في اليمن تدخُّلًا إيجابيًّا لصالح اليمن، وإنّما تدخل سلبيّ وكارثيّ في إطار اللعبة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة البريطانية؛ لابتزاز دول الخليج، ونهب ثرواتها، وتخويفها، سواء من إيران أو أنصارالله (الحوثيين) أو غيرهم.

وعلى هذا الأساس، جاء التدخُّل الخارجيّ في اليمن، بهدف تقسيم المقسَّم وتجزئة المجزَّأ. وهذا هو ما نعيشه اليوم.

وأنا شخصيًّا، دُعِيت لحضور مؤتمر الرياض للحوار، ورفضتُ تلك الدعوة.

- لماذا؟

لأنّني أعرف أنّه لن يأتيَ الخيرُ لليمن من القيادة السعودية أبدًا.

•••

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English