بين لحج وتعز طرق لسلب الأموال والأرواح

مواطنون يمنيون يصرخون؛ من غريمنا؟!
رأفت الوافي
July 28, 2022

بين لحج وتعز طرق لسلب الأموال والأرواح

مواطنون يمنيون يصرخون؛ من غريمنا؟!
رأفت الوافي
July 28, 2022
Photo by: Nashwan Sadiq- © Khuyut

تشهدُ طريق هيجة العبد، المنفذ الجنوبي الوحيد لمدينة تعز الواقعة جنوب غرب اليمن، أعمالَ فوضى وحوادث تقطعات ونهب، وأخذ جبايات مضاعفة من التجار وسائقي الشاحنات، من قبل عصابات مسلحة، بعضها تتبع ألوية عسكرية محسوبة على القوات الحكومية المعترف بها دوليًّا.

إذ تعمل هذه العصابات المسلحة على أخذ جبايات ونهب من سائقي المركبات، والتقطع للمواطنين المارّة بقوة السلاح، على مرمى ومسمع من الجهات المعنية، إذ أدّت هذه التقطعات مؤخرًا إلى قتل بعض سائقي الشاحنات والمسافرين المارّة ونهب ممتلكاتهم.

في مطلع الشهر الجاري يوليو/ تموز، قُتل أحد سائقي الشاحنات برصاص مسلحين متقطعين، في طريق طور الباحة الواصلة بين محافظتي (عدن - تعز)، وهو الطفل أكرم محمد العزعزي البالغ من العمر (17 سنة)، أثناء قيادته للشاحنة برفقة والده، الذي تفاجأ بإطلاق الرصاص الحي من قبل المتقطعين مباشرة دون سابق إنذار. 

بوجه شاحب وصوت متحشرج، يروي محمد يوسف العزعزي، والد الطفل أكرم، حادثةَ مقتل ابنه، لـ"خيوط"، قائلًا: "في تمام الساعة الثانية صباحًا، كنتُ عائدًا برفقة ولدي أكرم من محافظة عدن على متن شاحنتي، وفي منطقة المعاوية في طور الباحة تفاجأتُ بإطلاق نار مباشر، أصابَت ولدي في الرأس دون أي سابق إنذار".

يتابع العزعزي: "تجمدتُ عن الحركة عندما شاهدتُ فلذة كبدي مضرّجًا بدمائه، إثر طلقة رصاص غادِرة تلقاها من قطاع الطرق وهوامير الجبايات، في طريق طور الباحة بمحافظة لحج (جنوب اليمن)".

ما يجري على هذا الطريق الواصل بين عدن–لحج (جنوب اليمن) وتعز، يفاقم من معاناة المواطنين والتجار الذين يتحملون أعباء كبيرة، أثناء مرورهم بها، بسبب الرسوم الضريبية غير الرسمية التي تفرض من قبل نقاط ممتدة على طول الطريق، نتيجة قيام جماعة أنصار الله (الحوثيين) بإطباق حصار خانق على مدينة تعز

عندما شاهد هذا الأب المكلوم ولده ملقى على مقعد القيادة، أصيب -بحسب حديثه- بالعجز ولم يستطِع السيطرة على الشاحنة التي كانت حينها قد خرجت عن الخط الأسفلتي وألقت بهم في منطقة زراعية.

خسر محمد العزعزي ابنه وشاحنته على يد لصوص الجبايات في طريق طور الباحة الصحراوي، الذي تحكمه ذئابٌ بشرية، يعيشون على دماء الأبرياء، ومقتنياتهم، في ظل تقاعس وإهمال واضح من قبل السلطات المحلية والأمنية في محافظة لحج، التي باتت وحشة للمسافرين.

يضيف محمد: "عندما انقلبت الشاحنة خرجت أصيح بصوت عالٍ وأنادي: "أسعفوا ابني، أسعفو ابني"، حينها توقفت إحدى الشاحنات، بعد الاستغاثة التي أطلقتها، لكن أكرم لم يصمد كثيرًا، كان قد فارق الحياة التي لم يرَها بعد، فهو ما زال طفلًا بأول عمره". لم يكن العزعزي يعلم أن سفره ذلك اليوم -الذي بات يومًا أسود بالنسبة له- سيكلفه هذه الخسارة الفادحة التي لا يستطيع أحد تعويضها، ولده ومعه مصدر زرقه الوحيد. 

طريق الموت

في هذا السياق، كان سائقو الشاحنات التجارية بتعز، قد نفّذوا إضرابًا استمرّ لأكثر من أسبوع، احتجاجًا على مقتل الطفل أكرم، وذلك بالقرب من منزل والد الطفل في منطقة العزاعز بمديرية الشمايتين (غربي المدينة)، حيث تسبب الإضراب بأزمة خانقة شهدتها تعز، نتيجة توقف نقل البضائع والمشتقات النفطية والغاز.

ما يجري على هذا الطريق الواصل بين عدن–لحج (جنوب اليمن) وتعز، يفاقم من معاناة المواطنين والتجار الذين يتحملون أعباء كبيرة، أثناء مرورهم بها، بسبب الرسوم الضريبية غير الرسمية التي تُفرض من قبل نقاط ممتدة على طول الطريق، نتيجة قيام جماعة أنصار الله (الحوثيين) بإطباق حصار خانق على مدينة تعز منذ أكثر من ست سنوات متواصلة.

تعد طريق هيجة العبد أحد أهم المنافذ الرئيسية لمدينة تعز عقب حصار جماعة أنصار الله (الحوثيين) وقطعها للطرق الرسمية، إذ يتم تزويد المدينة عبر هذه الطريق بالمواد الغذائية والدوائية، بالإضافة إلى المشتقات النفطية، منذُ مارس/ آذار 2015، لكنها تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى طريق محفوفة بالمخاطر نتيجة الأعمال العدائية التي يتعرض لها المسافرون والتجّار أثناء مرورهم فيها، والتي تسبّبت مؤخرًا بقتل أكرم.

الحادثة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إذ سبقها العديد من الحوادث المؤلمة، ففي ديسمبر/ أيلول 2021، تقطعت جماعة مسلحة تتبع قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، للمواطن عبدالملك السنباني، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، واقتادته إلى منطقة مجهولة، لم يخرج منها إلا جثة هامدة، حادثة أحرقت قلوب ملايين اليمنيين في شمال اليمن وجنوبه، صُنّفت بأنها عمل وحشي، تلتها عملية قتل ونهب الطبيب في منظمة أطباء بلا حدود الدولية، عاطف الحرازي، في شهر أكتوبر/ تشرين الأول من السنة نفسها.

 التورط بالنهب

تُفرض الجبايات على طول الطريق الممتدة من مدينة عدن مرورًا بلحج (جنوب اليمن)، وصولًا إلى مدينة تعز (جنوب غربي البلاد). سام الجمالي سائق شاحنة، يعايش هذه المعاناة والابتزاز باستمرار: "من بداية خروجنا من عدن، ندفع جبايات للعديد من النقاط التي تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي، تصل إلى نحو 100 ألف على كل بابور (شاحنة)"، وبعدها بمسافة ثلاثة كيلومترات نقطةٌ أخرى تقوم بفرض جباية تصل إلى 2000 ريال، وهكذا يتم دفع هذا المبلغ لكل نقطة تتوزع على الطريق، لا يفصل بين كل نقطة عسكرية وأخرى أكثر من 2 كم.

بعد تلك المسافة تتزايد التقطعات، خصوصًا في منطقة طور الباحة، كما يؤكد هذا السائق لـ"خيوط"، واصفًا ما يجري بالقول: "نحاول اجتياز الخط رغم أنه مليء بالمتقطعين والحُفر والمطَبّات بأسرع ما يمكن، بعدها نمر بما يسمى الجبولي (محور طور الباحة العسكري)، هناك يتم دفع أول سند مقداره لا يقل عن 30 ألف ريال، بعد قيام أفراد هذه النقطة بإجبار الشاحنات على التوقف في مكان مخصص للتفتيش".

بعدها يتم العبور إلى سائلة الوادي التابعة لهيجة العبد ما بين تعز (جنوب غرب) ولحج (جنوبًا)، وفق ما يسرد هذا السائق معاناتهم، فهناك يواجهون تقطعات قبلية يطلبون منهم دفع ما يقارب 15 ألف ريال، بالرغم من كونه قد قام سابقًا بدفع نحو 30 ألف ريال، والحصول على سند رسمي بذلك في نقطة الجبولي، وفوق المبلغ الذي يتم دفعه -بحسب ما يروي الجمالي- يتعرضون للسباب والشتائم والإهانات، وتصل الأمور في بعض الأحيان إلى إطلاق النار باتجاههم.

بعد منطقة "معبق" التابعة لمديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج، على بُعد 2 كم من نقطة الجبولي، هناك نقطة عسكرية أخرى تقوم بتحصيل حوالي 30 ألف ريال من كل سائق شاحنة.

سائقو شاحنات محملة بالبضائع التجارية يؤكدون أنّ هناك نقاطًا وتقطعات تنتشر في مدخل مدينة تعز، تبدأ من نهاية منطقة "هيجة العبد"، حيث توجد أولى النقاط التابعة لسلطة القوات العسكرية "المحور" في محافظة تعز في رأس "هيجة العبد"، مرورًا بمنطقة "المظينة"، حيث تحصّل منهم جبايات تحت مسميات متعددة

بعد الوصول إلى سوق الربوع في هذه المنطقة، تواجههم -بحسب حديث الجمالي- أول نقطة تابعة للقائد العسكري سالم الصليحي، هناك يتم تفتيش وفحص مقدار حمولة الشاحنة ونوع البضاعة، ودفع نحو 10 آلاف ريال، وإلا تعرضوا للإهانات والإذلال، قد تصل لحد الضرب في حال اعترض أحد السائقين. بعد "سوق الربوع" تواجههم نقطة يطلق عليها "عيسى العجوز"، والتي تجبرهم على دفع مبلغ مماثل للنقاط السابقة (30 ألف ريال).

في هذا الصدد، ينفي الناطق باسم محور تعز العسكري التابع للحكومة المعترف بها دوليًّا، عبدالباسط البحر، في تصريح لـ"خيوط"، أي علاقة لـ"محور تعز العسكري" بهذه النقاط العسكرية، كون هذه المناطق التي تتواجد فيها لا تقع ضمن إطاره ونطاقه العسكري.

ويؤكد البحر أنّ هذه المناطق التي يشكو منها المواطنون المسافرون وسائقو الشاحنات التجارية تقع تحت سيطرة اللواء الثاني حزم، والذي يتبع المجلس الانتقالي الجنوبي، وبالتالي لا يستطيع محور تعز إرسال حملة أمنية كونها مناطق لا تتبعه، وكل ما يستطيع القيام به هو إرسال المذكرات، وتشكيل لجنة للمتابعة والتحقيق في الاعتداءات المتكررة التي يتعرض لها المسافرون وسائقو الشاحنات على امتداد هذا الطريق الواصل بين تعز ولحج وعدن. 

لكن سائقو شاحنات محملة بالبضائع التجارية يؤكدون لـ"خيوط"، أنّ هناك نقاطًا وتقطعات تنتشر في مدخل مدينة تعز، تبدأ من نهاية منطقة "هيجة العبد"، إذ توجد أولى النقاط التابعة لسلطة القوات العسكرية "المحور" في محافظة تعز في رأس "هيجة العبد"، مرورًا بمنطقة "المظينة"، حيث تحصّل منهم جبايات تحت مسميات متعددة، منها "تحسين المدينة"، على كل قطعة من البضاعة المحملة على الشاحنات والتي يحددها القانون بنحو 10 ريالات فقط، لكن ما يتم تحصيله يصل إلى 50 ريالًا، فضلًا عن عدم وجود أي تحسينات. 

في حين يشير البحر إلى أنّ السندات التي يتم قطعها في المناطق والنقاط التي تقع تحت نطاق "محور تعز" العسكري الذي يتبع الحكومة المعترف بها دوليًّا، هي سندات رسمية حسب النظام والقانون، والنقاط التي تقوم بعملية التحصيل هي نقاط قانونية رسمية، مثل الصناعة والتجارة وصندوق النظافة والتحسين.

إقـــرأ المــزيــــد

شكراً لإشتراكك في القائمة البريدية.
نعتذر، حدث خطأ ما! نرجوا المحاولة لاحقاً
English
English