فقدان "عنصر المفاجأة" يبقي صالح في الحكم

الحلقة الخامسة من مذكرات حاتم أبوحاتم
June 30, 2022

فقدان "عنصر المفاجأة" يبقي صالح في الحكم

الحلقة الخامسة من مذكرات حاتم أبوحاتم
June 30, 2022

حاوره/ عبدالله مصلح

يواصل اللواء حاتم أبوحاتم، سرد ذكرياته عن أحداث ووقائع هامّة من تاريخ اليمن الحديث والمعاصر. وفي هذه الحلقة الخامسة يدلي اللواء أبوحاتم بروايته عن حركة 15 أكتوبر عام 1978، وقصة الانقلاب العسكري الذي كان أحد أبرز قادته ومنفذيه ضد الرئيس السابق علي عبدالله صالح بعد ثلاثة أشهر من صعوده إلى السلطة، وعن مرحلة التخطيط والتنفيذ، وأسباب فشل الانقلاب، وتداعيات ذلك على التنظيم الناصري في اليمن.

مرحبًا باللواء حاتم، في هذه الحلقة الخامسة، التي نودّ فيها أن تحدثنا عن حركة 15 أكتوبر 1978م أو ما يعرف بالانقلاب ضد الرئيس علي عبدالله صالح.

بعد مقتل أحمد الغشمي، قررَت قيادة التنظيم استمرارَ عمل المجلس العسكري الذي تم تشكيله بهدف الانتقام من قتلة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، واستعادة مشروع الدولة المدنية، وكما ذكرت سابقًا كان المجلس العسكري يتكوّن من 11 شخصًا، وهم: نصار علي حسين الجرباني، وحاتم أبوحاتم، ومحمد حسن دارس، وعبده محمد علي "قائد قوات المظلات"، ومحمد المرزوقي، ومحسن فلاح "قائد الشرطة العسكرية"، وعبدالله الرازقي، وعلي عطيفة الميموني، وحمود ناجي.

وكان هناك تفاهم وتنسيق مع ثلاثة ضباط آخرين، وهم: عبدالله البشيري، وعلي محمد صلاح، وشرف محمد علي.

وواصلنا اجتماعاتنا وتحركاتنا ومراقبتنا للأماكن التي كان يتواجد فيها علي عبدالله صالح، وكان القرار أن نبدأ بتنفيذ الحركة (الانقلاب) في 11 أكتوبر عام 1978م، في يوم الذكرى الأولى لاستشهاد الرئيس الحمدي، وكنا نرى أن إزاحة علي عبدالله صالح من السلطة أسهل من إزاحة أحمد الغشمي.

لماذا؟

لأن علي عبدالله صالح لم يكن له شعبية كبيرة عند الناس، سواء المدنيين أو حتى العسكريين، وأضرب لك مثالًا: لو أن علي عبدالله صالح بعد صعوده للسلطة مباشرة قام بزيارة بعض الوحدات العسكرية مثل الشرطة العسكرية أو الأمن المركزي أو المظلات، لكان تم إلقاء القبض عليه أو تصفيته. ولكن لسوء الحظ لم يقم علي عبدالله صالح بأي زيارة لهذه الوحدات العسكرية.

حتى اللواء السادس الذي كان يقوده الأخ أحمد فرج (من سنحان) تواصلنا به وتم التنسيق معه، ولكنه كان يصرّ

 على عدم مشاركته، مراعاة لأنه من قرية بيت الأحمر بسنحان، وبقي محايدًا.

هل كانت كل الوحدات العسكرية لا تدين بالولاء للرئيس علي عبدالله صالح؟ 

كان هناك فقط اللواء الأول مدرع، الموالي لعلي عبدالله صالح، وكان هذا اللواء الأول يشكل العقبة أمامنا، وكان هذا اللواء يتوسع ويتمدد منذ عهد الغشمي، ومعظم منتسبيه من مديريتي همدان وسنحان بمحافظة صنعاء، وكان يقود هذا اللواء محسن سريع من همدان، وعلي محسن الأحمر كان أركان حرب اللواء.

الإعداد للانقلاب

كيف تمت عملية التخطيط لتنفيذ الحركة أو الانقلاب ضد الرئيس علي عبدالله صالح؟

أولًا، وقبل التخطيط لعملية التنفيذ، تم الإعداد والتخطيط لحماية صنعاء بواسطة الشرطة العسكرية والأمن المركزي، بالدرجة الأولى؛ لأنّ القيادة كانت حريصة على عدم تكرار ما حدث في حركة عام 1948م، عندما تعرضت مدينة صنعاء للنهب.

بعد فشل الحركة أخذوا المئات من الأعضاء إلى السجون، سواء من العسكريين أو المدنيين، وتم إعدام العشرات منهم، كما تم التنكيل والتعذيب بالمئات، حتى إنهم أخذوا بعض الإخوة البعثيين وقاموا بتعذيبهم مع الناصريين

وبالتزامن مع حماية مدينة صنعاء، تم تشكيل فرق خاصة بالانقضاض على مكان تواجد الرئيس علي عبدالله صالح يوم 11 أكتوبر، وقمنا برصد ومتابعة دقيقة للأماكن التي يتواجد فيها علي عبدالله صالح معظم أوقاته.

وكان الشهيد عبدالسلام مقبل "وزير الشؤون الاجتماعية والعمل" غالبًا ما يرافق علي عبدالله صالح، حيث كان الرئيس معجبًا بشخصيته ويصطحبه معه حيثما ذهب.

وكانت الخطة تقتضي الهجوم المباغت على اللواء الأول مدرع، وتم تجهيز فرقة خاصّة بذلك الهجوم من العسكريين الذين تم فصلهم من القوات المسلحة بعد استهداف الرئيس الحمدي، ومن اللواء الخامس في منطقة الصمع بمديرية أرحب، والذي كان يقوده المرحوم نصار علي حسين الجرباني، وعلى أساس أن ينفذوا هجومًا ليليًّا مباغتًا على اللواء الأول مدرع، والسيطرة على المدرعات التي كانت داخل اللواء، واستخدامها لصالح الحركة، ثم تدخل القوات الموالية لنا في عدد من المحافظات، إلى العاصمة صنعاء. ولكن تفاجأنا باكتشاف الأمر، ولهذا تم التأجيل من يوم 11 أكتوبر إلى 15 أكتوبر.

ساعة الصفر

كيف تم اكتشاف الأمر؟

في ليلة التنفيذ، كان الأخ محسن فلاح، قائد الشرطة العسكرية والاستطلاع الحربي- كان لا بد أنّ يقوم بإبلاغ ضباط الاستطلاع في النقاط (الموثوقين) بالسماح بدخول القوات إلى صنعاء، مثل قوات العمالقة التي كانت متواجدة في ذمار، وقوات الاحتياط العام التي كانت متواجدة في باجل، وقوات المظلات التي كانت متواجدة في محافظة مأرب، واللواء الأول المتمركز في منطقة عمران، وكان من المقرر لهذه القوات جميعها أن تدخل إلى العاصمة صنعاء، فأعتقد أنّ أحد الضباط في هذه القوات أفشى خبر طلوعهم إلى صنعاء، وقد يكون الخبر وصل إلى علي عبدالله صالح، ولذلك خرج الرئيس من صنعاء، وانتقل إلى محافظة الحديدة، ولهذا تم تأجيل تنفيذ العملية، وكان هذا التأجيل يمثل الضربة القاضية ضد الحركة.

وأعتقد أنه لو تم تنفيذ الحركة يوم 11 أكتوبر، دون تأجيلها، كان سيكون حظنا أكثر، ولكن العد التنازلي من يوم 11 إلى يوم 15 أكتوبر، وكنا نشاهد حشودًا قبلية تدخل إلى العاصمة صنعاء.

وأتذكر أنّ الشيخ سنان أبو لحوم دخل إلى صنعاء، وتم تكليفي من قبل القيادة للذهاب إلى الشيخ سنان لمعرفة سبب دخوله صنعاء في ذلك التوقيت، وفعلًا ذهبت إلى الشيخ سنان أبو لحوم وقابلته في بيت محمد أبولحوم وسلمت عليه، وكان عنده عدد من المشايخ والقبائل، وعندما رآني وكنت أرتدي الزي العسكري نهض من مجلسه، وقال: "الآن وقت رجال الجو"، وأخذني إلى غرفة مجاورة لمجلسه، وقال لي: "يا ولدي أنا أسمع إن في انقلاب، وقد اتصل بي علي عبدالله صالح وطلب مني أدخل إلى صنعاء، وبعدما وصلت صنعاء ما لقيتش (أي: لم أجد علي عبدالله صالح بصنعاء)، فأخبرني أنت إذا هناك انقلاب فسوف أخرج من صنعاء إلى البلاد، فقلت له: "يا عم سنان، أنت تعرف بأنني لا أتدخل في السياسة وأنا مجرد مهندس فني في القوات الجوية، وليس لدي علم عن أي شيء، وعادنا عدت من السعودية ضمن وفد من القوات الجوية"، وبالمصادفة كان معي جواز السفر فأطلعته عليه ليتأكد من صدق كلامي، ورغم ذلك طلب مني أن أحلف يمينًا، فأقسمت له "إنني لا أعلم عليك بأي شر (ليس هناك خطر يهدد حياتك)".

وفعلًا، لم يكن هناك أي شر أو خطر ضد الشيخ سنان أبو لحوم أو غيره من المشائخ، وإنما كانت هناك قائمة بحجز كبار المسؤولين، لأنه انقلاب وليس إعدام أو اغتيالات، وعدت إلى القيادة وأخبرتهم بما دار بيني أنا والشيخ سنان أبو لحوم، وأنه فعلًا قد تم انكشاف الأمر .

أنتم في البداية نجحتم في السيطرة على العاصمة صنعاء بسرعة كبيرة، وسيطرتم على مبنى القيادة العامة ومقر الإذاعة، ثم تحولت الأمور إلى العكس وبنفس السرعة؛ ما تفسيرك لذلك؟

نعم، تمكنّا من الاستيلاء على العاصمة صنعاء باستثناء اللواء الأول مدرع، والإخوة في الشرطة العسكرية والأمن المركزي قاموا بواجبهم في تأمين العاصمة صنعاء، وسيطرنا على مقر القيادة وكذلك مقر الإذاعة، ولكن الشخص المكلف بقراءة البيان رقم واحد، وهو الأخ عبدالله سلام الحكيمي، الذي اختفى فجأة، وتم تشغيل الإذاعة بمارشات عسكرية، وظلينا منتظرين للأخ عبدالله سلام من أجل يقرأ البيان، ثم ذهبت للبحث عنه في مختلف الأماكن والشقق الخاصة بغرفة عمليات القيادة التنفيذية باعتباري كنت همزة الوصل بين القيادة وبين المجلس العسكري، ولكني لم أعثر على الأخ عبدالله سلام، ثم تحركت المدرعات التابعة للواء الأول مدرع وسيطرت على صنعاء، حتى إنهم سيطروا على مطار صنعاء، وعلى مدرج المطار.

وكنت أتنقل من القيادة إلى الإذاعة وإلى غرفة العمليات التي كانت بجوار منزلي، وكان فيها الأخ محمد المرزوقي قائد العمليات، والأخ عيسى محمد سيف الأمين العام للقيادة التنفيذية في التنظيم، وأخبرتهم بالأخبار.

ماهي المبررات الذي ذكرها لاحقًا عبدالله سلام الحكيمي بشأن اختفائه المفاجئ؟

لا أدري ما هي المبررات التي قدمها عبدالله سلام، لكن أنا شخصيًّا بحثت عنه في يوم 11 أكتوبر 1978 وفي كل الأماكن ولم أجده، فهو كان وكيل وزارة الإعلام وعضو القيادة ورئيس تحرير صحيفة 13 يونيو (صحيفة 26 سبتمبر لاحقًا) والشخص المكلف من القيادة بقراءة البيان الذي صاغته القيادة وكان بيانًا رائعًا، وكما يقول إنّ البيان كان عند سلطان حزام العتواني، فهذا ليس مبررًا لاختفائه.

فقدان عامل النجاح

برأيك، ما هو السبب الحقيقي في فشل هذا الانقلاب؟

أهم سبب أننا فقدنا عنصر المفاجأة، فمثلًا، اللواء الخامس والمجاميع التي كانت معه لم يصلوا إلى مقر اللواء الأول مدرع بصنعاء، إلا واللواء الأول في قمة الاستعداد والتأهب للمواجهة، بل والبعض قد تحرك إلى مقر الإذاعة وغيرها.

السبب الثاني هو عدم امتلاكنا لأسلحة مضادّة للدروع، لأنّ الغشمي أخذ كل الأسلحة المضادة للدروع ووضعها في أحد مخازنه بهمدان.

أيضًا تأخُّر القوات والألوية القادمة من المحافظات، وعدم قدرتها على الوصول إلى العاصمة صنعاء، فعلى سبيل المثال: قوات العمالقة القادمة من محافظة ذمار لم تستطع الوصول إلى صنعاء؛ لأنه تم قطع الطريق في نقيل يسلح، واضطرت العمالقة إلى التوجه، شرقًا نحو بلاد الروس وخولان، وسلكوا طرقًا وعرة ولم يتمكّنوا من الوصول إلى صنعاء، وتعرّض قائد هذه القوات للسجن، وهو عبده القحم (من برط).

كذلك اللواء السابع؛ كان مقررًا أن يتحرك وكان لديه سلاح فرنسي، وكان هناك صعوبة في الاتصال بالسلاح الفرنسي، فلم يستطع اللواء الاتصال بغرفة العمليات أو حتى بالقيادة.

ولذلك تم إرباكهم حتى أتى محمد السنباني مع قوة وسيطروا عليه، وأخذوا الشهداء أحمد مطير وحسين منصر.

وأيضًا قوات الاحتياطي لم تستطع دخول صنعاء من منطقة عصر، بسبب انتشار الدبابات في مداخل العاصمة صنعاء.

ولم يكن لدينا سلاح مضادّ للدروع، وكان هذا هو السبب الرئيسي في فشل حركة 15 أكتوبر 1978.

ألم تكونوا تدركون مسبقًا قبل تنفيذ الانقلاب، بأنه لا يوجد لديكم سلاح مضادٌّ للدروع، وأن المدرعات تتركز في اللواء الأول مدرع الموالي للرئيس علي عبدالله صالح، فلماذا لم تعملوا حسابكم لذلك؟

كنا نعرف تمامًا بأنه لا يوجد أي سلاح مضاد للدروع في القوات المسلحة بأكملها، لأن أحمد الغشمي سحب البوازيك من جميع الوحدات حتى الشرطة العسكرية، وأخفاها في مخزن تابع له في منزله بضلاع همدان، ولذلك اعتمدنا على عامل المفاجأة، والذي فقدناه عندما تحركنا، وكذلك اعتمدنا على توفير مجموعة كبيرة من الأطقم العسكرية ومن العسكريين الذين تم فصلهم من القوات المسلحة بعد اغتيال الشهيد الحمدي، وتم وضعهم في اللواء الخامس الذي كانت مهمته الانقضاض المفاجئ على اللواء الأول مدرع، والسيطرة عليه، ومن ثم تحريك الدبابات لصالح الحركة، وأيضًا كان هناك خط إضافي خارجي والاستعانة بطائرات حربية من دولة ليبيا والرئيس معمر القذافي، كما فعل وأنقذ الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري من محاولة انقلاب، ثم وعدونا بأنهم سوف يحركون طائرات من مطار بورسودان لقصف اللواء الأول مدرع بصنعاء عند اللزوم، ووضعنا لهم الإحداثيات، لكنه لم يتم ذلك.

عيسى محمد سيف كان عندي في المنزل، وطلبت منه أن يهرب معي لكنه رفض بشدة، وقال: "لا يمكن أن أهرب وقد مسكوا الكثير من الأعضاء، أنا سأضحي بنفسي عن كل الإخوة الذين حجزوهم وسأكون أنا الفداء"، ورفض رفضًا قاطعًا أن يخرج معي

أنتم كنتم مسيطرين على القوات الجوية، وأنت شخصيًّا كنت على رأس هذه القوات، فلماذا لم تستخدموا الطائرات الحربية لقصف مقر تواجد الرئيس في الحُديدة أو حتى قصف المدرعات داخل اللواء الأول مدرع؟

القوات الجوية كانت على أهبة الاستعداد، ولكن لم تصل القدرات لدينا بأن تحلق الطائرات الحربية في الليل، وكان قد تم تجهيز الطائرات لتنفيذ مهامها صباحًا بمجرد بزوغ الضوء، كما تم تجهيز الطيارين حسن عروة وأحمد دويد، ولكن تفاجأنا في الليل بسيطرة المدرعات على مدرج المطار، وأنا بنفسي ذهبت إلى المطار، ووجدت أنهم قد منعوا الضباط والطيارين والمهندسين من دخول المطار، وأنا تفاهمت مع وزير الداخلية "المصري" وقلت له: "ليش تمنع الضباط من دخول المطار؟"، فأجاب بأنّ هناك انقلابًا، فقلت له: "ونحن أيش علاقتنا بالانقلاب؟! نحن قوات جوية مستقلة عن الكل"، ثم دخلت المطار، وكنت أريد أن آخذ طائرة ونفرّ عبرها إلى عدن، خاصة بعد أن تم إبلاغنا باحتجاز الأخوين الشهيدين محسن فلاح وعبدالله الرازقي، وعندما شاهدت المدرعات مسيطرة على مدرج المطار، انسحبتُ فورًا من المطار وعدت إلى غرفة العمليات، وأخبرت الأخ عيسى محمد سيف بذلك.

هناك من يرى أنّ من أسباب فشل الانقلاب هو زيادة عدد المستقطبين للحركة بشكل كبير، حتى إن بعضهم كانوا عبئًا على الانقلاب، وليسوا عونًا لنجاحه؟ 

هذا صحيح أنه تم الاستقطاب والحشد، وتغاضينا عن النظام الأساسي للتنظيم الذي ينص على أنّ أي شخص ينضمّ للتنظيم يبقى تحت التجربة والبحث طيلة سنتين، ولذلك شكّلت القيادة جبهة 13 يونيو 1978م، ونظرًا لضيق الوقت فقد تم استقطاب الكثير، وكان هناك تفاعل واندفاع من قبل الناس الذين كانوا يحبون الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، وكما تلاحظ حتى الآن ما زالت الجماهير اليمنية زعلانة ومحروقة على اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي (رحمه الله)، ورغم اتساع الاستقطاب لحركة 15 أكتوبر فأنا لا أرى ذلك عيبًا، وإنما الحظ لم يساعد هذا الشعب اليمني لعودة نظام إبراهيم الحمدي، وكانت المصيبة بعد اغتيال الحمدي هي فشل حركة 15 أكتوبر 1978م، التي كانت أول وآخر حركة ثورية شهدتها البلاد ضد علي عبدالله صالح ونظامه المستبد، حتى جاءت ثورة 11 فبراير عام 2011م.

الرئيس علي عبدالله صالح قال في إحدى مقابلاته إنه كان يعلم بالانقلاب قبل أيام من وقوعه، فهل كان هناك خيانة من داخل التنظيم الناصري أو المجلس العسكري؟

لا أعتقد أنه كان هناك خيانة داخلية، وإذا كان هناك أحد فهو من الاستطلاع الحربي الذي أبلغهم الأخ محسن فلاح بأن يسمحوا بدخول القوات القادمة من خارج صنعاء.

من هو الشخص الذي كان سيتولى منصب رئيس الجمهورية في حال نجح الانقلاب؟

الأخ المرحوم نصار علي حسين الجرباني هو من كان سيتولى منصب الرئاسة وقيادة البلاد في حال نجحت حركة 15 أكتوبر 1978م، والتنظيم يقف من ورائه حتى يتم الاتفاق بين القوى السياسية على انتخابات ديمقراطية.

ما الذي حدث بعد فشل حركة 15 أكتوبر 1978م؟

بعد فشل الحركة أخذوا المئات من الأعضاء إلى السجون، سواء من العسكريين أو المدنيين، وتم إعدام العشرات منهم، كما تم التنكيل والتعذيب بالمئات، وحتى إنهم أخذوا بعض الإخوة البعثيين وقاموا بتعذيبهم مع الناصريين.

ومن المفارقات أن الرئيس إبراهيم الحمدي عندما بنى السجن المركزي، كان المشرف على بناء هذا السجن هو أحد الإخوة الضباط الناصريين في وزارة الداخلية، وكان هو أول من تم إيداعه السجن المركزي مع عدد من رفاقه.

ما بعد الفشل

وأنت ماذا كان مصيرك؟

أنا عدت إلى المنزل وأحرقت الوثائق الخاصة باللقاءات السرية وكل ما يخص الحركة، ثم تفاجأت بوجود قوات أمام منزلي في طريق المطار، وقاموا بقصف منزلي بالرشاشات، وكنت على استعداد أن أموت، ولكن جاءني ابن عمي وأخرجني من المنزل ونقلني إلى منطقتنا "نهم"، وطبعًا ابن عمي كان ضابطًا برتبة رائد في قوات الاحتياط العام، وكان محسوبًا على بيت أبولحوم ومجاهد أبوشوارب، والتقيت به قبل أسبوع من الأحداث، وطلبت منه أن يذهب إلى تبة دارس وكانت مطلة على صنعاء، ولم نكن نعلم عدد الأفراد فيها، وما هو نوع وكمية السلاح الذي لديهم، حتى نعمل احتياطنا، وكان قائد تبة دارس هو محمود مانع، وهو أحد المشاركين في قتل إبراهيم الحمدي، وكان ابن عمي صديق محمود مانع، ولهذا طلبت منه أن يذهب إلى هذه التبة ويعطيني معلومات عنها، فوافق وذهب إلى هناك وعاد إليّ بالمعلومات، ولم يكن ابن عمي يعرف شيئًا عن هدفنا من هذه المعلومات، ولكن بعد أسبوع قمنا بالحركة، وعندما سمع ابن عمي إطلاق النار بكثافة بدأ يسأل نفسه عن سبب طلبي منه لتلك المعلومات، وساوره القلق عني وقرر أن يأتي إلى بيتي، فوصل وهم يضربون بيتي بالرشاشات من جهة الغرب، وأنا كنت حينها مستعدًا للموت، فجاء وأخذني معه باتجاه شرق المنزل ثم نقلني إلى منطقة نهم.

وماذا عن عيسى محمد سيف الأمين العام للتنظيم الناصري الذي كان يتواجد في منزلك؟

عيسى محمد سيف كان عندي في المنزل، وطلبت منه أن يهرب معي، لكنه رفض بشدة، وقال: "لا يمكن أن أهرب وقد مسكوا الكثير من الأعضاء. أنا سأضحي بنفسي عن كل الإخوة الذين حجزوهم وسأكون أنا الفداء"، ورفض رفضًا قاطعًا أن يخرج معي.

كذلك عبدالكريم المحويتي لم يكن موجودًا عندي في المنزل، لكنني في اليوم الثالث أرسلت ابن عمي نفسه إلى منزل عبدالكريم المحويتي في حي الطبري، من أجل نقله من صنعاء إلى البلاد "نهم" غير أنه رفض ذلك، وقال لابن عمي: "قل لحاتم ينتبه على نفسه، أما أنا مدني لا خوف عليّ"، ثم تم إعدامه رغم أنه كان مهندسًا زراعيًّا.

•••

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English