التعلق خلف السيارات.. تلتهم أطفال اليمن

ظاهرة تقتل الآلاف سنويًا
جمال سيلان
February 28, 2022

التعلق خلف السيارات.. تلتهم أطفال اليمن

ظاهرة تقتل الآلاف سنويًا
جمال سيلان
February 28, 2022

لا يزال (حيدر شعلان) القاطن بمنطقة بني صريم محافظة عمران، يعاني من أثار إصابته بأضرار بالغة في الرأس، إثر سقوطه من خلف سيارة "هيلوكس"، يقول (ناصر الأشول) صديق حيدر الذي روى القصة لـ"خيوط"، إن حيدر حينما كان طالبًا في الإعدادية، توجه بعد خروجه من المدرسة إلى قرية أخرى بهدف المذاكرة مع زميله، وأثناء مرور سيارة هيلوكس، لحق بها حيدر وتعلق بخلف السيارة، وحينما مرت السيارة بجوار منزل زميله، قفز حيدر إلى الأرض والسيارة مسرعة، ودون تنبيه للسائق، فسقط على الأرض وأصيب إصابة بالغة في رأسه، حيث دخل في غيبوبة، وأسعف على إثرها إلى العاصمة صنعاء، وظل في غيبوبة لمدة ثلاثة أشهر، وفقد على إثرها الذاكرة لمدة عام، وكلفه العلاج ملايين الريالات.

يضيف (الأشول) أن مأساة حيدر لم تكن الوحيدة بين أطفال أسرته، فأخوه (عبدالله شعلان) الذي يصغره بعامين، تعرض هو الآخر لضربة في الرأس فقد بسببها النطق بالكلام، والسبب أن عبدالله كان عائدًا من مدرسته التي تبعد عن مسقط رأسه في بني صريم بمحافظة عمران نحو ثلاثة كيلو مترات، وأثناء مرور سيارة هيلوكس، حاول الإلحاق بها، والإمساك بصدّام السيارة؛ ولأن السيارة كانت مسرعة لم يستطع الإمساك بصدام السيارة والصعود لفوقها، حيث سقط على الأرض وأصيب إصابة مباشرة  في رأسه، ودخل في غيبوبة لمدة 27 يومًا، وكلفه العلاج الكثير من المال، ولا يزال حاليًّا ينطق الكلام بصعوبة.

ضحايا بالآلاف 

إصابة (حيدر) وأخيه (عبدالله) ليست الوحيدة، إذ تمتد هذه الكارثة لتشمل آلافًا من أطفال المدارس في اليمن، فهذه الحوادث التي تندرج تحت حوادث سقوط بلغ عددها خلال الفترة 2004-2020، 475 حادث سقوط في العاصمة صنعاء فقط، بحسب إحصائية الكتاب السنوي لإدارة مرور أمانة العاصمة صنعاء للعام 2020، والذي اطلعت عليه "خيوط".

بحسب الإحصائية، فقد بلغ عدد الوفيات من الأطفال الذكور خلال الفترة (2004-2020) 1249 طفلًا، وبلغ عدد الإصابات الجسيمة من الأطفال الذكور للفترة ذاتها 5374  طفلًا، والإصابات البسيطة (5481) طفلًا.

يقول الدكتور (طارق الحيدري) الذي يعمل في أحد المراكز الصحية بمحافظة عمران لـ"خيوط"، إن ركوب الأطفال خلف السيارات صارت ظاهرة مزعجة، خصوصًا مع انعدام المشتقات النفطية وارتفاع أجور المواصلات، حيث يستقبل عدة حالات لأطفال مصابين؛ المصابون بإصابات بسيطة يتم معالجتهم في المركز، فيما يتم تحويل الإصابات البالغة لمستشفيات أخرى.

ما ضاعف هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة -وهذه الفترة بالذات- هو ارتفاع أسعار الوقود وانعدامها، وارتفاع أسعار أجور المواصلات، حيث تقل عدد الباصات العاملة، ويعجز الطالب عن دفع أجر صاحب الباص.

بدوره يؤكد العقيد (عبدالله النويرة)، مدير مكتب مدير المرور بالعاصمة صنعاء، لـ"خيوط"، أن هذه الظاهرة منتشرة وتشكل إزعاجًا لسائقي المركبات، خصوصًا سائقي السيارات الهيلوكس والقلابات، وهي ظاهرة موجودة في اليمن من زمان، ولانعدام المشتقات النفطية وارتفاع أجور المواصلات دورٌ في تفاقمها، خصوصًا في الأرياف؛ أما في المدن فالسبب الرئيسي هو غياب التوعية المجتمعية، سواء من أولياء الأمور أو من المدارس أو حتى من المارة الذين يلحظون الأطفال وهم يلحقون بالسيارات دون أن يمنعوهم من ذلك، وللأسف بعض أطفال المدارس في المدن يعتبرها لعبة.

إزعاج يومي

انتشار هذه الظاهرة في الأرياف يصفها السائق أمين محسن بأنها ظاهرة يومية، تشكل إزعاجًا لسائقي سيارات الهيلوكس والقلابات، يقول لـ"خيوط": "حينما أمرّ بسيارتي الهيلوكس من جوار مدرسة ريفية يحاول الطلاب التعلق بصدام السيارة، يندفع الكثير منهم ويتزاحمون في الصعود إلى السيارة، وفي حال كان السائق مسرعًا، وغير منتبهٍ، يقع البعض منهم على الأرض ويصاب بأضرار، ونحن نتحمل تبعات هذه الإصابة، من تكاليف مادية".

يضيف أن سبب عدم سماحه للطلاب بالركوب معه، هو العدد الكبير منهم، حيث يتجمعون بطريقة لا يتسع  لهم صندوق السيارة؛ لذلك أحيانًا يتوقف لأكثر من مرة بهدف إنزال الطلاب من صدام السيارة، والمشكلة أن بعضهم ينزل، وإذا ما حاول المرور، يحاولون مرة  أخرى التعلق من جديد، ويضطر للتوقف لإنزالهم، ويتكرر الأمر لمرات، ويصل الأمر لسب وشتم بينه وبين الطلاب. 

خطورة مضاعفة

أما السائق صالح أحمد الذي يعمل سائقًا لباص بين منطقة شملان - عَصِر في العاصمة صنعاء، فيؤكد لـ"خيوط"، أن هذه الظاهرة صارت مزعجة في المدن، خصوصًا في السنوات الأخيرة، حيث يلحظ بشكل يومي بحكم طبيعة عمله، أن طلاب المدارس، سواء في الصباح الباكر أو حينما يغادروا مدارسهم وقت الظهر، يتجمعون بالقرب من الأرصفة، وحينما تمر سيارة هيلوكس أو قلاب، يهرع الكثير منهم، ويحاولون الركوب بمؤخرة السيارة، والمشكلة -والكلام لصالح أحمد- تحدث حينما ينزلون من السيارة يتم ذلك دونما تنبيه للسائق، والنزول بأمان، وإنما من خلال القفز، وهنا تحدث الكارثة، فالبعض يقفز بسلام، والبعض تحدث له إصابات.

ويشير إلى أن سائقي المركبات الأخرى الذين يسيرون خلف سيارة يتعلق بها أطفال، ينتابهم القلق من أن يقفز أحد الأطفال فجأة، ويرتطم بالسيارة التي تسير خلفه.

بدوره يؤكد السائق فيصل علي لـ"خيوط"، أن ما ضاعف هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة -وهذه الفترة بالذات- هو ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وانعدامها، وارتفاع أجور المواصلات، حيث تقل عدد الباصات العاملة، ويعجز الطالب عن دفع أجر صاحب الباص.

ويتفق الطالب الريفي (عاصم عبدالسلام) مع ما قاله (فيصل علي)، مشيرًا إلى أنه وزملائه يضطرون هذه الأيام للتعلق فوق السيارات؛ لأنه لا يوجد إلا عدد قليل من الباصات تعمل بسبب الأزمة الحاصلة في المشتقات النفطية، وارتفاع أسعار أجور التنقل، فقيمة التنقل بين قريته التي تقع في منطقة بني صريم بمحافظة عمران ومدرسته التي تقع في مدينة خَمِر تصل لنحو (1000) ريال ذهابًا وإيابًا، وهو مبلغ لا يستطيع الطالب -حسب تعبيره- دفعَه، خصوصًا في ظل الأوضاع الاقتصادية للأسر اليمنية.


إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English